مُخرجات التعليم بين تدني المستوى وتناقص خيارات فرص العمل

نشر في 13-08-2014 | 00:05
آخر تحديث 13-08-2014 | 00:05
تردي المناهج والفساد الإداري وإهمال الرسالة التعليمية أبرز المسببات
أكد عدد من المتخصصين في المجال التعليمي في الكويت أن مستوى التعليم أقل بكثير مما كان عليه في السابق، وهذا أدى إلى انحدار وضعف المخرجات التعليمية في البلاد وانعكاس ذلك على خيارات فرص العمل التي باتت أقل من الماضي، مشيرين إلى وجود عدة عوامل أثرت سلباً في تلك المخرجات، أبرزها عدم وجود رؤية واضحة من وزارة التربية للهدف المراد من التعليم، وضعف كل من المستوى الإداري والتعليمي بالوزارة، إضافة إلى تردي المناهج والكتب الدراسية وسوء المباني وإهمال صيانتها، والاعتماد على أسلوب التلقين، فضلاً عن وجود الفساد الإداري في المؤسسات التعليمية كالواسطة، وعدد الحصص الدراسية، والأعمال الإدارية والترقيات، الأمر الذي أثر سلباً في مستوى التحصيل العلمي للطالب.

يشير المتخصصون في الشأن التربوي والتعليمي إلى وجود عدة عوامل من شأنها الرقي بمستوى المخرجات التعليمية، أهمها أن يكون مستوى المعلمين ذا كفاءة عالية للنهوض بمستوى التعليم، وان يتم إخضاع المستجدين منهم لدورات تأهيل ميدانية في مدارس لا تقل مدتها عن عام دراسي يتأهل من خلالها المعلم، ويكون قد وصل إلى مستوى راق يمكنه من إخراج جيل واع، إلى جانب أن تعمل الحكومة على إيجاد المكانة الاجتماعية للمدرسين، ووضع الحوافز التي تستقطب أصحاب هذه الشهادات إلى تدريس المرحلة الابتدائية.

بدورها، قالت الأستاذة السابقة لفلسفة الأخلاق في قسم الفلسفة بكلية الآداب بجامعة الكويت د. عالية شعيب، إن "النظام التعليمي في تدهور وتدن على أكثر من مستوى، لاسيما بتدني الإدارة التعليمية، وسوء مستوى الطلبة والمادة التعليمية، وتردي المناهج والكتب الدراسية، إضافة إلى سوء مباني الجامعة وعدم استيعابها للطلبة والمستجدين، وعدم كفاءة المدارس وسوء صيانتها".

وبينت شعيب أن سوء الإدارة مرتبط فعلياً بندرة الكفاءات المتخصصة التي تعتمد اختيار الإنسان المنفتح الواعي المثقف المطلع، وليس بالضرورة الأكاديمي، بل المحب والمخلص للعلم والبحث والمتفاني في عمله.

وأضافت أن كل مسؤول يأتي يفتقد الرؤية المتجددة، فلا نرى منهجاً جديداً أو خطة تربوية أو نفضة للنظام التعليمي، بل نجد استكمالا لما هو موجود بمزيد من الخيبات، متسائلة أين الجهاز الإداري المتمثل في الموظفين الأكفاء للقيام بالبحوث والدراسات العلمية القيمة لمخرجات ومستجدات وسلبيات ونواقص التعليم من مدارس وكتب وعطاء وإبداع؟... لا شيء على الإطلاق.

تدني التعليم والتدريس

وأردفت "أما تدني مستوى الطلبة في ما يخص التحصيل العلمي ومستوى اللغة نطقاً وكتابة، والبحوث والابتكار، فيعود إلى تدني مستوى التعليم والتدريس والاعتماد على أسلوب التلقين لا البحث والإبداع، فلايزال الطلبة يعتمدون على النت في البحوث، والنقل والتقليد بدلاً من التفكير والنقد والنقاش والجدال الموضوعي المفيد، والأخطر يتخرج الطالب بشهادة كذا ليتوظف في تخصص مغاير تماماً، وهو ما يؤدي إلى جمود التنمية وتدني العطاء والإبداع الوظيفي".

وأشارت إلى أن "المناهج القديمة في الجامعة من أهم أسباب تدني المستوى التعليمي للطلبة، حيث إن المناهج عفى عليها الزمن وعاجزة عن مواكبة تطورات العصر، وقد نادينا كثيراً بأهمية تطويرها بمقررات وموضوعات مهمة تعكس تحديات العصر ومشاكل المجتمعات المعاصرة، أما مناهج المدارس فمعقدة وجامدة ومكتوبة بلغة قديمة مركبة تعمل على تعقيد المعلومة بدلا من تبسيطها للطلبة".

