رشدي أباظة... الرجل الأول: امرأة ورجل (27)

نشر في 25-07-2014 | 00:02
آخر تحديث 25-07-2014 | 00:02
أمضى العروسان رشدي وصباح، أسبوع عسل في إحدى الشقق المطلة على الصخرة الشهيرة في منطقة «الروشة»، بعده قرر رشدي العودة فوراً إلى القاهرة، خصوصاً أن الصحافة العربية لم يكن لها شغل شاغل خلال ذلك الأسبوع سوى خبر زواج «الدنجوان من الشحرورة»، فإذا كان زواجهما قد أصبح حديث الساعة في كل مكان في الوطن العربي، فمن المؤكد أن الموضوع قد بلغ مداه مع سامية جمال.
قبل أن يغادر رشدي بيروت، لم يقو على الاتصال بسامية ليخبرها بموعد عودته، فهو يعرف أنها ستكون بانتظاره في البيت وإلى جوارها «مأذون» لإتمام الطلاق. اتصل بأصدقاء مقربين لاستطلاع الأمر، غير أن أحداً لم يطمئنه، لأنهم لم يعرفوا بماذا تفكر سامية جمال. بل إن أحداً لم يستطع أن يقترب منها أو يتصل بها. حتى الصحافيون المقربون منهما لم يقو أي منهم على الاتصال بسامية لمعرفة رأيها، باستثناء أربعة من المخلصين هم أحمد رمزي، صلاح نظمي، سمير صبري، وخبير الماكياج محمد عشوب. هم وحدهم ذهبوا إليها لتهدئتها كي لا تزداد الأمور اشتعالا، وإذا كان لا بد من حدوث الطلاق وأصرت عليه، فيكون في هدوء من دون مشاكل قد تؤثر على اسم وتاريخ كل منهما.

ما إن جلسوا معها وفاتحوها في أمر زواج رشدي، حتى فوجئوا بها تطلب منهم مصاحبتها إلى مطار القاهرة لاستقباله بعدما علمت بموعد وصوله، فأيقنوا أنها لن تتنازل عن ارتكاب فضيحة مدوية، قد تبدأ فصولها في مطار القاهرة.

لم يصدق رشدي والأصدقاء الأربعة هذا الهدوء الظاهر على سامية، سواء في الاستقبال الحار لرشدي، أو الاحتفاء به وإعداد وليمة لهم على شرف عودته، ما زاد من توجسهم، وقلق رشدي. حتى إنه فكر أن يطلب منها الاستعجال في التحدث في الموضوع، فقرر أن يستفزها:

- قسمت حبيبة بابا... ما تقومي تحطي أسطوانة خلينا نسمع شوية مزيكا. ولا أقولك حطي أسطوانة للصبوحة.

سمع الأصدقاء الأربعة كلمة الصبوحة، وكأن على رؤوسهم الطير، وأدركوا أن هذه لحظة انفجار البركان، غير أن التي أدهشتهم في الأول، أدهشتهم في الأخير، فهبت سامية واقفة:

* استني يا قسمت... أنا لسه شاريه من يومين أسطوانة جديدة للصبوحة. عليها أغنية هايلة... هاحطهالكم.

هنا أدرك رشدي مدى حب سامية له، ورجاحة عقلها في أن تحافظ على هذا البيت من الهدم، فزاد تعامل سامية من ندمه على ما اقترفت يداه في حقها، خصوصاً أن أقصى عقاب قامت به، هو عدم وضع الوردات الثلاث على مكتبه كل يوم كما اعتاد منها والتي تعني «سامية تحب رشدي».

