مديحة يسري... سمراء النيل: طلبت الطلاق بعد {معجزة من السماء} (24)

نشر في 22-07-2014 | 00:02
آخر تحديث 22-07-2014 | 00:02
لم يكن أمام النجمين والزوجين مديحة يسري ومحمد فوزي حل لوقف مسلسل الإشاعات الذي مسّهما مراراً، سوى أن يجمعهما عمل مشترك، فلم يعد الظهور في المناسبات الاجتماعية يغني عيون الصحافة المتعطشة لأخبار تقدمها لجمهورها، خصوصاً أن آخر لقاء فني جمعهما كان قبل أربع سنوات، ما أسهم في ترويج إشاعات حول الانفصال.
حينما كلفا السيناريست علي الزرقاني بكتابة فيلم يعودان به إلى الشاشة الفضية بعد طول غياب، لم يتخيل فوزي ومديحة أن «معجزة السماء» الذي أخرجه عاطف سالم، سيكون آخر عمل فني يجمعهما قبل أن يسدل الستار على أحد أشهر قصص الحب بين أبرز نجمين في الفن في تلك الفترة. الأهم أن هذا العمل كان، بحق، أقرب إلى معجزة من السماء، إذ منحهما الفرصة لأن يصلحا ما أفسدته الأيام. باختصار، يمكن اعتباره أقرب إلى «قبلة الحياة» لعلاقة كادت تموت تارة بفعل الملل، وأخرى من كثرة المشاكل والمشاحنات، وثالثة بسبب الغيرة، ذلك أنهما قبل أن يبدآ تصويره، كان كل منهما مشغولا بأجندته الفنية الخاصة، هو ينتج لحسابه فيلماً ويشارك في آخر، وهي أيضاً تنتج فيلماً لحسابها وتشارك في آخر، وعندما يعودان إلى البيت يكون كل منهما منهكاً، ورويداً رويداً زحف الملل إلى القفص السعيد، وعرفت الخلافات طريقها إلى أكثر الزيجات الفنية في ذلك الوقت نجاحاً.

وكالعادة كان فوزي يعرب عن سخطه قائلا: «دي مش عيشة يا مديحة، أنا بجد زهقت، أنا عاوز زوجة تراعيني وتراعي بيتي وابني، مش ست طول الوقت برة».

فيما كانت ردود مديحة تحاول ضبط النفس وتذكيره بوعده القديم، لينتهي النقاش بحالة من الخصام تمتد أياماً عدة قبل أن يستأنفا الحياة مجدداً.

تتذكر مديحة هذه الأيام قائلة: «السبب الرئيس لتلك المشاكل أن فوزي كان يريدني إلى جانبه باستمرار، فهو رجل متمسك بالأخلاق الريفية، حيث الزوجة أقرب إلى ظل زوجها، لا وجود لها إلا من خلاله ولدعمه ومراعاته، غير أنني في النهاية إنسان له أحلامه وطموحاته ورغبته في في تحقيق ذاته، لذا كانت هذه نقطة خلافاتنا الأساسية، يضاف إليها أن فوزي كان غيوراً، ورغم ثقته الكاملة بي، وحرصي على مراعاة شعوره، فإنه لم يكن يتحكم في غيرته، ومن ثم كانت تشتعل المشاكل بيننا، لكنها لم تتجاوز الخلافات العادية لأي زوجين».

تتابع: «رحمه الله كان الشخص نفسه، في البيت كما في الأستوديو وكما في الأفلام، امتاز بالبساطة والتلقائية في تصرفاته حتى في الشخصيات التي أداها في أفلامه، كان رجلا مرحاً، يحب الحياة ويكره النكد، متسامحاً، فعندما تحدث مناقشة بسيطة أو اختلاف في الرأي بيننا، كان يذهب إلى مكتبه ثم يعود إلى تناول الغداء، وبمجرد أن يجلس على المائدة من دون أن أتحدث بكلمة، يسألني عن سبب غضبي ويكون كالعادة قد نسي، ويردد: «ياه أنتي لسه فاكرة»، لم يكن يحب أن يراني في ضيق، فإما أن يأخذني للسهر أو يحاول أن يضحكني بأي طريقة، وأكثر ما كان يزعجه في الإشاعات، أن يردد أحدهم أنني أنفق على المنزل، ما دفعه إلى نفي ذلك، أكثر من مرة، مؤكداً أنه رجل فلاح لا يقبل على نفسه أن تصرف زوجته على المنزل، وأنه حريص على أن يؤدي التزاماته المالية تجاه أسرته حتى في الأوقات الصعبة وأثناء أزماته المالية».

