سيرة الأميرة ذات الهمة (3 - 5) قائدة الجيوش تلد الأسد الوثاب الأمير عبد الوهاب

نشر في 26-07-2014 | 00:02
آخر تحديث 26-07-2014 | 00:02
قلنا في الحلقتين السابقتين، إن الأميرة {ذات الهمة}، التي تقود جانباً من الجيوش العربية، في مواجهة تحالف الروم، تعرضت لحادث مؤسف، بعدما استغل ابن عمها وزوجها {الحارث}، سذاجة خادمها، {مرزوق}، ودس لها منوماً ليتمكن من معاشرتها معاشرة الأزواج، في وقت تهتم هي بحالة الجيوش الإسلامية التي تتأهب لحرب الروم.

الحادث المؤسف، نَتج عنه، حملُ الأميرة، بشكل شرعي، بالأمير عبدالوهاب بن {الحارث}، الذي كان ميلاده سبباً لأسف الأميرة {ذات الهمة}، ولعزَّتها في ما بعد، حيث حَمل لقب {الأسد الوثاب}، وبات تميمة عربية للانتصار ببشرته السمراء، وقوته وانحيازه إلى القضية العربية، التي كانت قاسماً مشتركاً بين أبطال السير الشعبية التي تعتني {الجريدة} بنشرها خلال شهر رمضان.

في هذه الحلقة، تحكي السيرة قصة ميلاد الأمير، ومعاناة أمه منذ لحظة الحمل فيه، إلى ساعات ميلاده العصيبة، وسط الأجواء العربية الملتهبة، التي ولد فيها، حفيد {جندبة} و}الصحصاح}، وهي التي صنعتْ منه بطلاً عربياً، يُشار إليه بالبنان وتروى بطولاته في {القصص الشعبية}.

حطَّ ركب الأميرين {ظالم}، والد زوج الأميرة {ذات الهمة}، ووالدها الأمير {مَظلوم}، داخل مضارب أمير الحملة {عبدالله بن سليم}، رأس قبيلة بني سليم، فتبادلت الخيول وكلاب الحراسة، الصهيل والنباح، ما أفزع الأمير، فهبّ مستطلعاً الأمر، وحين رآهما، بادلهما تحية المساء، متفرِّساً في وجهيهما، وحين دارت أقداح القهوة العربية، أشار {مظلوم} إلى رجاله بإدخال {مرزوق}، حارس الأميرة {ذات الهمة}، وما إن أشار إليه بإعادة حكاية الواقعة، حتى جثا الخادم السوداني المرتعد، تهيباً من أمير الحملة، لكنه أفاض في إعادة حكاية ما حدثْ، إلى حين توصله إلى لحظة الاغتصاب.

هنا، هبَّ الأمير عبد الله من مجلسه فزعاً، مستغفراً، طالباً من فوره الإسراع بإرسال رسول للاطمئنان على صحة الأميرة، قبل كل شيء، واندفع مصفقاً طالباً من بعض جنده وطبيبه الخاص، التوجه ليلاً إلى مقر الأميرة {ذات الهمة}، وملازمتها، والإسراع برعايتها، وتمادى في غضبه إلى حد السب والإنقاص من زوجها {الحارث} على مشهد من أبيه {ظالم}، الذي أطرق منزوياً لا يعرف له مسلكاً.

لزمتْ الأميرةُ فراشَها أياماً، بعدما حطَّ عليها مرضٌ ثقيل، لم تكن تعرف مثله حين كانت فتاة، فمضت تضرب أخماساً في أسداس، سخطاً على ابن عمها {الحارث}، ولأنها كانت تعرف أن التسيب قد عمّ، رغم أن لهيب الحرب المستعرة قد انحسر، فإن الهدنة لن تستمر طويلاً ما دام الطامعون مازالوا يحملون السلاح، ويتحينون الفرص للعدوان، وما زالت رغباتهم الطموحة تدفع ملوكهم وحكامهم إلى محاولة التسلط والسيطرة على بلاد المسلمين.

وكانت كلما تمادت في أفكارها، ازدادت مَرضاً ورفضاً لتناول الطعام، سوى أقداح العصير، التي تعدها لها وصيفتها {الرباب}، وكانت في موقع أمها، فتتجرعها {ذات الهمة} لمجرد ترطيب حلقها الجاف، وتغط من جديد في نومها، نهباً للكوابيس الثقيلة، التي كانت ترى فيها نفسها في الحالات كافة أسيرة مُحاصرة بالأعداء من كل جانب، حتى وجوه وسحن أقرب مقرَّبيها.

