إمكانات الهند الاقتصادية ... ثمار حان قطافها

نشر في 19-07-2014
آخر تحديث 19-07-2014 | 00:01
 ذي تيليغراف هل ما زالت نجمة الهند مشعة؟ أم أن هذا الاقتصاد السريع الاندفاع يتوجه نحو مصدات؟ عندما يتعلق الأمر بالكتابة عن الهند يصعب الابتعاد عن التعابير التقليدية والكليشيهات، كما أن مستوى التغيير الاقتصادي الحديث العهد كان هائلاً والتحول بالغ السرعة.

في سنة 1770 عندما بدأت الثورة الصناعية في العالم الغربي كانت الهند تمثل أقل من 15 في المئة من الإنتاج العالمي، وفي وقت قريب جداً سوف تصبح شبه القارة الهندية بعدد سكانها المتزايد ونخبتها التجارية البارعة في التقنية ومراكز التسوق الشاملة قوة اقتصادية عظمى من جديد، والهند التي تعتبر عاشر أكبر اقتصاد في العالم سوف تحتل المركز الثاني بحلول سنة 2040 بعد الصين، في حين تحتل أميركا حينذاك المرتبة الثالثة، وعلى أساس القوة الشرائية، وبعد التعديل المتعلق بتكلفة المعيشة، تحتل الهند في الوقت الراهن المركز الثالث الأكبر في اقتصاد العالم.

وتأتي الهند التي يبلغ عدد سكانها 1.2 مليار نسمة بعد الصين من حيث عدد السكان، كما يبلغ عدد سكان هذين العملاقين الآسيويين 2.6 مليار نسمة، أي أكثر من ثلث عدد سكان العالم كله، واللافت حقاً أن نصف سكان الهند دون الـ28 من العمر؛ مما يوفر قوة عمل واسعة في العقود المقبلة، وهي مصدر رئيسي للنمو. والعديد من هؤلاء العمال الجدد يتكلمون اللغة الإنكليزية وهم من الشريحة المتعلمة وجزء من الطبقة العاملة التي يحتمل أن تقلل من أجور العمال في العالم الغربي.

وبينما يظل الفقر سمة مستوطنة تنمو الطبقة الهندية المتوسطة مثل "توبسي" مع انتقال عشرات الملايين من العمال سنوياً من ميادين الزراعة الى التصنيع الحضري ووظائف الخدمات، وفي سنة 1991 كان في الهند 23 مدينة يبلغ عدد سكانها مليون نسمة أو أكثر، وقد وصل العدد اليوم إلى أكثر من 50 مدينة، واحتاجت الهند الى 32 سنة– من 1971 إلى 2003– ليرتفع دخل الفرد فيها من 100 دولار إلى 500 دولار في الأسعار المتواصلة، وعلى الرغم من ذلك فقد تضاعف الرقم ثانية خلال خمس سنوات بعد ذلك ليصل الى 1000 دولار في سنة 2008، ويرجح أن يستمر هذا الاتجاه التصاعدي في دخل الفرد على الرغم من الزيادة المتواصلة في عدد السكان.

وتحدد منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية "الطبقة المتوسطة" على أنها الفئة التي تعيش في عائلة يبلغ دخلها ما لا يقل عن 3650 دولاراً في السنة، وعلى ذلك الأساس سوف ترتفع نسبة الطبقة المتوسطة في الهند من 10 في المئة من عدد السكان اليوم الى 90 في المئة بحلول سنة 2040، وفقاً لتوقعات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وكما أسهمت الثورة الصناعية في الغرب في تحويل بريطانيا والولايات المتحدة وألمانيا، مع انتقالنا من مجتمعات زراعية إلى صناعية فإن ذلك هو ما يحدث في اتجاه ضخم مماثل في آسيا، والهند تقع في قلب ذلك التحول.

