مهندسون معماريون: قرار إزالة سوق السلاح تهاون ثقافي وتاريخي

نشر في 21-04-2014 | 00:05
آخر تحديث 21-04-2014 | 00:05
«سريانه يدل على إخفاق مؤسسات المجتمع في المحافظة على القيمة العمرانية»
ترك التحقيق الذي نشرته «الجريدة» حول إزالة سوق السلاح انعكاساته على مستوى مواقف الرفض التي ابدتها الجهات المعنية بهذا الإرث التراثي، لا سيما في صفوف المهندسين المعماريين الذين يجمعون على ضرورة وقف قرار إزالة المباني القديمة في منطقة المباركية، معتبرين أن ثمة جهات تقاعست عن أداء دورها في المحافظة على ذاكرة المكان الوطنية، تاركة الحبل على الغارب لأصحاب النفوذ الذين يبحثون عن الكسب المادي بغض النظر عن الأهمية التاريخية والخصوصية المحلية.

«الجريدة» فتحت صفحاتها لمواقف مجموعة من المهندسين المعماريين الذين عبروا عن آرائهم بشأن هدم المباني القديمة، وفي ما يلي التفاصيل:

بداية، اعتبر المعماري فريد عبدال أن قرار إزالة المباني القديمة وهدمها في منطقة المباركية دليل مؤسف على إخفاق عمليات التفاوض بين أطراف ومؤسسات المجتمع المدني في المحافظة على الإرث الثقافي، وكذلك التساهل في المكتسبات التاريخية، مشيراً إلى أن هذا القرار بغض النظر عن مشروعيته القانونية يعد تهاونا ثقافياً وتاريخيا آخر يضاف إلى سلسلة الاخفاقات، لاسيما إذا كانت هذه المواقع تم تصنيف كثير منها ضمن قانون تحديد المباني التاريخية، «وأنا لست بصدد الحديث عن الأمور القانونية لكن الهدم غير متروٍ ولا أستطيع تفسيره إلا ضمن قائمة الجشع وقصر النظر والجري وراء المصالح الشخصية، فكل هذه الأمور مجتمعة لا تعير أي اهتمام للقيمة العمرانية لذاكرتنا الجماعية ولإرثنا الوطني».

وأضاف: «من منظوري أن هذه المباني تم التعامل معها بطريقة تبخس قيمتها التاريخية إذ اننا لم نفكر في نظام المبادلة وتعويض ملاك الأراضي بمواقع أخرى تدخل ضمن ملكية الدولة».

علوم الترميم

ولفت عبدال الى أن الدول المتقدمة لا تتعامل مع إرثها بهذه الطريقة بل تجد وسائل بديلة للحفاظ على تراثها وتاريخها، أولا من خلال اللجوء إلى علوم الترميم الحديثة التي تتعامل مع المباني بدقة متناهية وتنظر بعين الاعتبار إلى الأهمية التاريخية والمكانية والمعمارية، وتسلك طرقاً متنوعة في الترميم كإزالة أجزاء من المباني التي تهدد أرواح الناس وتشكل خطورة عليهم، فتحسن التدخل ضمن هذا المضمار فتهدم أجزاءً من المبنى ويتم إعادة هيكلته بطريقة يتم تحديدها من قبل خبراء في هذا المجال، وتابع: «والإزالة هنا تكون على مضض ولأسباب لا يمكن تجاهلها».

واستطرد عبدال في الحديث، مؤكداً أن المباني تكتسب أهميتها ليس لقدمها فقط، بل ربما تحصل على اهمية من خلال سُكانها أو قيمتها الابداعية أو التقنيات المبتكرة فيها. وهنا تكون لها أوزان قيمية متعددة، لكن للأسف أن كل هذه الأمور لا تشكل دافعا لنا للمحافظة على خصوصيتنا ومكتسباتنا الثقافية أو الفنية أو العمرانية.

واستشهد عبدال في بيت القرين الذي تم تحويله إلى متحف برغم من حداثته، وليس له أهمية عمرانية أو تاريخية، لكن ثمة حدث شهدته أروقة البيت إذ دارت رحى معركة ضارية بين قلة من الكويتيين البواسل وقوات لجيش العدوان الصدامي فكان هذا الحدث كفيلا أن يجعله رمزاً وملحمة للكرامة والصمود لشعبنا الأبي.

