الزير سالم (3 - 5) الشاعرة الشريرة تشعل حرب البسوس

نشر في 11-07-2014 | 00:02
آخر تحديث 11-07-2014 | 00:02
في الحلقة الثالثة من سيرة {الزير سالم} التي تنشر {الجريدة} مقتطفات منها، قصة الحرب بين قبيلتين عربيتين، بعدما أشعلت الشاعرة الساحرة {سعاد}، الشهيرة بـ {البسوس}، نزعات الحقد والغضب والثأر بين القبيلتين، إلى أن اندلعت حرب بين أبناء العم، عُرفت باسم {حرب البسوس}.

كان {كليب} نجح في التخلص من ظلم {تبع اليماني} وبدأ يبسط نفوذه، في وقت ظل فيه أبناء عمه يعيشون في القفار لا يملكون بستاناً، وجاءت الشاعرة الشريرة، أخت {تبع اليماني}، لتهزم {كليب} وأبناء عمه بالثأر، وذهبت إلى الوقيعة بينهما، إلى أن أقنعت {جساس} بأن لديها ناقة تفوح منها رائحة المسك، وطلبت منه أن ترعاها في بستان {كليب}، لتسبب بينهما حرباً، تؤدي إلى الخراب، انتقاماً لمقتل أخيها.

قال الراوي: أعجب ما اتفق وتسطَّر من الأحاديث التي تروى وتذكر، حديث العجوز الشاعرة، أخت الملك {تبع حسان} الذي قتله {كليب}، كما شرحنا قبل الآن، وهي المرأة التي قال عنها {تبع} إنها سوف تظهر بعده وتلقي الفتنة بين القبائل، وبسببها يُقتل {كليب بن وائل} وتشتعل الحرب بين {بكر} و{تغلب} وباقي عشائر العرب.

كانت هذه المرأة العجوز من عجائب الزمان، ذات مَكرٍ ودهاء، ساحرة ماكرة، لها أربعة أسماء، {سعاد}، لأنها في يوم ولادتها وردت إليها أموال السبعة أقاليم، وأمها سمَّتها {تاج بخت}، لأنها كانت كثيراً ما تأكل من {جوز الهند}، ورغم هذه الأوصاف القبيحة، كانت جميلة المنظر فصيحة الكلام، شديدة البأس، ولما كبرت وانتشت وصارت بنت عشرين عاماً، كانت تركب الخيل في الميدان، وتبارز الأبطال والفرسان، فكانت تقول: {لا أتزوج إلاَّ من يقهرني في الميدان}، فكانت تقهرهم في القتال، فابتعد عنها الخُطَّاب.

قال الراوي: تزوَّجت {سعاد}، ستُعرف في ما بعد باسم {البسوس}، من ابن عم لها يدعى {سعد اليماني}، وعاشت حياة رغيدة، مدة عشر سنين، إلى أن عمي زوجها، وكان ملكاً على {بلاد السرو}، فصارت تحكم مكانه وأطاعها العرب وعظم أمرها، وبقيت على تلك الحال في أرغد عيش وأنعم بال، إلى أن قتل {كليب} أخيها {تبع اليماني}، فلما بلغها الخبر أخذها القلق والضجر، وتنغص عيشها وتمرر، وقالت: {لا بد لي من المسير إلى تلك الديار، لأقتل كليب الغدار، فإذا قتلته انطفأ ناري، وأكون قد أخذت ثأري}.

أخذت زوجها الذي كف بصره، وعينت من ينوب عنها في {بلاد السرو}، ووصلت إلى بلاد الشام، فسألت عن مكان {بني مرة}، فأرشدوها إليه، فلما صارت هناك قصدت الأمير {جساس} من دون باقي الناس، ودخلت عليه وهو في الديوان، وحوله جماعة من الأمراء والأعيان، فتقدمت إليه وسلَّمت عليه ودعت وترحمت بأفصح لسان، وقالت له: {أدام الله أيامك ورفع على ملوك الأرض قدرك ومكانك، ونصرك على حسادك وأعدائك}.

