تأمل في معنى الخشوع!

نشر في 24-07-2014
آخر تحديث 24-07-2014 | 00:01
 د. ساجد العبدلي تواترت كتب السير والتاريخ على رواية أن التابعي الجليل عروة بن الزبير خرج إلى الخليفة الوليد بن عبدالملك، فظهرت به قرحة الآكلة في رجله وهو في الطريق، فاشتد به السقم حتى قدم على الوليد وهو محمول، فجاء الأطباء وأجمع رأيهم على أنه إن لم يقطعوها قتلته، فقالوا: اشرب المُرقّد (مخدر)، فقال: امضوا لشأنكم، ما كنت أظن أن خلقاً يشرب ما يزيل عقله حتى لا يعرف ربه عز وجل، ولكن هلموا  فاقطعوها، ولما دعي الجزار ليقطعها قال له: نسقيك خمراً حتى لا تجد لها ألماً، فقال: لا أستعين بحرام الله على ما أرجو من عافية، إن كنتم لا بد فاعلين فافعلوا ذلك وأنا في الصلاة، فإني لا أحس بذلك ولا أشعر به، فوضع المنشار على ركبته اليسرى وهو يصلي فنشروها فما حرك عضواً عن عضو، وصبر حتى فرغوا وهو يهلل ويكبر، ثم إنه أغلي له الزيت في مغارف الحديد وحسم به موضع البتر فغشي عليه، وهو في ذلك كله كبير السن، وكان صائما فما تضور وجهه، فأفاق وهو يمسح العرق عن وجهه.

وفي رواية أخرى، جاء في صحيح البخاري أنه روي عن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه وأرضاه- أنه قال: إني لأجهز جيوشي وأنا في الصلاة، وجاء أيضا في مصنف ابن أبي شيبة أنه قال، قال عمر: "إني لأحسب جزية البحرين وأنا في الصلاة".

ما بين هذه الروايات المختلفة، توقفت لمرات عديدة أتأمل في معنى "الخشوع" في الصلاة، وأتساءل: هل المراد بالخشوع حالة غياب واستغراق وانقطاع عن الوعي بالدنيا إلى درجة يمكن أن تصل بالإنسان إلى أن يفقد بها إحساسه بالألم الشديد، كحالة التابعي الجليل عروة، أم أنها حالة معاكسة لهذا تماما، أي حالة تفكير واستحضار ذهني حاد، كحالة الفاروق عمر؟!

بحثت في معنى لفظ الخشوع لغوياً، فوجدت ابن منظور يقول في لسان العرب: خَشَعَ يَخْشَعُ خُشُوعاً واخْتَشَعَ وتَـخَشَّعَ رمى ببصره نحو الأَرض وغَضَّه وخَفَضَ صَوته. وخَشَع بصرُه: انكسر. وبحثت أيضا في معنى المصطلح في الشرع فوجدت أنه روي عن علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- أنه قال: الخشوع في القلب، وأن تلين كنفك للمسلم، وألا تلتفت في صلاتك، وعنه قال: الخشوع خشوع القلب، وألا تلتفت يميناً ولا شمالاً، وكذلك وجدت شيخ الإسلام ابن تيمية قد قال: الخشوع يتضمن معنيين، أحدهما التواضع والذل، والثاني السكون والطمأنينة، وذلك مستلزم للين القلب المنافي للقسوة، فخشوع القلب يتضمن عبوديته لله وطمأنينته أيضا، ولهذا كان الخشوع في الصلاة يتضمن هذا وهذا التواضع والسكون.

واتضح لي لذلك أن الأصل في المسألة خشوع القلب، أي انكساره لله وخضوعه وسكونه عن الالتفات إلى غير من هو بين يديه، وإذا خشع القلب خشعت الجوارح كلها تبعاً وسكنت، وأما الحالة العقلية فيحتمل فيها أن تكون أيضا في حالة انقطاعية استغراقية في الذات الإلهية ما بين دعاء وتسبيح وتكبير وتهليل، أو أن تكون في حالة استحضارية تفكيرية في شأن من شؤون الإنسان، كبيرها وصغيرها، يبتغي العبد وهو داخل في صلاته خاشعا خاضعا معونة الله عز وجل وبركته.

اللهم اجعلنا من الخاشعين.

back to top