كيف خسر الغرب في أفغانستان؟

نشر في 25-04-2014
آخر تحديث 25-04-2014 | 00:01
بينما تستعد القوات العسكرية لمغادرة أفغانستان، يُكتَب تاريخ هذا الصراع بطريقة لن ترضي الجنرالات، فيبذل كبار الضباط في الوحدتين الأميركية والبريطانية قصارى جهدهم لمنع تداول أي فكرة مفادها أنهم ينسحبون بعد تعرضهم للهزيمة، كما فعلت القوات الأميركية في فيتنام، وكما فعلت الوحدة 40 من الجيش السوفياتي عندما انسحبت من أفغانستان في عام 1989.
 ذي ناشيونال توشك "الحرب الطويلة" التي تخوضها الولايات المتحدة في أفغانستان على الانتهاء، وسيتخذ رئيس أفغانستان المقبل القرار بمغادرة جميع القوات العسكرية في نهاية السنة أو بقاء قوة تتألف من بضعة آلاف الجنود الدوليين.

لكن بينما تستعد القوات العسكرية للمغادرة، يُكتَب تاريخ هذا الصراع بطريقة لن ترضي الجنرالات، فيبذل كبار الضباط في الوحدتين الأميركية والبريطانية قصارى جهدهم لمنع تداول أي فكرة مفادها أنهم ينسحبون بعد تعرضهم للهزيمة، كما فعلت القوات الأميركية في فيتنام، وكما فعلت الوحدة 40 من الجيش السوفياتي عندما انسحبت من أفغانستان في عام 1989، ويصر الجنرال الأميركي جوزيف دانفورد، وهو قائد القوات الدولية في أفغانستان، على القول: "نحن لا نغادر البلد بل إننا ننتقل منه، الفرق كبير".

كلمة "انتقال" لها وقع غريب في السياق العسكري حيث يكون النصر (أو عدمه) المقياس المألوف للنجاح، ولا بأس بالتحدث عن عملية انتقالية في السياسة الأفغانية، إذ سيشكّل انتخاب رئيس جديد كي يخلف حامد كرزاي، بعد جولة ثانية ومتوقعة من التصويت، مرحلة انتقالية مهمة في الحياة السياسية، لا سيما نظراً إلى حماس الناخبين للإدلاء بأصواتهم، ربما ساهم وجود القوات الخارجية في تحقيق ذلك النجاح، لكن من المتوقع أن يستعمل المؤرخون كلمة أقوى لوصف هذه الحرب الدموية والمكلفة التي خاضها الجنود.

صدر كتابان جديدان، أحدهما بقلم ضابط في الجيش البريطاني والآخر بقلم مراسلة في صحيفة "نيويورك تايمز"، وهما يتعمّقان بالحرب من وجهات نظر مختلفة، لكنهما يتوصلان إلى الاستنتاج نفسه من ناحية معينة: منذ عام 2001، تقاتل القوات الأجنبية العدو الخطأ!النقيب مايك مارتن هو أحد الضباط البريطانيين القلائل الذين برعوا في تكلم لغة الباشتو. لقد أمضى ست سنوات وهو يعمل في محافظة هلمند، حيث تمركزت القوات البريطانية منذ عام 2006، أو ليدرس تركيبتها القبلية. كتابه بعنوان "حرب حميمة: تاريخ شفهي عن صراع هلمند 1978-2012" (An Intimate War: An Oral History of the Helmand Conflict 1978-2012)، وهو يعرض نظرة عميقة عن تاريخ أفغانستان الحديث.

غالباً ما ننظر إلى المشهد العام وكأنه سلسلة من الفصول المتقطعة (الغزو والانسحاب السوفياتي، ظهور وانهيار المجاهدين، حقبة "طالبان"، ثم محاولة الأميركيين إعادة بناء البلد)، لكن يصف النقيب مارتن الوضع على أنه حرب أهلية طويلة مع مجموعة متبدلة من الدخلاء الخارجيين. في ظل تراجع الأراضي الصالحة للزراعة وندرة الموارد المائية التي لا يتم تقاسمها بشكل منصف وفساد الاقتصاد بسبب تجارة الأفيون، تبدو الخصومات المحلية مزمنة، فالتقاتل بين العشائر هو تعبير عن الجهود الذكورية وبديل نادر عن الأعمال الزراعية الشاقة.

