ضرورة فضح خداع بوتين لإنقاذ أوكرانيا

نشر في 23-04-2014
آخر تحديث 23-04-2014 | 00:01
أوقع بوتين قادة أوكرانيا في معضلة كبيرة، فإذا تصدوا للمتمردين بالقوة، يعززون روايته عن تعرض الروس للاضطهاد، أما إذا أخفقوا في ذلك، فيعززون روايته الأخرى: أن أوكرانيا دولة فاشلة غير قادرة على ممارسة السلطة الملائمة.
 أندرو ويلسون يعج شرق أوكرانيا بالمسلحين المقنعين الذين يحتلون مباني حكومية ويُطالبون "بحماية" روسيا، وتخفق الحكومة المركزية في كييف في تنظيم ردّ ملائم، في حين يبدو الغرب عاجزاً تقريباً عن فهم ما يحدث، فكم بالأحرى الرد عليه؟

لا يزال هذا الوضع يُعتبر مألوفاً حتى اليوم، لكنه لم يتحوّل بعد إلى تكرار للحوادث التي شهدتها منطقة القرم، ولفهم سبب ذلك، علينا أن ندرك بالتحديد ما تأمل روسيا تحقيقه من مكاسب.

خطة فلاديمير بوتين بسيطة: التسبب في تفكك الحكومة الأوكرانية؛ لذلك أوقع قادتها في معضلة كبيرة، فإذا تصدوا للمتمردين بالقوة، يعززون روايته عن تعرض الروس للاضطهاد، أما إذا أخفقوا في ذلك، فيعززون روايته الأخرى: أن أوكرانيا دولة فاشلة غير قادرة على ممارسة السلطة الملائمة، وفي كلتا الحالتين، يستطيع بوتين المضي قدماً في سعيه نحو "الفدرالية"، التي يصوّرها كوسيلة لإعادة الحقوق وحماية الأقليات في أوكرانيا، إلا أن هذا المسعى سيحوّل أوكرانيا في الواقع إلى دولة بوسنية أخرى مع الحد الأدنى من الحكومات المركزية.

لكن الخطر، الذي يواجهه الرئيس الروسي، يكمن في أنه أطلق قوى قد يعجز عن ضبطها، فالفكرة التي عبّر عنها في خطاب النصر الكبير في شهر مارس (عن أن روسيا أمة "مقسومة" تماماً مثل ألمانيا خلال الحرب الباردة) صُممت بادئ الأمر كغطاء للسماح له بغزو القرم، لكنها اكتسبت اليوم زخماً كبيراً، ما يُرغم بوتين على السعي لمجاراة خطابه بشأن "مسؤولية" الحماية، من دون أن يتمكن من تحديد ما إذا كان يقصد مَن ينتمون إلى الإثنية الروسية أو الناطقين بالروسية أو "الرفاق"، علماً أن هذا المصطلح الأخير يشير غالباً في القانون الروسي إلى سكان الاتحاد السوفياتي سابقاً.

في هذه الأثناء، نشهد خليطاً ساماً على الأرض. تتألف مجموعة المتظاهرين الأساسية من أعضاء من القوات الخاصة الروسية أو سكان محليين يتلقون التمويل من نخبة أوكرانيا الثرية. صحيح أن بعض أغنى رجال أوكرانيا "يلعبون على الحبلين"، محاولين نيل حظوة لدى كييف وموسكو على حد سواء، ولكن يُقال إن هؤلاء الممولين خصوصاً مقربون من الرئيس السابق فيكتور يانوكوفيتش، ويشملون يانوكوفيتش نفسه، الذي تتحدث بعض التقارير عن أن ملجأه الجديد المبتذل في موسكو كلفه 52 مليون دولار. فمقابل الحصول على الحماية من الروس، يُطلب من هؤلاء الأثرياء إنفاق جزء من أموالهم الطائلة على حركة التمرد.

كانت مجموعة صغيرة من الرجال كافية لبدء التظاهرات، لكن آخرين ينضمون إليها راهناً، بمن فيهم متطرفون محليون كانت روسيا تدعمهم منذ سنوات، فضلاً عن متطوعين يغريهم معدل الأموال المدفوعة المتداول على وسائل التواصل الاجتماعي والذي يتراوح بين 300 و500 دولار يومياً. أضف إلى ذلك عدداً من المتظاهرين الحقيقيين، إلا أن هؤلاء يشكّلون على الأرجح العنصر الأقل أهمية.

