جدعون ليفي... أكثر إسرائيلي مكروه (1-2)

نشر في 27-07-2014 | 00:02
آخر تحديث 27-07-2014 | 00:02
No Image Caption
جدعون ليفي أكثر رجل مكروه في إسرائيل، أو قد يكون الأكثر بطولية. {الفتى الصالح من تل أبيب}، كما يسميه البعض، ابن متزن وجدي للدولة اليهودية، وقد تعرض لإطلاق النار في مناسبات متكررة من قوات الدفاع الإسرائيلية وواجه تهديدات بالضرب المبرح في شوارع البلد، وطالب وزراء الحكومة بفرض مراقبة مشددة عليه باعتباره {خطراً أمنياً}. ذلك كله لأنه قام بتحرك بسيط جداً، وهو أمر لم يفعله أي إسرائيلي آخر. منذ ثلاثة عقود، يحرص على السفر إلى الأراضي المحتلة كل أسبوع تقريباً ويصف ما يشاهده هناك بكل بساطة ومن دون حملات دعائية. يقول: {مهمتي المتواضعة أن أتجنب الوضع الذي يمكّن بعض الإسرائيليين من قول: لم نكن نعلم!}. لذا يريد كثيرون إسكاته.
تعكس قصة جدعون ليفي (ومحاولة السخرية من كلامه أو قمعه أو إنكاره) جوهر إسرائيل الحقيقي. إذا خسر، فستضيع إسرائيل نفسها. جوهان هاري من {ذي إندبندنت} قابله وجاء بالتالي.
قابلتُه في حانة أحد الفنادق في اسكتلندا كجزء من جولته الأوروبية لتسويق كتابه الجديد {عقوبة غزة} (The Punishment of Gaza). الرجل الذي يبلغ 57 عاماً يشبه أي مفكر من أوروبا الشرقية في يوم عطلته، فهو طويل وعريض ويرتدي ملابس سوداء ويتحدث اللغة الإنكليزية مع لكنة خفيفة وبصوت جهير. يبدو مرتاحاً في عالم الكتب مع قهوته السوداء لدرجة أننا قد نجد صعوبة في البداية في تصور سبب ذهابه إلى غزة للمرة الأخيرة في نوفمبر 2006، قبل أن تغير الحكومة الإسرائيلية القانون لمنعه من الذهاب.

غطى في ذلك اليوم جريمة قتل، وهي واحدة من مئات الجرائم التي وثّقها على مر السنين. فيما كان 20 طفلاً يركبون حافلة المدرسة في روضة {أنديرا غاندي}، لوحّت لهم معلمتهم نجوى خليف التي تبلغ 20 سنةً ثم أصابتها قذيفة إسرائيلية فتمزقت إلى أشلاء أمامهم. وصل في اليوم التالي ليجد الأولاد المرعوبين وهم يرسمون أشلاء جثتها: {صُدم الأولاد عند رؤية يهودي من دون سلاح. لا يشاهدون في العادة إلا الجنود والمستوطنين}.

يقول: {أناضل كي أعيد الصفة الإنسانية إلى الفلسطينيين. تسود آلية شاملة لغسل الدماغ في إسرائيل وهي تطبع كل واحد منا منذ الطفولة المبكرة، وأنا نتاج تلك الآلية بقدر أي شخص آخر. نتعلم بضعة خطابات يصعب خرقها. نُعتبر نحن الإسرائيليين الضحايا الوحيدين والأساسيين فيما يولد الفلسطينيون كي يقتلوا وينتابهم كره غير منطقي ولا يُعتبَرون كائنات بشرية مثلنا... هكذا نصبح أمام مجتمع مجرّد من أي شكوك أخلاقية أو علامات استفهام أو نقاش عام. يصعب أن نرفع الصوت ضد هذه الأفكار كلها}.

