فجر يوم جديد: {في قفص الاتهام}

نشر في 01-08-2014
آخر تحديث 01-08-2014 | 00:01
 مجدي الطيب قبل طرح أفلام موسم عيد الفطر المبارك في صالات العرض السينمائية تعالت صيحات تتهم أربعة أفلام منها بالسطو على أفكار سبق للسينما الأميركية تحديداً، أن تناولتها، وهو أمر وارد فعلاً. لكن إصدار الأحكام النقدية القاطعة على {الأفلام المتهمة} قبل أن تأخذ طريقها إلى الجمهور يحمل قدراً كبيراً من التجني، وغياب الموضوعية، إذ لا يستطيع قاض نزيه أن يُصدر حكماً في قضية ينظرها من دون أن يطلع على أوراقها، ويضع يديه على الأدلة التي تعينه على إدانة أو تبرئة المتهم تبعاً للقاعدة القانونية الذهبية {المتهم بريء حتى تثبت إدانته}!

في قضيتنا هذه لا توجد أوراق، ولا وجود لأدلة نفي أو إثبات، فالأفلام كانت لم تُعرض بعد حين إطلاق الصيحات، لكن الاتهامات اعتمدت على ما تم تسريبه في الصحف حول {حدوتة الفيلم}، وهو دليلٌ مُتهافت لا يُعتد به أحياناً، لكن البعض يصدقه؛ إذ من غير المعقول أن تدور أحداث فيلم {الحرب العالمية الثالثة}، من إخراج أحمد الجندي وبطولة الثلاثي أحمد فهمي وشيكو وهشام ماجد، والفيلم الأميركي Night at the Museum {ليلة في المتحف} (إنتاج 2006)، من إخراج شون ليفي وبطولة بن ستيلر، في متحف الشمع، ويستدعي التاريخ، ثم يُقال إنه {توارد خواطر}! ومن غير المقبول أن يصل التطابق بين فيلم {جوازة ميري}، من إخراج وائل إحسان وبطولة ياسمين عبد العزيز، وبين الفيلم الأميركيThis Means War {إنها الحرب إذن} ((2012، من إخراج ماك جي وبطولة ريز ويزرسبوون، لدرجة أن الصراع يدور في الفيلمين حول ضابطين يتنازعان حب فتاة ناضجة من دون أن يفكر المرء في هذا التطابق العجيب. والأمر نفسه مع فيلم {صنع في مصر}، من إخراج عمرو سلامة وبطولة أحمد حلمي، الذي قيل إنه مأخوذ عن الفيلم الأميركي Ted {تيد} (2012)، من إخراج سيث ماكفارلن وبطولة مارك والبيرج، حيث يتمحور الفيلمان حول طفل يتمنى أن تدب الحياة في دميته، وهو ما يحدث فعلاً! بينما يلاحق الاتهام فيلم {الفيل الأزرق}، من إخراج مروان حامد وبطولة كريم عبد العزيز، رغم أنه مأخوذ عن قصة أدبية للكاتب أحمد مراد، بأنه استلهم أحداثه من فيلم الغموض الأميركي (The Tattooist 2007)، من إخراج بيتر بورجر وبطولة جاسون بير!

العجيب أن الملصقات الدعائية لثلاثة أفلام من الأربعة مارست نوعاً من التضليل عندما تعمدت التعتيم على المصدر الذي اقتبست منه الفكرة، مثلما حدث في ملصق {صنع في مصر}، الذي أشار إلى أن الفيلم من تأليف مصطفى حلمي، وتكرر الزعم في ملصق {جوازة ميري}، الذي زعم أن الفيلم من تأليف خالد جلال، ووصل الهزل إلى ذروته في ملصق {الحرب العالمية الثالثة}، الذي قال إن القصة للثلاثي أحمد فهمي وشيكو وهشام ماجد. كذلك أقرّ أن الفيلم من تأليف مصطفى صقر ومحمد عز في خلط يكشف جهلاً بالفارق بين القصة والتأليف، ويُبرر الاتهام بالاقتباس، الذي لا يمكن القول إنه جديد على السينما المصرية، بل هو ظاهرة قديمة، ولكن لم يحدث أن خلا فيلم مصري وقتها من الإشارة إلى مصدر الاقتباس، ولم يجرؤ كاتب سيناريو في تلك الحقبة إلى الإدعاء بأنه {مؤلف} مصنف هو أول من يعلم أنه لا يخصه، وإلا كانت فضيحته على كل لسان!

الاتهامات المُعلقة لا يمكن التثبت منها إلا بمشاهدة الأفلام الأربعة، والمقارنة بينها وبين الأفلام الأميركية التي قيل إنها مصدر الاقتباس أو السطو. لكن الظاهرة مُخيفة وتُنذر بالخطر، فمن بين خمسة أو ستة أفلام تم اختيارها للعرض في موسم عيد الفطر تطارد اتهامات السطو والاقتباس أربعة منها، وهو عدد كبير للغاية إذا نظرنا إلى ما يجري على أرض الواقع اليومي العربي من مشاكل وهموم ومعاناة قادرة على تحفيز ملكة الإبداع لدى أي كاتب، ودفعه إلى التقاط تفاصيل الحياة اليومية،  وشظاياها، ونسجها في عمل إبداعي يمس المتلقي العربي بدلاً من التعلق بأهداب واقع نجهله، وتفاصيل لا تمت لنا بصلة!

لجأت السينما المصرية إلى الاقتباس وقت أن كانت الساحة الثقافية تعاني فقراً في النصوص الأدبية، ووجد السينمائيون ضالتهم في الروايات والمسرحيات الفرنسية والإنكليزية، لكن ظهور كتاب أمثال: نجيب محفوظ، طه حسين، إحسان عبد القدوس، يوسف السباعي ويوسف إدريس ثم جيل الستينيات لم يُغير الأمر إلا قليلاً، حيث استمرأ كتاب السينما المصرية، نتيجة الإفلاس والاستسهال وفقر الخيال، النقل عن أفكار الآخرين، وفشلوا في الخروج من عباءة الاقتباس، وإذا كانت المعالجة هي الفيصل في تقييم الفيلم إلا أن السطو يظل جريمة لا تسقط بالتقادم!

back to top