رغم ذلك، لم تتخلَّ {ذات الهمة} عن واجباتها في متابعة أخبار الجبهات والتحصينات والرد على الرسائل، وصرف المؤن بل والتحامل على امتطاء صهوة جوادها والخروج مُخفية معاناتها عن أعين الجند، الذين تجرأ عشرات المظلومين منهم بشكاوى من تصرفات ابن عمها {الحارث، وكلما سمعتها من فم شاكٍ أو مظلوم، ازدادت إعياء فوق إعياء.

وزاد من فداحة الأمر تعرفها ذات ليلة إلى ما بها، فصارحت به في البداية الرباب:

ما الذي يحدث يا رباب... ماذا دهاني؟

وحاولت الرباب أن تكتم رغبتها الدفينة في الإفصاح، وتغيير ما تراجع عن ذكره لسانها، وأشارت إليها بأهمية إحضار طبيب مداوٍ، أو حكيم لاستطلاعها والتعرف إلى ما ألمّ بها.

عاودت الرباب انشغالها بتحضير شرابها العُشبي الساخن مبتعدة، حين عاودت {ذات الهمة} التساؤل عما بها، وكأنها تخفي عن نفسها أسباب ما حط عليها من داء:

تراه...

من جديد رمقتها الرباب في إشفاق، من دون أن تنطق مفصحة عن أعراض ما بها.

قالت: ترينه الحمل؟

وتصورت على الفور سلسلة لا متناهية من ومضات ما سيحدث، مع توالي ظروف الحمل وأشهره التسعة، كانت تصحو في الليل وحدها، تتحسس بطنها المنتفخ، متصوِّرة وصول ما بها من ضعف وإعياء، إلى مسامع الرومان:

- {ذات الهمة} القائدة... {حامل}... إنها حقاً لكارثة!

{ترس الرسول}

تحققت نبوءة {ذات الهمة} وهواجسها، فالأمر على هذا الوضع، يُنذر بكارثة ستحل فوق رؤوس الجميع، حين حملت إليها الأنباء المتدفقة التي تجمعت من أفواه بصاصيها ومكاتباتهم، وأخصهم عيارها – القزم – صاحب {الملاعيب} {أبو الحصين}، الذي ظل على مقربة منها، وعيناه على مدى البحر الشاهق، لا تغيبان عن تحركات عاصمة الأروام {القسطنطينية}، وما يجري بها، وآخرها أن ملك الروم {لاوون} جمع أمراءه وبطاركته استعداداً لشن هجوم مفاجئ على الثغور والموانىء البحرية، التي استردَّها العرب المسلمون، تمهيداً للوصول إلى قلب الخلافة ذاتها.

كيف التصرف إذاً، وهي التي حُرمت من امتطاء صهوة جوادها، ووصل الانزعاج بها، إلى درجة أن الأعداء لابد  أصبحوا يعرفون ما بها، كيف أنها حامل في شهورها الأخيرة، تعاني آلام الحمل والطلق والولادة، وهي الفارسة المحاربة، التي أصبحت الآن حبيسة جلسات النساء، من مولدات وقابلات وجوارٍ، يُقدِّمن لها النصح والإرشاد.

تتحرَّك الأميرة خطواتٍ داخل أبهاء قصرها، مُتسندة من الإعياء، فكيف لها الآن قيادة المعارك، في مواجهة جيوش أوروبا المتحالفة تحت شارة الصليب، بجنودها وعتادها، ولو من مدخل الانتقام والتحدي، بسبب التجبر الذي أبدته {ذات الهمة}، منذ توليها قيادة {تحالف العرب المسلمين}، وكان الوليد بدوره، يبذل أقصى طاقات صموده ليخرج إلى الحياة، كأنَّه يتحدَّى كل محاولات إزهاقه كروح جديدة، حق عليها الحياة.

أرسلت الأميرة الرُسل {البحريَّة} إلى الخليفة الهادي في مقره الجديد، تعلمه بتخلِّيها عن قيادة أمانة جيوش المسلمين، نظراً إلى مرضها، كما أرسلت إلى أمير أمراء الحملة، عبد الله ووالدها {مظلوم} ولكن لا مجيب، بل كل من راسلته بادر بإرسال طبيبه وحكيمه ودعاء الاستفسار عن صحتها، من دون إدراك للخطر المُحدق.