يصف ليفي حياة الفلسطينيين العاديين من أمثال نجوى وطلابها على صفحات صحيفة {هآرتس} الإسرائيلية. تشبه تلك الحكايات قصص أنطون تشيخوف القصيرة عن أشخاص محاصرين، فلا يحدث شيء معهم ولكن يصيبهم كل شيء في الوقت نفسه، والمهرب الوحيد هو الموت. حملت إحدى المقالات عنوان «الوجبة الأخيرة لعائلة وهبة». فكتب: «كانوا يجلسون كلهم لتناول الغداء في المنزل: الأم فاطمة الحامل بشهرها الثالث، وابنتها فرح (سنتان)، وابنها خالد (سنة)، وشقيق فاطمة الدكتور زكريا أحمد، وزوجة ابنه شيماء الحامل بشهرها التاسع، والجدة التي تبلغ 78 سنة. اجتمعت عائلة وهبة في خان يونس على شرف الدكتور أحمد الذي وصل إلى المنزل قبل ستة أيام من المملكة العربية السعودية. ثم سُمع دوي انفجار كبير في الخارج. فسارعت فاطمة إلى حمل الطفل الأصغر وحاولت الهرب إلى الغرفة الداخلية، لكن وقع انفجار آخر فوراً. كانت الضربة مباشرة هذه المرة».

استناداً إلى تفاصيل صغيرة من سيرة تلك العائلة، هو يعيد إحياء إنسانيتهم بعدما أصبحوا مجرد رقم على لائحة القتلى المتزايدة. حاول الزوجان وهبة إنجاب طفل طوال سنوات قبل أن تحمل الزوجة أخيراً في عمر السادسة والثلاثين. حاولت الجدة حمل الصغير خالد عن الأرض لكنها أدركت في تلك اللحظة أن ابنها وابنتها ماتا.

يستعمل ليفي تقنية بسيطة. يسأل مواطنيه الإسرائيليين: كيف كنا لنشعر لو أصابنا الأمر نفسه بسبب قوة عسكرية متفوقة؟ في إحدى المرات، علقت سيارته في مدينة جنين وراء سيارة إسعاف على حاجز تفتيش لمدة ساعة. فشاهد امرأة مريضة داخل السيارة وسأل السائق عما يحصل، فأخبره بأن سيارات الإسعاف تنتظر لهذه الفترة الطويلة دوماً. فثار غضباً وسأل الجنود الإسرائيليين كيف كانوا ليشعروا لو كانت والدتهم موجودة في سيارة الإسعاف، فشعروا بالارتباك في البداية ثم غضبوا ووجهوا أسلحتهم نحوه وأمروه بالسكوت.

يضيف ليفي: {أندهش مراراً وتكراراً حين ألحظ أن الإسرائيليين لا يعلمون الكثير عما يحدث على بُعد 15 دقيقة من منازلهم. تبدو آلية غسل الدماغ فاعلة لدرجة أن محاولة تعطيلها تشبه محاولة تحويل العجة إلى بيضة مجدداً. فهي تجعل الناس جاهلين ومتوحشين}. يعطي مثالاً على ذلك. خلال عملية {الرصاص المصبوب}، أي القصف الإسرائيلي على غزة المحاصرة بين عامي 2008 و2009، {قُتل كلب، كلب إسرائيلي، بسبب صاروخ {قسام}، فظهر على الصفحة الأولى في أشهر صحيفة في إسرائيل. في ذلك اليوم نفسه، قُتل عشرات الفلسطينيين لكنهم ذُكروا في سطرين في الصفحة السادسة عشرة}.

في بعض الأحيان، لا يبدو له الاحتلال مأساوياً بقدر ما هو سخيف. في عام 2009، وافق أشهر مهرج في إسبانيا، إيفان برادو، على حضور مهرجان المهرجين في رام الله، في الضفة الغربية. فاعتُقل في المطار في إسرائيل ثم تمَّ ترحيله {لأسباب أمنية}. سأل ليفي: {هل كان المهرج يفكر بنقل أكبر مخزون ضحك من إسبانيا إلى عناصر عدائية؟ أو قنابل مضحكة إلى المجاهدين؟ أو نكتة مدمّرة إلى {حماس}؟}.

