رشدي أباظة... الرجل الأول: لقاء في الغروب (23)

نشر في 21-07-2014 | 00:02
آخر تحديث 21-07-2014 | 00:02
النجاح الذي حققه رشدي أباظة في فيلم «الزوجة 13»، جعل الجمهور والنقاد والصحافيين، يضعونه في مكانة خاصة كممثل كوميدي من طراز رفيع، وإن كان رشدي رآه نجاحاً عادياً، لإحساسه بأنه لا يزال لديه الكثير جداً ليعطيه، وهو ما أكده قبل نهاية عام 1962 من خلال فيلمه «آه من حواء» مع المخرج نفسه فطين عبد الوهاب، والمأخوذ عن مسرحية «ترويض النمرة» للكاتب العالمي وليم شكسبير.
أدى رشدي أباظة دور البطولة في فيلم «آه من حواء» أمام لبنى عبد العزيز، وشاركهما كل من حسين رياض وعبد المنعم إبراهيم، الذي قدم من خلاله أسلوبه الكوميدي المتفرد، ليؤكد أن نجاحه فيه لم يكن مجرد مصادفة، ما وضعه في موقع متميز بين نجوم الصف الأول.

شعر رشدي بأن الحياة بدأت تعطيه وجهها الجميل، بعدما أدارت له ظهرها طويلاً، ليس على المستوى الفني فحسب، بل على المستوى العائلي أيضاً، بعدما عاد إلى أحضان والده وأخوته، كذلك بزواجه من سيدة راقية كإنسانة وفنانة، تجتهد أن تجعل من بيته، جنته التي يلجأ إليها طلباً للأمان والراحة والحب، فضلاً عن قيامها بدور الأم بشكل حقيقي وجاد، لابنته قسمت، وجعلت من وجودها إلى جواره سبباً في إسعاده، بعدما كانت مشكلتها مع والدتها الأميركية بربارا، تؤرقه طوال الوقت. حتى إن هذه المشكلة أيضاً انتهت إلى حد كبير، بعدما تزوجت بربارا بالفنان السابق ورجل الأعمال جمال فارس، وما راحت الطفلة قسمت تحكيه لأمها خلال زيارتها لها، عن رعاية سامية جمال لها، واهتمامها بها بشكل مبالغ فيه. حتى إن سامية جمال طلبت من بربارا أن تزور قسمت في شقتها في عمارة «ليبون» وتحسن استقبالها بشكل كبير، ما أشعر بربارا بأن ثمة أماً ثانية لابنتها، وجعلها تطمئن عليها قبل أن تسافر إلى لندن بصحبة زوجها جمال فارس، لفتح مجال لتجارته هناك.

انتهاء هذه المشاكل، التي كانت تثقل كاهل رشدي أباظة، وتقف في طريق انطلاقه، جعلته يتفرغ بشكل تام لفنه، خصوصاً في ظل العدد الهائل من الأفلام التي تعرض عليه، فقدم فيلم «الساحرة الصغيرة» أمام سعاد حسني، ومديحة يسري، وفؤاد المهندس، عن قصة الفنان محمود إسماعيل، سيناريو وحوار عبد الحي أديب والسيد بدير، وإخراج نيازي مصطفى الذي رشحه بعد هذا الفيلم ليقف أمام الفنانة الجزائرية وردة في فيلم «أميرة العرب» وشاركهما فيه أيضاً فؤاد المهندس.

لاحظ رشدي أنه منذ أن تزوج بسامية لم يلتق معها في عمل فني، خصوصاً أنها منذ أن تزوجا لم تشارك سوى في فيلم واحد هو «زقاق المدق» فيما كانت الأعمال تنهال عليه بلا عدد، فقرر أن يعيدها إلى السينما في فيلم من إنتاجه، فكتب قصة «طريق الشيطان» حول أحمد وصديقه حسن، اللذين يعيشان حياة لهو ومغامرات، ويتخذان من لعب الورق مهنة لهما، حتى يتعرف أحمد إلى الراقصة سامية التي تكره مهنتها المضطرة إليها، كذلك يتعرف حسن إلى محاسن، التي لم تطق الحياة الشريفة، فيطردها حسن من حياته بعد أن يجد ضالته في الفتاة آمال، ويبدأ الأربعة حياة جديدة، يعتمدون فيها على سواعدهم.

