عقوبة ظالمة

نشر في 23-07-2014
آخر تحديث 23-07-2014 | 00:01
 بروجيكت سنديكيت إن أفضل مراجعة قرأتها لكتاب توماس بيكيتي رأس المال في القرن الحادي والعشرين حتى الآن هي تلك التي نشرها صديقي الذي شاركني أيضاً في تأليف العديد من الكتب لورانس سمرز في مجلة الديمقراطية التي يملكها مايكل تومسكي، وما عليكم إلا أن تقرؤوا المراجعة بالكامل.

أما زلتم هنا؟ تقولون إنكم غير راغبين في قراءة 5000 كلمة؟ أؤكد لكم أنكم لن تهدروا وقتكم، ولكن ما دمتم هنا فلن أقدم لكم موجزاً ولا خطوطاً عريضة للمراجعة، بل أعرض عليكم امتداداً وجيزاً لنقطة جانبية صغيرة وبسيطة في مراجعة سمرز عن الفلسفة الأخلاقية.

يقول سمرز: "هناك الكثير مما يستحق الانتقاد في ترتيبات الحوكمة والشركات القائمة، غير أنني أعتقد أن أولئك من أمثال بيكيتي الذين يرفضون فكرة وجود أي ارتباط بين الإنتاجية والمكافأة أو الأجر لا بد أن تكون لنا وقفة صغيرة معهم. لماذا؟ إن المسؤولين التنفيذيين الذين يجلبون أكبر قدر من المال لا يديرون شركات عامة، ولا يضعون أصدقاءهم في مجالس إداراتها، بل إنهم بدلاً من ذلك مختارون من شركات أسهم خاصة لإدارة الشركات التي يسيطرون عليها، وليس المقصود من هذا بأي حال من الأحوال تقديم مبرر أخلاقي للمكافآت المفرطة، بل المقصود فقط طرح تساؤل حول القوى الاقتصادية التي تولدها". تشير الجملة الأخيرة إلى أن مناقشتنا الفلسفية الأخلاقية حول "من يستحق وماذا" أصبحت متشابكة مع اقتصادات نظرية توزيع الدخل في الإنتاجية الهامشية على نحو غير مفيد على الإطلاق، ولنفترض أن هناك حقاً بعض صناع القرار الذين هم على استعداد لدفع ثروة غير مقيدة لاستئجارك في صفقة حقيقية بين طرفين مستقلين، ليس لأنهم مدينون لك بجميل في الماضي أو لأنهم يتوقعون منك مجاملتهم في المستقبل، وهذا كما يقول سمرز لا يعني أنك "تكتسب" أو "تستحق" الثروة التي تتقاضاها بأي معنى مناسب.

فإذا فزت في اليانصيب- وإذا كان الغرض من الجائزة الكبرى التي تلقيتها حث الآخرين على المبالغة في تقدير فرصهم في الفوز وشراء تذاكر اليانصيب وبالتالي إثراء القائمين على اليانصيب- فهل أنت "تستحق" مكاسبك؟ لا شك أنك سعيد بالحصول على المال، ومن المؤكد أن القائمين على اليانصيب سعداء بالدفع لك، ولكن الآخرين الذين اشتروا تذاكر اليانصيب ليسوا سعداء، أو ربما لن يكونوا سعداء إذا أدركوا حقاً مدى ضآلة فرصهم وكيف أن فوزك مضبوط بهدف تضليلهم.

ولكن هل تشعر بأي التزام بإنفاق حياتك بعد الفوز في إخبار الجميع بأن ما ينبغي لهم أن يقوموا به حقاً هو أن يضعوا أموالهم التي يشترون بها تذاكر اليانصيب في حساب تقاعد من الأسهم العادية المفضلة ضريبيا، حيث يمكنهم بدلاً من المقامرة بأموالهم الحصول في واقع الأمر على 5% سنوياً من أموالهم؟ هل أنت ملزم أخلاقياً مثل ملاح كوليردج القديم بإخبار كل من تصادفه في طريقك بقصتك؟ أقول إنك ملزم بهذا بكل تأكيد، وأقول أيضاً إن نفس الشيء ينطبق بشكل أكثر عموماً على مولدات عدم المساواة التي نطلق عليها نحن خبراء الاقتصاد "مسابقات"، ويبدو أن المسابقات تبين أنها آليات تحفيز مفيدة حقا: فهي تقدم بضع مكافآت كبيرة، ويندفع كثيرون إلى تجربة حظهم، ولكن نظراً للنفور البشري من المجازفة، فإن السبب الوحيد المعقول لتنظيم مسابقة هو أنها تفرض تشوهات معرفية على المشاركين المعتادين، وأنت، بوصفك المنظم، تلحق بهم الأذى- بالتأثير في عقولهم- من خلال تغذيتهم بالتشوهات؛ أو أنك على الأقل تساعدهم وتحرضهم على إلحاق الأذى بأنفسهم (لأنهم مثلهم في ذلك كمثل المشاركين في اليانصيب يقررون اختياراتهم بحرية). ولكن الأمر لا ينتهي عند هذا الحد، فلنفترض أنك على نحو أو آخر تحصل على مقابل منتج هامشي حقيقي تقدمه لمجتمعك، وحقيقة أنك محظوظ بالقدر الكافي لكي تصبح في وضع يمكنك من استخراج منتجك الهامشي هي في واقع الأمر مسألة حظ، فآخرون ليسوا على نفس القدر من الحظ، وهناك آخرون يكتشفون أن قوة المساومة محدودة، ربما بما قد تكون عليه مستويات معيشتهم إذا انتقلوا إلى منطقة يوكون وأقاموا بعيداً عن اليابسة. ولكن هل تستحق ما يصيبك من حظ؟ بحكم التعريف، كلا: فلا أحد يستحق الحظ، وبأي شيء أنت مدين لأولئك الذين هم في وضع يسمح لهم بالحصول على ما يستحقون إذا لم تكن محظوظاً بالقدر الكافي للوصول إلى هناك أولا؟

وبطبيعة الحال، وبأي مقياس قد تعتبر أن صنيعك هو الذي سمح لك بأن تعيش في البيئة المناسبة لجعل نفسك ومهاراتك عالية الإنتاجية في اقتصاد اليوم؟ وكيف على وجه التحديد اخترت أن تولد للأبوين "المناسبين"؟ ولماذا في نهاية المطاف لا تُعَد نتائجك الموفقة نابعة من الحظ المحض غير المستحق؟ الحق أننا قد ننخرط في مناقشة أكثر وضوحاً لقضايا مثل عدم المساواة والتوزيع إذا التزمنا ببساطة باعتبارات الرفاهية الإنسانية والحوافز المفيدة، وما يتبقى يتلخص في أيديولوجية الجدارة؛ وكما يوحي الاستقبال الذي حظي به كتاب بيكيتي، فإن هذه الأيديولوجية ربما بلغت منتهاها الآن.

* جايمس برادفورد ديلونغ | James Bradford DeLong، مساعد وزير الخزانة الأسبق في الولايات المتحدة، وأستاذ الاقتصاد في جامعة كاليفورنيا في بيركلي، وباحث مشارك لدى المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية.

«بروجيكت سنديكيت، 2017» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top