لردع «داعش» يجب مساعدة الثوار السوريين الذين تخلت عنهم أميركا

نشر في 11-07-2014 | 00:01
آخر تحديث 11-07-2014 | 00:01
 محمد علاء غانم أعلن الرئيس أوباما حديثاً برنامج «تدريب وتجهيز» بقيمة 500 مليون دولار للثوار السوريين المعتدلين، وهو أمر إيجابي طبعاً، لكن قد يغادر الثوار شرق سورية قبل أن يمرّ البرنامج بالكونغرس، فقد أخبرني بعض القادة العسكريين أن الأسلحة الضرورية هي تلك التي وفرتها الولايات المتحدة بكمية محدودة مثل صواريخ «تاو».

كان جمال معروف عامل بناء قبل الثورة السورية، وحين بدأت الاحتجاجات نظّم تظاهرات ضخمة في القرى الجبلية بالقرب من بلدته، ثم حمل الأسلحة لمحاربة قوات النظام وسرعان ما تولى قيادة كتيبة مؤلفة من 7 آلاف مقاتل، وفي شهر يناير الماضي قاد معروف تحالفاً من الثوار السوريين المعتدلين الذين طردوا "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، أو تنظيم "داعش" المتطرف من محافظته.

بعد ستة أشهر عمد "داعش" إلى الاستيلاء على الموصل، ثاني أكبر مدينة في العراق، فهربت قوات الجيش العراقي التي تدربت طوال سنوات على يد القوات الأميركية من ساحة المعركة، وتركت "داعش" يسيطر على المعدات العسكرية المتقدمة ومخازن الأسلحة الضخمة، يقوم "داعش" الآن بترسيخ سيطرته في غرب بغداد وقد يهدد قريباً العاصمة العراقية أو المناطق الغنية بالنفط جنوباً. اعتبر الرئيس أوباما حديثاً أن الفكرة القائلة إن "المزارعين وأطباء الأسنان وعامة الناس السوريين الذين لم يقاتلوا في حياتهم" يستطيعون هزم نظام الأسد والمتطرفين مثل "داعش"... هي نظرية "وهمية"، لكن حقق السوريون، من أمثال جمال معروف الذي لم يسبق أن قاتل قبل الثورة، نتائج أفضل ضد "داعش" مقارنةً بالقوات العراقية التي تدربت على يد الأميركيين.

يملك المزارعون وأطباء الأسنان الذين أصبحوا من ثوار سورية سلاحاً سرياً سمح لهم بمحاربة الأسد والمتطرفين معاً رغم افتقارهم إلى الأسلحة الكافية: الحافز.

قبل العملية الهجومية ضد "داعش" في شهر يناير، نظّم السكان العاديون في المناطق الثورية احتجاجات ضخمة ضد "داعش"، مما دفع أبرز الثوار السوريين لتشكيل تحالفات جديدة لخوض المعركة ضد المتطرفين، ونجح هؤلاء الثوار الذين يفتقرون إلى الأسلحة، حيث فشلت القوات العراقية المدججة بالسلاح، لأنهم يقاتلون في سبيل قضية تحظى بدعم المدنيين، كما أنهم يحاربون من أجل أرضهم.

لو أقدمت إدارة أوباما على تسليح هؤلاء الثوار حين كانوا في ذروة معركتهم، بدل الاكتفاء بالإعلان المتكرر عن سقوط بشار الأسد الحتمي، ما كان "داعش" ليكون موجوداً اليوم على الأرجح، فمنذ سنتين كان الثوار السوريون يحققون المكاسب ضد النظام مع مرور الأيام، ولم يكن "داعش" موجوداً وكانت "جبهة النصرة" (فرع "القاعدة" في سورية) تشمل 1500 عنصر كحد أقصى.

