صناعة الإرهاب

نشر في 20-06-2014
آخر تحديث 20-06-2014 | 22:10
 عبداللطيف المناوي قبل 5 سنوات، تحديداً في صيف 2009، أطلقت القوات الأميركية سراح زعيم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) أبوبكر البغدادي، لأسباب مازالت مجهولة حتى الآن، من معتقل بوكا جنوب العراق، لكن البغدادي أثناء مغادرته السجن، التفت إلى الجنرال الأميركي الذي صاحبه إلى باب الخروج، ثم إلى الجنود الأميركيين المتراصين، وقال: أراكم في نيويورك يا شباب.

الحكاية التي نقلتها "ديلي بيست" الأميركية عن الجنرال كينيث كينغ، لا تكشف لماذا أطلقت أميركا سراح البغدادي الذي كان معتقلاً ما بين عامي 2005، و2009، بيد القوات الأميركية، كما لا تكشف عن كيف صعد "داعش" بهذه السرعة، وكيف اجتاح العراق كالسيل، ولا إلى أين سيصل.

"داعش" يحكي ذلك بنفسه، فقد نشر خريطة لدولته المستقبلية، التي تضم العراق وسورية وصولاً إلى الكويت، وصولاً إلى تركيا وأذربيجان وقبرص، وبعيداً عن الأوهام التي تسكن رأس من صنع هذه الخريطة، يظل "داعش" الدليل الأشد وضوحاً على أنه إذا انتهى "القاعدة"، فهناك ألف "قاعدة" سيظهر، وبشكل أشد قوة وقسوة مادامت أسبابه مازالت موجودة، ومادام التعامل معه لا يتم بالشكل الصحيح الذي يجتثه من جذوره.

"القاعدة"، أو "الإخوان"، أو "داعش"، أو دالم، أو غيرها من الجماعات الإرهابية التي تعيث في الأرض فساداً، وتقتل وتدمر وتزهق الأرواح وتمثل بالجثث، كلها أوجه لعملة واحدة، تتاجر بالإسلام، وتسيء إليه أكثر مما يسيء إليه أعداؤه، وتتعامل معها الحكومات بنفس الطريقة التي تتعامل بها طوال الوقت، والتي أثبتت دائماً وأبداً فشلها.

حذّرت مصر منذ وقت طويل من الإرهاب العالمي، ودعت إلى مواجهته، وذلك قبل الحادث الإرهابي الأشهر، وهو تفجير برج التجارة العالمي في أميركا، لكن لم يسمع العالم، ولم يتعظ، وظنت أميركا أنها باحتلالها العراق وأفغانستان قد قضت عليه، لكنه عاد بشكل أشد بشاعةً، وعنفاً.

لا يمكن القضاء على الإرهاب دون اجتثاث القاعدة الفكرية له، والقاعدة الاقتصادية التي تمده بالمال والعتاد، لا سيما إذا عرفنا أن "داعش" لا يعاني مشاكل مالية تعوق حصوله على السلاح والعتاد وتجنيد المتشددين، إذ يتصرف في ثروة لا تقل عن ملياري دولار، فالتنظيم الجديد، على عكس غيره من التنظيمات الأخرى، فطن باكراً إلى أهمية تجاوز الحصول على التبرعات والتمويلات عبر الطرق التقليدية، إذ عمد منذ البداية، بعد التضييق على مسالك التمويل القديمة المتمثلة في الحسابات البنكية والتحويلات المصرفية، إلى الاعتماد على التطبيقات الإلكترونية خاصة شبكات التواصل الاجتماعي التي تتيح حرية أكبر مثل واتس آب، للدعاية وإغراء المترددين، وأيضاً لتمرير التعليمات والعمليات وتحديد الأهداف خاصة التمويل، وتفادي الرقابة على حركات الأموال وتعويض العمليات البنكية بأخرى مادية عن طريق تبادل عناوين لأشخاص ومنازل لجمع التبرعات والتمويلات.

 كما سمحت سيطرة "داعش" على حقول نفطية في الشرق السوري منذ 2012 بتعزيز إيراداته المالية، بما فيها الكميات التي باعها للنظام السوري في مفارقة غريبة، فضلاً عن نهب الثروات التاريخية والثقافية والمواقع الأثرية السورية، إضافة إلى تجارة التهريب بما في ذلك تهريب الممنوعات.

الصراع مع "داعش" وغيره، أصبح صراعاً اقتصادياَ وفكرياً، فبدون تجفيف موارده المالية، وتجفيف أفكاره، وتفنيد ما يغري به الشباب، ومحاربته فكرياً، فلن يمكن القضاء على الإرهاب الذي يهدد العالم كله، لا الشرق الأوسط فقط.

back to top