رشدي أباظة... الرجل الأول: رد قلبي (12)

نشر في 10-07-2014 | 00:02
آخر تحديث 10-07-2014 | 00:02
شملت الحرائق معظم أحياء القاهرة، وسادت الفوضى وأعمال السلب والنهب، فنزلت فرق الجيش إلى الشوارع قبيل الغروب، ليعود الهدوء إلى العاصمة، وتختفي عصابات السلب والنهب، وأعلنت الحكومة المصرية الأحكام العرفية. غير أنه لم يتم القبض على أي شخص في السادس والعشرين من يناير عام 1952، فيما تراوح عدد القتلى ما بين 26 إلى 40 قتيلا، وبلغ عدد المصابين بالحروق والكسور أكثر من 552 شخصاً. كذلك التهمت النيران 117 مكتباً للأعمال والشقق السكنية، و13 فندقاً كبيراً و40 دار عرض سينمائي، من بينها: «ريفولي، مترو، ميامي، الكورسال، كوزموس، ديانا، وراديو، و8 محلات ومعارض كبرى للسيارات، و10 متاجر للسلاح، و73 مقهى ومطعماً في منطقة وسط القاهرة، و92 صالة وملهى، و16 نادياً، مثل «كلوب محمد علي، ونادي السيارات»، فقد أتت النيران على مظاهر الحضارة كافة في القاهرة، وشلت مراكز التجارة بها، الأمر الذي أصاب رشدي بالجنون، فيما لم تستطع تحية أن تتمالك نفسها فانفجرت في البكاء، وراح رشدي يهدئ من روعها:

- مش وقت بكا يا تحية... لازم نفكر في اللي بيحصل وليه البلد بتولع؟

* تفتكر مين اللي له مصلحة يولع في البلد كدا؟

- وأنا جاي سمعت حاجات كتير. فيه ناس بتقول إن الملك وعصابته هم اللي ورا الحريق علشان، يتخلص من وزارة النحاس باشا، بدليل أن وزير الداخلية فؤاد سراج الدين معملش حاجة وواقف يتفرج. وكمان حيدر باشا وزير الحربية ماعملش حاجة. وسابوا النار تاكل البلد. وناس تانية بتقول إن الإنكليز، هم اللي عملوها علشان يتخلصوا من النحاس بعد ما ألغى معاهدة 1936، وناس بتقول «حزب مصر الفتاة» وناس بتأكد إن «الإخوان المسلمين» هم اللي ورا الحريق... وماحدش عارف الحقيقة فين.

* مش مهم مين اللي ولعها... المهم دلوقت لازم نتصرف ونعمل حاجة.

- إيه اللي ممكن نعمله؟

*  مش عارفة... بس لازم نعمل حاجة.

- مافيش قدامنا غير إننا نستنى نشوف رد فعل الحكومة إيه؟

في مساء اليوم نفسه (26 يناير)، قدم رئيس الوزارة في مصر آنذاك مصطفى النحاس باشا استقالته، ولكن الملك رفضها، واجتمع مجلس الوزراء، وقرر مواجهة الموقف بإعلان الأحكام العرفية في جميع أنحاء البلاد، ووقف الدراسة في المدارس والجامعات إلى أجل غير مسمى، وتم تعيين النحاس باشا حاكماً عسكرياً عاماً للبلد، فأصدر قراراً بمنع التجوال في القاهرة والجيزة، من السادسة مساءً حتى السادسة صباحاً، وأمراً عسكرياً بمنع التجمهر.

أصرت تحية كاريوكا أن تذهب إلى الإسماعيلية في ذلك اليوم العصيب، غير أن رشدي رفض رفضاً قاطعاً:

- أنت مجنونة... تروحي فين دلوقت. البلد كلها بتولع وكمان فيه حظر تجول وأحكام عرفية.

* حتى لو ضربوني بالرصاص. هاروح يعني هاروح. ماقدرش أسيب أهلي وأخواتي هناك في الحالة دي. أخواتي وولادهم... مش عارفة إيه اللي حصلهم.

- إحنا ممكن نطمن عليهم بالتليفون... لكن اللي عايزة تعمليه دا جنان.