ذكريات

عادت المياه إلى مجاريها أثناء تصويرهما «معجزة السماء» لدرجة أنهما اشتريا آلة للمونتاج، وتابعا عليها مونتاج فيلمهما وما يتم إنتاجه من أفلام سواء عبر شركته أو شركتها، كذلك اتفقا في ما بينهما على بيع الفيلا التي عاشا فيها، عندما قرر فوزي إنشاء أول مصنع وشركة لطبع الأسطوانات سماها «مصرفون»، فاعتبرت ضربة قاصمة لشركات الأسطوانات الأجنبية التي كانت تبيع الأسطوانة بتسعين قرشاً، بينما تبيعها شركة فوزي بخمسة وثلاثين قرشاً، وقد أنتجت شركته أغاني كبار المطربين في ذلك العصر مثل أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وغيرهما.

ورغم تفرغ فوزي لإدارة الشركة، تم تأميمها عام 1961 وتعيينه مديراً لها بمرتب 100جنيه، ما أصابه باكتئاب حاد، كان مقدمة لرحلة مرضه الطويلة التي انتهت برحيله بمرض سرطان العظام في 20 أكتوبر 1966، فإنه حرص على استشارة زوجته في الأمور الفنية ومن بينها ألحانه بوصفها المستمع الأول لها.

تضحك مديحة وهي تتذكر طقوس فوزي في التلحين قائلة: «لم تكن لفوزي طقوس معينة في التلحين بل كان يأتيه الإيحاء في أي لحظة، ولكن كثرة شروده كانت تضعه في مواقف محرجة، في البداية تسببت في مشاكل بيننا حتى اعتدت الأمر، فمثلا كنا نخرج بالسيارة نقصد مكاناً ما، فإذا به يقود بنا السيارة في اتجاه آخر، أو يفيق ليجد نفسه يسير عكس الاتجاه  وثمة سيارة أمامه، وفي إحدى المرات أعددت المائدة وانتظرته لتناول الغداء عند الثانية تماماً، وكان فوزي معتاداً أن يتصل بي ويعتذر لو اضطر إلى التأخير، ولكن في هذا اليوم تأخر وانشغلت عليه وجلست انتظره لفترة طويلة إلى جانب التليفون حتى اتصل وهو يضحك، فقلت له: أنت فين، شغلتني عليك؟ فقال لي إن ثمة إيحاء لحنياً بدأ يفكر فيه عندما كان في ميدان التحرير ولم يفق إلا وهو في المعادي، وكان هذا الموقف دائم التكرار معه».

عرفت السعادة طريقها إلى حياة مديحة وفوزي بعد فترات التوتر والخلافات، لدرجة أنه أصر أن يحتفلا، على انفراد، بعيد زواجهما التاسع، ويبدو أن هذا الاحتفال ترك أثرا طيبا في نفس مديحة لدرجة أنها دونته في مذكراتها:

«كان احتفالا غاية في البساطة والهدوء، انفردنا (أنا وفوزي) ببعضنا وجلسنا نتحدث عن أيام زمان وليالي زمان، أيام خطوبتنا وأيام شهر العسل، حتى الإشاعات تذكرناها، كذلك المشاحنات والمشاكل التي مرت بحياتنا، وخرجنا من هذه الجلسة الشاعرية بأسماء جديدة لهذا العيد، إذ سميناه «عيد انتصار الروابط الزوجية»، «عيد الإرادة»، «عيد الحياة».

وفجأة سألني فوزي سؤالاً غريباً: تفتكري يا ديحة مين المسؤول عن نجاح جوازنا؟ صداقتنا الوطيدة، أم مشاركتنا في عمل واحد، أم عمرو ابننا العزيز؟

فقلت له: كل ده يا محمد... كلها خلتنا أقوى من الأيام والإشاعات والناس.

فرد فوزي قائلا: بصراحة أنت ساحرة يا مديحة، مشاكلي ومتاعبي بتخاف منك (ضحك) بتهرب منك.

فابتسمت ولم أعلق على هذه السخرية، لكني أكتب هنا في أجندتي الخاصة أن سر نجاح زواجنا حتى الآن هو أنني أعامل زوجي على أنه طفل، أحنو عليه، وأعكف عليه، وأشفق عليه وأجامله وأعطيه كل عواطفي بلا حساب».

غيرة قاتلة

كانت مديحة في أوج شهرتها ونشاطها الفني، والأكثر طلباً من المنتجين والمخرجين، وفي صباح أحد الأيام فوجئت باتصال من الفنان حسين صدقي:

- أخبارك إيه يا مديحة، موحشكيش الشغل معايا؟

مديحة: يا خبر يا أستاذ ده أنا أتشرف.