عجز إدارة

أما بالنسبة للمباني فأضافت د. عالية "لقد تابعنا سوء صيانة بعض المدارس منذ فترة وعدم متابعة الإدارة لأحد أهم أسس الصيانة وهو التكييف، فوجدنا عجز الوزارة عن حلها رغم بساطتها، ولايزال الطلبة بانتظار الانتهاء من جامعة الشدادية التي تصاب بكارثة تلو الأخرى ومنها إلى الأسوأ".

وطالبت شعيب بوزير صالح للتربية، "يكون قادراً ذكياً مغامراً واعياً محباً للعلم ومخلصاً لعمله، ليقوم بنفضة للنظام التعليمي كله، فيشكل لجاناً من نخبة النخبة، ويأتي بعقول منفتحة وباحثين مبتكرين، يثرون العملية التعليمية بالأفكار اللازمة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من التربية".

أسس إصلاح التعليم

من جانبه، أكد رافع الشلاش، وهو مدرس تربية إسلامية متقاعد، أن مستوى التعليم في الكويت أقل بكثير مما كان عليه في السابق، مما أدى إلى تدني مستوى مخرجاته، مشيراً إلى ثلاثة أسس يجب الأخذ بها إن كان هناك رغبة في إصلاح التعليم في البلاد تتلخص في الهدف واحترام المدرس، وعدم وجود الواسطة من الناحية الإدارية في اختيار الكفاءات بوزارة التربية، لقيادة العملية التربوية، وإن كان هناك أي مسببات أخرى تدرج تحت هذه الأسس فتعتبر نقاطا فرعية يمكن السيطرة والقضاء عليها، فإذا تم إصلاح الأساسيات أصلح التعليم.

أضلع التعليم

وقال الشلاش إنه "من المتعارف عليه أن أي عمل يقوم على ثلاثة أضلع، فبالنسبة إلى التعليم تتكون اضلاعه من المدرس والإدارة والطالب، ففي البلاد بعد عام 1990 تراجع إلى أدنى المستويات، نظرا لوجود فساد بوزارة التربية من ناحية الواسطة والعمل والترقيات وما شابه، ما انعكس سلباً على الضلع (المدرس) الذي يوصل العلم إلى الطالب، حيث يواجه عدداً من الصعوبات كالتعسف الإداري، والدروس الخصوصية، والواسطة من ناحية عدد الحصص الدراسية، والأعمال الإدارية والترقيات".

متطلبات تعليمية

وأضاف الشلاش أن الترقيات الإدارية دائما ما تكون لمدرسي التربية الفنية والبدنية والموسيقية، ولا تكون لمدرسي المواد الأساسية الذين يلتمسون مدى حاجة الطلبة للمتطلبات المدرسية التي يجب توافرها، حتى يتم التخطيط لها، لاسيما أن عدم النظر في تلك المتطلبات اثر سلباً في مستوى التحصيل العلمي للطالب، أضف الى ذلك فإننا نجد أن عملية وضع المناهج تكون مشابهة للنمط الغربي والتي يتم وضعها من قبل المختصين وأصحاب الشهادات العليا الحاصلين عليها من الدول الغربية، لذلك لا نجدها تتناسب وثقافة الطالب الكويتي أو الخليجي أو العربي، نظراً لاختلاف الديانة والثقافة والعلاقات والحالة الاجتماعية والنمط الأسري والمحيط العائلي مع ما هو موجود في تلك المناهج المراد تعليمها لطلبتنا.

افتقاد الهدف

وأردف "مع كل الأسف نجد أن من يكلف بحمل حقيبة وزارة التربية ليست لديه رؤية واضحة من الهدف المراد من التعليم، فهل يراد التعليم الترفيهي أو تعليم إشغال الطالب أو تعليم الرقي في مستوى التعليم في البلد للرقي بمستوى الدولة؟ نحن نرى أن الوزارة لم تضع الهدف المنشود الوصول إليه، متسائلا إذا كان الوزارة تريد إخراج شعب راق متعلم، فما المخرجات التي ستعمل على إخراج ذلك؟ مشدداً على ضرورة إيجاد تخطيط لمخرجات التعليم وفقاً لخطة عمل تكون على الأقل متوسطة المدى ان لم تكن بعيدة، ينظر من خلالها إلى احتياجات البلد المستقبلية".

