أفضلية الخبراء

نشر في 24-04-2014 | 00:01
آخر تحديث 24-04-2014 | 00:01
 أماندا هـ. غودال  كان يعتقد في السابق أن القيادة هي أقل ضرورة في المؤسسات التي تعتمد على المعرفة بشكل مكثف، حيث تم الافتراض بأن الخبراء هم أناس أرفع منزلة لأنهم ممن تحركهم المتعة العقلية عوضاً عن الدوافع الخارجية مثل نمو الأرباح والأهداف المتعلقة بالتكلفة، وإن هذا الفارق في المقاربة واضح في الكثير من مجالات المجتمع.

لدى جميع أعضاء مجلس إدارة "غوغل" تقريباً على الأقل درجة علمية أو دكتوراه في علوم الحاسوب أو الهندسة، فهناك اثنان من رؤساء الجامعات وهما باحثان متميزان- جون هينيسي من جامعة ستانفورد والرئيسة السابقة لجامعة برينستون شيرلي تيلغمان- وعدد من أعضاء الأكاديمية الوطنية للهندسة وغيرها من المؤسسات الشهيرة، وبالنسبة إلى "غوغل" فمن المفيد أن يكون لديها خبرة فنية في أعلى الهرم.

لكن "غوغل" تعتبر استثنائية بين الشركات العملاقة عندما يتعلق الأمر بترقية أولئك الذين يملكون معرفة علمية متميزة لقمة السلم الإداري، وبخلاف "وادي السيلكون" فإن قلة من كبار مديري الشركات لديهم الخبرة التقنية في المنتجات التي تنتجها شركاتهم، فمجالس الإدارة في أميركا مليئة بأشخاص حائزين درجة الماجستير في إدارة الأعمال خصوصاً من هارفارد بينما يبدو أن  الشركات في معظم العالم المتقدم (ربما باستثناء ألمانيا) تفضل المديرين المهنيين على أولئك الذين يمتلكون مهارة تقنية أو علمية.

يبدو أنه من الغريب هذه الأيام أن تجد أناساً يعتمدون في رزقهم على معرفتهم كقادة محترفين، كما أنه من الغريب كذلك أن تجد علماء في مجالس الإدارة، لقد كان يعتقد بالسابق أن القيادة هي أقل ضرورة في المؤسسات التي تعتمد على المعرفة بشكل مكثف حيث تم الافتراض بأن الخبراء هم أناس أرفع منزلة لأنهم ممن تحركهم المتعة العقلية عوضاً عن الدوافع الخارجية مثل نمو الأرباح والأهداف المتعلقة بالتكلفة.

إن هذا الفارق في المقاربة واضح في الكثير من مجالات المجتمع وليس أقلها المستشفيات في الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة، حيث يقوم العاملون في المجال الطبي، الذي يعتمد على المعرفة المكثفة، بممارسة مهامهم بشكل منفصل عن المديرين. لقد كانت المستشفيات تدار من قبل الأطباء واليوم 5% فقط من الرؤساء التنفيذيين للمستشفيات الأميركية هم من الأطباء، كما أن هناك عدداً أقل من الأطباء يديرون المستتشفيات البريطانية، وطبقاً للقول الشائع فإنه يجب ترك الطب للأطباء والإدارة التنظيمية للمديرين المهنيين.

لكن هذا خطأ، فالأبحاث تظهر أن المستشفيات الأميركية الأنجح هي عادة ما تكون تحت إدارة أطباء يتمتعون بسمعة متميزة في مجال البحث وليس من متخصصين في الإدارة. إن الأدلة تشير كذلك إلى أن المستشفيات تؤدي بشكل أفضل ولديها معدلات وفيات أقل عندما يكون لديها مديرون أكثر على مستوى مجلس الإدارة يتمتعون بخبرات وتدريبات عملية.

ويمكننا ملاحظة اكتشافات مماثلة في مجالات أخرى، فقد أظهرت أبحاثي أن أفضل جامعات العالم على سبيل المثال عادة ما تكون تحت قيادة باحثين استثنائيين ممن  يتحسن أداؤهم مع مرور الوقت. وينسحب التحليل نفسه إلى مستوى الدوائر والأقسام، فأقسام الاقتصاد في جامعة ما على سبيل المثال عادة ما تؤدي بشكل أفضل كلما تم الاستشهاد بأبحاث مديريها والاستعانة بها على نطاق أوسع.