لكن حرص داعمو "القاعدة" العالميون على توفير أسلحة وتمويل أفضل لجبهة النصرة، وهي خطوة لم يُقدِم عليها أوباما بعد لمساعدة أبرز الثوار، ونتيجةً لذلك زادت قوة "جبهة النصرة" ثم تفوق عليها لاحقاً تنظيم "داعش" الأكثر تطرفاً. يخوض الثوار السوريون حرباً حقيقية على جبهتين، فحين هددوا مقر "داعش" الأساسي في شهر يناير أطلق الأسد حملة شرسة من الغارات الجوية ضدهم، مما أدى إلى تفريغ أكبر مدينة في شمال سورية من المدنيين، ذلك الهجوم أنقذ "داعش".

بعد سقوط الموصل الآن، أطلقت قوات النظام أخيراً غارات جوية على مقر "داعش" (لكن لا يمكن أن تطرح القوة الجوية وحدها تهديداً كافياً على تلك الحركة)، فكانت خطوة الأسد مجرد مناورة في مجال العلاقات العامة، فهو حاول بذلك إقناع واشنطن بدعم النظام باعتباره أفضل حل لردع "داعش".

تقع أحداث أكثر أهمية في شرق سورية: انطلق هجوم "داعش" على الموصل من شرق سورية، وتحديداً من ضفاف نهر الخابور، وقد كانت هذه المنطقة بيد الثوار السوريين منذ ثلاثة أشهر فقط، فها قد عاد "داعش" الآن إلى سورية ومعه الأسلحة الأميركية الصنع التي نهبها من الموصل، وبدأ يهدد مدينة دير الزور التي تشمل أكبر تجمع شعبي في شرق سورية، وتُعتبر معقلاً قديماً للثوار، وإذا استولى "داعش" على دير الزور، فقد يتمكن من إطلاق هجوم كارثي أسوأ على بغداد أو جنوب العراق من دون أن يخشى مواجهة اعتداءات مضادة من خلفه، إذ أصبحت مدينة دير الزور الآن تحت حصار مزدوج من قوات "داعش" شمالاً وقوات الأسد جنوباً.

بدأ "داعش" أيضاً يفرض سيطرته في مناطق ثورية أخرى، ففي 20 يونيو قُتل رجل اسمه صلاح القصير الموسى وهو يدافع عن بلدة موحسن الاستراتيجية في وجه "داعش"، كان الموسى طالباً جامعياً حين بدأت الثورة، لكنه ترك دراسته كي يقود الاحتجاجات ثم أصبح قائد الثوار في دير الزور، وهو قُتل إلى جانب أربعة قادة عسكريين بارزين من الجيش السوري الحر المدعوم من الولايات المتحدة بعد رفض شروط الاستسلام التي فرضها "داعش".

كانت حسابات قادة الثوار الآخرين في منطقة شرق سورية مشابهة: هم يفضلون الموت على وصول "داعش" إلى بلداتهم، قُتل 7 آلاف سوري منذ شهر يناير وهم يحاربون "داعش"، صحيح أن هؤلاء الثوار باتوا يفتقرون إلى الأسلحة أكثر من أي وقت مضى لكنهم يتكلون على حوافزهم (ذلك السلاح السري الذي يستعمله المزارعون وأطباء الأسنان والطلاب السوريون) لتحقيق النصر رغم صعوبة الأمر، وما كان يجب أن يواجهوا هذا الوضع. أعلن الرئيس أوباما حديثاً برنامج "تدريب وتجهيز" بقيمة 500 مليون دولار للثوار السوريين المعتدلين، وهو أمر إيجابي طبعاً، لكن قد يغادر الثوار شرق سورية قبل أن يمرّ البرنامج بالكونغرس، فقد أخبرني بعض القادة العسكريين أن الأسلحة الضرورية هي تلك التي وفرتها الولايات المتحدة بكمية محدودة مثل صواريخ "تاو".

إذا كان الرئيس جدياً بشأن كبح مسار "داعش"، أو حتى مساعدة الثوار السوريين المعتدلين، فيجب أن يستعمل سلطته التنفيذية لإيصال تلك الأسلحة الآن إلى المزارعين وأطباء الأسنان والطلاب في شرق سورية.

* مستشار سياسي بارز في "المجلس السوري الأميركي"، وعضو في مجلس "التحالف من أجل سورية ديمقراطية"، ومسؤول في المركز السوري للدراسات السياسية والاستراتيجية.

* نيويورك بوست

back to top