كتب سيناريو الفيلم والحوار محمد عثمان، وعهد به إلى المخرج كمال عطية، واختار إلى جواره وسامية جمال، صديقه فريد شوقي وشويكار ومديحة سالم.

كان على رشدي أن يكمل بناء مشواره الفني الذي وضع أساسه المخرج المتميز عز الدين ذو الفقار، وأولاه رعاية خاصة بل وتحدى به نفسه، قبل الجميع، وأنتج له «الرجل الثاني» ليضعه في مصاف نجوم الصف الأول، فكان مجرد مرحلة نجاح، مؤكداً له أن الأهم لم يأت بعد. وما إن انتهى عز الدين ذو الفقار من تصوير فيلم «الشموع السوداء» الذي كان تحدياً جديداً له، إذ قدم من خلاله بطلين لم يكن التمثيل هو ملعبهما الأساسي، لاعب النادي الأهلي الشهير صالح سليم، كممثل حقيقي في دور مركب، يصعب على كثير من الممثلين المحترفين، ومعه المطربة الشابة نجاة الصغيرة، ويحقق بهما نجاحاً جديداً يضاف إلى سجل نجاحاته المشرف، فيطلب بعده من رشدي أباظة أن يستعد:

- ما أنت عارف يا أستاذ. أنا مستعد وجاهز في أي وقت.

* لا... المرة دي الاستعداد هايكون من نوع خاص. وعايز ترتيب خاص.

- إيه يا أستاذ. استعداد خاص وترتيب خاص. هارجع أذاكر من جديد ولا أيه؟

* بالظبط كدا... تجربة صعبة جداً ومحتاجة مذاكرة وترتيبات.

- شوقتني يا عز... في إيه ما تتكلم؟

* صلاح الدين الأيوبي يا رشدي.

- إيه؟ بتقول إيه سمعني تاني؟

* بقولك دور عمرك وفرصة عمري أنا كمان. فيلم صلاح الدين الأيوبي.

- أنا مش مصدق.

* لا... لازم تصدق. الفيلم دا هايكون أهم نقلة فنية في حياتي قبل ما هايكون في حياتك. عايزين نعمل فيلم عالمي. آسيا والمنتجين اللي معاها حاطين كل اللي يملكوه تحت تصرف الفيلم... والقصة بتاعة يوسف السباعي... ودلوقت بينكتب السيناريو والحوار بتاع الفيلم.

- هو اللي بيكتبه برضه؟

* هو ومعاه عبد الرحمن الشرقاوي ونجيب محفوظ ومحمد عبد الجواد ومحمد عمارة... وأنا معاهم.

- تعرف إني ابتديت أخاف.

* عايزك تخاف. بس الخوف اللي يدفعك تعمل المستحيل علشان ننجح. وكمان بالمرة عايز تخس أد خمسة ستة كيلو. عايزك تبقى صلاح الدين بجد... من جوه قبل بره.

خرج رشدي من مقابلة عز الدين ذو الفقار، وقد انتابته أحاسيس متناقضة بين السعادة التي تصل إلى حد الطيران فوق السحاب، والخوف الذي يصل إلى حد الرعب، غير أنه حول هذه الأحاسيس إلى دافع قوي، يحرضه على النجاح.

راح رشدي يستعد لتقديم حلمه الذي صنعه له عز الدين ذو الفقار، بالخضوع لبرنامج تحت إشراف سامية جمال، من التدريبات الشاقة إلى إنقاص الكيلوغرامات التي طلب عز الدين إنقاصها، والامتناع عن الشراب الذي كان يداوم عليه بشكل يومي، والإقلال من عدد السجائر التي يدخنها، بالإضافة إلى الاستعانة بأستاذ في فن الإلقاء للتدريب على النطق السليم للغة العربية، فضلاً عن قراءة الكتب والمراجع التي تناولت شخصية الفارس العربي «صلاح الدين الأيوبي» حتى تشبع بالشخصية وأصبح جاهزاً لها تماماً. غير أنه لم يكن يعلم أنه على موعد آخر مع فرصة، قد تختصر له طريقاً طويلاً من الوصول إلى قمة النجومية، بل وربما قذفت به إلى مصاف النجوم العالميين.