ولا يعني وجود خبراء يمسكون زمام المسؤولية، أن هناك هيكلاً فعالاً ذا تراتبية يبدو موجوداً على الدوام، لكن كما يقول الأكاديميون: لأنك لا تستطيع التعامل مع القطط كقطيع فلا يعني ذلك أنه لا توجد تراتبية بين القطط، وكما هي الحال عند القطط، فإنه يوجد "تراتبية نسبية" حيث يتغير الشخص المسؤول طبقاً للوضع المحيط به.

حتى في عالم الرياضة حيث لا يكون النجاح بمنزلة استعداد واضح للإدارة، نرى روابط مثيرة للاهتمام بين الخبرة والأداء التنظيمي. إن أفضل لاعبي دوري كرة السلة الأميركي عادة ما يكونون من أفضل المدربين، كما نجد أن هناك ارتباطاً بين أبطال مسابقات سيارات "الفورمولا 1" السابقين والأداء المتميز لفرقهم. أما في الدوريات الكروية الإنكليزية فإن من بين 92 ناديا كرويا، لعب مدربو الأندية ما يعادل 16 سنة في الأندية المحترفة، فمثلاً أليكس فيرغيسون الذي يعد أفضل مدرب بريطاني كان يسجل ما معدله هدف واحد كل مبارتين في حياته المهنية.

لكن عندما يحدث هذا النمط، خصوصاً في عالم الأعمال فإنه يتوجب علينا ملاحظة ذلك. إن الشريك التنفيذي في أي شركة خدمات مهنية من المرجح أنه كان موظفاً متميزاً خلال فترة عمله الطويلة مع الشركة، وربما كان السبب وراء ذلك أن الخبراء والمهنيين في المنظمات التي تعتمد على المعرفة بشكل مكثف يفضلون رئيساً متميزاً في مجالهم. إن مصداقية القائد حيوية، فلو وضع معايير عالية فسوف يكون من المناسب أن يلبي القائد نفسه تلك المعايير أو حتى يتفوق عليها، أي يجب أن يكون مثالاً يحتذى به بالنسبة إلى موظفيه.

مثل هذا النوع من ترتيبات القيادة يخلق حلقة فعالة، فالقائد الذي يملك خبرة سابقة يعلم ما الذي يشعر به مرؤوسوه، وكيف يحفزهم، وكيف يخلق بيئة العمل الصحيحة، وربما يتخذ القائد قرارات أفضل تتعلق بالتعيين. وفي واقع الأمر، فإن من المرجح أن يكون للعلماء أو الأطباء المتميزين تقييمٌ أفضل مقارنة بالمدير المتخصص فيما يتعلق باختيار وترشيح الباحثين أو الأطباء ذوي الإمكانات الأفضل المحتملة لتولي المناصب.

المشكلة ليست ببساطة افتقار قادة اليوم للمعرفة التقنية، بل إن الخبراء عادة ما يترددون في تولي مناصب قيادية، لكن بإمكان ذلك أن يتغير، فعندما يتم التركيز في مرحلة مبكرة من الحياة المهنية للخبير على أهمية الإدارة والقيادة، وعندما يتم تقديم تدريب مصمم بعناية ويمكن استيعابه ويكون خالياً من المفردات الرنانة فسوف يكون بإمكاننا جسر الهوة، هناك الكثير من كليات الطب تنظر حالياً في إدخال تعليم الإدارة كجزء من مناهجها التعليمية.

إن جوهر الفكرة يتمثل بجعل الخبراء المدربين الذين اعتادوا على التعمق كثيراً في مجال اختصاصهم، أن يتوقفوا لفترة وأن ينظروا إلى المشهد من منظور شامل، فلو توافر الإعداد الصحيح فإنه لا يوجد سبب يمنع القائد من التخصص والإدارة، فالنتائج يمكن أن تكون رائعة. فكر كيف يمكن أن تستجيب الحكومات التي هي تحت إدارة علماء لديهم خبرات إدارية للتغير المناخي، فأفضل العقول يجب أن يتم استخدامها على النحو الأمثل.

* كبيرة المحاضرين في كلية كاس لإدارة الأعمال- جامعة سيتي، لندن.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top