حشو المعلومات وافتقاد الكفاءة

وقال الشلاش "نحن في الكويت نرى أن كل من تولى حقيبة وزارة التربية يعمل على نسف ما قبله من قرارات سابقة، مما ينجم عنه حتماً النتيجة السلبية للطالب"، مضيفا "إذا نظرنا الى مناهج مراحنا الدراسية فإننا نجدها محشوة بالمعلومات التي لا تعمل على تثقيف الطالب ذهنيا وفكريا، فضلا عن أن المتخصصين في وزارة التربية، مع جل الاحترام والتقدير لهم، لا نجدهم بتلك الكفاءات التي تستطيع النهوض بالتعليم".

تسخير المتخصصين

وذكر أنه في الصين واليابان تتم الترقية في مجال التعليم بتدريس المرحلة الابتدائية، لكون طلبة هذه المرحلة أشبه بالطين الصناعي يمكن أن يتم تشكيله حسب كفاءة وقدرة المدرسين، إلا ان لدينا في الكويت كلية التربية الأساسية وجامعة الكويت تعملان على تخريج المدرسين، رغم أنهم حاصلون على نسب دراسية قليلة في الثانوية ليلتحقوا بجامعة الكويت حتى يصبحوا معلمين، لذا نجد أغلبهم لم يكونون قادمين إلى كادر التعليم رغبة منهم أو حباً في التعليم انما يتخذونها وظيفة يتقاضون عليها رواتب، متمنياً من وزارة التربية أن يتم التركيز على المرحلة الابتدائية من حيث تعيين أصحاب الكفاءات والشهادات العليا وتسخيرهم لهذه المرحلة، وذلك من خلال إيجاد الحكومة المكانة الاجتماعية للمعلم، ووضع الحوافز التي تستقطب أصحاب هذه الشهادات إلى هذه المرحلة كما هو معمول في الدول الغربية، بخلاف ما هو حاصل لدينا بأن النظرة العامة للمدرس أقل مما يجب أن تكون عليه، فالمدرس هو من خرّج الوزراء والدكاترة والمهندسين والمحامين والضباط وغيرهم من التخصصات وأصحاب الشهادات، ومع الأسف نجد أن المدرس هو الأقل اجتماعيا من أي وظيفة أخرى.

اختيار معلمي «الابتدائي»

ومن ناحيته، قال الأستاذ جاسم الشمري إن هناك أسبابا عدة أدت الى أن يكون مستوى التعليم في البلاد هابطا وليس بالشكل المطلوب، ومنها اختلاف نمط الحياة اليومية للطالب في الوقت الحالي عما كان عليه في السابق، وعدم اهتمام الأهل بالطالب، ولاسيما انشغال الأبوين في العمل، مشيرا الى الطالب يرى المعلمين مثله الأعلى من خلال المعلومة التي يتلقاها منهم، حتى إن كانت خاطئة، ما يحتم ضرورة التشديد في اختيار معلمي المرحلة الابتدائية.

وأضاف أن مدرسي اللغة العربية ليسوا بالمستوى المطلوب، ما أوجد مشكلة عدم معرفة الطلبة للقراءة باللغة العربية السليمة، وهي التي تعد مفتاح قراءة جميع المواد، مشددا على ضرورة التركيز على هذه المادة في تعليم طلبة المرحلة الابتدائية.

دروس يومية

وذكر جاسم أن من أسباب تدني مستوى التعليم إجهاد المعلم بكثرة الحصص التي تخصص له، والتي تصل الى 20 حصة في الأسبوع، فمن هنا نجد المعلم لا يتفرغ لإيصال المعلومة الصحيحة لتلاميذه، وخاصة أن تلميذ المرحلة الأولى الابتدائية يحتاج الى أن يفتح له المدرس الكتاب و"يعلّم" له عليه في الدروس اليومية، ويعلمه كيفية إمساك القلم، وذلك يتطلب جهدا كبيرا من المدرس، فما بالك إن كان لديه ما لا يقل عن 18 حصة في الأسبوع، أي ما يعادل من 4 الى خمس حصص في اليوم؟، مشيرا الى أن أسباب نجاح التعليم في اليابان تكمن في إعطاء المدرس مكانة الأمير وراتب الوزير وحصانة السفير، فلهذا السبب نجح التعليم في اليابان.

إهدار واستنزاف الصرف

واستغرب نية اللقاء بعض المواد الدراسية للمرحلة الابتدائية مثل مادتي العلوم والحاسب الآلي، وخاصة أن الدولة صرفت ميزانيات كبيرة لمثل هذه البرامج الدراسية والمباني، فضلا عن أن الدراسة في بعض الدول الأوروبية للطلاب تكون على أجهزة الحاسب الآلي، ويتم تلقي التعليم من خلال هذه الأجهزة، مستغربا الآلية التي وضعت للدراسة (ونحن لا نعرف من هو الذي يخطط)!!