لم يكن سراً على الوسط الفني في مصر، وصول المخرج البريطاني العالمي ديفيد لين إلى القاهرة، لاختيار ممثل عربي للقيام بدور مهم في فيلم عالمي يحضر له، فاتفق مع أحد مكاتب الإنتاج على ترشيح عدد من الممثلين الذين يمكن أن تنطبق عليهم المواصفات المطلوبة، فرشح له مكتب الإنتاج اثنين من الفنانين المصريين، اللذين يتمتعان بجماهيرية كبيرة، وفي الوقت نفسه على مستوى عال من الأداء الفني كممثلين. أضف إلى ذلك إجادتهما اللغة الإنكليزية إجادة تامة، وهما رشدي أباظة، وعمر الشريف.    

كان ديفيد لين يحضر لفيلم «لورانس العرب» (Lawrence of Arabia) تدور أحداثه حول {الملازم الإنكليزي لورانس} الذي يكلف بمهمة من السلطات البريطانية بمعاونة العرب، بقيادة الشريف {الحسين بن علي} وابنه {الأمير فيصل} في حربهم لتحرير جزيرة العرب من حكم الخلافة العثمانية، ويلقي الفيلم لمحة على حال العرب في تلك الفترة والتي كانت مشبعة بروح القبلية والتفرقة.

الفيلم من إنتاج شركة {سام سبيغل} وكتب السيناريو والحوار كل من دافيد بولت ومايكل ويلسون، استناداً إلى كتاب توماس إدوارد {لورانس أعمدة الحكمة السبعة} الذي يروي أحداث الثورة العربية الكبرى، بقيادة الشريف حسين وأحداث الحرب العالمية الأولى، واستغلال الاستخبارات البريطانية أحداث المنطقة لمصلحتها عبر لورانس.

اختار ديفيد لين محمية {الطبيق} ووادي {رم} بصحراء المملكة الأردنية، وقصر {إيت بن حدو} في المغرب، كذلك بعض المناطق في إسبانيا، لتصوير الفيلم، ووضع له الموسيقى التصويرية {موريس جار} والمونتاج {آن كوتس}، ثم اختار لبطولته النجم العالمي بيتر أتول، ليجسد دور {لورانس}، والنجم العالمي أنتوني كوين في دور {عوده أبو تايه} والنجم أليك جينيس في دور {الأمير فيصل}، وجاء ديفيد لين ليختار ممثلاً مصرياً عربياً ليجسد شخصية {الشريف حسين بن علي}.

كانت المنافسة شديدة بين عمر الشريف ورشدي أباظة، رغم أن الأخير كان الأقرب للفوز بهذه الفرصة، فهو كان مهيأ تماًما لها، سواء في الشكل والملامح، أو المواصفات الخاصة. فملامحه عربية أصيلة، وجسده لبطل رياضي مارس المصارعة والملاكمة، فضلاً عن السباحة والفروسية. وأضف إلى ذلك أنه كان يجيد التحدث بخمس لغات كحديث أهلها، وهي الإنكليزية والفرنسية والإيطالية والألمانية والإسبانية.

طلب ديفيد لين من مكتب الإنتاج إحضار الممثلين إلى أحد الأستوديوهات الخاصة، لإجراء اختبار بملابس الشخصية أمام الكاميرا، للتأكد من أنه يصلح لها شكلاً ومضموناً.

عرف رشدي أباظة من مكتب الإنتاج بموضوع الاختبار، وظن أنه اختبار {صوت وصورة} كالذي يخضع له أي وجه جديد، للحكم على أدائه كممثل، فما كان منه إلا أن ضحك ساخراً، وراح يعنف مدير الإنتاج المكلف من المكتب بإحضاره:

- اختبار؟! أنا أقف قدام الكاميرا علشان يختبرني ويقوللي أنفع ممثل ولا لأ؟

* لا يا رشدي الموضوع مش كدا خالص.

- أمال إزاي؟

* ماهو برضه لازم يشوف الممثل اللي هايشتغل معاه.

- شوف يا أستاذ أنا ليا فيلمين في السوق دلوقت... «الزوجة 13» في سينما ميامي، و{آه من حواء» في سينما مترو» يختار واحد منهم ويروح يشوفه. علشان يشوف الممثل اللي هايشتغل معاه.

* يا رشدي الراجل عايز يشوف الممثل اللي هايقوم بالدور بملابس الشخصية.

- يشوفني قدام الكاميرا لما يبدأ تصوير الفيلم مش يعملّي امتحان. أنا نجم معروف في بلدي. نجم عربي وابن عربي... لكن علشان يحطني في امتحان... دا بعده.