كادت السخافة تقتله. في صيف عام 2003، كان يتنقل في سيارة أجرة إسرائيلية في الضفة الغربية. فشرح قائلاً: {في مرحلة معينة، أوقفنا الجيش وسألنا عما نفعله هناك، فقدمنا له أوراقنا التي كانت قانونية. أرسلونا في اتجاه آخر وحين وصلنا إلى تلك الطريق، أطلقوا النار علينا. فوجهوا نيرانهم على وسط النافذة الأمامية. نحو الرأس مباشرةً. لم يحصل أي إطلاق نار في الهواء ولم يطلب منهم أحد التوقف عبر مكبّر للصوت. لا إطلاق نار على العجلات بل الهدف هو القتل فوراً. لو لم تكن السيارة واقية من الرصاص، ما كنت لأبقى حياً اليوم. لا أظن أنهم علموا من نكون. أطلقوا النار علينا كما كانوا ليفعلوا مع أي شخص آخر. كانوا مستعدين كالعادة لاستعمال السلاح عند أقل حركة. كان الأمر أشبه بتدخين سيجارة. لم يطلقوا رصاصة واحدة فقط، بل كانت السيارة كلها مليئة بالرصاص. هل يعلمون من سيقتلون؟ لا. لا يعلمون ولا يهتمون}.

ثم هزّ رأسه بارتباك شديد وقال: {يطلقون النار على الفلسطينيين بهذه الطريقة يومياً. لم نسمع بهذا الخبر إلا لأنهم، على غير عادة، أطلقوا النار على إسرائيلي}.

{من عاش في هذا المنزل؟ أين هو الآن؟}

كيف أصبح جدعون ليفي مختلفاً عن مواطنيه لهذه الدرجة؟ لماذا يتعاطف مع الفلسطينيين بينما يكتفي معظم الأشخاص الآخرين باستعمال الرصاص والقنابل؟ في البداية، كان مثلهم: يشبه نقاشه مع الإسرائيليين النقاش الذي كان يخوضه مع ذاته حين كان أصغر سناً. وُلد في عام 1953 في تل أبيب وكان في شبابه {قومياً جداً مثل الجميع. ظننتُ أننا الأفضل وأن القتل هو كل ما يريده العرب. لم أشكك بشيء}.

كان في الرابعة عشرة من عمره خلال حرب الأيام الستة ثم اصطحبه والداه بعد فترة قصيرة لرؤية الأراضي المحتلة التي تم غزوها حديثاً. أضاف ليفي قائلاً: {كنا نشعر بفخر كبير لدى رؤية قبر راحيل في بيت لحم ولكننا لم نشاهد الفلسطينيين. أغفلنا عنهم وكأنهم كانوا غير مرئيين. لطالما كان الوضع كذلك. كنا نمر في طفولتنا من هناك، بين أنقاض القرى الفلسطينية التي تعرضت للتطهير العرقي في عام 1948. لكننا لم نسأل قط: {من عاش في هذا المنزل؟ أين هو اليوم؟ يُفترض أن يكون حياً. يُفترض أن يكون موجوداً في مكان ما}. كان الناس جزءاً من المشهد العام كأي شجرة أو نهر}. بعد عمر العشرين، {كنت أشاهد كيف يقطع المستوطنون أشجار الزيتون ويسيء الجنود معاملة النساء الفلسطينيات على حواجز التفتيش، وكنت أظن أنها حالات استثنائية وليست جزءاً من السياسة الحكومية}.

يقول ليفي إنه تغير بسبب {حادث} معين. قام بالخدمة العسكرية مع إذاعة الجيش الإسرائيلي ثم تابع العمل كصحافي، {وهكذا بدأتُ أقصد الأراضي الفلسطينية في مناسبات كثيرة، وهو أمر لا يفعله معظم الإسرائيليين. بعد فترة، بدأت أراهم على حقيقتهم}.