مستقبل الطبقة المتوسطة

خلال السنوات الخمس المقبلة سوف يزيد عدد الطبقة المتوسطة في آسيا على الضعف ليصل الى 1.7 مليار نسمة، وفقاً لتوقعات الأمم المتحدة، وبحلول سنة 2030 سوف يبلغ عدد سكان الهند والصين وقارة آسيا الواسعة 3 مليارات من الطبقة المتوسطة، أي أكثر من أوروبا الغربية خمس مرات وأكثر من 10 أمثال من أميركا. ويمثل ذلك درجة هائلة من الطلب على السيارات والغسالات والأطعمة المعلبة والخدمات؛ ولهذا السبب يحرص قادة الغرب على تحسين الروابط التجارية وخاصة مع الهند.

في الأسبوع الماضي قام وزيرا المالية والخارجية في بريطانيا جورج أوزبورن ووليام هيغ بزيارة إلى الهند سعياً وراء تحسين العلاقات التجارية معها، وتصدرت جدول الأعمال هناك جهود الحكومة البريطانية الرامية إلى عقد صفقات عسكرية في ضوء احتمال فشل اتفاقية الهند المبدئية لشراء طائرات رافائيل 126 الفرنسية، وبأمل أن يفضي ذلك الى ترتيبات جديدة تشمل شراء المقاتلة الأوروبية "يوروفايتر" التي تصنع بشكل جزئي في بريطانيا. وبالمثل تأمل شركات البنى التحتية والهندسة المدنية في المملكة المتحدة تحقيق بعض العقود المجزية في الهند، حيث تعمل الحكومة على تطوير مدن ومقاطعات جديدة على طول ممر يمتد 600 ميل بين مومباي وبنغالور.

وأعلن أوزبورن الذي حرص على تأكيد العلاقة البريطانية – الهندية القائمة، استثمارات جديدة في بلاده من الشركة الهندية لصناعة السيارات "ماهندرا" وشركة الأدوية "سيبلا" بقيمة 20 مليون جنيه إسترليني و100 مليون جنيه إسترليني على التوالي. ومن جهته تعهد هيغ بأن ترفع بريطانيا التمويل الحالي للمنح الدراسية. وتجدر الإشارة الى وجود 40000 طالب هندي يدرسون في بريطانيا في الوقت الراهن مع امكانية زيادة ذلك العدد إذا استطاع وزير الخارجية البريطاني إقناع وزارة الداخلية بإصدار تأشيرات الدخول اللازمة.

موقف حزب المحافظين

ويدرك خبراء الاستراتيجية في حزب المحافظين البريطاني أن وجود بلاده في الهند مسألة جيدة لمصلحة الحزب قبيل الانتخابات العامة التي سوف تجري في السنة المقبلة، وتمثل الجالية الهندية التي تعد 1.5 مليون شخص قوة هائلة من حيث التصويت والتمويل، وبينما كان أوزبورن وهيغ في مهمتهما في الهند عمد رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون الى تذكيرنا بأن أول رحلة قام بها إلى الخارج كرئيس للوزراء كانت إلى نيودلهي، وأنه منذ ذلك الوقت "زرت الهند أكثر من أي دولة أخرى بخلاف بلجيكا التي كان يتعين عليّ زيارتها بقدر يفوق ما كنت أود حقاً".

وطبعاً كان الحافز وراء زيارة الوزيرين البريطانيين للهند في الأسبوع الماضي هو انتخاب رئيس الوزراء ناريندرا مودي أخيراً الذي أنهى حزبه حكم حزب المؤتمر الهندي لأول مرة منذ نالت البلاد استقلالها في سنة 1947. وقد أطلق انتخابه إضافة إلى تصميمه على القضاء على الفساد المستشري في الهند، مع إصلاح الخدمة المدنية الفاسدة موجة من الأمل حول إمكانات الهند الاقتصادية.