* اسمع يا رشدي... أنا واحدة مجنونة. لو خايف على نفسك من جناني أبعد عني. أنا هاروح الإسماعيلية دلوقت يعني هاروح.

- إيه اللي بتقوليه دا؟ أنت صحيح مجنونة... لكن أنا أجن منك. إحنا نوصل لحد الشرقية عندنا في البلد... وربنا يدبرها هناك.

سافر رشدي وتحية، ووصلا إلى مدينة ميت غمر، ومنها إلى الزقازيق في محافظة الشرقية، وهناك كان في انتظارهما بعض أفراد عائلة «الأباظية» ساعدوهما حتى وصلا إلى حدود الإسماعيلية عند التل الكبير، عبر المزارع، حيث ارتدت تحية ملابس «سيدة فلاحة»، ورشدي ملابس «فلاح»، وتسللا عبر حدائق المانغا حتى دخلا الإسماعيلية.

اكتشف رشدي أباظة أن إصرار تحية على الذهاب إلى الإسماعيلية، لم يكن بهدف الاطمئنان على عائلتها وأخوتها، فلم يستمر ذلك سوى ساعات قليلة، لكنها قررت العودة مجدداً إلى التل الكبير على حدود محافظة الشرقية وشراء مواد غذائية وأدوية ونقلها عبر الطريق نفسه إلى الفدائيين المحاصرين في الإسماعيلية، فطلب منها الفدائيون نقل بعض الأسلحة لهم من الزقازيق إلى داخل الإسماعيلية، فوافقت بلا تردد، غير أن رشدي عارضها خوفاً عليها:

- أنت عارفة لو اتمسكنا بالسلاح دا في الظروف دي هايحصل إيه... مش هايستنوا يسمعوا مننا ولا كلمة هايضربونا بالنار في الحال.

* مايهمنيش حياتي. مصر بتضيع يا رشدي.

- ونقلك للسلاح للفدائيين في الظروف دي هو اللي هايرجعها؟

* أنا مش لوحدي... أنت معايا.

- خلاص... خليك أنت وأنا هاقوم بالمهمة دي لوحدي ومعايا شوية رجالة من الإسماعيلية.

* رجلي قبل رجلك. مش هاسيبك... يا نعيش سوا يا نموت سوا.

نقل رشدي وتحية، بمعاونة بعض الرجال الذين استعانا بهم، السلاح من القاهرة عبر الشرقية إلى الفدائيين في الإسماعيلية، بعدما أصبحا على اتصال مباشر بمركز قيادة الفدائيين في القاهرة، وكانت المفاجأة أن من تسلم منهما الأسلحة هناك اثنان من ضباط الجيش الوطنيين الأحرار، كانا يعملان كهمزة وصل بين الفدائيين والجيش في الإسماعيلية، هما الصاغ كمال رفعت والصاغ وجيه أباظة... ابن عمه، الضابط في سلاح الطيران، والذي تمنى والد رشدي يوماً، أن يسلك رشدي مسلكه:

* أول ما سمعت اسمك قلت لازم تكون أنت. لأن مافيش غير رشدي أباظة واحد بس... ما تتصورش أنا سعيد أد إيه أني شوفتك هنا.

- أنا اللي فخور بيك يا وجيه. ربنا معاكم يا حضرة الصاغ.

* يا أخي الكلام خدنا مش تقدمني للمدام.

- آه صحيح... أقدملك مدام تحية كاريوكا زوجتي.

* أتشرفت يا هانم... سامع عنك بطولات من قبل ما أشوفك.

= الشرف ليا ولأي مصري يا حضرة الصاغ.

* اتفضلوا.

- إحنا ماعندناش وقت... لازم ننزل مصر حالاً. وكمان وراكم حمل تقيل.

السعادة التي شعر بها رشدي وابن عمه «الصاغ» وجيه أباظة، بأن يجد كل منهما الآخر في هذا الموقف، كل من موقعه، كانت بقدر حزنهما على ما آلت إليه الأمور وتفاقمها بهذه السرعة، رغم أنه كان لكل منهما منظوره الخاص إلى الأمور والحكم عليها.

