لا هو بديل ولا هو استراتيجي

نشر في 24-04-2014
آخر تحديث 24-04-2014 | 00:01
 علي البداح أريد أولاً أن أعتذر لأنني كتبت في موضوع كنت طرفاً فيه، فأنا لم أعتد التحدث في أي موضوع استشاري قدمت فيه رأياً وتصوراً للحل، كما أنه من غير اللائق إبداء رأي على صفحات الجرائد لمصلحة خاصة به.

لكن الموضوع أصبح موضوعاً عاماً وكتب فيه كثيرون من المختصين وغير المختصين حتى وصل إلى لجنة الموارد البشرية في مجلس الأمة، وسأتجاهل موضوع المصلحة الخاصة لأني سأقضي عليها بالكتابة العلنية، وذلك لأن الموضوع أصبح موضوعاً وطنياً ومهماً لكل العاملين في حكومة الكويت، وله تأثيرات كبيرة على القطاع الخاص، ولم يعد موضوع استشارة أو مشروعا لتقديم خطة بديلة.

في عام 2010 طلب "ديوان الخدمة المدنية" من المكاتب الاستشارية الكويتية تقديم عروض لمهمة محددة، وهي مراجعة نتائج توصيف وتقييم الوظائف في وزارات الحكومة قام بها أحد مكاتب الاستشارة وإبداء الرأي بشأنها، وتم اختيار "الأهلية الخليجية للاستشارات"، حيث أعمل، للقيام بعملية التقييم، وقدم لنا مشروع الخدمة المدنية على أنه البديل الاستراتيجي.

استلمت كل ما قدمه المستشار السابق والوثيقة والعرض الذي أعده أحد المستشارين أو مجموعة منهم، وتبنته الإدارة في "ديوان الخدمة المدنية" باسم "البديل الاستراتيجي" وكانت النتائج صادمة. ما وجدته يدل على أن القائمين على المشروع لا يعرفون ما يفعلون، وسيدمرون نظام الخدمة المدنية ويتسببون في مشاكل لا تحصى لو تم تنفيذ المشروع بالطريقة التي قدموها للحكومة.

وفي اجتماع في غرفة اجتماعات وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء، حينذاك السيد علي الراشد، وبحضور عدد من نواب مجلس الأمة أذكر منهم الدكتور علي العمير والدكتورة سلوى الجسار والسيد عدنان عبدالصمد والشيخ محمد العبدالله عن ديوان مجلس الوزراء وكل قياديي الديوان، أبديت رأيي في المشروع، وقلت إنه سيكون كارثة لو تم تنفيذه بالشكل المطروح.

إن الحل المطروح بتوصيف وتقييم الوظائف والادعاء أن هذا سيحل مشكلة العدالة والكوادر وتوفير متطلبات الحكومة في تحديد الاحتياجات التدريبية وتحسين الأداء وكل ما جاء في إعلان "البديل الاستراتيجي" لا يقف على أرض سوية، وسيزيد مشاكل الوظيفة العامة بدلاً من حلها.

إنني أستطيع أن أقدم بعض الخلل الذي أحاط بالدراسة من بدايتها ومنها ما يلي:

1- إن الهدف الأساسي للمشروع حدد بإعداد توصيف، ثم تقييم الوظائف دون تحديد ماذا نصف وكيف نقيم. وستكون جريمة بحق الوطن لو تم توصيف الوظائف الحالية واعتُمد التوصيف كمرجع وكوثيقة لحجم الوظيفة ومسؤولياتها. إن الجميع متفق أن الوظيفة الحكومية في غالبها مهلهلٌ ومجزأٌ ولا تشكل وظيفة كاملة منتجة وذات هدف وقيمة واضحين، وسيكون أمام الحكومة مشكلة كبرى في أي تغيير تقدم عليه في المستقبل لأن الموظفين ونقاباتهم سيتمسكون بالوصف الوظيفي، الوثيقة التي يتبسط البعض في فهم قيمتها وقوتها القانونية، ولن تقدر الحكومة على إلزام أي موظف بأي مهمة إضافية دون زيادة مرتبه. وبطاقة الوصف الوظيفي ستكون سلاح الموظف أمام رؤسائه، فهل نقبل بوصف لوظيفة غير موجودة بالمعايير الجادة للوظيفة العامة؟  

2- حين سألت اللجنة المعنية في الديوان على أي أساس تم توصيف الوظائف؟ ولماذا اختير نظام معين للتقييم؟ وحين اختير نظام التقييم، كيف ولماذا اختيرت عناصر التقييم وأوزانه؟... لم أجد جواباً عند اللجنة.