لكن هل يقتصر الأمر على ذلك؟ يذهب عدد كبير من الإسرائيليين إلى تلك الأراضي (أقله القوات المحتلة والمستوطنون) من دون أن يتأثروا: {أظن أنني تأثرت لأن والديّ كانا من اللاجئين أيضاً. شاهدت ما حصل لهما بسبب هذا الوضع. لذا أفترض ذلك... شاهدت هؤلاء الناس وفكرت بوالديّ}. كان والد ليفي محامياً يهودياً ألمانياً من سودتنلاند. في عمر السادسة والعشرين (أي في عام 1939، حين اتضح أن النازيين مصمّمون على ارتكاب إبادة جماعية في أوروبا)، ذهب مع والديه إلى محطة القطار في براغ وقاما بتوديعه. يقول ليفي: {لم يشاهدهما أو يسمع أخبارهما مجدداً. ولم يكتشف ما حصل لهما. لو لم يرحل، ما كان ليبقى حياً}. طوال ستة أشهر، عاش على مركب مليء باللاجئين بعدما رفض ميناء تلو الآخر استقبالهم، إلى أن وصلوا أخيراً إلى فلسطين التي كانت تخضع للانتداب البريطاني حينها.

أضاف ليفي: {بقي والدي مصدوماً طوال حياته. لم يستقر فعلياً في إسرائيل ولم يتعلم إلا لغة عبرية {مكسّرة}. حضر إلى إسرائيل وهو يحمل شهادة دكتوراه واضطر إلى كسب عيشه، لذا بدأ يعمل في مخبز ويبيع الكعك ويتنقل من باب إلى آخر على دراجته الهوائية. لا شك في أنه شعر بإهانة مريعة كونه يحمل شهادة دكتوراه في المحاماة ولكنه اضطر إلى قرع أبواب الناس لبيع الكعك. رفض أن يتعلم المحاماة مجدداً وأصبح محرراً بسيطاً. أظن أن هذا الأمر حطّمه. أقام هنا طوال 60 سنة وكوّن عائلته وعاش لحظات من السعادة في هذا المكان لكنه بقي غريباً. كان غريباً في بلده... لطالما شعر بالسخط من بعض التفاصيل الصغيرة. لم يستوعب مثلاً كيف يجرؤ الناس على الاتصال بين الساعة الثانية والرابعة من فترة بعد الظهر. صدمه هذا الأمر. ولم يفهم قط معنى السحب على المكشوف في البنك. كل إسرائيلي يواجه هذه المشكلة لكنه كان يشعر بالصدمة إذا سمع أن أحداً واجه المشكلة بسبب سحب ليرة إضافية عن الحد المسموح به}.

لم يتكلم والده {أبداً} عن دياره: {كلما كنت أشجعه على التحدث بالموضوع، كان يرفض. لم يعد إلى هناك مطلقاً. لم يكن لديه شيء ليعود إليه فقد تدمرت القرية كلها. لقد ترك حياة كاملة هناك. فهو ترك خطيبته ومهنته وكل شيء. أشعر بالأسف لأنني لم أضغط عليه بما يكفي كي يتكلم لأنني كنت شاباً حينها ولم أكن أهتم بالموضوع. هذه هي المشكلة الحقيقية. حين نشعر بالفضول في شأن أهلنا، يكونون قد رحلوا}.

لم يلحظ والد ليفي يوماً أي تشابه بين تحوله إلى لاجئ و800 ألف فلسطيني تحولوا إلى لاجئين بسبب نشوء دولة إسرائيل: {أبداً! لم يفكر الناس بهذه الطريقة. لم نناقش الأمر يوماً}. لكن في الأراضي المحتلة، بدأ ليفي يشاهد ما يذكّره بوالده في كل مكان، فكان يراه في الرجال والنساء المحطمين كونهم لم ينجحوا يوماً في الاستقرار ويحلمون دوماً بالعودة إلى ديارهم.

ثم بدأ ليفي يدرك تدريجاً أن مأساتهم موجودة في عمق حياته الخاصة، وصولاً إلى الأرض التي يقف عليها وقراميد بلدة الشيخ مونس الإسرائيلية التي يعيش فيها. هي مبنية على أنقاض {واحدة من 416 قرية فلسطينية مَحَتها إسرائيل عن وجه الأرض في عام 1948. حوض السباحة الذي أسبح فيه كل صباح كان البستان المستعمل لِريّ حقول البلدة. منزلي مبني فوق أحد تلك الحقول. تمَّت {استعادة} الأرض بالقوة، فقد حوصر 2230 مقيماً وتعرضوا للتهديد، ثم هربوا ولم يعودوا مطلقاً. في مكانٍ ما داخل مخيم للاجئين حيث الفقر مدقع، تعيش على الأرجح عائلة المزراع الذي حرث الأرض التي يقف عليها منزلي الآن}. بحسب رأيه، {من الغباء والخطأ} أن نقارن هذا الوضع بمحرقة اليهود، لكنه يقول إن ذلك الرجل هو لاجئ مصدوم بقدر والد ليفي. وحتى لو انتهى به الأمر في الأراضي المحتلة الآن، فهو سيعيش مع أولاده وأحفاده تحت الحصار أو في ظل احتلال عسكري عنيف.