وجاء الفرج حين تزايدت الآلام ووضعت {ذات الهمة}، ذات غسق مولودها، وهو غلام أسمر اللون، داعج العينين، مفتول الذراعين، لقِّب من فوره {عبد الوهاب}، ودعته بعض النسوة الصالحات: {ترس الرسول}، وحين تفرَّسته {ذات الهمة}، استدارت إليه محاولة قتله وإزهاق روحه، فاختطفته النسوة من بين ذراعيها، مدعيات موته، وتربَّى في الخفاء.

وكالعادة رافقت مولد عبد الوهاب، كطفل قدراتٌ خارقة، على خوض المنازعات والمعارك، التي دارت رحاها هنا وهناك، فـ{ترس قبر الرسول الأسد الوثاب، الأمير عبد الوهاب}، مثلما سمته النسوة إثر مولده مثل بقية الأبطال الملحميين العرب، أبو الفوارس عنترة بن شداد، وأبو زيد الهلالي، والزير سالم أبو ليلى المهلهل.

رافقت مولده منازعات وصراعات قبلية، إلى حد حصول انشقاق بين أفراد القبيلة الفلسطينية الواحدة، والتهديد بالحرب، و{ذات الهمة} لا تزال تعاني آلامَ مخاضِها، لأن عبد الوهاب جاء على غير لون آبائه، جاء أسمر اللون كعنترة، فما إِن تفرَّسته أمه، حتى شهقَتْ متسائلة بينها وبين نفسها، ما يعني أن سبب كل آلامها وتخاذلها هو هذا الوليد، الذي صبر وعانى بدوره طويلاً، داخل أحشائها ضد كل محاولات إزهاق روحه وكتم أنفاسه، إلى أن اكتملت أيام حمله، وشهوره التسعة، صاخباً مائجاً، كمن يخوض بمفرده أجيج حرب مستعرة داخل أحشاء {ذات الهمة}، دفاعاً عن أحقية وجوده، ليخرج من بطنها صارخاً من أعماقه على هذا النحو، وكأنه يجهر معلناً:

- أنا أكره الأعداء.

جراح الأميرة... وكوابيسها

لفَّت الرباب الطفل الوليد بغلالة رأسها حانية، واختطفته النساء مستبشراتٍ، يرقبن عينيه الخرزيتين قاتمتي الزرقة، إلى حد السواد الضارب، وجسده المفتول، وهو يضرب الهواء بساقيه وأطرافه، رفضاً وتمرداً، مثل جواد بري هائج، مطلقاً عقيرته بالصراخ، وكما لو كان يبغي العودة إلى حيث دفء فراش أمه {ذات الهمة}، وكان كل ما في عبد الوهاب الرضيع، ينبىء بالتمرد ونبل الآمال والمَقصِد.

كانت الرباب متعثرة، تتحرك مهدهدة الوليد بين ذراعيها، بينما تعاني مما أصاب {ذات الهمة} في شهورها الأخيرة، وما حط عليها من سقم، فأحال سمرة وجهها إلى صفرة بادية للعيان، وباتت تمضي الليل بطوله ذاهلة غائبة عن وعيها لا تعرف لها منقذاً، عقب حادث الاغتصاب المروِّع، وما ترتب عليه، من حمل ثقيل أعجزها عن متابعة القيام بأعبائها الهائلة التي تفت من عَضُد أرفع الرجال، في قيادة جيش المسلمين، في مواجهة أمم {الإفرنج} المهاجمين.

كانت المربية تعاني من تكتم ما يعتمل في رأس {ذات الهمة} المشتعل بالتفكير من دون هوادة، وكانت تسائل نفسها:

- مسكينة حقاً يا فاطمة...

وبدأت الخادمة تدرك مكنون تلك التحولات الفاجعة، التي طرأت على {الدلهمة}، ومنها تلك النظرات، المغموسة، في مستنقع الشك والارتياب، لكل ما تقع عليه عيناها الفاحصتان، فما من إنسان لم تعد ترتابه وتحذر منه، بل حتى هي ذاتها – الرباب – أصبحت تتلقى نظراتها المتقلبة في محجريها كمثل جمر مشتعل، مُسرَّة لنفسها:

{من حقها}... خصوصاً بعدما حدث من خادمها المقرب {مرزوق} الذي هو في موقع الأخ منها.

