«الدب» يخرج من قفصه!

نشر في 23-07-2014 | 00:01
آخر تحديث 23-07-2014 | 00:01
 ماثيو كونتينيتي "الدب يخرج من قفصه"! هذا ما يقوله الرئيس أوباما كلما غادر البيت الأبيض لزيارة مقهى "ستاربكس" أو متاجر السندويشات أو الأطباق المشوية أو مطاعم الحي، في محاولاته المتكررة والمثيرة للشفقة للتواصل مع "الناس الحقيقيين"، قيل إن أوباما يشعر بالإحباط والقلق الشديد وقد سئم من مسؤولياته وواجباته الرئاسية، فهو يعتبر نفسه أشبه بالدب الذي يهرب من عرينه، بمعنى أنه مخيف وجامح وغير مروّض وهائم، لكنه يجامل نفسه، أوباما لا يشبه الدب المخيف، بل إنه أقرب إلى جرو وديع: فهو ضائع وساذج ونفعي ومتردد وغير مسؤول ويهتم برغباته الخاصة، فـ"الدب" الحقيقي موجود في موسكو.

يمكن ربط أي نقطة ساخنة في العالم بروسيا وحاكمها الاستبدادي: فإيران: روسيا ساعدت برنامجها النووي طوال عقود، وسورية: روسيا هي التي تعقد صفقات تجارة الأسلحة لبشار الأسد، والعراق: روسيا ترسل الرجال والمواد إلى الحكومة المركزية، وأفغانستان: استعرض بوتين قوته في قيرغيزستان المجاورة لإقفال قاعدتنا الجوية هناك، علماً أنها قاعدة أساسية للنقل وإعادة التزود بالمعدات والاستطلاع في الحرب ضد "طالبان". ينجم التصادم المؤسف بين الولايات المتحدة وألمانيا عن إقدام إدوارد سنودن على خرق الأمن القومي، فأين سنودن؟ هو موجود في روسيا حيث طلب تجديد تأشيرته مؤخراً. أتساءل إذا كان فلاديمير بوتين سيوافق؟

ثم نصل إلى أوكرانيا حيث كان بوتين يحرك الأحداث منذ شهر مارس، حين ضم شبه جزيرة القرم إلى بلده بطريقة غير شرعية، ظن الغرب أن العقوبات ستخيف بوتين وستجبره على الانسحاب، فخلال فترة معينة، سحب قواته من الحدود الأوكرانية وترك القتال في شرق أوكرانيا للانفصاليين المدرَّبين والمسلحين بقيادة القوات الروسية الخاصة، وظن الغرب أنه يستطيع تجاهل الوضع وافترض البعض أن حرب العصابات في الشرق لا تهدد الديمقراطية في كييف، فعاد الاقتصاد الأوكراني إلى جموده وانتخب الأوكرانيون رئيساً، واعتبر الرئيس أوباما في خطاب "ويست بوينت" أن سياسته في أوكرانيا هي مثال على "قدرتنا على توجيه الرأي العام العالمي و"عزل روسيا".

يا لها من عزلة! حتى عندما تحولت أنظار الغرب إلى الشرق الأوسط، تابعت روسيا التحرك من دون رادع واستمرت الحرب الأوكرانية، ففي الفترة الأخيرة، حين استعاد الرئيس الأوكراني الجديد بيترو بوروشينكو مدينة سلوفيانسك، كشف بوتين عن خططه سريعاً. ظهر الجنود الروس مجدداً على طول الحدود (أكثر من 10 آلاف عنصر)، وأصبحت الأسلحة التي توفرها روسيا للمتمردين أكثر تطوراً، وفي وقت سابق من هذا الأسبوع أسقط صاروخ طائرة شحن أوكرانية، وتم إطلاق الصاروخ من روسيا، وكشف يوم الخميس عن أحدث نتائج غير مقصودة للحرب الروسية على الاستقلال الأوكراني: تحطّم طائرة ماليزية تحمل 295 روحاً، وبدأ الهجوم يحتدم وعدد الضحايا يثير السخط العام، لكنّ إسقاط الرحلة "إم. إتش. 17" ليس أول أثر غير متوقع للحرب التي بدأها فلاديمير بوتين في أوكرانيا ولن يكون الأخير.