بدأ مع مطلع العام 1969، بتقديم فيلم «الشجعان الثلاثة» من تأليف فيصل ندا وإخراج حسام الدين مصطفى، إلى جانب كل من سهير البابلي، شمس البارودي، يوسف فخر الدين، إبراهيم خان، مشيرة إسماعيل، حسين الشربيني، كنعان وصفي، وفاروق فلوكس. بعده، قدم رشدي «صراع المحترفين» مع المخرج حسن الصيفي، قصة وسيناريو فايق إسماعيل وحواره، وشاركه البطولة كل من نجلاء فتحي، نجوى فؤاد، محمود المليجي، توفيق الدقن، كوثر شفيق، وإبراهيم سعفان. ثم فيلم «من أجل حفنة أولاد» قصة سامي غنيم، سيناريو محمد مصطفى سامي وحواره، وإخراج إبراهيم عمارة. شارك رشدي البطولة كل من سهير المرشدي، عبد المنعم مدبولي، الراقصة سهير زكي، عقيلة راتب، إبراهيم عمارة، والطفل هاني شاكر. ومع منتصف ذلك العام عاد إلى العمل مع المخرج فطين عبد الوهاب في فيلم «نصف ساعة جواز» من تأليف الكاتب أحمد رجب، إلى جانب  كل من شادية، ماجدة الخطيب، عادل إمام، سمير صبري، حسن مصطفى، إضافة إلى المشاركة الشرفية لكل من نجلاء فتحي، يوسف شعبان، ناهد يسري، عبد المنعم إبراهيم، فظهر كل منهم بشخصيته الحقيقية وهو يذهب للعلاج لدى طبيب الأسنان دكتور حسني، الذي يعيش حياة لاهية، في الوقت الذي تحبه ممرضته الجميلة التي تقوم على راحته وتنظيم حياته وعمله، لكنه لا يراها ويلهث خلف النساء، حتى تلقنه درساً يعيد عقله إلى رأسه ويكتشف أنه لم يحب غيرها.

يبدو أن موضوع الفيلم واسمه «نصف ساعة زواج» ذكر رشدي بما يحاول أن ينساه وينسيه لسامية. فرغم مرور ما يقرب من ستة أشهر على عودته من لبنان، ورغم أن زواجه من صباح لم يستمر فعلياً أكثر من أسبوع، فإنه لم يكن قد طلقها حتى ذلك التاريخ، لأنها هي من طلب الطلاق وألحت بعدما ابتعد عنها طيلة هذه الفترة، ولم تعد تعرف هل هي متزوجة أم مطلقة؟ فوجد أن الوقت قد حان لطلاقها، فأتمّ إجراءات الطلاق وأعلمها به، ثم تعمد أن يترك قسيمة الطلاق فوق مكتبه في متناول اليد، حتى تطلع عليها سامية من دون أن يفتح معها الموضوع مجدداً. ورغم ذلك لم تعد الورود الثلاث إلى  مكتبه.

دعا رشدي سامية إلى العشاء في تلك الليلة في فندق «عمر الخيام» وعلى ضوء الشموع وهما يتناولان عشاءهما سألها: لسه ما آنش الأوان علشان الورد يرجع إلى الفاز؟

ضحكت سامية بدلال ولم ترد، فوضع أدوات المائدة جانباً وأمسك بيدها ليصطحبها للرقص، وبينما هما يرقصان همس في أذنها بالسؤال نفسه، فنظرت إليه نظرة عتاب صامتة، ثم اتبعتها بابتسامة رقيقة لتنتهي ليلة من أسعد ليالي الزوجين العاشقين، وفي الصباح وجد رشدي على مكتبه ست ورود بدلاً من ثلاث، وهو ما يعني وفقاً لترجمتهما: سامية تحب رشدي... جداً جداً جداً.

ما إن رأى رشدي الورود على مكتبه، وبهذا العدد الذي له معنى كبير، حتى كاد يطير فرحاً من فرط السعادة، ما كان دافعاً كبيراً للانغماس في العمل بقوة، فقدم مع حسام الدين مصطفى فيلم «الأشرار» من تأليف فيصل ندا، وشاركه البطولة صديق العمر والرحلة عادل أدهم، ومعهما كل من ناهد شريف، إبراهيم خان، صلاح نظمي، عبد الخالق صالح. ظهر رشدي وقد ازداد نضجاً ولمعانا، وبرع في الفيلم أداء الممثلين، خصوصاً عادل أدهم الذي جسد دور الشرير خفيف الظل في معادلة صعبة... كما برع بقية نجوم الفيلم بلا استثناء، بخلاف تمكن المخرج حسام الدين مصطفى كأحد أهم مخرجي أفلام الحركة آنذاك. وزاد الفيلم تألقاً  الموسيقى التصويرية الرائعة للموسيقار المبدع بليغ حمدي، ما وضع رشدي في مرتبة فنية مختلفة عن بقية نجوم جيله، وهو الأمر الذي وضح للوسط الفني قبل الجمهور، وأن رشدي قد وصل إلى القمة وتربع عليها. بل  أصبح فتى الشاشة العربية الأول من دون منازع، بالمقياس الشعبي والفني، فكانت أفلامه تحقق أعلى الإيرادات، ما جعله يأتي في الترتيب الأول على النجوم العرب آنذاك، في استفتاء فني أجرته مجلة «الشبكة» اللبنانية في نهاية العام 1969، حول شعبية ونجومية الفنانين العرب، فحصل رشدي أباظة على المركز الأول، بينما كان المركز الثاني من نصيب العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ.