ثم أبلغت {جساس} أنها شاعرة تطوف القبائل والعشائر، لتمدح السادة والأكابر، طالبة أن تعيش في جواره وأن يمن عليها من فضله وكرمه:

تقول سعاد من قلب موجع

زمان السوق أبقانا دلائل

وبعد غلانا صرنا رخاصا

وبعد الكثر قد صرنا قلائل

وبعد العز قد صرنا أذلال

وبعد السمن قد صرنا هزايل

فهذا الدهر ما له قط صاحب

فهذا مستقيم وذاك مائل

وذا يبكي وذا يضحك ويلعب

وذا يندب عياله والحلائل

فلما فرغت العجوز من شعرها، وفهم جساس فحوى كلامها، قال لها: {أهلاً ومرحباً الأرض أرضي والديار دياري، وأنت نزيلتي وفي جواري، فكل من تعدى عليك قتلته}، وأقامت عنده شهرين، وحضرت اتفاق قوم {كليب} مع {بني مرة}، وهم في محبة عظيمة كأنهم قبيلة واحدة، فأخذت تلقي الفتنة والفساد بين الأمراء والقواد، حتى وقع الشر والنزاع، واجتمع الأكابر عند الأمير {جساس} وأخذوا يشكون من {بني تغلب}، وسوء معاملتهم، منذ اليوم الذي قتل فيه كليب {السبع اليماني} وامتد ملكه فبدأ يجور ولا يحسب حساباً لأحد.

قاتل السباع

 وأراد القوم أن يدفعوا الأمير إلى قتال {كليب}، لكنه لم يصغِ إليهم، وقال: {من الصواب أن اجتمع أولاً مع ابن عمي {كليب}، وأعلمه عن تعديات قومه وجورهم علينا، وما زالت الفتنة بين الفريقين تمتد، حتى وصل الخبر إلى مسامع الأمير {كليب}، وبلغه أن {بني مرة} هم أصل ذلك الخصام، فضاق صدره وتكدَّر وأرسل إلى {جساس} يعلمه بالخبر، طالباً منه أن يبادر إلى توقيف حركات {بني بكر}، وإخراج الشاعرة العجوز من القبيلة، فاغتاظ {جساس} من ذلك، فلم يجبه، وأخذ جساس من ذلك اليوم يفرق على قومه السلاح، ويقويهم بآلات الحرب والكفاح.

 فبلغ ذلك الأمير كليب فاحتار في أمره وأحس بزوال ملكه، وتذكر أخاه {الزير} الفارس الشجاع، فركب من يومه في جماعة من الفرسان وقصده في {بير السباع}، فوجده جالساً على سفرة المدام مع ابن عمه الأمير {همام} وهما ينشدان الأشعار، فلما رآه فرح {الزير} بقدوم أخيه، بعد غياب طويل، غير عالم أن قدومه لم يكن ناتجاً إلا عن ضرورة.

وبعدما جلس قليلاً، قال {كليب}، لأخيه {الزير}: {اعلم يا أخي أن سبب مجيئي إليك هو لآخذك إلى القبيلة وأقيمك ملكاً مكاني لأني طعنت في السن ولم تعد لي طاقة على الحكم، فقد تغيرت الأحوال ووقع بين القبيلتين نزاع وجدال، فاشتعل مني القلب والبال، فقُم معي الآن يا سيد الفرسان، وأنشد {كليب} يقول:

 أراك اليوم في زهو ولهو

ولا تدري بما قد حل فيـــا

بنو قيس قد وقعوا بحلف

وجساس نوى يتغلب عليا

فقم وشد عزمك يا مهلهل

لأنك أنت جبار عتيـــا

وإلا راحت البلدان مني

وصرنا معيرة عند البقية

قال الراوي: فلما فرغ {كليب} من شعره ضحك {الزير} حتى استلقى على ظهره، ثم قال له: {كيف تقول ذلك وأنت ملك عظيم، وصاحب ولايات وأقاليم، كيف تقول إنك خائف وفزعان وأخوك {الزير} فارس الفرسان؟ فكن في أمان واطمئنان من نوائب الزمان، فإن كنت بثأر الحمار الذي ليس له قدر ولا مقدار، قد بنيتَ قصراً من رؤوس السباع، ألا أبنِ من رؤوس الأعادي مدائن وضياع، فأذهب بالسلامة ولا تهلع ثم أجابه على شعره يقول:

يقول الزير أبو ليلى المهلهل

أنا لي في الحرب عزماً قوياً

سباع الغاب خافت من قتالي

وأحكم بالقبائل بالسوية

فإن جارت بنو بكر وخابت

فلا أترك منهم أخي بقية

فلما سمع {كليب} شعره احتار من فعله، ورفض {الزير} أن يمشي معه قائلاً:

 {سِر أنت أولاً وأنا سأتبعك في ما بعد، وقد جئت إلى هذا المكان لأقتل جميع السباع، وتبقى {ثلاثة}، متى قتلتهم أدركتك في الحال إلى الأطلال}، وعند ذلك ركب {كليب} جواده وسلم أمره للواحد القهار.

