استعد لتقاعدك بجدية

نشر في 24-04-2014 | 00:02
آخر تحديث 24-04-2014 | 00:02
ما عدنا نملك اليوم أي عذر لنتجاهل الاستعداد جيداً لمرحلة التقاعد، حتى إن بعض وسائل الإعلام في دول عدة تشجعك على هذه الخطوة في سن الثلاثين. لكن التقاعد لا يُعتبر مسألة أرقام وأموال فحسب، بل يشمل قضايا مهمة أخرى. فلا يقتصر على المبالغ التي تدخرها بل صار التقاعد والتخطيط له خطوة بالغة الأهمية، نظراً إلى المجتمع الذي نعيش فيه اليوم.
يقرر معظم الناس، عادةً، الاستعداد لمرحلة التقاعد باتخاذ قرارات مالية، ما يُعتبر خطوة مهمة، بل ضرورية. صحيح أن هذه القرارات أساسية، لكنها ليست الوحيدة التي يجب معالجتها استعداداً لتلك المرحلة المهمة من حياة الإنسان. من الممكن اتخاذ قرارات مالية عندما نشاء. لكن حينما نقترب من هذه المرحلة والموعد المحدد لتقاعدنا، من الضروري التفكير ملياً بما تشمله هذه الخطوة على الأصعدة الأخرى كافة. قد يكون من الصعب تحديد التفاصيل كلها، إلا أننا نستطيع على الأقل رسم صورة عامة عمّا تشمله هذه المرحلة.

تخيّل المستقبل

يستطيع الإنسان تخيّل حياته بعد سنتين أو ربما خمس سنوات. ولكن من الصعب تحديد شكل مستقبلنا لفترة أطول. فكيف يمكننا الاستعداد لمرحلة التقاعد؟ هل نكون وحدنا أم مع شريك حياتنا؟ هل نبقى في المسكن ذاته أم ننتقل إلى مسكن آخر؟ هل نظل قرب أولادنا أو أصدقائنا؟ وماذا نفعل خلال هذه المرحلة؟ تتألف الحياة من مراحل ينتهي بعضها بالحزن والأسى: مغادرة كنف العائلة، الزواج، الإنجاب، الانفصال طوعاً أو بعد خلاف... على نحو مماثل، يشكّل التقاعد مرحلة جديدة من هذه المراحل ننتقل فيها من عيش حياة مهنية ناشطة إلى حالة من الراحة تخلو من أي عمل محترف، مع أننا قد نستمرّ في تقاضي المال.

صحيح أن كثيرين يكونون قد توقفوا عن العمل قبل بلوغ هذه المرحلة، ولكن يصعب على البعض تقبلها. فهي، على غرار إشارات أخرى، تعني انقضاء مرحلة الشباب والعنفوان. فيشكّل التقاعد بالنسبة إلى بعض  الناس مرادفاً لحياة انقضت أو حتى الشيخوخة واقتراب الموت. لكن هذه المرحلة تمثّل، في الواقع، فرصة لبدء حياة جديدة والانطلاق نحو مستقبل مختلف. صحيح أنك، مع بداية هذه المرحلة تفتقر إلى قوة الشباب وطاقته، إلا أنك تكون قد اكتسبت صفات ومميزات  لا نتمتع بها في بداية حياتنا. وإن وسم التقاعد نهاية الحياة المهنية، فلا يعني بالضرورة الانتقال إلى حياة من الخمول والملل.

مراحل لا بد منها

نشعر عادةً، مع بداية مرحلة التقاعد، بنوع من السعادة أو نشوة تجمع خليطاً من العواطف المتنوعة. فعندما نحس أننا أنهينا واجباتنا، يتملكنا شعور بالحرية المختلط بتقدير الذات، مع بدء هذه العطلة غير المحدودة. لكننا ننتقل، بعد ذلك، إلى مرحلة يتحوّل فيه هذا التغيير إلى واقع ملموس نشعر فيها أننا ضائعون و تفتقر حياتنا إلى تنظيم. من الجيّد، في هذه الفترة، الاسترخاء قليلاً وترك الأمور تأخذ مجراها، إلا أن استسلامنا هذا يجب ألا يدوم طويلاً.

يجب الانتقال، بعد ذلك، إلى مرحلة مليئة بالالتزامات والمهام الجديدة لبناء حياة مختلفة. فيسعى البعض إلى تركيز حياتهم هذه على أولادهم وأحفادهم، في حين يمضي آخرون هذه المرحلة في السفر المستمرّ، ما يتيح لهم التعرف إلى مناطق جديدة وثقافات مختلفة. ويفضل آخرون بدء نشاطات جديدة، التعرف إلى أشخاص مختلفين، وعيش تجارب لم يختبروها من قبل. ونصل بعد ذلك إلى المرحلة النهائية أو ما نسميه مرحلة الاستقرار. في هذه المرحلة، يكون المتقاعد قد رسم خطوطاً عريضة لحياته الجديدة وخصص لنفسه روتيناً يتبعه.

