الأزمة المجزية التي أضاعتها أوروبا

نشر في 05-07-2014 | 00:01
آخر تحديث 05-07-2014 | 00:01
No Image Caption
إن الحاجة تدعو بروكسل إلى اتخاذ إجراء نحو اللامركزية بغية نزع فتيل الاصطدام بين المصالح القومية، وسوف تتمثل الخطوة الرئيسية بتقليص إطار عمل الرقابة المالية المركزية غير الفعالة، وترك الدول تضطلع بقدر أكبر من المسؤولية عن سياساتها المالية والسماح للأسواق بالتعامل مع أخطار الإقراض إلى دول غير مستقيمة.
 Yves Smith تشير التقاليد المتداولة إلى أن التكامل الأوروبي "يهوي إلى الأمام"، وعند حدوث أزمة، أي حين تتعثر أوروبا، فإنها تنهض وتتقدم إلى الأمام، وتقابل أي نكسة بتصميم جديد على تحقيق تكامل أكثر قوة، وكانت توقعات مثل ذلك التقدم أساسية بالنسبة إلى قيام منطقة اليورو التي انطلقت من مصالح قومية متضاربة، على شكل بنية اقتصادية ضعيفة جلية.

وقد مثلت الانتخابات البرلمانية الأوروبية الأخيرة اختباراً جوهرياً لهذه الفرضية، ومع الضرر الذي لحق باليورو بشكل جلي للكل تمحور الآن الاختبار حول ما إذا كانت السياسات الأوروبية ستلتقي حول نظرة مشتركة تتعلق بتكامل سياسي أوسع بغية دعم اليورو، ولم تكن النتيجة مشجعة، فقد هيمنت المصالح الوطنية ودفعت أوروبا من أزمة مالية إلى أخرى سياسية محتملة، كما أن الانقسام بين الشرق والغرب، وصعود الأحزاب المتطرفة، وتبني اللغة المتطرفة وأجندتها السياسية من الأحزاب السائدة قد أعادت رسم فكرة القارة الأوروبية.

المضي في التشظي

 وتمضي أوروبا الشرقية إلى التشظي، وعلى الرغم من التعافي النسبي إبان فترة الركود الكبير فإن دول أوروبا الشرقية، وخاصة تلك التي استخدمت الفرص الاقتصادية والسياسية بشكل فعال، استفادت بقوة من الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي في سنة 2004، ولكن في بعض أكثر البلدان نجاحاً لم تكن لدى الناخبين دراية واسعة بالانتخابات الأوروبية، وشارك أقل من ربع الناخبين البولنديين في تلك الانتخابات، كما كانت معدلات المشاركة بالعشرات في جمهورية التشيك وسلوفاكيا.

وبرز هذا الانفصال بين المقترعين في أوروبا الشرقية وبين اللجنة الأوروبية في بروكسل والبرلمان في ستراسبورغ في لا مبالاة قادة البنك المركزي الأوروبي الذي يتخذ من مدينة فرانكفورت مقراً له، وكرر مارك بلكا وهو حاكم البنك المركزي البولندي القول إن بولندا لن تنضم إلى اليورو في وقت قريب، كما أنه اشتكى من أن ما يدعى "الاتحاد المصرفي" سوف يميز ضد الأعضاء من خارج منطقة اليورو، وبالمثل فقد نأت جمهورية التشيك بنفسها عن فرانكفورت.

انضباط الميزانية

وفي المحيط الاقتصادي لمنطقة اليورو اعتبر نجاح رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو رينزي في الانتخابات الأوروبية تصويتاً للإصلاح، ولكن ازدياد قوة رينزي لا يساعد التكامل الأوروبي، وبدلاً من ذلك فإن من المرجح حدوث مواجهة قوية بين الدول العضوة في منطقة اليورو، وكانت مجموعة سابقة من أعضاء البرلمان صوتت وفقاً لخطوط وطنية على القضايا الاقتصادية الرئيسية: وكانت الشريحة المركزية تؤيد المزيد من الانضباط في الميزانية الوطنية في حين سعت مجموعة المحيط إلى إنقاذ مالي عن طريق آليات مثل اليوروبوند، وسوف يعزز التصويت لرينزي مطالبه المتعلقة بمزيد من الحرية المالية بعيداً عن أوروبا التي من شأنها تعميق مشاعر عدم الثقة.

ومع ازدياد قوة هذه الجماعات النابذة والطاردة تتخذ الأحزاب السائدة موقفاً دفاعياً ضد المتطرفين، وفي ردة فعل على خسارته أمام الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند قبل عامين دعا الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي إلى عملية إعادة تفكير أساسية في أوروبا، وهو يريد رسم خطوط جديدة تقسم الدول إلى دوائر داخلية وخارجية، واستعادة "الفعالية" من بروكسل إلى العواصم الوطنية، وتقييد خطر تنقل الأفراد عبر الحدود.

وبينما عبر رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون ومستشارة ألمانيا أنجيلا ميركل عن قلقهما إزاء استيعاب المهاجرين في بلديهما، دعا ساركوزي إلى تعليق فوري لما يعرف باسم منطقة الشينغن التي تمنح الحق بتحرك والأشخاص انتقالهم في معظم أنحاء أوروبا، ومن دون حرية التحرك لا معنى للتكامل والاندماج، وسوف يتم بقدر أكبر تقويض مشروع اليورو.

الاهتمام بالجانب المالي

وتعد نظرة "السقوط إلى الأمام" بإحداث تغيير في نهاية عملية غامضة شاملة، وتوقع البعض أن يصطف الناخبون وراء فكرة أن يكون زعيم الحزب الفائز أيضاً الرئيس المقبل للجنة الأوروبية، ولكن الناخبين استبعدوا ذلك الاحتمال كما استبعدوا قيمة النتيجة– بشكل صحيح كما يبدو– بحكم التسابق على الجوانب السياسية في ما بعد الانتخابات، وتذكرنا الانتخابات البرلمانية الأوروبية بأن الناخب يهتم بشكل رئيسي بالجانب المالي. وتظهر خطوط التصدع التي نجمت تعبيراً عن اليأس، وهي تعكس خيبة أمل اقتصادية بالنسبة إلى الكثيرين، وأعباء التقشف المالي المستمر في مختلف الدول، وبدأت تلك السياسات التي لم تتمكن من تحقيق استجابة بناءة بعكس صورة للجوانب الاقتصادية من دون أن تترك للناخبين الكثير من الخيارات لخلق زخم إيجابي، وبدلاً من "الهبوط إلى الأمام" يمكن لخطوط الصدع المتعمقة أن تصدع التضامن الأوروبي وإنهاء المكاسب التي تحققت بشق الأنفس بصورة لا رجعة عنها.

وتتطلب الحكمة إجراء استباقياً من أجل منع التشوش السياسي من التحول إلى أزمة سياسية مستعصية، وبينما يتم الحفاظ على الأهداف الأوروبية في الأجل الطويل، وخاصة ما يتعلق منها بحرية التحرك، فإن الحاجة تدعو إلى إجراء من بروكسل نحو اللامركزية بغية نزع فتيل الاصطدام بين المصالح القومية، وسوف تتمثل الخطوة الرئيسية بتقليص إطار عمل الرقابة المالية المركزية غير الفعالة، وترك الدول تضطلع بقدر أكبر من المسؤولية عن سياساتها المالية والسماح للأسواق بالتعامل مع أخطار الإقراض إلى دول غير مستقيمة.

back to top