أما ما كان من أمر {سعاد} الشاعرة الساحرة الماكرة، فإنها لما أشعلت الفتنة بين القوم وصار لها عند {بني مرة} ذلك القبول، وجميع كلامها عند جساس مقبول، أخذت طاسة من الفضة وملأتها من المسك والعطر وخفقتها مع بعضها البعض، وعمدت إلى ناقتها {الجربانة}، وأخذت تطلي أجنابها وتدهنها بذلك الطيب، وأمرت أحد العبيد أن يأخذها إلى المرعى، ويمر بها قرب صيوان {جساس} في الصباح والمساء، وأوصته إذا سأله أحد عنها وعن سبب رائحتها يقول: {لا أعلم... إنما مولاتي تعلم}.

نخوة الجاهلية

 أخذ العبد الناقة، ومرّ على ذلك المكان فعبقت رائحة الطيب، فاستنشق {جساس} الرائحة، وكانت زكية، فتعجب وسأل العبد، فقال: {إنها من الناقة ولا أعلم السبب يا مولاي، إنما مولاتي الشاعرة سعاد تعلم}، فاستدعى {جساس} العجوز وسألها عن الناقة، فتنهّدت من فؤاد موجوع، ثم قالت:

{لاأخفيك أن هذه الناقة من سلالة ناقة صالح، وفيها خواص غريبة، فإن بعرها من المسك وعرقها من الزباد}.

 قال الراوي: ثم أعجب {الجساس} بالناقة، وطلب شراءها بما تطلب من الفضة والذهب، لكن الشاعرة الساحرة {سعاد} رفضت وبكت، وطلبت منه أن يوفر لها بستاناً لتأكل فيه الناقة، التي لا تأكل سوى من الزهور والرياحين، فاعتذر لها لأنه لا يملك كروما ولا بساتين، فقالت له:

 ـ ولمن هي الكروم التي بجانب القبيلة؟.. من هو صاحبها؟.

فأجابها قائلاً:

ـ هي لابن عمي {كليب} زوج أختي الجليلة وأنا متزوج أخته {ضباع}.

وبدأت الساحرة إثارة غضب {الجساس} ضد ابن عمه {كليب}، وظلت معه إلى أن قال لها غاضباً:

ـ وذمة العرب وشهر رجب، لقد تكلمتِ بالصواب، وأنا من الآن وصاعداً لست أحسب له أدنى حساب، ولا بد لي من أن أطالبه أن يقاسمني أملاك المملكة، وإلا ألقيه في التهلكة، فروحي وأطلقي ناقتك لكي ترعى في أحسن البساتين والمرعى.

 قال الراوي: وعلى الفور أمرت الشاعرة الساحرة، عبيدها أن يذهبوا إلى البستان، وكان روضاً كثير الأشجار والفواكه والثمار، وكان {كليب} قد اعتنى به، فلما أخذ العبيد الناقة دخلوا بعدما هدموا الحائط وصاروا يمزقون الزهور ويكسرون أغصان الشجر، فلما نظر الحارس تلك الفعال، هجم على العبيد، فشتموه، فذهب إلى {كليب} وأعلمه فاغتاظ غيظاً شديداً وجاء إلى المكان، ومعه أربعة غلمان، فوجدوا الناقة، فأمر بذبحها فذبحوها وطرحوها خارج البستان.

ثم أمرت {سعاد} العبد أن يسلخ الناقة ويأتيها بجلدها، فسار وسلخها وجاء بجلدها، فوضعت التراب على رأسها وشقت ثيابها وأخذت جلد الناقة وسارت به إلى الأمير {جساس} فدخلت عليه وقالت:

ـ لو كنت أعلم بأن ليس لك عند {ابن ربيعة} قدر ولا مقام، ما كنت تركت ناقتي في حماه، حتى يذبحها بل إني اعتمدت على كلامك لعلمي برفعة مقامك، وأنشدت تقول:

فإن كانت لكم ذمة وحرمة

فانهض يا أمير وشد حيلك

فخذ حقي من الباغي كليب

ورب العرب مولانا كفيلك

قال الراوي: فلما فرغت العجوز، استعظم جساس القضية، وعصفت في رأسه {نخوة الجاهلية}، وقال للعجوز: {اذهبي بأمان فأنا أعرف شغلي}، ثم التفت إلى من حوله من الأمراء، وقال:

ـ انظروا ما فعله ابن عمنا في حقنا وهو صهرنا، فقد أهاننا بهذا العمل وأنا لا بد لي من أن استعد لقتاله في هذا اليوم، فإما أن أقتل أو أبلغ الأمل.