قالت هيلاري كلينتون عن سياسة "إعادة ضبط العلاقات" التي طبقتها الولايات المتحدة مع روسيا حين كانت وزيرة الخارجية: "أظن أنها كانت ضربة عبقرية"، ويبدو أن مفهومها عن العبقرية غريب، فتلك السياسة جعلتنا نعيش في عالمٍ تبقى فيه جورجيا محتلّة بطريقة غير شرعية، وتفتقر بولندا والجمهورية التشيكية للدفاعات الصاروخية اللازمة، ويعجز الأهالي الأميركيون عن تبني الأطفال الروس، وتحلّق القاذفات الروسية على بُعد 50 ميلاً من ساحل المحيط الهادئ، وتشهد أوكرانيا انقساماً داخلياً، وترتفع احتمالات الحرب الميدانية في أوروبا الشرقية، ويقول بوتين إن العقوبات الأميركية ضد مناصريه ستقود العلاقات الثنائية إلى "طريق مسدود".

حين أسمع تعليقات كتلك التي أدلت بها كلينتون، وحين أصغي إلى السكرتير الصحافي للبيت الأبيض جوش إرنست وهو يقول بكل جدية إن إدارته "عززت بنسبة كبيرة هدوء المجتمع الدولي"، أشعر أنهم ضائعون وسط معمعة حرب الكرملين غير الخطية، وكأنهم وقعوا بدورهم ضحية الخطة الروسية المبنية على الخداع والمناورات والحملات الدعائية والمعلومات المغلوطة.

كتب بيتر بوميرانتسيف: "الحرب غير الخطية هي الوسيلة التي يستعملها المعتدي الجيوسياسي لتجاوز ضعفه النسبي. هذه الرؤية تستميل شريحة واسعة من الناخبين في أنحاء العالم وكل من ينتابه الكره تجاه الغرب ويجتاحه شعور بأن نموذج "القرية العالمية" مزيف أصلاً". حقق التلاعب الروسي بالخطاب والمشهد العام والأمنيات وسذاجة الآخر نجاحاً باهراً لدرجة أن إدارة أوباما تظن أنها حققت إنجازاً مهماً، لكنها لم تفعل، بل حصل العكس: تخلى الرئيس أوباما عن المكانة الأميركية وأهمل مسؤوليات الولايات المتحدة بصفتها الجهة التي تضمن الأمن الدولي.

تركز مؤشرات "عالم ما بعد حقبة النفوذ الأميركي" على إنجازات اقتصادات مجموعة "بريك"، وتنامي ثقافة شبابية تدرك الوقائع العالمية وتبرع في استعمال التكنولوجيا، وعدالة الولايات المتحدة المستضعفة، وأهمية المؤسسات والمؤتمرات وأصحاب المصالح لحل الصراعات العالمية بالوسائل الدبلوماسية، لكنها لا تذكر أي تفاصيل عن الواقع اليومي في عالم ما بعد النفوذ الأميركي: العناوين الرئيسية التي نقرؤها عن تحرك فلاديمير بوتين من دون رادع، وارتفاع أعداد القتلى والجرحى في الحروب الأهلية بسبب الأسلحة والمساعدات التي توفرها روسيا، واستفحال الأكاذيب والمؤامرات والمشاعر المعادية للأميركيين نتيجة العمليات الروسية، ووقوع الأحداث غير المتوقعة والحالات الطارئة والأضرار الجانبية نتيجة حركات التمرد والصراعات، فلا عجب في أن يتم تجاهل هذه العوامل كلها: هذه الكلمات المتنافرة لا تتماشى مع أجواء الإرهاق والتهالك والتعب من الحرب.

لا مجال للتراجع الآن، فقد كتبت صحيفة "وول ستريت جورنال": "يواجه أوباما حالة من الفوضى لم نشهدها منذ السبعينيات"، فالميليشيات والجنرالات الفاسدون في ليبيا، والصراع بين "حماس" وإسرائيل، و"حزب الله" والأسد وإيران في مواجهة الثوار السُّنة ودولة الخلافة، واحتمال تصنيع قنبلة إيرانية، والحرب في أوكرانيا، والانسحاب من أفغانستان، وإقدام الصين على مضايقة الدول المجاورة لها: هذا هو نطاق الاضطرابات العالمية اليوم.

أعلنت حملة هيلاري كلينتون في عام 2008: "إنها الساعة الثالثة فجراً وأولادكم ينامون بأمان، لكن ثمة هاتف في البيت الأبيض وهو يرنّ بشكل متواصل". الأحداث "متلاحقة" في هذا العالم "الخطير". "من تريدون أن يجيب على الهاتف؟".

اكتشفنا الجواب اليوم: الهاتف لا يرن في البيت الأبيض، بل يرن في الكرملين، والرجل الذي يجيب على الهاتف هو فلاديمير بوتين.

* رئيس التحرير في موقع "واشنطن فري بيكون".

"ناشيونال ريفيو أونلاين"

back to top