تكمن المشكلة الرئيسة، التي يواجهها الغرب في محاولته احتواء الوضع، في أن القوات الأوكرانية عاجزة بالكامل، فقيادة مجلس الدفاع والأمن القومي غير محترفة، والجيش الذي أُذل في القرم يفتقر إلى التمويل على نحو حاد. أما القوى الأمنية (SBU)، فقد تعرضت لاختراقات كبيرة من الروس. نتيجة لذلك، لجأت السلطات في خطوة يائسة إلى وحدة النخبة "ألفا" (القوة عينها التي أطلقت النار على المتظاهرين في كييف)، ولكن اتضح أن أعضاءها غير مستعدين للمخاطرة بحياتهم، حتى إن وزارة الدفاع بدأت بجمع التبرعات من المواطنين عبر الرسائل النصية على الهواتف (قد تكون هذه الخطوة وطنية، إلا أن من المستحيل أن تموّل حملة جدية لمحاربة التمرد).

حالَ اتفاق الحد من التصعيد، الذي جرى التوصل إليه في جنيف أخيراً، دون ازدياد الوضع سوءاً على الأرض، إلا أنه لا يمنع أياً من الطرفين من تأجيج التوتر مجدداً.

إذاً، ماذا نستطيع فعله؟ أو بالأحرى: ما علينا فعله؟ من الضروري بالتأكيد مناقشة العقوبات والمساعدة العسكرية غير المميتة على نحو أشمل، ولكن يجب أن يحل الكشف عن الحقيقة في المرتبة الأولى بين أولويات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، فلا داعي لأن نتناقش في ما إذا كان المسلحون ("الرجال الخضر الصغار") جنوداً روساً متنكرين لأنهم كذلك، وإذا حاول بوتين أو وزير خارجيته إنكار ذلك، فعلينا معارضتهما صراحةً.

ثانياً، ثمة حاجة إلى تدفقٍ أفضل للمعلومات من أوكرانيا وإليها، ولا شك أن المنظمات غير الحكومية الأوكرانية تؤدي عملاً ممتازاً في الكشف عما يحدث على الأرض، إلا أن كييف تحتاج إلى معلومات من الأقمار الاصطناعية بغية إظهار ما يتربص بها على الحدود وتقييم ما قد يعبر هذه الحدود.

بالإضافة إلى ذلك، يستطيع الغرب المساهمة في بناء قدرات المؤسسات الأوكرانية المتداعية، فقد تساهم التدريبات المشتركة مع القوات المسلحة في الدول المجاورة في تطوير أنظمتها للقيادة والتحكم. عندما كان يانوكوفيتش في السلطة، عانى جهاز حرس الحدود الفساد المستشري، وهو غير مؤهل البتة لمراقبة الحدود مع روسيا، لكن نجاح فريق عمل الاتحاد الأوروبي، الذي أُرسل إلى حدود مولدوفا الشرقية عام 2005 بغية وقف عمليات التهريب من "جمهورية ترانسنيستريا" المتمردة (المدعومة من روسيا) وإليها، يُظهر السرعة التي يمكن بها تطبيق نظام فاعل. فضلاً عن ذلك، تستهدف العقوبات الغربية اليوم مَن يدعمون النظام السابق، غير أن من الضروري تعديل هذه العقوبات لقطع التمويل عن الانفصاليين.

علاوة على ذلك، علينا تشجيع السلطات في كييف على التحلي بالشجاعة، فحتى "حزب المناطق"، الذي كان يانوكوفيتش يترأسه سابقاً، تراجع عن نسخة روسيا من "الفدرالية"، ولكن ما من مشكلة مع الديمقراطية المحلية، إن كانت تعني حقاً إجراء انتخابات محلية، خصوصاً أنها ستشكل مفاجأة غير متوقعة لبوتين. تشير استطلاعات الرأي إلى أن أقلية فقط من الأوكرانيين الناطقين بالروسية قد يصوتون للانضمام إلى موسكو، حتى في الشرق. لذلك يسعى بوتين راهناً إلى إرجاء الانتخابات الرئاسية المقرر عقدها في أوكرانيا في شهر مايو، ونتيجة لذلك، من الضروري عقد هذه الانتخابات، كذلك على كييف إجراء عمليات انتخابية أخرى في الشرق، فإما تفوز وإما تحاول روسيا عرقلة هذا الانتخابات، ما يقوّض ادعاءها أنها تمثل مصالح الشعب. إذاً، يبقى الحل الأفضل لإنهاء هذه المواجهة السخيفة في مطلق الأحوال فضح خداع بوتين.

back to top