عناصر لا غنى عنها

خلال الاستعداد لمرحلة التقاعد، يجب إجراء تعديل وتغييرات ضرورية لتتوافر ظروف مؤاتية تسهّل عليك تحقيق هدفك، والبقاء على الدرب الصحيح. بالإضافة إلى المال، من الواضح أن الحفاظ على صحة جيدة بالغ الأهمية. لكن هذا العنصر يحتاج إلى عمل جاد ودؤوب، يبدأ قبل سنوات طويلة من بلوغك سن التقاعد، مع أننا لا نستطيع، بالتأكيد، التحكم في التفاصيل كافة المتعلقة به.

ينطبق الأمر عينه على المجالات الأخرى. فلا داعي، مثلاً، لانتظار مرحلة التقاعد لنيل بعض المرح والمتعة، خصوصاً أن هذا الأمر يحتاج إلى نوع من «التدرب والتعوّد». هكذا لا يشكّل التقاعد نقطة تحوّل مفاجئة وقاسية، بل نوع من الاستمرارية، خصوصاً إذا كنت قد بدأت بتنويع اهتماماتك قبل بلوغ هذه المرحلة. ويجب ألا نبني الأوهام حول هذه المرحلة، فحلولها لن يبدّل كامل حياتك. إذ لا تتبدل شخصيتك مع التقاعد. في حال  كنت شخصاً يحب المرح والتسلية أو إذا كنت انعزالياً، فستساهم مرحلة التقاعد في تعزيز هذه الصفات فيك، خصوصاً عندما تحظى بالحرية لتوجيه حياتك كما يحلو لك.

لا شك في أنك تعرف الكثير في محيطك ممن بلغوا مرحلة التقاعد. وتلاحظ أن بعضهم لم يكونوا يوماً ناشطين، في حين يقوم آخرون بخيارات أخرى، فيقررون تعزيز نشاطهم في مجالات ثقافية وفكرية. كذلك يقرر البعض عدم التوقف عن العمل. من المؤكد أن الأمثلة كثيرة على مشاهير تخطوا سن التقاعد وما زالوا ناشطين، من بينهم: وودي آلن وكلينت إيستوود.

 لمَ الخوف من التقاعد؟

ربما لا نملك أدنى فكرة عما سنقوم به بعد التقاعد، خصوصاً إذا رغبنا في ألا تقتصر هذه المرحلة على مهام عادية ومملة. كذلك يخشى بعض الأزواج التصادم مع شريك حياتهم عندما يُضطرون إلى البقاء في المنزل فترة أطول، خصوصاً إذا لم تكن العلاقة بينهما متينة. لا شك في أن تمضية مرحلة التقاعد مع شخص نحبه تعود علينا بالسعادة. إلا أن قضاءها مع شخص فترت علاقتنا به على مرّ السنين قد يتحوّل إلى كارثة.

على الصعيد النفسي، تتطلب هذه المرحلة منا إقامة توازن جديد، لأننا إن أخفقنا في ذلك، فقد نصبح رقماً في إحصاءات واضحة: تضاعفت نسبة الطلاق بين الأزواج الذين تخطوا سن الستين منذ 1985. ولا يعود ذلك إلى ارتفاع متوسط عمر الإنسان المتوَقّع. على العكس، عندما يدرك الإنسان أن ما زال أمامه سنوات طويلة ليعيشها، يُضطر أحياناً إلى اتخاذ قرارات حاسمة تبدّل حياته.

يشير كثر ممن بلغوا مرحلة التقاعد إلى شعور بالفراغ وعدم الجدوى يكبّل حياتهم، خصوصاً عندما يمضون فترات طويلة في التحسر على نشاطاتهم السابقة. ولكن لا داعي لأن يطول هذا الشعور. فيستطيع المتقاعد التطوع في عمل ما أو تقديم مساعدة لشركة كمدرّب أو مستشار أو ما شابه. أما إذا اختلف الزوجان المتقاعدان بشأن الخطط التي يرسمانها لهذه المرحلة، فعليهما التوصل إلى نوع من التوازن، خصوصاً إذا كان أحدهما يطمح إلى حياة راحة وهدوء، في حين يرغب الآخر في حياة مليئة بالنشاط والحيوية.

إذاً، لا تعتبر مرحلة التقاعد نهاية حياة الإنسان، بل تشكّل بداية جديدة نحو حياة مختلفة. وإن حرصت على الاستعداد مسبقاً لهذه المرحلة، فستنجح في تخطيها بسهولة، محققاً توازناً يتيح لك المضي في حياتك كما ترغب، متفادياً المشاعر السلبية التي يختبرها كثر في هذه المرحلة.

back to top