غَفت {ذات الهمة} في سباتها، وكأنَّها أصبحتْ تجدَ في النوم سلواها لترطيب آلامها الجارحة، التي ألمت بها طوال الأشهر التسعة الأخيرة، لا سيما بعد ولادة ابنها، الذي لم ينقطع بعد صراخه في أذنيها، رغم غلالة النوم والإغفاء، التي تجد فيها مرفأها الآمن، هرباً مما يحدث، وما ستخبئه الأيام والسنون لها من مفاجآت يشيب لها شعر الوليد.

وبعد سنواتٍ من الحرب والطعان، بات قتالها الآن مجاله ذلك الوليد عالي الصراخ، الذي يطن في أذنيها، وكأنَّه يبغي طرد أدنى لحظة صفاء ومهادنة لـ {ذات الهمة} التي أضناها حمله.

- أما من مهرب.

بدتْ كما لو كانت تعاني، في غفوتها، أثقال كوابيس تحيط بها من كل جانب، لا تجد منها فكاكاً، ولم يكن يصلها من الأصوات سوى بكاء الوليد الذي لم تحجبه الأبواب المغلقة، ولا الشرفات، ولا الستائر المُسدلة في إحكام، ولا حتى بصيص الضوء الخافت، لشمعدان مثمَّن الأفرع، لم يشعل منه سوى فتيل مفرد إلى جوار رأسها، حرصاً من الجميع على راحتها.

وحاولت الرباب إرضاع الوليد، إلى أن غفا بدوره، ما أتاح للأميرة لحظة نوم وراحة، بينما عادت الرباب تتفرس في وجه الطفل عبد الوهاب وهو بين ذراعيها، يضع يده اليمنى الدقيقة الأصابع على وجهه وجبهته، كمن يخفي عن الآخرين أمراً، وتمتمتْ:

مسكينة... فاطمة.

تذكرت الخادمة كيف أنها، إرضاء لسيدتها، ترددت على مضارب البدو، وقابلات ومرضعات الأعراب، بحثاً عن {وصفات} الإجهاض، من دون أن تفصح، بالطبع، عن أن الأمر يخص الأميرة {ذات الهمة} وحادث حملها، لكن جميع المحاولات والنصال تكسرت ولم تتمكن من النيل من {عبد الوهاب}، الذي علا بدوره غطيطه بين ذراعيها، كمن آثر الإذعان للحظة صفاء تتيح لأمه المُجهَدة النوم.

تساءلت الرباب في ترحم:

- نوم... من أين يأتي النوم؟

كانت الخادمة تتساءل، بعدما حلَّت الوقيعة بين الجميع، وأصبح عسيراً، مجرد إغلاق جفني العينين، والنوم، صحيح أن {ذات الهمة}، تحاول أن تخلد للنوم مكومة أكداس الوسائد فوق رأسها، وتكبسها بذراعيها الاثنتين، لكن ما إن يحدث وتنام حتى تعاودها كوابيسه، كمثل حصار يكتم كل نفس، حصار تجد فيه نفسها، مُهددة بـ {الحارث}، وعمها {ظالم}، وطابور طويل من الأشباح لا ملمح لهم من الحاقدين والمتآمرين والمتسلطين، ناهيك عن الأعداء، الذين أذلت هاماتهم، وفتحت ثغورهم وموانئهم متابعة تقدمها إلى عاصمة الخلافة، لتعلو بواباتها وحصونها.

 وكان آخر هذه الأحلام دك أسوار هذا الحصن الحصين لآخر معاقل جند الأروام، واقتحامه بجنودها وكتائبها الخاصة، والوصول إلى غريمتها التي صمدت لها سنوات، وعمت شهرتها المشرق قبل المغرب، حول قيادتها جند الأعداء ووضع الخطط لقطع الماء عن جند المسلمين، وإيقاعهم في أسرها وسبيها الآلاف منهم، إلى أن تمكنت {ذات الهمة}، من التقدم وإلحاق الهزيمة بجنود الأروام، وتحرير أسرى العرب ومحاصرة قصر أميرتهم وقائدة جندهم {باغة}، ابنة الملك {لاوون} الأيزوري، إلى حين إخضاعه وإسقاطه، والوصول إليها ومنازلتها في الميدان وجهاً لوجه، إلى أن تمكَّنت منها فجزت بحسامها رأسها عن جسدها، وحمل عمها {ظالم} الرأس ضمن الكنوز المسبية إلى عاصمة الخلافة، استنفاراً للهمم وحلول اليوم الموعود، بالوصول إلى أصل الداء، أي {القسطنطينية}، لدكّ أسوارها، وفض عدوانها المبيَّت، منذ عهد جدها الأول {الصحصاح} ومن سبقه من جدود وأسلاف.