وسط هذا الوضع المشحون، تخبطت القوات البريطانية في محاولتها هزم "طالبان" واستئصال زراعة الأفيون وترسيخ دور القوى الأمنية الحكومية. نظراً إلى استحالة هذه المهمة، كان التلاعب بالجنود سهلاً من جانب القادة المحليين، فاعتبرت إحدى العشائر أن "طالبان" تمثل أبرز خصومها لكنها كانت تقف على الهامش وتشاهد الجنود وهم يهاجمونها، وحصد القادة المحليون الذين كانوا على وفاق مع الدخلاء أرباحاً طائلة من مشاريع التنمية، فقد استنتج النقيب مارتن ما يلي: "لقد جعلنا الصراع أسوأ مما كان عليه بدل تحسين الوضع: حصل ذلك عموماً لأن سكان هلمند استغلوا جهلنا".

كان عناصر "طالبان" المزعومون عبارة عن مزارعي أفيون يحمون محاصيلهم أو قرويين مستائين بسبب قلة ثقتهم التقليدية بالدخلاء، وفضّل معظم المترجمين الفوريين الأفغان الذين استعان بهم الجيش إخبار الضباط بما أرادوا سماعه بدل محاولة شرح السياسة الشائكة في المحافظة.

بالنسبة إلى القرويين في هلمند، بدا وكأن البريطانيين حضروا لزعزعة استقرار المحافظة وتشجيع حركة "طالبان" ونشر شرطة فاسدة تسعى إلى سحب أموالهم واغتصاب أولادهم. بالنسبة إلى شخص من خارج البلد، إنه تقييم سخيف، لكن أصدر القرويون أحكامهم على الوضع وفق ما شاهدوه ميدانياً، فهم لم يرتكزوا في آرائهم على البيانات الصحافية الصادرة عن وزارة الدفاع أو التقارير البطولية التي يعدّها المراسلون المتعاقدون مع الجيش.

تنطبق استنتاجات الضابط على محافظة واحدة، لكن لا يعني ذلك إنكار وجود "طالبان" كقوة منظمة، فالحركة تفجر القنابل في كابول ولديها متحدث لنقل رسائلها إلى وسائل الإعلام، وهذه المعلومات ليست من نسج الخيال، لكن كيف يمكن محاربة هذا الوضع؟

إنه السؤال الذي تجيب عنه كارلوتا غال في كتابها "العدو الخطأ" (The Wrong Enemy)، وهي مراسلة في صحيفة "نيويورك تايمز" غطت أحداث أفغانستان منذ عام 2001. العنوان مأخوذ من ريتشارد هولبروك، الممثل الأميركي الخاص في أفغانستان وباكستان، وهو الذي استنتج قبل وفاته مباشرةً "أننا نقاتل العدو الخطأ في البلد الخطأ".

في الأسبوع الماضي، صرحت غال بأنها تشجعت على تأليف الكتاب لأنها شعرت بأن قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة كانت تعالج أعراض المرض مع أنّ مصدر المرض الحقيقي يكمن في مخيمات التدريب في باكستان. هذا ما دفع الجيش الأميركي وحلفاءه إلى ملاحقة "عدو منظور" في القرى الأفغانية مع أن عدداً كبيراً منهم كان بريئاً، فكانت معظم الحرب مجرد عرض عكسري جانبي مكلف.

ليس سراً أنّ "طالبان" نشأت كرأس حربة لتطبيق السياسة الباكستانية في أفغانستان، إذ تشعر باكستان بأن أفغانستان هي منطقتها الاستراتيجية النائية؛ لذا تسعى إلى فرض سيطرتها عليها، فإذا فشلت في تحقيق ذلك، يجب أن تزعزع استقرار ذلك البلد إلى ما لا نهاية نظراً إلى قلقها من تمدد النفوذ الهندي هناك.

تدرك غال معنى هذا الوضع، فهي تعرضت للمضايقة والاستغلال من رجال الأمن الباكستانيين، وفهمت الظروف التي ينشط فيها الصحافيون الباكستانيون، لذا نسبت قصص الفتيان الانتحاريين الذين فجروا نفسهم في كابول إلى مدارس باكستان الدينية.

تشمل الدروس المستخلصة من الحرب الطويلة في أفغانستان ضرورة اكتساب معارف مكثفة عن التاريخ المحلي، وإجادة اللغة للتفاوض على السياسات القبلية في بلدٍ مثل أفغانستان. كان عناصر الاستعمار البريطاني يتمتعون بتلك المهارات، وينطبق الأمر نفسه على الخبراء الباكستانيين، ولن يتحقق ذلك مطلقاً على يد الضباط العسكريين الذين يتنقلون من أوروبا أو الولايات المتحدة وإليهما، لا سيما إذا كانت سياستهم المحلية هي التي تحدد مدة بقائهم القصيرة، ويدرك الجميع، حتى أصغر القرويين، هذا الواقع.

* الان فيليبس | Alan Philps

back to top