ولفت إلى وجود عمليات إهدار للمال يتم من قبل وزارة التربية، من خلال وضع بعض المناهج التي تؤلف والاجتماعات التي تعقد، وهي ما يكبد الدولة مبالغ مالية، لأن وزارة التربية هي أساس البلد، مستدلا بأن اليابان لا توجد بها موارد كافية، ولكن نهض بها أبناؤها من خلال العلم والتنمية البشرية، وهذا هو السبب في صعودها وغيرها من الدول، ونحن لدينا جميع الإمكانات المتوافرة ونحتاج الى الرجال المخلصين لتبوؤ المناصب القيادية بالوزارة.

تخطي العقبات

وأضاف جاسم: يمكن أن يتم تخطي عقبات انحدار مستوى مخرجات التعليم في عدة عوامل، من أهمها الإخلاص في العمل ومخافة الله، وأن يتم وضع المختصين في مراحل التعليم الابتدائي، إضافة الى أن يتم تخفيض نصاب الحصص التي يكلف بها المدرس، أي يكون لديه 10 حصص بدلا من 20، مع متابعته في حال انخفاض مستوى الطلبة، علاوة على أن تكون هناك متابعة من الأسرة لمستوى أبنائها.

تأهيل المعلمين وإعادة صلاحيات محاسبة المقصرين مدخلان للمعالجة

رأى د. يونس حبيب (رئيس قسم ومشرف فني سابق) أن لكل داء دواء، وأن مشكلة تدني مستوى التعليم في البلاد تكمن في عدد من المسببات التي يجب أن يتم اتخاذ إجراءات جادة اتجاهها، ووضع حلول جذرية لها تنفذ على أرض الواقع، ولعل من أهم تلك المسببات بعض القرارات التي اتخذتها الوزارة لمصلحة الطالب ضد المعلم والتعليم، ومنها ما يتعلق بالتشديد على الطلبة ومعاقبة المقصرين منهم، سواء بإيقاع العقاب المدني أو النفسي وغيرهما من العقوبات على الطالب، لافتا الى أنه في السابق كانت لدى المدرس بعض الصلاحيات التي يتخذها ضد الطلبة المقصرين من أجل وضعهم على الطريق الصحيح وتعليمهم وتأسيسهم بشكل إيجابي.

التأهيل الأكاديمي للمعلمين

وأكد ضرورة تأهيل المعلم بشكل أكاديمي مختص يعمل على تطبيق الآلية التي تركز على الطالب في المراحل الدراسية الأولى، ما يضمن تأسيسه بشكل سليم، ومن شأن هذا الأمر تسهيل عملية التدريس على المدرسين في المراحل المستقبلية، فضلا عن أن من أساسيات التعليم السليم تفعيل الدور الرقابي على المعلمين، ولاسيما أن المعلم في السابق كان ممتهنا مهنة التدريس، في حين نجد أن هذه المهمة عند البعض ليست إلا وظيفة حكومية يتقاضى من خلالها راتبا شهريا، ويحصل على امتيازات شهرية مثل الكادر، إضافة الى الإجازات السنوية كإجازتي الربيع والصيف.

الدورات الميدانية

وأردف أنه من الضروري الاهتمام بالتعليم، لأنه لا يقل أهمية عن الدفاع عن الوطن، حيث إن التعليم يخدم البلد وتكون مخرجاته الركائز المستقبلية للدولة، مشيرا الى أنه من أجل تعليم يسير في المسار الصحيح يجب أن يكون مستوى المعلمين بكفاءة عالية ومتخصصين من أجل النهوض بمستوى التعليم، وأن يتم إخضاع المدرسين المستجدين لدورات تأهيل ميدانية في مدارس لا تقل مدتها عن عام دراسي، كدورة ميدانية يتأهل من خلالها المعلم، ويكون قد وصل الى مستوى راق يمكنه من إخراج جيل واع، فضلا عن وجود رقابة شاملة على المعلمين تتمثل في رقابة مدير المدرسة والموجه والمدرس الأول ورئيس القسم، حتى تتم متابعة المعلم وفقا للخطة الدراسية الموضوعة من قبل الوزارة، والتأكد من صحة سيره على المنهج المطلوب منه، وفقا لآلية عمل دقيقة، وتعمل على تأسيس الطلبة بشكل سليم.

back to top