عاشت مصر أطول يوم في تاريخها، تسيطر على الجميع حالة من الغليان والغضب، الجيش والشرطة والشعب، ضد المحتل البريطاني من ناحية، والملك الفاسد من ناحية أخرى. ولتهدئة الأوضاع، اضطر الملك فاروق إلى تعيين رئيس وزراء، عليه توافق وطني، حتى يمتص غضب الجميع، فاختار نجيب الهلالي، الذي عمل منذ اليوم الأول على تطهير القصر من حاشية الملك الفاسدة التي كادت تطيح بعرشه. لكن رجال الحاشية كانوا أقوى، فتآمروا ضده وقلبوا فاروق ضد رئيس وزرائه فاستقال الهلالي في 28 يونيو 1952 بعدما استمرت وزارته أربعة أشهر فقط. وتشكلت وزارة حسين سري في الثاني من يوليو. لم يمض أكثر من 20 يوماً في الحكم حتى استقالت في 22 يوليو، وكلف الملك مرغماً نجيب الهلالي مجدداً بتشكيل الوزارة. وفي مساء 22 يوليو 1952 أقام الملك فاروق حفلة ساهرة في قصر المنتزه في الإسكندرية احتفالاً بإسماعيل شرين، زوج شقيقته الذي تولى وزارة الحربية  ليسحق تمرد ضباط الجيش.

أثناء الحفلة دخل {الشماشرجي} محمد حسن ليبلغ الملك أن الضباط الأحرار استولوا على مقر قيادة الجيش في القاهرة، حيث نجح تنظيم {الضباط الأحرار} في دخول مقر قيادة الجيش في القاهرة مساء 22 يوليو 1952، وحاصر {كردونات} الجيش الموالية للضباط الأحرار قصر المنتزه حيث يتواجد الملك لكنها لم تحاول دخوله.

بعد الاستيلاء على مقر قيادة الجيش، كانت خطة الضباط تقضي بإذاعة بيان الضباط في الإذاعة المصرية صباح 23 يوليو، وعندما علم فاروق بأمر البيان أمر كريم ثابت بمنع إذاعة البيان. لكن الضباط الأحرار كانوا أسرع  فهددوا القيمين على المحطة بالسلاح، وفعلاً ألقى أنور السادات (الذي أعاده يوسف رشاد إلى الجيش) بيان الضباط في الإذاعة في السابعة والنصف صباحاً باسم محمد نجيب الذي أعلن نفسه قائداً عاماً للقوات المسلحة، الأمر الذي استقبله الشعب المصري بفرحة عارمة، فنزل إلى الشوارع يهلل فرحاً، ويستقبل الدبابات والعربات العسكرية المصفحة التي تجوب شوارع القاهرة بالتحية والتكبير و{الزغاريد}.

لم يسعد رشدي بأمر في حياته مثلما سعد بقيام ثورة يوليو. ولكن ليس لأن الملك سيفسح له الطريق، كما قالت تحية، بل لأن مصر التي كان يعشقها بجنون، بدأت عهداً جديداً، بعيداً عن الفساد والأهواء والمصالح الشخصية، حتى لو تضرّر رشدي بشكل شخصي من هذه الثورة، التي سرعان ما أصدرت حكومتها قرارات من شأنها تحقيق العدالة الاجتماعية وإنصاف فقراء الشعب، بإعادة توزيع الثروات عليه. فصدر قانون الإصلاح الزراعي، وتحديد ملكية كبار الملاك، بما لا يزيد على مئتي فدان زراعي للأسرة، وهو ما طبق على العائلة الأباظية التي كانت تملك آلاف الأفدنة الزراعية في محافظة الشرقية.

وجد رشدي أنه قد حان الوقت كي يزور والده بعد مقاطعة استمرت خمس سنوات، فربما كان في أشد الحاجة إليه الآن، ولا يوجد من بين أخوته من والده من يستطيع أن يقوم بذلك، فوالده أنجب من زوجته الثانية ثلاث فتيات، هن رجاء وزينب ومنيرة، وصبياً لم يتعد عمره آنذاك الست سنوات، يدعى فكري.

تمنى رشدي لو أنه لم يعش ليرى هذا اليوم، الذي يقف فيه أمام باب بيت والده يطرق الباب، ووالده يأمر شقيقاته البنات من الداخل بألا يفتحن له، فتحجرت الدموع في عينيه غير أنها انهمرت كالسيل، بمجرد أن سمع شقيقاته البنات يبكين لعدم دخوله بيت والده، رغم توسلاتهن ورجائهن.