التفاؤل الضروري

يعتبر مثل ذلك التفاؤل ضرورة لأن الهند التي حققت نمواً بنسبة 9 إلى 10 في المئة خلال السنوات التي سبقت الانهيار الائتماني قد تعثرت في الآونة الأخيرة، وارتفع الناتج المحلي الإجمالي 5 في المئة فقط في السنة منذ 2011، مع نمو بنسبة 4.4 في المئة فقط في سنة 2013، وهو معدل جيد وفقاً للمقاييس الغربية لكنه ليس كذلك بالنسبة إلى عدد متزايد في السكان، مما يعزز اللامساواة والتوترات الدينية الواسعة الانتشار. ويشكل التضخم أيضاً معدلات عالية، حيث ارتفعت الأسعار 9.3 في المئة في سنة 2013 وبمعدل وسطي بلغ 9.9 في المئة سنوياً خلال السنوات الأربع الماضية.

حتى بعد أن حافظت ميزانية الأسبوع الماضي على عجز مالي مستهدف بنسبة 4.1 من الناتج المحلي الإجمالي لا تزال الأوضاع المالية العامة الهشة في الهند تشكل تهديداً بالنسبة إلى تصنيفها الائتماني، وبعد ذلك كله، تستمر التنمية السريعة في البلاد، وتظل إمكاناتها واعدة ولافتة، خصوصاً في ضوء وجود طبقة تجارية تملك الطرق والوسائل وتحريك الاستثمارات للعمل لنقل الهند إلى ذروة الأداء الاقتصادي المنشود.

والسؤال هو: هل سنشهد المزيد من العمل؟ تتمتع الهند وبريطانيا في الأساس بعلاقات اقتصادية وثيقة، وهي سمة تبدو حتمية تماماً بعد حكم الأخيرة لذلك البلد قبل أقل من 70 سنة، كما أن الشركات البريطانية تستثمر أكثر من 80 مليار دولار في الهند موزعة على شريحة واسعة من الشركات القديمة والحديثة العهد، وتشمل بنك "إتش إس بي سي" و"بريتيش أميركان توباكو" و"بريتيش بتروليوم" و"فودافون ودياغيو".

وفي غضون ذلك ضخت الشركات الهندية نحو 40 مليار دولار في المملكة المتحدة أي نحو ثلث استثماراتها في الخارج، مع احتفاظ مجموعة تاتا العملاقة التي تملك سيارات كورس وجاكوار ولاند روفر بشريحة كبيرة.

ولكن مع هذه الصورة المشرقة للاستثمارات الثنائية أخفقت بريطانيا بشدة في التجارة العابرة للحدود، ليس مع الهند فقط بل مع كل الأسواق السريعة النمو في الشرق. وقد بلغت صادراتنا الى الهند في السنة الماضية 12 مليار جنيه إسترليني فقط، أي 2 في المئة من مبيعاتنا في الخارج، وفي سنة 1999 كانت المملكة المتحدة واحدة من أكبر خمس دول حققت الهند معها مبادلات تجارية، واليوم نحن نمثل ثامن أكبر سوق تصدير لها ولسنا حتى ضمن أعلى 20 مصدراً للاستيراد.

وفي سنة 1980 شكلت المملكة المتحدة 6.2 في المئة من كل الصادرات العالمية في حين تمثل حصتنا الآن 3.4 في المئة فقط من تلك الصادرات، وخلال الفترة ذاتها ظلت حصة ألمانيا من الصادرات العالمية ثابتة عند 8.1 في المئة، ناهيك عن أنها أكبر اقتصاد في أوروبا، وهي تبيع الآن الكثير من البضائع إلى أسرع اقتصادات العالم نمواً.

وتتوجه نسبة 5 في المئة فقط من صادراتنا في الوقت الراهن إلى أكبر الأسواق الناشئة مجتمعة، وهي البرازيل وروسيا والهند والصين، وذلك أقل مما نبيعه الى أيرلندا، وتبيع ألمانيا 10 في المئة من صادراتها الى دول البريكس، وهي أسواق الغد الرئيسية، في حين تبيع الولايات المتحدة 12 في المئة واليابان ما لا يقل عن 25 في المئة، ولهذا السبب، وعلى الرغم من كل ما يقال عن الانتعاش الاقتصادي البريطاني فإن تلك الاقتصادات المنافسة أكثر منا ضماناً للمستقبل.

Liam Halligan

back to top