المصري أفندي

نشر في 25-07-2014
آخر تحديث 25-07-2014 | 00:01
 مجدي الطيب خدعوك فقالوا إن أول فيلم خيال علمي في السينما المصرية هو فيلم {قاهر الزمن} (إنتاج 1987)، إخراج كمال الشيخ عن قصة لكاتب الخيال العلمي نهاد شريف صاغ لها السيناريو والحوار أحمد عبد الوهاب وقام بالبطولة نور الشريف وجميل راتب، فالحقيقة المؤكدة أن المخرج نيازي مصطفى كان صاحب الريادة والسبق في اقتحام مجال الخيال العلمي في السينما المصرية من خلال الفيلم الذي أنتج عام 1952 ويحمل عنوان {من أين لك هذا؟}، إذ تبدأ الأحداث مع العالم {أحمد مجدي} (أدمون تويما) الذي اخترع دواءً يحوِّل من يحتسيه إلى كائن غير منظور!

فكرة لا تختلف كثيراً عن فكرة فيلم {طاقية الإخفاء} (1944) للمخرج نيازي مصطفى، لكن المأزق الذي وقع فيه المخرج أنه لجأ إلى تهميش الجانب العلمي في الفيلم، واهتم بالقصة التقليدية التي تروي أزمة البطل {وحيد} (محمد فوزي) الذي أحب {سلوى} (مديحة يسري)، لكن أباها الأرستقراطي {حازم الزمت} (عبد الوارث عسر) رفض تزويجها من شاب فقير ما زال يدرس الطب. فباستثناء مشاهد قليلة تابعنا فيها العالم وهو يختبر فكرته العلمية على الحيوانات ثم البشر من خلال صديق البطل {زغلول} (إسماعيل ياسين) أفرد نيازي مصطفى مساحة غير قليلة لمغامرات {وحيد} لإقناع {الزمت} بأنه الأجدر بالزواج من ابنته، وفضح {طاهر} (فريد شوقي)، تاجر المخدرات وصاحب ناد القمار الذي يزعم أنه مدير مكتب استيراد وتصدير، ويدس تابعه {زكي} (عبد السلام النابلسي) لينقل له أدق أسرار {سلوى}، التي يطمع في الزواج منها، بعدما نجح في إقناع والدها بأنه التقي، الورع، الذي لا يفارق المسبحة وسجادة الصلاة!

يرفض فيلم {من أين لك هذا؟} السخرية من العباقرة الذين عاشوا في الخيال والأحلام، والمخترعين العظام الذين جاد بهم الزمان، مثل إديسون وماركوني، ويثمن موقف العالم أحمد مجدي الذي يقدم خدمة للإنسانية، لكن العلم يتوارى مقابل إعلاء شأن {التهريج}، واستدعاء مواصفات فيلم الأربعينيات والخمسينيات، حيث الراقصة (كيتي) والمطرب (محمد فوزي) يغني أربع أغنيات من تلحينه وتأليف مأمون الشناوي وعبد العزيز سلام، وازدراء علية القوم للفقراء (الشاب الذي يتولى العناية بالكلب يتقاضى راتباً شهرياً ضخماً). بل إن علاقة عنوان الفيلم بموضوعه تبدو مجهولة إلى ما قبل النهاية بقليل عندما يستعلم البوليس من البطل عن مصدر المال الضخم الذي في حوزته فيسأله بحدة: {من أين لك هذا؟}!

الاعتراف بأن الفيلم اتسم بالطرافة والبراعة في دفع المتلقي إلى تصديق الخيال، والتعامل معه على أنه حقيقة، لا ينبغي أن يُنسينا التنويه بالدور الذي أدته الحيل المعملية السينمائية، التي أشرف عليها نيازي مصطفى، وجرى تنفيذ بعضها في معامل C.T.M في باريس بمعرفة خبير الحيل {ريبو}، فالدقة واضحة، والإلمام بجوانب العملية الفنية ملموس، على عكس الجمود وعدم التجديد في تصوير الأغاني، والاستخدام المفرط للشاشة الخلفية {الباك بروجيكشن} لتعويض غياب الكاميرا (تصوير أحمد خورشيد) عن الشارع، وسجن الأحداث والشخصيات في الديكورات التي بناها {شارفنبرج}، مع الإقرار بأن المخرج نيازي مصطفى استفاد كثيراً من تجربته في فيلم {طاقية الإخفاء} (1944) كونها أكسبته المزيد من الثقة والمهارة في توظيف الحيل المعملية وتدارك أخطاء التجربة الأولى.

كتب علي الزرقاني سيناريو فيلم {من أين لك هذا؟} وحواره، بينما كتب محمد فوزي القصة، وغنى ولحن الأغاني وموسيقى الرقصة، بالإضافة إلى إنتاج الفيلم بواسطة شركته {أفلام محمد فوزي}، ولهذا السبب جاءت القصة تقليدية ومكررة، ومنذ الوهلة الأولى نعرف أن {سلوى} ستقع في غرام {وحيد}، وأن البطل الخَير سيهزم الشرير، ويعود الأب الأرستقراطي إلى صوابه، ويوافق على زواج ابنته من طالب كلية الطب، ولا نكاد نعرف مصير الاختراع الذي بشر به الفيلم، فقد بدا واضحاً أن مصطفى أولى عناية فائقة بالجانب التقني، وأهمل تماماً الممثلين الذين أصاب أداءهم الفتور (مديحة يسري) والتكرار (إسماعيل ياسين) وكوميديا لي الذراع (المواجهة بين الشاويش رياض القصبجي وعبد السلام النابلسي) والفكرة السقيمة (باب السيارة المعطل والكرسي البديل)، فضلاً عن الفارق الزمني المحدود بين الأغنية والأخرى، ما أثقل كاهل الإيقاع (مونتاج سعيد الشيخ)!    

تُحسب للفيلم جرأته في مناهضة المتاجرين بالدين في شخص {طاهر}، الذي يتظاهر بالورع والتقوى، ويزعم أنه ينام بعد صلاة العشاء، ولا يصافح امرأة إن كان متوضئاً، بينما هو نصاب مخادع ومثال للخسة والوضاعة، لكن المعركة الهزلية بين {وحيد} ورجال عصابة {طاهر} خصمت من رصيد الفيلم كثيراً!

back to top