شعر رشدي بانكسار شديد، فما حدث جدد عليه الأحزان التي عاشها عام 1948، عندما طرده والده من البيت، بعد علمه بأمر اتجاهه إلى التمثيل، حتى كاد قلب تحية ينخلع خوفاً عليه، فأرادت أن تخرجه من هذه الحالة، فعرضت أن تصطحبه في رحلتها إلى بيروت:

- لا سافري أنت بالسلامة أنا مش هأقدر.

* هاتقعد تعمل إيه؟

- قصدك إني عاطل ماعنديش شغل.

* رشدي. بتقول إيه؟ أنت عارف إني ماقصدش كدا أبداً. أنت بقيت حساس زيادة عن اللزوم حتى مني. أنت عارف أنا بحبك أد إيه. وخايفة عليك من الحالة اللي أنت فيها دي.

- أنا أسف معلش. يظهر فعلا أني بقيت عصبي أوي. بس علشان خاطري سافري أنت وسيبيني.

* مش هاسيبك. رجلك قبل رجلي يا إما مش مسافرة.

- توحة... أنت بتهزري... دي عقود والتزامات... ماينفعش يوم واحد.

* ماهو ماتحاولش. يا نسافر سوا يا نقعد سوا.

ما إن استقرت الأوضاع، حتى قررت تحية كاريوكا السفر إلى بيروت لتنفيذ تعاقد جديد هناك للرقص لمدة أسبوع في أحد الملاهي، وأمام إلحاحها وافق رشدي على السفر معها، خصوصاً أنه لم يكن مرتبطاً بأعمال فنية جديدة.

ما إن انتهت تحية من رقصتها في الملهى حتى جاء من يهمس في أذنها:

- ست تحية... سامحيني.

* إيه في إيه؟ أسامحك على إيه يا وديع؟

- يعلم الله أنا ما بفتن. لكن أنت بتعزي علينا كتير كتير.

* في إيه ما تتكلم يا وديع.

- سيد رشدي زوج حضرتك.

* ماله رشدي؟ حصل له إيه؟

- الله بيسامحني على هالحكي... سيد رشدي الحين بيجلس مع فتاة في ملهى الحمرا. و... و... والله مستحي أقول...

لم تنتظر تحية أن يكمل كلامه، وانطلقت كسهم خرج من قوسه، إلى ملهى «الحمرا» في شارع الحمرا في بيروت، لتجد رشدي يجلس مع الفرنسية آني بارنيه في وضع حميم، فقد لعبت الصدفة دورها في أن يلتقي بها، وهي التي سبق ورحلها الملك السابق فاروق من مصر عام 1949، ولم يعرف رشدي أمراً عنها منذ ذلك التاريخ حتى التقى بها صدفة في ملهى «الحمرا».

من دون مقدمات أو مراعاة لأي قواعد أو أصول، اقتربت تحية وأمسكت آني بارنيه من شعرها وجرتها إلى الأرض، وانهالت عليها ضرباً بقسوة فيما وقف رشدي لم ينطق بكلمة، بل خرج من الملهى إلى الفندق، حمل حقيبته واتجه إلى المطار، ولحقت به على الفور تحية ولم تنتظر لإكمال بقية عقدها في بيروت، وعادت لتثأر لكرامتها مما فعله بها.

في بيتهما في القاهرة بدأ الشجار، فرحل رشدي. وعندما عاد قبيل الفجر تجدد الشجار، وازدادت حدة التوتر بينهما، حتى وصلت الأمور إلى أن تطلب تحية الطلاق، وهو ما لم يتوقعه رشدي، ولم يحتمل أن يسمعه منها:

- تحية أنا بحبك. وماأقدرش استغنى عنك.

* خلاص مابقاش يجي منه.

- ماتضيعيش كل حاجة في لحظة غضب.

* أنت استعجلت أوي يا رشدي.

