«في الإعادة إفادة»

نشر في 22-04-2014
آخر تحديث 22-04-2014 | 00:01
 يوسف عبدالله العنيزي بتاريخ 14/ 2 /2013 كتبت في هذه الجريدة الغراء مقالا بعنوان "ليس نقداً أو تجنياً ولكن وجهة نظر"، تحدثنا فيه عن موضوع الساعة في ذلك الوقت، وبروز حركة الإخوان المسلمين، واستمر هذا الموضوع يطغى على الساحة بين فترة وأخرى، وبرز الآن وبقوة تفوق ما كان، بل إنه شغل الشارع العربي والإقليمي والدولي وتحقق بعض ما ذهبنا إليه، ونعيد الآن نشره، حيث جاء فيه:

ليس هذا المقال انتقاداً أو تجنياً مع أو ضد، لكنه وجهة نظر في أحداث عايشتها وعشت بعضها، إنه تساؤل مشروع في بعض المواضيع التي تحرك الساحة بكل اتساعها؛ منها هل جماعة "الإخوان المسلمين" حزب سياسي أم أنه حزب ديني أم أنها جماعة دينية سياسية؟

ولأني أخذت على نفسي عهداً بألا أتطرق إلى أي من شؤون الدين لعلمي اليقين بعدم مقدرتي على بحث أموره، فهناك علماء أجلاء نحترمهم ونقدرهم ولهم باع طويل في البحث في شؤونه، ولله الحمد، فهم كثر وفي ازدياد مستمر حتى بدأنا نتساءل: هل المجتمع وصل إلى ذلك السوء الذي نحتاج به إلى هذه الأعداد الكبيرة؟

والحديث عن "الإخوان المسلمين" لا يجافي هذا العهد لإيماني بأن "الإخوان المسلمين" حزب سياسي مطلق مثل غيره من الأحزاب التي برزت على الساحة العربية في الخمسينيات من القرن الماضي، ونظراً لما يتمتع به مؤسسوه من دهاء وحنكة، فقد أسبغوا عليه جلباب الدين لإيمانهم بأن الأيديولوجيات والنظريات الوضعية سرعان ما تتلاشى مع الوقت، لكن الدين هو الباقي ما بقي الكون.

ومثال على ذلك، أن جميع الكتب والمؤلفات والنظريات بكل اتجاهاتها قد اندثرت في حين استمرت في الوجود الكتب السماوية الثلاث "التوراة، والإنجيل، والقرآن" منذ آلاف السنين وستستمر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فارتباط البشر بالخالق أزلي مهما كان إيمان المجتمع أو نظامه، فعلى سبيل المثال بعد سقوط النظام الشمولي في المنظومة السوفياتية، وكنت وقتها أشغل منصب سفير الكويت في جمهورية بلغاريا الصديقة لاحظت أن أعداداً كبيرة من الشباب بدأت بتعليق شارة الصليب كما بدأ العديد من الكنائس وبعض المساجد تفتح أبوابها التي كانت موصدة طوال الحكم الشيوعي.

ونعود إلى حزب "الإخوان المسلمين"، فبعد قيام ثورة 23 يوليو عام 1952 في مصر حاول الحزب القفز على الثورة، لكنه اصطدم بالزعيم جمال عبدالناصر فانسحب بعد أن فقد بعض قادته، وبدأ في التفكير بنقل نشاطه خارج مصر، لكن الواقع العربي لم يكن مواتياً لتقبل أفكاره في ظل بروز التيارات القومية والاشتراكية والماركسية وغيرها في أغلب المجتمعات العربية.