* نجم صحيح في مصر والوطن العربي... بس مش معروف في بريطانيا ولا أميركا.  

- شوف... إذا كانت السينما العالمية مابتعترفش بالفنانين المصريين... يبقى طز فيها.

تعامل رشدي مع المخرج معاملة النجم الكبير، رافضاً إجراء اختبار له، بينما امتثل عمر الشريف فكان الدور من نصيبه، وقبل عمر الشريف يومها أن يجري امتحان «الصوت والصورة»، ففاز بالفيلم وانتقل إلى العالمية.

لم يحزن رشدي على ضياع فرصة كانت لتؤهله للسينما العالمية، ويكفي أنه اعتز بمصريته وفنه، وإذا كانت فرصة ضاعت منه، فثمة فرصة أخرى مصرية، قد تؤهله لنفس المكانة، من خلال فيلم {صلاح الدين الأيوبي} الذي أصبح جاهزاً للتصوير، بعدما انتهى مخرجه عز الدين ذو الفقار، من كل الترتيبات النهائية له، وانتهى فريق العمل المكون من يوسف السباعي، ونجيب محفوظ، وعبد الرحمن الشرقاوي، ومعهما عز الدين ذو الفقار، ومحمد عبد الجواد، وملاحظ الحوار محمد عمارة، من كتابة السيناريو والحوار. وانتهى عز الدين من اختيار أبطال الفيلم، مرشحاً للأدوار الرئيسة، إلى جانب رشدي أباظة في دور صلاح الدين، الفنان حمدي غيث في دور {ريتشارد قلب الأسد} ملك بريطانيا، وليلى فوزي في دور {فرجينيا} وشقيقه صلاح ذو الفقار في دور {عيسى العوام}  وعمر الحريري في دور {فليب أغسطس ملك فرنسا} ونادية لطفي في دور {لويزا} وليلى طاهر في دور ملكة بريطانيا زوجة ريتشارد، وحسين رياض في دور هيكاري، ومحمود المليجي في دور {كونراد} وزكي طليمات في دور {دوق أرثر}، وتوفيق الدقن في دور {والي عكا} وفتوح نشاطي في دور {ملك أورشليم} وصلاح نظمي في دور قائد عسكري.

وبينما كان الجميع في انتظار إشارة بدء تصوير الفيلم، مرض عز الدين ذو الفقار، فتم التأجيل. غير أن المرض اشتد عليه، ونُقل إلى المستشفى، فحزن رشدي لمرض صديقه الذي احتار الأطباء في تشخيصه، وهو يرى أن حالته تزداد سوءاً يوماً بعد يوم، وكان يزوره رشدي مرتين في اليوم، صباحاً، ومساء، ليطمئن عليه، حتى فاجأه عز الدين بكلامه:

* اسمعني يا رشدي.

- مستعد اسمعك للصبح. بس بلاش كلام في الشغل... وبالذات في موضوع الفيلم دلوقت.

* رشدي. أنا تعبان أوي... ومش عارف ممكن التعب يستمر معايا أد إيه.

- إن شاء الله هاتقوم بالسلامة قريب أوي... أنا متفائل جداً.

* كان نفسي أكون متفائل زيك. بس المخرج اللي عاش طول عمره بيفضل الرومانسية. مضطر يكون واقعي في مشهد النهاية.

- أرجوك بلاش الكلام دا. وإلا هاقوم أمشي.

* طب أرجوك اسمعني بس. الفيلم اتصرف على تحضيره فلوس كتير جدا لحد دلوقت ولسه مافتحناش الكاميرا ولو بمشهد واحد... ودي فلوس ناس ممكن يتخرب بيتهم لو الوضع استمر أكتر من كدا.

_ مافيهاش حاجة لما نستنى كمان شهر ولا اتنين... ولو خايفين من الخسارة. أنا هاتنازل عن أجرى في الفيلم.

* برضه مش هايصبروا أكتر من كدا... علشان كدا أنا اقترحت عليهم إن يوسف شاهين، هو اللي يخرج الفيلم. لأني مش عارف إذا كنت هارجع أقف تاني ورا الكاميرا ولا لأ.

- عز أرجوك... أنت بتقطعني بالكلام دا.

* دي الحقيقة يا رشدي. بس طلبت منهم أنهم يحتفظوا بكل الترشيحات اللي عملتها. وأولها شخصية صلاح الدين اللي أنت هاتعملها.