فلما استمع {جساس} إلى نصيحة الأمراء، كتب كتاباً إلى {كليب} يعلمه بالحال، ويطلب منه ثمن الناقة، وأرسل الكتاب مع عبده {أبو يقظان}، فأخذ الكتاب وفي طريقه مرّ على تلك العجوز الساحرة، فأخبرها القصة، فرحبت به وقدمت له الطعام، حتى غاب عن الصواب، فعند ذلك فتشته وعثرت على الكتاب، فقرأته فوجدته خالياً من التهديد والوعد والوعيد، فأضافت إليه كلاماً مغيظاً منها هذه الأبيات:

أمير كليب يا كلب الأعارب

أيا ابن العم لا تكبر عليَّ

فلازم أذبحك في حد سيفي

وأنت شبيه حرمة أجنبية

ولما وصل الكتاب إلى ديوان الأمير {كليب}، أخذه وقرأه، اغتاظ غيظاً شديداً وأراد أن يقتل العبد الذي سلمه إياه، ولكنه أطرق رأسه إلى الأرض، وقال في سره {لعل الأمير جساس كتب لي هذا الكتاب وهو غائب عن الصواب}، فمزق الورقة وأمر بضرب العبد فضرب، وقال له: {اذهب يا ابن اللئام إلى عند مولاك بسلام وإلا سقيتك كأس الحمام، فذهب إلى {جساس}، وأخبره بما حدث.

 مقتل كليب

قال الراوي: فلما علم {جساس} من العبد ما حدث، صمم على دخول الحرب، ووزع السلاح على أبناء القبيلة، لكن أحداً لم يطاوعه على هذا المرام، وقالوا:

ـ بئس هذا الرأي وهل يجوز يا أمير لأجل ناقة حقيرة نقاتل ابن عمنا الأمير {كليب}، ونرفع في وجهه السلاح، بعدما صاننا وحمانا بسيفه وقتل الملك {تبع حسان} واستولى على الأقاليم والبلدان، وجعل لنا ذكراً عظيماً في قبائل العربان، فإن كان عليه دم أو ثأر فدونك وإياه فلا تطلب منا مساعدة ولا نجدة.

فلما سمع {جساس} الكلام تركهم وقصد بيت العجوز الساحرة {سعاد}، ولما اجتمع بها قال لها: {قد جئت إليك لأرضيك بالعطايا خوفاً من ازدياد الشر ووقوع البلايا، فاطلبي ثمن ناقتك لأعطيك إياه، ولو كان مهما كان}، قالت: {أريد واحداً من ثلاثة أشياء}، قال: {وما هو؟} قالت: أريد إما أن تملأ حجري بالنجوم أو تضع جلد الناقة على جثتها لتقوم أو رأس {كليب} بالدماء يعوم}.

فقال لها أما ملو حجرك بالنجوم، أو أن الناقة تعيش وتقوم، فهذا لا يقدر عليه إلا الحي القيوم، أما رأس {كليب} فأبشري به، ثم أطلق العنان وقصد حي {بني قيس} فقالت العجوز لعبدها سعد: {خذ هذا السكين والمنديل الأبيض واتبع {جساس}، فإذا رأيته قتل {كليب} فأسرع إذن ولطخ هذا المنديل من دمه، فمتى فعلت ذلك فإني أطلقك لوجه الله تعالى فامتثل لأمرها وتبع آثار جساس}.

فلم يزل جساس سائراً حتى وصل إلى قصر كليب وسأل عنه حتى التقى به، وكان كليب من دون سلاح، وكان يدير ظهره إلى جساس، لأنه كان من عادته دائماً ألا يلتفت في أيام الحرب إلى أقل من مائة فارس، فأراد جساس أن يغدره من قفاه فما طاوعته يداه.

ثم عاتبه، في أمر الناقة التي قتلها، فضرب {كليب} كفاً على كف من شدة الأسف، وقال: {والله يا ابن عمي ما عرفت أنها ناقة نزيلك}، ثم تحدث عن سوء أدب الرعيان، وما فعلوا من الضرر في البستان، ومع كل ذلك فإني أعوض وأعطيها أربع مائة ناقة، وإذا أردت أكثر فأعطيها، ولا يكون ذلك سبباً للنزاع والخصام، فإننا أولاد أعمام وأصهار}، فقال {جساس} على سبيل الخداع: {إني سأرضيها} وهو قاصد قتله.

