فايق عبدالجليل (2)

نشر في 21-04-2014
آخر تحديث 21-04-2014 | 00:01
 فوزية شويش السالم كتاب الزميل حمد الحمد عن الشاعر الغنائي المبدع فايق عبد الجليل، كانت تنقصه شهادتي لتكمل بقية الشهادات في ما كُتب عنه خاصة في تلك الأيام الأخيرة التي سبقت اعتقاله وأسره، وطبعا هناك شهادات كثيرة لم يتضمنها الكتاب من الذين يعرفونه وتعاملوا معه من مطربين وممثلين ومعارفه وأصدقائه من خارج الكويت وربما أيضا من داخلها، وكنت أتمنى لو أن الكاتب حمد الحمد تعمق أكثر في النبش والبحث عن كل التفاصيل الكبيرة والصغيرة التي ترسم وتنحت وتضيف البعد الإنساني في شخصية فايق حتى تكتمل كل أبعاد شخصيته وصورته للناس.

فالشهادات التي تضمنها الكتاب دارت في معظمها حول شعره وقيمته الفنية التي اتفق عليها الجميع بشكل واضح وجلي لخص رأيهم في شعره، الذي اختصر المسافة بين العامية والفصحى بلغة شعرية جزلة تمس شغاف القلب ببساطتها ورهافتها وقربها من اليومي والعادي في حياة الناس وتعبيراتهم بسهولة عذبة تجعل كلا منا يقول ان كتابتها سهلة، لكنها في الواقع هي السهل الممتنع الذي يخترق الوجدان ويتسلل إليه من دون استئذان، فهو يلتقط الكلمات مما يحدث أمامه وما ينعكس على شعوره في اللحظة والتو من كلمات لا تتوقع شعريتها، لكن فايق يخلق منها أروع صورة، فمثلا كلمة تكفى وهي عامية وبسيطة وتعنى تقريبا من فضلك، لأنه من الصعب تحديد رقة الطلب فيها، صاغها فايق في ها البيت: "حنيت إليك تكفى وجفن الليل في قلبي أبيه يغفى ولا يغفى" هذه الصورة الرائعة التي غزلت حنين العاشق وعدم استطاعته النوم بجفن الليل المستعصي على النوم، هذا المزج الصعب السهل في تصوير الحالة هي قدرة فايق في صوغ الشعر الغنائي الذي كان فايق هو من ابتدعه في الكويت وشق الطريق في القصيدة الشعرية الغنائية المختلفة تماما عما سبقها مما جعله رائدا لها في منطقة الخليج، وكل من جاء من بعده من شعراء خرجوا من عباءته وعباءة الأمير بدر بن عبدالمحسن، فهذان هما فعلا رواد القصيدة الغنائية الشعرية في منطقة الخليج العربي.

ونأتي إلى شهادتي في أيام المحنة التي عشناها خلال الغزو الصدامي للكويت، ففي تلك الأيام كان فايق يمر علي من وقت إلى آخر حاملا معه بعض المؤونة التي كنا نتبادلها او بمعنى أصح "نتقايضها" أي نتقاسم ما نحصل عليه، ولا أدري كيف استطاع الحصول على آيس كريم في ذاك الوقت العصيب مما أسعد أولادي، وأيضا أحضر في أحد الأيام بلبلا في قفص وكان يجيد التصفير طوال الوقت، وكنا نطلقه بمخبئنا في السرداب حيث يتعايش معنا بكل ألفة، ونعيده إلى القفص حين يتحدث والدي بأمر سري لأنني كنت أخاف أن يكون في رأسه جهاز تجسس، طبعا الأمر مضحك الآن لكن في ذاك الوقت الكابوسي كل شيء كان مرعبا، وآخر مرة رأيته فيها كانت قبل الضربة الجوية ربما بشهر أو أكثر قليلا أو أقل، جاء وكان يحمل معه "كاسيت" كتب كل أغانيه التي لحنها صديقه في الحياة والأسر والشهادة الملحن عبدالله الراشد، واشتكى لي من أن العراقيين يطاردونه وأنه اضطر أن يهرب من بيته عبر سطوح الجيران لأنهم دخلوا منزله، وكان خائفا منهم ومن انطباع الناس عنه، فأخذت "الكاسيت" ودخلنا إلى صالة بيتي حيث كان فيها مجموعة من شباب المقاومة، وكان طبيعا جدا وقتها تبادل الزيارات وأغلبهم أهل أو أقارب وأنساب، ومنهم الشيخ مشعل اليوسف الصباح وأظن أيضا ان الشهيد سعود الدارمي وأخي الشهيد جمال وغيرهم، فأسمعناهم شريط الكاسيت الذي أوجعتنا جدا كلمات فايق التي عكست كل ما نعانيه من مخاوف وأحزان، وحين خرج كان هذا آخر لقاء وتواصل بيننا، فقد انقطعت تماما كل زياراته واختفت أخباره كأن الأرض ابتلعته، وكل من سألتهم عنه لا يعرفون عنه أي شيء، حتى تم التحرير وعرفت أنه قد تم أسره مع صديقه الملحن عبدالله الراشد اضافة الى شخص آخر، وبقيت أنتظر الإفراج عنه مع من عادوا مع الصليب الأحمر، لكنه لم يعد فقد تم إعدامه مع أصدقائه كما تم إعدام أخي جمال وسعود الدارمي.

رحمهم الله جميعا شهداء تراب الكويت الغالي.

back to top