- عز أرجوك. ريح نفسك دلوقت... وسيبني أنا أتكلم معاهم.

فعلاً ذهب رشدي إلى شركة الإنتاج، وتحدث إلى المسؤولين بلهجة عنيفة بسبب قبولهم قيام يوسف شاهين بإخراج الفيلم بدلا من عز الدين ذو الفقار، مؤكداً لهم أنه لن يعمل سوى مع عز الدين، وطلب منهم الانتظار ولو لمدة شهر، على أمل بأن يسترد عز الدين عافيته ويشفى من مرضه، فوافقوا على طلب رشدي على مضض، وأبلغوا يوسف شاهين بهذا الكلام، بعدما سبق وأبلغوه بأن يستعد لإخراج الفيلم.

حرصت سامية جمال في هذا اليوم، ألا توقظ رشدي في الموعد الذي اعتاد أن يستيقظ فيه، غير أن قسمت سبقتها وأيقظت والدها. خرج رشدي من غرفة نومه، ليجد سامية في حالة غير طبيعية، فعيناها متورمتان من البكاء، ويبدو الشحوب ظاهراً على وجهها، ما أصاب رشدي بالرعب:

- في إيه؟ مالك إيه اللي حصل؟

* أبدا مافيش حاجة. اقعد بس كدا واهدا.

- مش حاهدا. قولي في إيه؟ عز مات مش كدا؟

* أيوا البقية في حياتك.

البقية في الحلقة المقبلة

انهيار رشدي

بعدما عرف بوفاة عز الدين ذو الفقار، ارتمى رشدي على أقرب كرسي، وظل صامتاً، وكل ما فعله أن أخذ يشرب بشراهة، فهمت سامية أنه ينهار من الداخل، وأن هذه الحالة ستعقبها حالة أسوأ، فاتصلت فوراً بصديقيه أحمد رمزي وصلاح نظمي، وابن عمه وجيه أباظة. غير أنهم ما إن وصلوا حتى كان قد وصل إلى الذروة، حيث راح يصرخ ويكسر كل ما يقابله في طريقه، فقد أصيب بحالة انهيار. ثم استدعوا الطبيب الخاص به، للسيطرة عليه.

 رحل عز الدين ذو الفقار، وهو دون الرابعة والأربعين، وكأنه عاش مئة عام، رحل تاركا وراءه ثروة من الأفلام بلغ عددها ثلاثة وثلاثين فيلماً، جعلت منه فارساً لسينما الرومانسية، وأحد رواد كلاسيكيات السينما، ذلك الفن الذي أحبه بجنون. حتى إنه قدمه على حياته الشخصية، عبر موهبة نادرة في الإخراج الذي لم يدرسه، فضلا عن تلك الحرفية العالية في الكتابة، فكل أفلامه له فيها بصمة كمؤلف، خصوصاً في اختيار القصة أو كتابة السيناريو، وهو أمر غريب بالنسبة إلى ضابط عاش حياته يدرس العلوم العسكرية. غير أنه لم يكتف بذلك، بل عشق القراءة الموسوعية، خصوصاً في علوم النفس والفلك والتاريخ والفلسفة، بالإضافة إلى انفتاحه على الآداب الأجنبية، ومتابعته الدقيقة للقصص والروايات والمسرحيات العالمية، وقبل ذلك صداقته لاثنين من ألمع كتاب الرواية في عصره هما يوسف السباعي الذي كان زميلاً له في الجيش، وإحسان عبد القدوس الذي كان زميلاً له في الدراسة الثانوية. وزاد من التقارب، أن رواياتهما الرومانسية صادفت هوى في نفسه، وتجاوبت مع ميوله ونوعية أفلامه المفضلة ذات النزعة العاطفية الرومانسية. كذلك انعكست بشكل كبير على حوارات أفلامه، حتى لتشعر بأنك تستمع إلى مقطوعات أدبية رفيعة، لتفقد السينما المصرية رومانسيتها برحيله، ويفقد رشدي أباظة أحد أهم أعمدة بنائه الفني، واللمسات المرهفة التي صبغ بها أدواره. وقبل هذا وذاك، فقد صديقاً عزيزاً، وأخاً ومعلماً، ما سبب له حزناً عميقاً، وجرحاً غائراً في نفسه.

back to top