الاحتباس الحراري والسرد المشوش

نشر في 22-04-2014
آخر تحديث 22-04-2014 | 00:01
حقيقة قضية الاحتباس الحراري عكس ما يروجه السياسيون وأنصار البيئة تماماً: فنحن نعلم الآن أن تكاليف الأضرار قد تبلغ 2% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، في حين قد تتجاوز تكاليف سياسات المناخ في نهاية المطاف 11% من الناتج المحلي الإجمالي.
 بروجيكت سنديكيت عندما يحدثنا الساسة في أنحاء العالم المختلفة بقصة الاحتباس الحراري العالمي، فإنهم يصوغونها وكأنها التحدي الأكبر الذي يواجه البشرية، ولكنهم يعدوننا أيضاً بأنهم قادرون على التصدي لهذا التحدي بتكلفة زهيدة، في حين يعملون على تحسين العالم بطرق أخرى لا حصر لها، ونحن نعلم الآن أن كل هذا محض هراء.

يطلق أصحاب الثقل والنفوذ في عالم السياسة من وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون على تغير المناخ وصف "التحدي الأعظم في جيلنا"، وكما يقول كيري، فإذا فشلنا في التصدي له فإن التكاليف ستكون "مأساوية". والواقع أن هذا كان التأكيد المعتاد على لسان الساسة منذ صدور ما يسمى "تقرير مراجعة شتيرن" بتكليف من الحكومة البريطانية عام 2006.

وحسب التقديرات الشهيرة التي خرج بها علينا ذلك التقرير، فإن الضرر الناجم عن الاحتباس الحراري العالمي يتراوح بين 5% إلى 20% من الناتج المحلي الإجمالي- وهو إخلال كبير "على نطاق أشبه بذلك المرتبط بالحروب الكبرى والكساد الاقتصادي في النصف الأول من القرن العشرين".

ويُقال لنا إن معالجة قضية تغير المناخ تحمل تكاليف أقل كثيراً، وقد بشرنا رئيس المفوضية الأوروبية بأن تكاليف سياسات الاتحاد الأوروبي المناخية، رغم أنها "لا تخلو من التكاليف"، لن تزيد على 0.5% من الناتج المحلي الإجمالي، والواقع أن الساسة من المشارب والانتماءات المختلفة يرددون نتائج تقرير مراجعة شتيرن بأن الاحتباس الحراري العالمي يمكن تقليصه بالاستعانة بسياسات لا تتجاوز تكلفتها 1% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

ويُقال لنا فضلاً عن ذلك إن سياسات المناخ من الممكن أن تساعد على أكثر من نحو، فقد وعد الرئيس الأميركي باراك أوباما أن سياسات مكافحة الاحتباس الحراري العالمي قد تخلق خمسة ملايين وظيفة خضراء جديدة، وزعم الاتحاد الأوروبي أن الطاقة الخضراء من شأنها أن تساعد في "تحسين أمن الاتحاد الأوروبي في ما يتصل بإمدادات الطاقة".

ومع الانتهاء من أحدث تقرير صادر عن فريق الأمم المتحدة الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ، بات بوسعنا الآن أن نرى أن هذا السرد غير صحيح في أغلبه، فقد أظهر الجزء الأول من التقرير أن المشكلة المناخية حقيقية وقائمة بالفعل، ذلك أن الانبعاثات من غازات الاحتباس الحراري، خصوصاً ثاني أكسيد الكربون، تؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة، وهذا في حد ذاته من شأنه أن يتحول في نهاية المطاف إلى مشكلة عالمية. وقد حظيت هذه النتيجة بتغطية إعلامية مكثفة.

بيد أن التقرير أظهر أيضاً أن الاحتباس الحراري العالمي تباطأ بشكل كبير أو توقف بالكامل في العقد ونصف العقد الأخيرين، وكل نماذج المناخ تقريباً تسجل درجات حرارة أعلى كثيراً من الحقيقة، وهذا يعني أن التحدي الحقيقي المتمثل بالاحتباس الحراري العالمي كان موضع مبالغة كبيرة، وقد دعت ألمانيا وغيرها من الحكومات إلى حذف الإشارة إلى التباطؤ.

وقد أظهر الجزء الثاني من تقرير فريق الأمم المتحدة الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ أن ارتفاع درجات الحرارة الذي من المتوقع أن نعانيه في وقت ما من الفترة 2055- 2080 سيؤدي إلى صافي تكلفة تتراوح بين 0.2% و2% من الناتج المحلي الإجمالي، أو ما يعادل أقل من تكاليف عام واحد من الركود؛ لذا، ففي حين يقرر فريق الأمم المتحدة الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ بوضوح أن الاحتباس الحراري العالمي يمثل مشكلة، فمن الواضح أن التكلفة أقل كثيراً من تكاليف الحربين العالميتين في القرن العشرين وأزمة "الكساد العظيم" في الثلاثينيات.

ومرة أخرى، لم يكن من المستغرب أن يحاول الساسة حذف هذه النتيجة أيضاً، فقد وجد المسؤولون البريطانيون أن التقدير الذي خلصت إليه عملية مراجعة الأقران "خال من أي معنى على الإطلاق"، وطالبوا هم والمسؤولون من بلجيكا والنرويج واليابان والولايات المتحدة بإعادة كتابته أو شطبه، ووفقاً لتكهنات أحد الأكاديميين فربما استشعرت الحكومات "بعض الحرج" إزاء تقويض الأمم المتحدة لمزاعمهم السابقة المبالغ فيها.

