أنجيلا ميركل... هل تتنحى؟ (2-2)

نشر في 23-07-2014 | 00:02
آخر تحديث 23-07-2014 | 00:02
بلغت أنجيلا ميركل 60 عاماً واحتفلت بمسيرتها السياسية التي بلغت ذروتها، وهي تتمتع بشعبية واسعة ولا منافس لها في السلطة. مع ذلك، يظن كثيرون في حكومتها وحزبها أنها ربما تتنحى من منصب المستشارة قبل انتهاء ولايتها الراهنة. نيكولاس بلوم كتب تحقيقاً حول هذا الاحتمال في {شبيغل}، هنا الحلقة الثانية والأخيرة منه.
لا تتضح مكانة ألمانيا كزعيمة لأوروبا إلا خلال الأزمات، أي حين تستدعي الظروف التدخل أو تطالب الدول الأعضاء المتخبطة في منطقة اليورو بتدخلها. لكن في الأوقات الأكثر هدوءاً، تضطر أنجيلا ميركل إلى المطالبة بتولي دور قيادي ناشط. يقول أحد أهم المصرفيين الألمان الذين يقابلون ميركل من وقت إلى آخر: «لكنها لا تجرؤ على القيام بذلك». مع ذلك، يبرز بعض المواضيع المهمة بالنسبة إلى المستشارة خلال ولايتها الثالثة.

تنوي ميركل تعديل قوانين منطقة اليورو لجعل العملة الموحدة أكثر قدرة على مقاومة الأزمات، وتأمل بأن تضمن تعافي الدول الأعضاء اقتصادياً وتجديد العلاقة العابرة للأطلسي مع الولايات المتحدة رغم الكشف عن تجسس وكالة الأمن القومي. كذلك، ينشغل كثيرون الآن بتحديد كيفية نجاح المجتمعات الغربية في فرض سيطرة أكبر على عملية الرقمنة العالمية.

لمعالجة المسألة الأخيرة، دعت ميركل ماتياس دوبفنر، رئيس دار النشر الألمانية النافذة «أكسل سبرينغر»، إلى عقد اجتماع في 5 مايو الفائت. فتحدثا عن شركة «غوغل» الأميركية وتأثيرها على تغيير شكل المنافسة والمجتمع نحو الأسوأ. تحدثت ميركل أيضاً عن لودفيغ إرهارد، المستشار الألماني السابق الذي كان أحد أبرز مؤيدي اقتصاد السوق الاجتماعي السائد في ألمانيا. فقالت إن هذا النظام يفترض أن تكون قوة الشركات الفردية محدودة بسبب المنافسة الحرة وأنظمة الدولة. كذلك أخبرت دوبفنر بضرورة أن تحتفظ ثوابت اقتصاد السوق الاجتماعي بالمصداقية في هذا العصر الرقمي.

سيكون المشروع ضخماً، بمعنى أن صانعي السياسة سيرغبون في فرض السيطرة على الرأسمالية الرقمية العالمية كما يفعلون في الأسواق المالية العالمية. لكنّ هذه المهمة الضخمة هي من النوع الذي كانت ميركل تتجنبه تاريخياً، وقد بقيت تعليقاتها العلنية أكثر تحفظاً كما كان متوقعاً.

مع ذلك، تلفظت حديثاً بعبارة كان لها وقع أكبر من العادة. فقد قالت في بداية الفترة التشريعية: «تنوي الحكومة الائتلافية الكبرى أن تجعل وسائل الحياة الميسورة متوافرة للجميع».

ربما كان ذلك التعليق يعكس مقاربتها الشاملة تجاه المجتمع والسياسة. فضلاً عن أنها أدلت بذلك التعليق بنبرة أم تقرأ قصة هادئة لأولادها قبل النوم (لم ينشأ هذا الانطباع لمجرد أنها كانت جالسة وهي تتكلم بسبب حادثة التزلج التي تعرضت لها). بل دفع هذا التعليق كثيرين إلى التساؤل حول نيّتها اتخاذ خطوات معينة تمهيداً لتحقيق ذلك الهدف المعلن. حتى الآن، لم تصدر أي إجابة مُرضِية.