يبدو أن التألق جعل لعنة «الأشرار» تصيبه، غير أن الإصابة كانت هذه المرة قوية وعنيفة، فأصابت عيونهم حياته المستقرة، وتحول «قفصه الهادئ» إلى نار مستعرة، فرغم حالة التألق واللمعان التي كان يعيشها رشدي، فإنه كان يحترق من الداخل. لم تعد أعصابه تحتمل، خصوصاً أنه لم يكن قد نال إجازة خلال السنوات الثلاث الأخيرة، لدرجة أنه كان يتمنى أن ينام في اليوم أربع ساعات ليس أكثر، ويتضح هذا الأمر من خلال كم الأعمال التي قدمها خلال تلك السنوات الثلاث والتي تخطت الثلاثين فيلماً، فيما بلغ عدد ما قدم في السنوات العشر الأخيرة ما يزيد على ثمانين فيلماً... وهو ما كانت تنبهه إليه سامية دائماً، مؤكدة خطر هذا التعب على حياته وأنه يسحب من رصيد صحته، غير أنه لم يكن يعبأ.

عاد رشدي في إحدى الليالي إلى منزله، فوجد ناراً مشتعلة. الخلاف هذه المرة بين اثنتين تتربعان على عرش قلبه، ولا يمكن أن يزيح إحداهما لإفساح مكان للأخرى: الزوجة سامية جمال والابنة قسمت.

وجد رشدي أن العلاقة بينهما توترت فجأة إلى حد لم تعد كل منهما تتحمَّل الأخرى، بعدما كانت أكثر من علاقة أم بابنتها وبنت بأمها، لدرجة أن رشدي غالباً كان يعتبرهما معسكراً واحداً ضده، لكنها عقدة «زوجة الأب» التي تريد أن تنشر على بنت الزوج، ظلا من الحب والرعاية لا ترقى إليه شبهة. لكن أحياناً يكون هذا الحب قيداً، وهو ما فسرته قسمت بذلك، إذ كانت أصغر من أن تضع هذا الاهتمام في موضعه الصحيح.

أصرت سامية على أن تناقش الأمر مع رشدي، لكنه حاول إرجاء الحديث فيه، فلم يكن مهيئاً نفسياً في تلك اللحظة، فانهار وانفعل عليها بشكل غير مسبوق، وحطَّم كل شيء حوله.

لاذت سامية بالصمت وتركت رشدي حتى هدأ وعاد إلى صوابه، وراح يعتذر ويبدي ندمه على ما فعله. لكنها لم تقبل الاعتذار. حاول كثيراً لكن سامية لم تقبل، وعندما تحدثت نطقت بكلمة واحدة: طلقني.

لم يرد رشدي، بل رأى أنه من الأفضل أن يبتعد عنها قليلاً حتى تهدأ. أخذ حقيبة ملابسه واتجه إلى فندق «شبرد»، غير أنه ظل مستيقظاً طيلة ليلته. ظن أنه لن يجد راحته في هذا الفندق، فحمل حقيبته واتجه إلى فندق عمر الخيام، وهناك اكتشف أن المشكلة تكمن فيه هو، وليس في أي فندق، وأنه لن يغمض له جفن بعيداً عن سامية.

ظل الزوجان في عزلة ما يقرب من شهر، لم تمر فيه ليلة إلا وحاول رشدي أن يتصل بسامية ويعتذر، لكنها لم تقبل أي اعتذار أو أي كلام. تدخل طاهر أباظة، ابن عم رشدي، وتحدث إلى سامية وأخذ منها موعداً في «غروبي»، وأبلغ رشدي بالموعد على أن يلتقوا معاً، ولا يغادروا المكان إلا وقد انتهت المشكلة.