ثم أظهر الجزء الثالث من تقرير فريق الأمم المتحدة الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ أن السياسات المناخية القوية سوف تكون أكثر تكلفة من مزاعم الحكومات، حيث قد تصل إلى 4% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2030، ثم 6% في عام 2050، ونحو 11% بحلول عام 2100. ومن المرجح أن تكون التكلفة الحقيقية أعلى كثيرا، لأن هذه الأرقام تفترض سياسات ذكية يتم تفعليها على الفور بالاستعانة بتكنولوجيات أساسية تتاح على نحو أشبه بالسحر.

ومرة أخرى حاول الساسة حذف أو تغيير الإشارة إلى هذه التكاليف الباهظة، وشرح لنا المسؤولون البريطانيون أنهم يريدون خفض تقديرات التكاليف هذه لأنها "من شأنها أن تعطي دفعة قوية لأولئك الذين يشككون في ضرورة التحرك".

ولم تُخلَق الوظائف الخضراء إلا بفضل إعانات الدعم الكبيرة، وهو ما يتكلف خسارة عدد مماثل من الوظائف في مكان آخر، والواقع أن كل وظيفة إضافية تم خلقها تكلف أكثر من 11 مليون دولار في الولايات المتحدة، والواقع أن المزاعم السطحية بأن المصادر المتجددة من الممكن أن تعزز أمن الطاقة تبدو الآن أقل إقناعاً بعد اندلاع الأزمة في أوكرانيا؛ والآن تدرك أوروبا أن إمدادات الطاقة الضخمة المستقرة فقط هي التي تشكل أي أهمية.

لقد صور لنا البعض أن تغير المناخ كارثة ضخمة قد تبلغ تكاليفها 20% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، ولكن الساسة الشجعان قادرون على التصدي لهذه الكارثة بتكاليف لا تتجاوز 1% من الناتج المحلي الإجمالي، والحقيقة هذه العكس تماماً: فنحن نعلم الآن أن تكاليف الأضرار قد تبلغ 2% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، في حين قد تتجاوز تكاليف سياسات المناخ في نهاية المطاف 11% من الناتج المحلي الإجمالي.

والأمر الذي يجعل هذه القصة أكثر إذهالا أن الخبراء كانوا يعرفون كل هذه الحقائق تقريباً لفترة طويلة، فقد أُنتِج تقرير مراجعة شتيرن بواسطة بيروقراطيين ولم يخضع قط لمراجعة الأقران، وكان خبراء الاقتصاد يعلمون أن تكاليف الأضرار كانت موضع مبالغة شديدة، وأن التقديرات كانت شاذة مقارنة بالأبحاث الأكاديمية، وكانت التوقعات البالغة الانخفاض لتكاليف السياسات ذات نتائج زائفة ناجمة عن تجاهل أغلب الالتزامات، ومرة أخرى تتناقض مع العمل الأكاديمي.

وتتحمل وسائل الإعلام، اللاهثة وراء عناوين مبهرة، جزءاً من المسؤولية مع الساسة عن هذا الوضع، ففي أعقاب صدور تقرير شتيرن، كتبت إحدى الصحف البريطانية: "تحركوا الآن وإلا فإن العالم كما نعرفه سوف يُفقَد إلى الأبد"، إن تحري الدقة أقل جاذبية ولكنه أكثر تنويراً وفائدة للناس.

نحن نعيش في عالم يرجع السبب وراء وفاة من كل ست وفيات فيه إلى أمراض معدية يسهل علاجها؛ وتنجم وفاة من كل ثماني وفيات عن الهواء الملوث، المنبعث غالباً من الطهي داخل المنازل باستخدام الروث وأغصان الأشجار كوقود؛ ويعيش مليارات من البشر في فقر مدقع، وبلا كهرباء وقليل من الطعام، ولا يجوز لنا أبداً أن نتقبل فكرة مفادها أن أعظم تحديات العالم قد يتمثل بالحد من ارتفاع درجات الحرارة في جيلنا بما لا يتجاوز جزءاً صغيراً من الدرجة المئوية.

والحل يتلخص في الكف عن التصفيق والتهليل للساسة الذين يحذروننا من الكارثة ويروجون لسياسات هزيلة، فبدلاً من تخصيص إعانات الدعم للطاقة الشمسية وطاقة الرياح مع تحقيق فوائد لا تُذكَر، يتعين علينا أن نستثمر في إبداع الطاقة الخضراء للأمد البعيد، وينبغي لنا أن نعطي المزيد من الاهتمام لكل المشاكل الأخرى، ولعل هذا يكون أقل تسلية وإمتاعاً، ولكن المنفعة المترتبة عليه سوف تكون أعظم كثيراً.

* بيورن لومبورغ | Bjørn Lomborg ، أستاذ مساعد في كلية كوبنهاغن للتجارة، ومؤسس ومدير "مركز إجماع كوبنهاغن"، ومؤلف كتاب "البيئي المتشكك" وكتاب "اهدأ"، وهو محرر "مقدار تكلفة المشاكل العالمية بالنسبة إلى العالم؟".

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top