أين هي الآن، من الحرب والقسطنطينية، إن حربها التي فرضت عليها فرضاً وقسراً، أصبحت هنا، داخل قصرها، وأقرب إلى مخدعها، كيف يتسنى لها بعد ما حدث، إعادة الصحوة وشحذ الهمم للجهاد، وصولاً إلى الهدف المرتقب، {القسطنطينية}، التي لن تقر للجميع عيناً، طالما ظلت تبعث بجيوشها المدججة، الموجة إثر الموجة إلى عاصمة الخلافة ذاتها، أين هي الآن، من ذلك الحلم القديم الذي خبا.

يكفي ما عانته، وما سيستجد عليها من كوارث المولود الجديد، الذي أضفى شرعية، ما بعدها شرعية، على زواجها من ابن عمها الحارث، وأضفى كل شرعية، حتى على أحقية اغتصابها، وتقويض هامتها بين الجميع، الأهل قبل الأعداء.

تسندت الأميرة ذات الهمة في إعياء، وهي تمد ذراعها إلى آخره، جاذبة كومة التقارير والمعلومات التي جمعها البصاصون والعيارون من داخل المدن الرومية، خصوصاً القسطنطينية، حول الاستعدادات الأخيرة التي تفجرت، مطالبة بجمع الصفوف وحشد الهمم انتقاماً لمقتل أميرتهم {باغة}.

وبدت {ذات الهمة} كالمشدوهة، بل غابت بالفعل عن كامل وعيها، وهي تعيد قراءة أحد هذه التقارير التي وصلتها من داخل عاصمة الأروام، وبالتحديد من أهم مراكز صنع القرار، وهو قصر الملك {لاوون}، وفيه يذكر التقرير بوضوح، أن الروم الأعداء على معرفة يقينية بما يحدث لـ {ذات الهمة}، وما أصبحت تعانيه، كما أنهم على معرفة بوقوع انقسامات بين الجيوش والقبائل العربية.

أعادت {ذات الهمة} قراءة التقرير الذي امتلأ وفاض بصفوف الإشاعات المغرضة، التي بالغ الأعداء في إطلاقها، إلى حد تصويرها جريحة طريحة الفراش، تعاني سكرات الموت المحقق، نتيجة لتعرضها لمحاولة اغتيال من عمها الأمير {ظالم} وولده:

- الموت!

بل والأكثر إيلاماً إلى حد الحسرة، أن من بين الإشاعات التي أثارها الأعداء وتناقلوها بين عاصمة وأخرى، ما حلّ بـ {ذات الهمة} على مدى السنة الأخيرة من القتال، واحدة تقول إن الأميرة خبا نجمها، وإن عمها {ظالم} ومعه بعض الفيالق والقبائل الحليفة، نالوا منها لدى خليفة المسلمين، إلى حد استصدار أمر بتنحيتها عن رأس القيادة للجيش العربي.

تساءلت وهي تتقلب في فراشها:

- إلى هذا الحد!

هبَّت من جديد معيدة قراءة التقرير، الذي ذيل بتوقيع مزيف لأمير المؤمنين، الخليفة المهدي في بغداد، والذي وجه إلى أمير الحملة {عبد الله} مولياً إياه القيادة العامة بعد تنحية {ذات الهمة}، وهنا خفتت حدة الغضب والاندهاش، إلى حد التهكم الأليم، من الكيفية التي يختلق بها الأروام أكاذيبهم وتلفيقهم، إلى حد إعادة تصديقها، وإتاحة أقصى درجات انتشارها على طول العواصم الأوروبية المتربصة بالعدوان للعرب:

- يا له من غل.

هنا، وصل صراخ الوليد، عبد الوهاب، إلى أذني {ذات الهمة}، فقطع عليها حبل أفكارها، وبدت كما لو كانت تُنصت إلى أصل الداء ومَكْمنه، وهنا لم تجد لها مهرباً سوى الاسترسال في النوم والاستسلام لسلطانه.

الحلقة الرابعة غداً

الأمير عبد الوهاب يعود منتصراً إلى الحجاز

سيرة الأميرة ذات الهمة (2 - 5) أم المجاهدين تحترف الفروسية وتحاصر جيوش الروم

سيرة الأميرة ذات الهمة (1 - 5) الصحصاح يُحاصر عاصمة الروم... والوليد يخفي الوصية

back to top