طريقة تنحيها

كان غياب التفاصيل يحمل مؤشرات كثيرة. بما أن ميركل لم تحدد أي أهداف عظيمة يمكن أن تساعدنا على تقييم أدائها، فهي وضعت نفسها في موقف صعب: قد يفتقر عهدها إلى نهاية واضحة. يقول كثيرون ممن يعرفونها إنها لا تريد أن ترحل رغماً عنها كما حصل مع هلموت كول أو غيرهارد شرودر. لكنّ أسلوبها في القيادة يجعل هذه النهاية ممكنة في حالتها.

لا تريد ميركل أن تترك منصب المستشارة وزملاءها الديمقراطيين المسيحيين في حالة ضياع بعد رحيلها. بما أن حزبها والائتلاف الحاكم تجنبا حتى الآن الفضائح والخلافات، يوليها الناخبون الألمان ثقة كبيرة في المرحلة الراهنة بحسب رأي أحد أعضاء الحكومة. يحب الألمان الحفاظ على الهدوء علماً أنهم ينظرون إلى السياسة بدرجة معينة من انعدام الثقة. وللحفاظ على ذلك الهدوء، تريد ميركل أن تسلّم منصبَيها، كمستشارة ورئيسة حزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي»، إلى وريث واحد.

وفق المعطيات الراهنة، يبدو أن المرشحة الأبرز هي أورسولا فون دير لاين، مع أنها لا تجيب صراحةً عن الموضوع. تقول فون دير لاين التي ترأس راهناً وزارة الدفاع: «لكل جيل مستشاره. وفي جيلي، تلك المستشارة هي أنجيلا ميركل». هي ترفض أن تستفيض أكثر من ذلك.

حتى منتقدي فون دير لاين في أوساط المحافظين المؤيدين لميركل يعترفون بأنهم سيدعمونها إذا دعت الحاجة. هم يقولون إن فون دير لاين هي «المستشارة العرضيّة»، بمعنى أنها ستستلم المنصب إذا حدث شيء لميركل. هي أوضحت أنها مستعدة لذلك كونها لم تحاول إخفاء رغبتها في تولي منصب وزيرة الدفاع. لكن ما ينساه الكثيرون هو أن ميركل هي التي منحتها تلك الوزارة، ما يشير بكل وضوح إلى أنها أرادت تعليم فون دير لاين درساً سريعاً في السياسة الخارجية لتحضيرها للمنصب الأعلى.

لا شك في أن أي تحرك مماثل لتعيين خلف ميركل خلال الفترة التشريعية الراهنة سيتطلب دعم شريك المستشارة الأصغر في الحكومة الائتلافية: «الحزب الديمقراطي الاجتماعي». لكن يقول مسؤول محافظ بارز إن «سيغمار غابرييل لن يتحلى بالجرأة الكافية» للتنحي من منصبه. تركز خطة رئيس «الحزب الديمقراطي الاجتماعي» لاستعادة منصب المستشار على انتخابات عام 2017. سيصعب تفسير الانسحاب من الائتلاف الراهن أمام الناخبين من دون حجة منطقية واضحة.

يدرك غابرييل أيضاً أنه يحتاج إلى بضع سنوات إضافية لإعادة حزبه إلى مركز السياسة الذي يضمن الفوز بالانتخابات في ألمانيا. مع ذلك، ستؤدي استطلاعات الرأي العام دوراً حاسماً في ذلك القرار. إذا حصد «الحزب الديمقراطي الاجتماعي» أكثر من 30% من التأييد بعد تنحي ميركل، قد يفكر الحزب بتجربة حظه في حملة قصيرة ضد «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» في ظل غياب ميركل. لكن إذا أشارت الاستطلاعات إلى نسبة تأييد أقل (هكذا هو الوضع حتى الآن)، سيتجنب الحزب على الأرجح أخذ مجازفة مماثلة.

باختصار، تبدو ميركل في موقع يخولها السيطرة على طريقة تنحيها. فهي قالت في إحدى المناسبات: «لطالما تمكنت من إيجاد شريك يريد أن يحكم معي». يمكن قول الأمر نفسه طبعاً عن عملية البحث عن خلف لها في دار الاستشارية وفي حزبها.

ماذا بعد منصب المستشارة؟

من المعروف أن ميركل تفكر ملياً في النتيجة النهائية لما تفعله. ما الذي ينتظرها إذاً بعد منصب المستشارة؟ زرع البطاطا في مزرعتها في شمال برلين؟ أم السفر حول العالم مع زوجها؟ يظن كثيرون في أوساط حكومة برلين أن التقاعد بهذا الشكل الهادئ احتمال وارد. لكن يظن عدد أكبر منهم أنها ستبقى في المعترك السياسي. يقولون إن ميركل لا تستطيع العيش من دون سياسة.