قرر رشدي أن يذهب إلى الموعد ومعه «مسدسه» ليضع حداً لهذا الخلاف. جلس الثلاثة وراحوا يتحدثون. قدم رشدي الاعتذارات اللازمة كافة، ووضع الضمانات التي يمكن أن تطلبها، غير أنها لم تقبل. شعر بأنه أمام سامية أخرى غير التي أحبها وعاش معها، وأدرك أنه لا جدوى من الحديث، فوضع يده في جيبه وأخرج المسدس وقبل أن يوجهه ناحية رأسه، كانت يد طاهر أباظة أقرب إليه من يده، فأمسك بالمسدس:

* أيه اللي بتعمله دا يا رشدي... أنت اتجننت!

- أيوا اتجننت. سيبني يا طاهر. أنا حياتي خلاص مالهاش أي معني.

لم ترد سامية... بل قامت وانصرفت تاركة المكان، ليعود رشدي إلى الفندق ويجلس إلى نفسه وبصحبته «الشراب»، وإذا به يسمع جلبة وأصواتاً متداخلة خارج غرفته. فتح الباب فوجد أهل سامية جمال وأقاربها، زوج شقيقتها، وأولاد شقيقتها وابن عمها وبعض الأقارب، فرحب بهم:

- أهلا وسهلا اتفضلوا... أهلا أهلا.

* لا شوف يا أستاذ رشدي... إحنا جايين نتأسفلك.

- على إيه؟

* على اللي عملته سامية معاك.

* مافيش كلام... سامية غلطانة... وإحنا لسه جايين من عندها من الزمالك دلوقت.

* أيوا وأنا زعقتلها وأديتها بما فيه الكفاية لحد ما عيطت قدامنا.

- أنتوا بتقولوا إيه؟

* أيوا زي ما بنقولك كدا... سايبنها مفلوقة من العياط.

- ومين اللي قالكم تعملوا كدا؟

* أمال نسيبها تعمل اللي بتعمله دا معاك... عيب.

- بره... اطلعوا بره. باررررا... بره لأقتلكم كلكم دلوقت... بره... اللي يمس سامية بكلمة واحدة أنا أقتله فاهمين؟!

أصابهم الوجوم. وراحوا ينظرون إلى بعضهم البعض وقد أصابتهم الدهشة، بعدها نام رشدي تلك الليلة، وربما للمرة الأولى منذ شهر تقريباً، شعر بأن ما فعله معهم ودفاعه عن سامية قد أذاب خطاياه معها... وفي اليوم التالي حمل حقيبته واتجه إلى فندق «فلسطين» في الإسكندرية.

كانت الأيام كافية لأن تذيب الجليد عن علاقتهما، فضلاً عن محاولات الأصدقاء التدخل، من بينهم أحمد رمزي، صلاح نظمي، سمير صبري، عامل الأكسسوار «دنجل»، لكن كل هؤلاء لم يثنوا سامية عن قرارها، فقط من استطاع أن يقوم بهذه المهمة، هو قلبها الذي كان أقوى محام قام بهذا الدور لصالح رشدي أباظة، الذي فوجئ بالهاتف يرن في حجرته في الفندق:

* إيه أنت استحليت القعدة في الفنادق ولا إيه... مش هاترجع بيتك بقى؟

- مين سامية؟

* هو فيه بيت تاني ممكن تروحه غير عند سامية؟

- أنا مش مصدق وداني... أنت.. أنت...

* وفر أي كلام دلوقت... كل اللي عايز تقوله هانقوله وأكتر بالليل على العشا.

البقية في الحلقة المقبلة

لبنان مجدداً

عادت الحياة بين رشدي وسامية، بعد 60 يوماً، تلاطمت فيها أمواج حياتهما الزوجية، لتعود سامية تمارس دورها كحبيبة وزوجة وسكرتيرة ومديرة منزل، تحرص على توفير كل سبل الراحة له كفنان وكإنسان، ترتب له مواعيده، تختار له ملابسه الشخصية وربطات العنق، وهو لم يدع أحداً في حياته يفعل ذلك، باستثناء سامية التي وثق في ذوقها الرفيع بشكل كبير، كذلك تجهِّز ملابس أي شخصية يحضر لها في فيلم جديد، ولم يكن أدل على ذلك من أنها طالبته وألحت عليه في أن يقبل الفيلم الذي عرضه عليه المخرج محمد سالم، والذي رفضه رشدي مراعاة لمشاعر سامية، لأن البطلة التي ستقف أمامه في الفيلم كانت صباح:

- أنا مش ممكن أعمل الفيلم دا. أنا عندي ارتباطات كتير أوي هنا.