صدقي: طيب حابعت لك سيناريو جديد يا رب يعجبك.

مديحة: فيلم إيه يا ترى؟

صدقي: خالد بن الوليد، وده إنتاج ضخم أتصور حيبقى أحد أضخم الأعمال الفنية التاريخية، وكتب السيناريو معايا حسين حلمي المهندس وعبد العزيز سلام، يا ريت يعجبك وتبقي معايا يا مديحة.

مديحة: بإذن الله يا أستاذ ده أنا أتشرف أني أشارك في عمل مهم زي ده.

أنهت مديحة تصوير الفيلم لتفاجأ باتصال آخر من صدقي يخبرها فيه بمشاركة الفيلم في أحد المهرجانات السينمائية، وفي غمرة سعادتها أخبرت فوزي أنها ستسافر مع أسرة الفيلم.

إلا أنها فوجئت برد فوزي غاضباً: أنا مش موافق على سفرك.

لم تجد مديحة سبباً لرفض زوجها سفرها، فقد اعتادت السفر والمشاركة في المهرجانات وهو يعلم أنها تحب فنها ولا سبب لرفضه وبهذه الطريقة، فتمسكت برأيها غير مهتمة برفضه، رغم أن القانون في ذلك الوقت كان يشترط موافقة الزوج كتابة قبل سفر زوجته، لكنها نجحت في تجاوز هذه العقبة.

فكرت مديحة جيداً كيف تتجاوز هذه العقبة، فاتصلت بمكتب عبد القادر حاتم، وكانت حينها وزارة الإرشاد القومي، وأخبرته برغبتها في السفر مع حسين صدقي، وطلبت منه إنهاء الإجراءات الخاصة بسفرها وهو ما حدث بالفعل.

مر أسبوع كامل على مديحة وفوزي وهما في حالة خصام تام، كانا يعيشان في بيت واحد من دون أن يتحدث أي منهما إلى الآخر، وقبل يوم من سفر مديحة عاد فوزي إلى المنزل فوجدها تحضّر حقائبها، فخرج عن صمته وسألها عن السبب، فأخبرته بموعد سفرها وبأنها ستمضي أسبوعاً هناك.

سألها فوزي عن موافقته على سفرها، فأخبرته أنها أنهت الإجراءات كافة من وزارة الإرشاد، فخرج فوزي من الغرفة من دون أن ينطق بأي كلمة، وفعلاً غادرت مديحة المنزل في اليوم التالي من دون أن تودعه، وكانت المرة الأولى التي تسافر فيها من دون أن يوصلها إلى المطار، إلا أنها، لدى عودتها إلى القاهرة فوجئت بزوجها في انتظارها في المطار.

وقف فوزي على بعد أمتار من مهبط الطائرة، حاملاً باقات الورد في يده يرحب بزوجته وإلى جواره شقيقته هاجر، فابتسمت له مديحة ونسيت خلافهما من دون أن تفهم تغيره المفاجئ في موقفه وقدومه إلى المطار، فسألت مديحة شقيقته بحكم صداقتهما عن سبب تحوله، فأخبرتها أن جريدة «الأهرام» نشرت خبراً عن انفصالهما، وأنه ارتعب عندما قرأ الخبر وخشي أن تكون قد اطلعت عليه.

ضحكت مديحة لشقيقة فوزي وأخبرتها أنها لم تطلع على الصحف المصرية خلال رحلتها بسبب تأخر وصولها، وانشغالها بالعمل ولم تفكر في متابعة ما يكتب عنها، فيما عادا إلى المنزل سويا ليستكملا حياتهما الزوجية التي لم تطل كثيراً بعد ذلك.

الخيانة مرة

رن هاتف المنزل وفوجئت مديحة بصوت صديق مشترك لم يتصل بها منذ فترة طويلة، تعجبت من اتصاله بعد طول غياب، وشعرت أنه يريد أن يخبرها أمراً مهماً لكنه لا يجرؤ على البوح، غير أنها مع ضغطها عليه اضطر إلى إخبارها أن زوجها محمد فوزي يخونها.

نزل عليها الخبر كالصاعقة، وقررت التأكد من هذا الكلام بعدما أخبرها أن بطلة القصة ممثلة مغمورة.

ولأن امرأة برج القوس تؤمن بالصراحة ولا تحب اللف والدوران قررت مواجهة فوزي، فاتصلت به هاتفياً وأخبرته بما قاله الصديق المشترك، إلا أنها فوجئت بصمته، فأغلقت الهاتف.

لأيام أقام فوزي في مكتبه ورفض العودة إلى المنزل لمواجهتها، وبعد أيام سود عاشتها كانت كمن طعنها بسكين بارد، فوجئت بحلمي رفلة يزورها في المنزل.