وفي ظل ذلك الواقع العربي برزت الكويت بتكوينها المتميز وبمجتمع منفتح ومتنوع الأفكار والمشارب وديمقراطية متقدمة ونظام حكم لم يتخذ العنف والتصفية وسيلة في مواجهة معارضيه إضافة إلى وجود طبقة من رجال الدين لهم حظوة وتقدير لدى الحكم والمجتمع، فوجد حزب "الإخوان المسلمين" في الكويت أكثر الأنظمة العربية انسجاما لنقل نشاطه واتبع في ذلك أسلوبا غاية في الذكاء، فأقام تحالفاً قوياً مع الحكم، وبدأ بتكوين إمبراطورية مالية اقتصادية استثمارية لا تخضع لأي من القوانين أو الإجراءات في الدولة، كما قام بتكوين صف ثان من القيادات الشابة التي أشرفت على تكوين الجمعيات الخيرية التي تجاوز نشاطها البلاد.

هذا الموقف النبيل من الكويت حكاماً وشعباً لم يجد من حزب "الإخوان المسلمين" إلا الغدر والنكران، فعندما تعرضت الكويت لغزو غادر من جار حاقد في الثاني من أغسطس عام 1990 لم يكتفِ باتخاذ موقف الحياد بل أنشب مخالبه في جسد هذا الوطن ووقف ضد تحرير الكويت مؤيداً الظالم في ظلمه وغزوه وقاد حملة ظالمة لتجنيد المتطوعين للدفاع عن نظام صدام حسين.

كما انبرى خطباؤه من خلال منابر المساجد والساحات والملاعب بشن هجوم على الكويت وأهلها والدعاء إلى الله أن يزيل الكويت من الوجود ويزلزل الأرض تحت أقدام أهلها ويرمِّل نساءها وييتم أطفالها.

وقد عايشت بعض تلك الأحداث واستمعت إلى بعض تلك الخطب من بعض قياداتهم، وكنت وقتها أشغل منصب سفير الكويت لدى الجزائر ثم لدى اليمن ثم الأردن، وكم كنا نتألم عندما نجد بعض أبناء ورجال هذا الوطن من ينظم ويدعم هذا الحزب الذي غرس في ظهر الوطن خناجر الغدر والخيانة والنكران... لكن الحق سبحانه وتعالى أظهر الحق ورد كيدهم في نحرهم وتحرر الوطن من دنس الاحتلال، غير أن خناجر الغدر مازالت تعمل في الظلام.

ونأتي إلى السؤال الأهم هل يمكن الجمع بين السلطة الدينية والدنيوية في نظام حكم واحد؟ في اعتقادي، أنه يصعب ذلك ولن يتمكن أي نظام من الاستمرار في الحكم متمسكاً بالصفتين ولم يحدث ذلك إلا في زمن الأنبياء والمرسلين حتى في زمن الخلافة الإسلامية بكل مراحلها فلم تتمكن من الاستمرار على الرغم من محاولة ربط بعض الخلفاء العباسيين أنفسهم بالله سبحانه وتعالى، كالمعتصم بالله، والمتوكل على الله، والواثق بالله وغيرهم.

حتى في أوروبا المسيحية لم يستطع الحكم الاستمرار بالجمع بين السلطتين الدينية والدنيوية، ويتضح ذلك جلياً في فرنسا، وذلك عندما تحالف الحكم مع الدين واستفحل أمر الكنيسة فغدت تسيطر على ما يتجاوز 10 في المئة من أراضي الجمهورية، وأعفت نفسها من دفع الضرائب في حين قامت هي بجمع الضرائب من الشعب، مما أدى بالضرورة إلى زيادة الاستياء لدى الشعب وقيام ثورة عام 1789 أو ما يُسمى بـ"أم الثورات"، وكان رد الفعل قوياً لدى الحركة الراديكالية، فطالب الثوار بإعدام القساوسة والرهبان أو نفيهم من فرنسا.

وهناك حقيقة ساطعة، فالثورة الصناعية والاختراعات الحديثة مثل الكهرباء وغيرها والتي نعيش ثمارها ما كانت لتتم إلا بعد فصل السياسة عن الدين الذي كان يحرِّم كل ما هو جديد... إنها وجهة نظر ليست مع أو ضد.

ودعاؤنا دائماً أن يحفظ الله الكويت وقيادتها وأهلها من كل سوء ومكروه.

back to top