لم يغمض لهما جفن، ومع ضوء النهار، حمل رشدي حقيبته التي عاد بها من بيروت ولم يكن قد أفرغها بعد، وتوجه إلى مدينة أسيوط في صعيد مصر، ليمضي عدة أشهر عند صديق له هناك، انقطعت خلالها صلته بالقاهرة وكل من فيها، وعلى رأسهم تحية.

دخل رشدي في صراع نفسي داخلي لم يفصح عنه حتى لصديقه، وبعد تردد وتفكير طويل، أرسل برقية إلى تحية من أسيوط، كتب فيه خمس كلمات فقط: «تحية... أنت طالق... رشدي أباظة».

اضطر رشدي أباظة إلى أن يطلق تحية كاريوكا، رغم حبه الشديد لها. إلا أن حبه لم يكن أعز عليه من كرامته ورجولته، فلم يطق أن تمس تحية كرامته ولو بكلمة. فضلاً عن أنه اعتاد حياة الحرية والانطلاق، وبسببهما خسر الكثير في حياته، ولم يندم.

البقية في الحلقة المقبلة

فاروق إلى المنفى

بعدما أعلن محمد نجيب نفسه قائداً عاماً للقوات المسلحة، راحت تحية تزغرد مثل بقية الشعب، فيما وقف رشدي إلى جوار المذياع يستمع إلى البيان غير مصدق، وراح يهنئ تحية وكل من حوله:

- الحمد لله... الحمد لله... ربنا خلصنا من الفساد والخوف. مافيش ملك بعد النهارده. مافيش ظلم... مافيش فساد وعربدة... مافيش حاشية.

* عمري ما كنت أتخيل أن اليوم دا ممكن يجي... أكيد إحنا بنحلم يا رشدي.

- دا مش حلم دا حقيقة يا توحة... قومي بصي حواليك وأنت تعرفي. بصي في وشوش الناس شوفي فرحتهم أد إيه.

* طبعا أنت أكتر واحد فرحان للي حصل. فاروق انزاح من سكتك... وخليلك الجو مع نسوانك.

- ما تبوظيش فرحتنا. وبعدين صدقيني أنا عمري ما كانت عيني زايغة. كل الحكاية كانت صداقة استلطاف... لكنه كان مستكتر أي حاجة على أي حد.

* وكاميليا؟

- الله يرحمها... ماتجوزش عليها غير الرحمة.  

اختار الضباط الأحرار علي ماهر باشا، ليكون رئيس الوزراء الجديد بدلاً من نجيب الهلالي، لإعطاء الأمان للملك من ناحية، ومن ناحية أخرى لعلاقته الطيبة باللواء محمد نجيب، ليتولى علي ماهر تقديم مطالب الضباط للملك، بعدما انتقل الأحرار لتنفيذ المرحلة الأخيرة من الثورة لعزل فاروق، وتولية نجله الأمير أحمد فؤاد تحت مجلس وصاية. ثمة اتجاهان: الأول يقضي بمحاكمة فاروق وإعدامه، والآخر نفيه خارج البلاد. فأرسلوا جمال سالم إلى القاهرة لاستطلاع رأي جمال عبد الناصر فرد عليهم: «ليذهب فاروق إلى المنفى... ويُترك للتاريخ الحكم عليه».

ورحل {يخت المحروسة} مع غروب شمس ذلك اليوم ورحل معه ملك مصر فاروق الأول والأخير بعدما استمر حكمه من 29 يوليو 1937 إلى 26 يوليو 1952، لتبدأ مصر عهداً جديداً تتنسم فيه عبير الحرية، وتنتعش حركة الفن والسينما مجدداً، ويستغل المنتجون زواج رشدي وتحية وحالة الحب التي ينعمان بها، ويطلبهما حلمي رفلة لمشاركة إسماعيل ياسين بطولة أول فيلم يكتبه وينتجه ويخرجه لأجله بعنوان {المنتصر}، ما اعتبره رشدي وتحية فألاً حسناً. وشاركتهما البطولة صديقة رشدي السابقة لولا صدقي، والتي احترمت زواجهما، ولم تفتح صندوق الأسرار القديم، فزاد احترام رشدي لها. ويشهد الفيلم علاقة الأصدقاء الثلاثة، ومعهم عبد السلام النابلسي وزينات صدقي، وسليمان نجيب وعزيز عثمان.

back to top