وعلى حين غفلة، تحمس {جساس} ثم تقدم نحو {كليب} وفي يده الرمح وطعنه في صدره، خرج يلمع من ظهره، فوقع على الأرض يختبط بدمه، فلما رآه {جساس} على تلك الحالة ندم وتأسف على ما فعل، فتقدم إليه وقبله في لحيته وضمه إلى صدره ووضع رأسه على ركبتيه وقال: {سلامتك يا ابن عمي يا أبا اليمامة فقد حلت بي الندامة}.

فأجابه {كليب} على حلاوة الروح، وقال: {هذا حكم الإله المتعال، ما كان أملي منك أن تباديني بهذه الفعال، وتشمت بي الأعداء والأنذال، وأبكي أيضاً على غدرك فإنك قتلتني بالغدر والعدوان، فقم واذهب إلى الخيام وأقري الأيتام مني جزيل السلام ولكن اسقني قبل رواحك شربة ماء، لأن قلبي قد احترق من الظمأ}، وأشار بهذه القصيدة يقول:

يقول كليب اسمع يا ابن عمي

أيا جساس قد أهدرت دمي

أيا غدار يطعنني برمح

ولست أنت في الميدان خصمي

وأشمت الأحاسد والأعادي

وباتت إخوتي تبكي وأمي

قال الراوي: فلما فرغ {كليب} من شعره، خاف {جساس} واصفر لونه، أما عبد الساحرة العجوز، فبعد ذهاب جساس تقدم ليذبح كليب، حسب ما أمرته العجوز، فلما اقترب منه وجده على آخر رمق، فتأمل فيه العبد فوجده ذا هيبة ووقار ووجهه يتلألأ بالأنوار، فتأخر عنه وخاف منه فنظر إليه {كليب} ففاق من حلاوة الروح، وقال له: {من أنت وما هو قصدك ومرامك فأعلمني بحالك؟}

فقال العبد له، إنه {عبد {التبع اليماني}، ولما قتل على يديه، حضرت أخته سعاد العجوز الساحرة إلى هذه البلاد لتأخذ ثأره منك، وهي التي ألقت الفتنة بينك وبين ابن عمك حتى قتلك وأرسلتني لأذبحك وآخذ لها أثراً من دمك}، فقال {كليب}: {صدقت فقد ذكر لي {تبع} هذا الكلام ونفذ قوله الآن بالتمام، فأريد منك يا عبد الخير، قبل أن تذبحني تفعل معي هذا الجميل وهو أن ترميني بالقرب من هذه البلاطة، لأكتب وصيتي إلى أخي سالم {الزير} وأوصي بأولادي ومهجة كبدي وبعد ذلك افعل ما تريد}.

 فسحبه العبد إلى قرب البلاطة والرمح غارس فيه والدم يقطر من جنبه فبكى {كليب} وفكر وهو يتأمل ما أصابه ويتحسر ثم أخذ بيده عوداً وغطه بالدم وكتب:

يقول كليب إسمع يا مهلهل

مذل الخير قهار الأسود

على ما حل من جساس في

طعني طعنة منها يعود

أيا سالم توصى باليتامى

صغار وبعدهم وسط المهود

واسمع ما أقولك يا مهلهل

وصايا عشر أفهم بالأكيد

فأول شرط أخوي لا تصالح

ولو أعطوك زينات النهود

وثاني شرط أخوي لا تصالح

ولو أعطوك مالاَ مع عقود

وثالث شرط أخوي لا تصالح

ولو أعطوك نوقاً مع عهود

ورابع شرط أخوي لا تصالح

واحفظ لي ذمامي مع عهود

وخامس شرط أخوي لا تصالح

فإن صالحت لست أخي أكيد

وسادس شرط أخوي لا تصالح

وقد زادت نيران الوقود

وسابع شرط أخوي لا تصالح

واسفك دمهم في وسط بيد

وثامن شرط أخوي لا تصالح

وأحصد جمعهم مثل الحصيد

وتاسع شرط أخوي لا تصالح

فإني اليوم في ألم شديد

وعاشر شرط أخوي لا تصالح

وإلا قد شكوتك للودود

الزير سالم (1 - 5) تبع اليماني يخضع بني قيس ويستعد لالتهام الجليلة

الزير سالم (2 - 5) كليب يقتل تبع اليماني والجليلة تحرِّض على المهلهل

back to top