3- عندما سألت عن سلم الرواتب المقترح ولماذا تم اختيار 15 درجة أو 16 درجة، لم أجد جواباً لهذا السؤال، لماذا 15 وليس 20 أو 10؟ لاختيار سلم الرواتب أصولا لم يتحقق منها أحد، ولم يعطِ المستشار الأول أي إرشاد للاختيار لأن أحداً لم يعرف كيف؟

4- عندما قرأت "البديل الاستراتيجي" أيقنت أن من كتبه لا يفهم معنى البديل أو معنى الاستراتيجي، وأدخل في مزايا التوصيف والتقييم أموراً لا علاقة للعملية بها، وكأن القائم على كتابة البديل أراد تزيين المشروع وإظهار أهميته، فأدخل فيه قسراً كل ما تحلم به الكويت في إدارة الموارد البشرية.

5- التوصيف لا يحقق كل الأهداف المذكورة بـ"البديل الاستراتيجي"، ولكن إعداد الوظيفة لتكون غنية بالمسؤوليات والواجبات وذات قيمة للعامل بها والمتعامل معها هو الذي يجعل منها مادة لتحقيق كثير من الأهداف، وأهمها تقديم خدمة متميزة في الجهاز الحكومي.

6- كان السيد الوزير يلح على التنفيذ، وإدارة الديوان موافقة على تنفيذ المشروع في سبتمبر 2010، وكان رأيي أن المشروع بحاجة إلى إعادة دراسة، وأنه يحتاج إلى سنتين على الأقل، وبَيّنْت عيوب الدراسة أمام الجميع في الاجتماع المذكور.

7- طلب الديوان أن أقدم لهم بديلاً لكنهم وجدوا التكلفة عالية مع أنها لا شيء مقابل الخسائر التي كانوا سيتسببون بها وقتها، واتفقوا في النهاية أن تقوم لجنة من الديوان بمراجعة المشروع على ضوء التوصيات التي قدمتها.

8- فوجئت بعد سنتين من عمل هذه اللجنة بـ"البديل الاستراتيجي" في صيغته الجديدة، ونشر التقرير في الصحافة، ووجدت أن ما عمل في سنتين أسوأ بكثير من المشروع الأول، ولم يؤخذ بأي توصية من التوصيات التي قدمناها، وقمت بزيارة السيد عبدالعزيز الزبن رئيس الديوان والسيد مصطفى الشمالي وزير المالية بصفته حينها رئيساً لمجلس الخدمة المدنية، والشيخ محمد العبدالله وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء، وبَيّنْت العيوب الرئيسة فيما عرض على مجلس الخدمة المدنية وتمنيت عليهم إيقافه لما له من آثار سلبية على الإدارة الحكومية والعاملين فيها، وعرضت مقترحاتي على السيد وزير الدولة الذي وعد بدراستها.

9- حين قرأت بأن "البديل الاستراتيجي" وصل إلى لجنة الموارد البشرية بمجلس الأمة، وأن اللجنة بصدد مراجعته أو تقديم بديل، ثم صار الحديث عن توحيد مكافأة نهاية الخدمة وجدت من الضروري كتابة هذا المقال لعل وعسى أحد يسمع.

حين نقدم بديلاً فإننا نقصد تقديم شيء أفضل شكلاً ومضموناً وفائدته أكبر، وسيرى فيه المعنيون خطوة كبرى إلى الأمام، وحين نقول "استراتيجي" فإننا نعني إحداث نقلة نوعية تتحقق بها فوائد جمّة لجموع المستفيدين بها والقائمين على تنفيذها ولأعوام طويلة وتخدم أغراضاً وأهدافا جليلة. و"البديل الاستراتيجي" المقترح لا يقدم أياً من هذا، واعتبر كتابة بطاقات الوصف الوظيفي وتقييم الوظائف هدفاً، وهي ليست كذلك. فالتوصيف والتقييم وسيلة لتحقيق أهداف، وإذا لم يحسن استخدامها فإن نتائجها وخيمة وستضر الناس والاقتصاد وتدخل الحكومة في دوامة لا تستطيع النفاذ منها. صحيح أن الحكومة أخطأت في خلق الكوادر الجديدة وأخطأت في زيادات غير مدروسة وحل هذه المشاكل ليس سهلاً ولكننا لا نعالج الخطأ بخطيئة.

لذلك أتمنى ألا يستعجل مجلس الخدمة المدنية ومجلس الأمة في اتخاذ قرارات ستسبب كارثة إدارية يصعب التخلص منها.

back to top