* بس أنا مصرة أنك تعمل الفيلم دا.

- دا فيه مشاهد كتير في لبنان... وأنا مش عايز أروح لبنان دلوقت خالص.

* لا هاتروح... لأني واثقة أنك المرة دي زي ما هاتروح زي ما هاترجع.

سافر رشدي إلى لبنان وبدأ فعلاً تصوير فيلم «نار الشوق» أمام صباح، عن قصة وسيناريو نبيل غلام، حوار عبد السلام موسى، وإخراج محمد سالم، وشاركهما كل من هويدا ابنة صباح، الوجه الجديد حسين فهمي، حمدي غيث، المطرب اللبناني وديع الصافي، وعبد المنعم إبراهيم، لتقدم فيه صباح وابنتها شخصيتيهما الحقيقيتين. وافقت صباح المطربة المشهورة على سفر ابنتها هويدا للعمل في القاهرة في أحد الملاهي الليلية، وهناك تعرفت إلى شريف وأحبته. أخبر شريف والده حسن برغبته في الزواج من هويدا، فاستنكر الأب تصرف ابنه، فهو قد وقف سابقاً ضد زواج أخيه علي (رشدي أباظة) من صباح والدة هويدا وما زال يعيش ذكريات حبه لها. لم يجد شريف من سبيل إلا أن يخبر عمه بمأساته، فشجعه على الاستمرار في حبه والحفاظ عليه والفوز بقلب من يحب.

قبل أن ينتهى رشدي من تصوير «نار الشوق» كان المخرج محمد سلمان قد اتفق معه على فيلم «الضياع»، قصة فارس يواكيم وحوراه، سيناريو محمد سلمان وإخراجه، أمام كل من سميرة أحمد، غسان مطر، ناهد شريف، نادية الجندي، عماد حمدي، وهند طاهر.

لم يكن قد مرّ أسبوعان على تصوير «الضياع» عندما دخل الفنان غسان مطر المسرح وهو يبكي صارخاً في الجميع: جمال عبد الناصر مات... جمال عبد الناصر مات.

كانت صدمة قاسية للجميع، خصوصاً رشدي، فرغم خلاف الأباظية مع الثورة وما فعلته بهم ككثير من عائلات الإقطاع، فإن رشدي كان يحب جمال عبد الناصر حباً خاصاً، فشعر بأن والده الذي مات. ومثلما خرجت جنازات من كل المدن العربية لتودع زعيم الأمة، خرجت جنازة أيضاً من بيروت، وقرر رشدي إقامة عزاء في الفندق حيث يقيم لاستقبال المعزين الذين جاؤوا من كل أرجاء بيروت وضواحيها.

لم يستمر رشدي طويلاً في لبنان، بل عاد إلى القاهرة في آخر يوم تصوير، ووجد فيلماً آخر في انتظاره كان حدثه عنه المخرج هنري بركات قبل السفر، لكنه كان تأجل لبعض التعديلات في السيناريو كما طلب عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، كاتب القصة. وما إن انتهت التعديلات حتى بدأ بركات التصوير مع بقية أبطال الفيلم: سعاد حسني، زبيدة ثروت، محمود المليجي، حسن مصطفى، وانضم إليهم رشدي، قبل أن يعاودوا جميعاً السفر إلى تونس لاستكمال تصوير مشاهد الفيلم، حيث شاركهم فيه الفنان التونسي علي بن عياد.

في تونس انتهى رشدي من تصوير أحد المشاهد الغرامية بينه وبين سعاد حسني، ما زاده اشتعالا، وحرك مشاعره الدفينة تجاهها، فوجد أنه لم يعد قادراً على أن يمنع نفسه أكثر من ذلك من مصارحتها بحبه لها. وكلما حاول صدت محاولته، فلم يجد سوى أن يركع على ركبتيه أمامها... ويمسك بيدها:

* أعمل إيه تاني؟ اركعلك على ركبي... ماشي... أهو... سعاد حرام عليك... أنا بحبك.

back to top