أفكار مغلوطة

أما المهندس المعماري عبدالمطلب البلام فشدّد على ضرورة توعية المجتمع وتثقيفهم بشأن الأهمية التاريخية لمكونات التراث المحلي بكل ما تحمله من موروث مادي، مشيراً إلى إرساء قواعد صلبة قادرة على اقتلاع بعض الأفكار المغلوطة لدى بعض المسؤولين بشأن الموروث المحلي، وفي مقدمتها أن المباني القديمة مجرد حجر أو طابوق « مريض» لذلك يجب سرعة التدخل وتشذيب هذه الأفكار الخاطئة لأنها بالفعل هذه التي تحتاج إلى إزالة من العقل والوجدان لارتباط الأمر بالإرث التاريخي الذي لا يجب التساهل فيه أو التهاون.

واضاف: «البعض ناقم على الماضي فتجده يود إزالة رموزه وهذا الشعور لا يدع له مجالاً للتفريق بين المفيد والمضر».

وفي حديث عن أسباب عدم تحرك بعض المؤسسات المعنية بالمحافظة على الإرث التاريخي في اتجاه إيقاف قرار الإزالة، أوضح البلام أن بعض ملاك العقار يتمتعون بنفوذ كبير سيستخدمونه في إجهاض أي محاولة تسير ضد رغباتهم غير مكترثين بالأهمية التاريخية والخصوصية التراثية، لافتاً إلى ان النظريات التي درسها أثناء تحصيله العلمي ثم دأب على تدريسها للطلبة في جامعة الكويت أصبحت فاقدة للأهمية فكأنها منهج للتدريس فقط وغير خاضع للتطبيق.

وأكمل البلام حديثه بشأن كلية العمارة في جامعة الكويت التي بصدد إجراء بعض الفعاليات واللقاءات مع المسؤولين بهدف المحافظة على الإرث المحلي العمراني لاسيما أن الكلية أنشأت لجنة «صوت العمارة» لتطويق ما يجري من تجاوزات على مكونات ذاكرة المكان الكويتي والتحذير من مغبة الاستمرار في تجريد البلد من إرثها وخصوصيتها.

تشويه المكان

وضمن السياق، ذاته، قال المهندس عبدالله قبازرد أن ثمة طرقا حديثة وعلمية يجب الاستفادة منها في المحافظة على عناصر المباني القديمة من خلال إعادة ترميمها وفقاً لمعطيات الشكل العمراني التراثي وتجنب إجراء تحديثات ربما تخل في الشكل العام للمبنى كانتقاء بعض أنواع رخام الغرانيت ضمن أمكنة تراثية واستخدام أرضيات أو أسقف تشوه المنظر وتخل في بعده الجمالي، لأن «المسقفات» القديمة لا يمكن الاستعاضة عنها ببدائل حديثة وأشكال متطورة لأنها لن تمنح المكان عمقه التاريخي وجماله التراثي.

وأردف: «لاحظت بعض المباني التي تم إعادة ترميمها استخدم في ممراتها وسكيكها الأسفلت وهذا المنظر ربما يبدو غريباً ضمن الأجواء التراثية لذلك الموضوع يحتاج إلى إعادة ترتيب ووضع خطة منهجية يسير عليها المهتمون في الإرث الوطني، وكما نقول إعطاء الخبز إلى خبازه...، بمعنى اسناد هذه المهمة إلى أهل الاختصاص».

وطالب قبازرد الاستفادة من التجربة الإماراتية ضمن هذا الجانب، مستعرضاً ما حدث في منطقة «السبتكية» والمباني المحاذية لها في إمارة دبي إذ جرى تحديثها وتطويرها مع المحافظة على خصوصيتها المكانية والعمرانية.

وأورد قبازرد مثالاً على طرق المحافظة على الأخشاب القديمة من خلال حقنها بالأبر لمعالجتها وتخليصها من الآفة الخطيرة.

واستطرد قبازرد في الحديث عن دور «البلدية» في المحافظة على هذه الأمكنة التراثية، مشدداً على أن هذا الجهاز ليس باستطاعته بإمكاناته الحالية أداء هذا الدور لأنه يحتاج إلى أمور كثيرة منها الاستشاريون الأكفاء والكادر المختص إلى جانب التنسيق مع جهات أخرى في الدولة.

واختتم قبازرد حديثه، القضية ليست إزالة أو تحديث بل إدارة واعية تحسن التصرف ضمن هذه الظروف، والا فما المغزى من عملية التحديث؟

back to top