يمكن التفكير في منصبين دوليين يليقان بها: رئيسة المجلس الأوروبي، أي الهيئة النافذة التي تمثل قادة 28 دولة عضو في الاتحاد الأوروبي، أو أمينة عامة للأمم المتحدة. تمتد ولاية المنصب الأول على سنتين ونصف السنة وسيصبح الموقع شاغراً مجدداً في بداية عام 2017. كذلك، تحب ميركل المناورة في البيئة السياسية المعقدة في بروكسل، كذلك تتمتع بالخبرة في السياسة الأوروبية أكثر من أي رئيس دولة أو حكومة في أوروبا راهناً. يقول إلمار بروك، عضو في البرلمان الأوروبي من «الاتحاد الديمقراطي المسيحي»: «يتصور كثيرون في بروكسل أن تستثمر أنجيلا ميركل تجربتها وطاقتها في أوروبا. وستحصد دعماً واسعاً».

سيصبح منصب أمين عام الأمم المتحدة شاغراً في نيويورك اعتباراً من يناير 2017، وسيتم تعيين خلف بان كي مون في منتصف عام 2016. في الفترة الأخيرة، كتبت صحيفة «لوكسمبورغ وارت» الرائدة مقالة مطولة عن احتمال ترشح ميركل لذلك المنصب، لكن سارع متحدث المستشارة إلى نفي الأمر. مع ذلك، لا تزال التكهنات مستمرة. قال أحد الأعضاء البارزين في «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» خلال حدث مسائي في الفترة الأخيرة: «حان دور الأوروبيين».

ذكر عضو آخر في البرلمان الألماني: «في 1 يناير 2017، سيستلم خلف بان كي مون منصبه. إنه تاريخ مثالي لأنه يقع في مرحلة مبكرة بما يكفي قبل الانتخابات العامة المقبلة في ألمانيا».

يصعب أن نتخيل أن تواجه ميركل معارضة شديدة في أوروبا أو في العالم إذا عبّرت عن اهتمامها بأحد تلك المناصب. بل يبدو أن وعدها السابق هو الأمر الوحيد الذي يقف في طريقها. قبل انتخابات السنة الماضية، أصرت على أنها تنوي البقاء في منصبها حتى انتهاء ولايتها الثالثة إذا أعيد انتخابها. إذا أرادت أن تسيطر على طريقة رحيلها، فيجب أن تنكث بوعدها.

لكن لا يُعتبر هذا العائق كبيراً على الأرجح. في النهاية، لا يستطيع المرشحون أن يعبّروا عن رغبتهم في البقاء في منصبهم لجزء من ولايتهم وفق القاعدة الأساسية في عالم السياسة. سيضعهم هذا التصريح في موقف ضعف وتدرك ميركل هذا الأمر جيداً.

بالتالي، إذا برزت الحاجة إلى توافر الدوافع والوسائل والفرص معاً للقيام بتحرك معين، فلا تبدو التوقعات في شأن رحيل ميركل في مرحلة معينة من ولايتها الراهنة مستبعدة. تتعدد الأحداث التي يستحيل توقعها ويمكن أن تؤجل رحيلها من عالم السياسة الألمانية، مثل وقوع اعتداء كارثي في البلد أو تجدد أزمة اليورو أو حدوث تصعيد عسكري في أوروبا الشرقية. حتى إن ميركل قد تصبح مولعة بمنصبها لدرجة أنها قد ترفض الرحيل. لكن تبقى الفرضية الأخيرة مستبعدة. خلال السنوات التسع التي أمضتها في هذا المنصب المرموق، تقلّ المؤشرات على أنها أدمنت على السلطة.

ستتفاجأ ألمانيا على الأرجح، في المستقبل القريب، بالأنباء التي تقول إن ميركل حددت خلفاً لها وأنها تخطط للبقاء في منصبها لبضعة أسابيع إضافية. بعد هذا التحرك، ستتفوق على أسلافها الرجال الذين كانوا يعتبرون ألا غنى عنهم في منصب المستشار. بعد هذا التحرك، ستحقق ميركل مجدداً ما تريده.

أنجيلا ميركل... هل تتنحّى؟ (1-2)

back to top