طرح المؤرخ إسحق دويتشر في إحدى المرات تشبيهاً لوصف نشوء دولة إسرائيل: يقفز رجل يهودي من مبنى محروق ويهبط على فلسطيني ويؤذيه بشدة. هل يمكن لوم الرجل الذي قفز؟ هرب والد ليفي ليحاول إنقاذ حياته: كان أمام خيار التوجه إلى فلسطين أو معسكر اعتقال. لكن يعتبر ليفي أن التشبيه شائب لأن الرجل الذي قفز لا يزال يحطم رأس الرجل الذي هبط عليه، بعد مرور 60 سنة، كما يضرب أولاده وأحفاده أيضاً. يوضح: {عام 1948 لا يزال هنا. عام 1948 لا يزال قائماً في مخيمات اللاجئين. عام 1948 لا يزال يدعو إلى إيجاد حل. تقوم إسرائيل بالأمر نفسه الآن... فهي تعمد إلى تجريد الفلسطينيين من صفتهم الإنسانية وتطلق حملة تطهير عرقي عند الإمكان. عام 1948 لم ينتهِ بعد ولن ينتهي قريباً}.

خدعة {محادثات السلام}

نظر ليفي من حانة الفندق حيث كنا نجلس نحو الخارج وفكر بمختلف أجزاء الشرق الأوسط، وكأن الرمال الجافة في صحراء النقب كانت تتجه نحونا. كل محادثة عن المنطقة تجتاحها الآن مجموعة خرافات دعائية بحسب قوله، وربما يتعلق أبرزها بالقناعة القائلة إن إسرائيل دولة ديمقراطية. يوضح ليفي: {اليوم، تعيش ثلاثة أنواع من الناس تحت الحكم الإسرائيلي: الإسرائيليون اليهود الذين يتمتعون بديمقراطية كاملة وحقوق مدنية كاملة؛ عرب إسرائيل الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية لكنهم يواجهون أقصى مظاهر التمييز؛ وأخيراً الفلسطينيون المقيمون في الأراضي المحتلة وهم مجرّدون من الحقوق المدنية أو حقوق الإنسان. هل هذه ديمقراطية حقيقية؟}.

رجع ليفي إلى الوراء وسأل بنبرة منخفضة، وكأنه كان يتكلم عن صديق مصاب بمرض عضال: {كيف يمكن أن نقول إنها دولة ديمقراطية رغم عدم نشوء ولو قرية عربية واحدة بعد مرور 62 سنة؟ لا ضرورة لنعدد البلدات والقرى اليهودية التي نشأت، لكن لم تنشأ في المقابل أي قرية عربية. وكيف يمكن أن نقول إنها دولة ديمقراطية إذا كانت الأبحاث تثبت مراراً وتكراراً أن اليهود والعرب يواجهون عقوبات مختلفة عند ارتكاب الجريمة نفسها؟ كيف نقول إنها دولة ديمقراطية إذا كان الطالب الفلسطيني يعجز عن استئجار شقة في تل أبيب لأنّ أحداً لا يقبل تأجيره الشقة حين يسمع لهجته أو اسمه؟ كيف نقول إن إسرائيل هي دولة ديمقراطية إذا كانت القدس تستثمر 577 شيكلاً في السنة على طالب في القدس الشرقية (الفلسطينية) و2372 شيكلاً سنوياً على طالب في القدس الغربية (اليهودية)، أي أقل بأربع مرات، بسبب انتماء الطالب العرقي! كل جزء من مجتمعنا عنصري!}.

back to top