رفلة: أنا جاي لك من طرف فوزي يا مديحة، هو قالي على اللي حصل.

صمتت مديحة فتابع رفلة قائلا: أنا عارف أنه مفيش كلام ممكن يمسح اللي حصل، وهو ندمان عليه، مهما كان اللي بينكم.

قاطعته مديحة قائلة: إيه اللي بينا؟ مش فاهمة يا حلمي.

رفلة: أقصد أية مشاكل حصلت بينكم مش ممكن يكون الرد عليها بالخيانة.

أضاف: أنا عاوزك تسامحيه بقلبك الكبير، افتكري أيامكم الحلوة والذكريات التي جمعتكم.

مديحة: يمكن أسامحه مع الوقت، لكن المؤكد أننا مش حنقدر نكمل مع بعض تاني، محمد جرحني جرح كبير يا حلمي، جرح مش ممكن أنساه أبداً أبداً.

قالتها مديحة وهي تبكي بحرقة، فأسقط في يد رفلة.

رفلة: طيب أنت شايفة إيه؟ إيه طلباتك؟

مديحة: ماليش غير طلب واحد بس، أنا عاوزة أطلق.

رفلة منزعجاً: طلاق إيه بس يا مديحة استهدي بالله، ده أبغض الحلال يا مديحة.

ردت بحسم: أبغضه صحيح ولكنه مش حرام، هو كتب خلاص نهاية قصتنا، الغريب أننا من أشهر قليلة كنا نحتفل بعيد جوازنا التاسع، كان ساعتها فرحان جداً أننا قدرنا نجتاز أي مشاكل ممكن تنغص علينا حياتنا، علشان كده أنا مش فاهمة إيه اللي خلاه يعمل كده.

رفلة: يا مديحة أنا مش بدافع عنه، بس أنت الفترة الأخيرة أهملتيه جدا، وأي راجل مننا محتاج مراته جنبه، وأنت كنت مركزة قوي في شغلك.

قاطعته قائلة: أنت بتلاقي له مبرر يا رفلة؟

رفلة: لا أبدا أنا بس.

قاطعته مجددا: أنا متنازلة له عن كل حاجة، عن الشركة اللي بينا، مش عاوزة غير ابني والطلاق.

نزل كلام مديحة كالصاعقة على رأس رفلة، أنهت الكلام ثم استأذنت منه وقامت وهي تجهش بالبكاء.

بعد أيام اتصل بها رفلة مجدداً، حاول مراجعتها وثنيها عن قرارها ولكن عبثاً، رفضت مديحة أي حلول أخرى وتمسكت بالطلاق، وفي آخر اتصال بينهما أخبرها أن فوزي وافق على طلبها شريطة ألا يواجهها. وفعلاً تحقق له ما أراد وبعدما وقعت قسيمة طلاق أمام المأذون اتصلت به هاتفياً.

مديحة: أنا عاوزة أكد عليك موضوع عمرو، حيفضل في حضني يا فوزي طول العمر.

فوزي: تحت أمرك يا مديحة.

مديحة: عاوزة أطلب منك طلب تاني وأرجوك توافق عليه.

فوزي: تحت أمرك أؤمري.

مديحة: إحنا بدأنا علاقتنا وإحنا أصدقاء فأرجوك لازم نفضل أصدقاء للنهاية لأن بينا عمرو.

فوزي: أكيد يا مديحة.

مديحة: حاجة تانية وأخيرة... علشان نأكد على الصداقة دي يا تعزمني على العشاء النهاردة يا إما أنا أعزمك.

صمت فوزي ولم يرد، فعاودت مديحة طلبها، فأخبرها بأنه لا يستطيع مواجهتها، لكنه أمام إصرارها وافق وهو يقول «مش معقول أنت تقتليني بأخلاقك دي».

في اليوم نفسه أرسلت مديحة برقية إلى الصحف والمجلات الفنية تطلب منها عدم نشر أي أخبار سلبية عن الانفصال بينهما، مشيرة إلى أنهما يحتفظان بصداقتهما على المستوى الإنساني ولا ترغب في أن يسيء أحد إليهما.

وحتى بعد زواجه من الفاتنة كريمة بعد انفصالهما بعامين تقريباً، استمرّت الصداقة لدرجة أنه، في أحيان كثيرة، كانت زوجته تتصل بها وتخبرها بأنه يريد تناول بعض المأكولات من يديها، فتحضرها مديحة وتذهب إليه برفقة ابنهما عمرو، واستمرت زياراتها له حتى آخر يوم في حياته.

back to top