ماركس وخدعة الآلة الذكية

نشر في 21-04-2014
آخر تحديث 21-04-2014 | 00:01
 بروجيكت سنديكيت ذات يوم، قال لي رجل الاقتصاد سوريش نايدو إن ثلاث مشاكل كبرى كانت تعيب اقتصاد كارل ماركس، فأولا، تصور ماركس أن زيادة الاستثمار وتراكم رأس المال من الأسباب التي تدفع قيمة العمل إلى التضاؤل بالنسبة إلى أرباب العمل فتؤدي بالتالي إلى تضاؤل قدرة العمال على المساومة والتفاوض، وثانياً، لم يفهم ماركس بشكل كامل أن رفع مستويات معيشة الطبقة العاملة المادية الحقيقية يسير جنباً إلى جنب مع ارتفاع معدل الاستغلال، وهذا يعني حصة أصغر من الدخل للعمالة، وثالثاً كان ماركس مهووساً بنظرية قيمة العمل.

وتُعَد المشكلة الثانية والثالثة من الأخطاء التحليلية الضخمة، ولكن رغم أن اعتقاد ماركس بأن رأس المال والعمل كانا بديلين وليس مكملين لبعضهما بعضا كان خطأً في عصره، ولأكثر من قرن من بعده، فإن نفس الاعتقاد قد لا يكون خاطئاً اليوم.

ولنتأمل الأمر من هذا المنظور، إن البشر يتمتعون بخمس قدرات أساسية عندما يتعلق الأمر بالعمل:

• تحريك الأشياء بعضلات كبيرة.

• التعامل بدقة مع الأشياء باستخدام عضلات صغيرة.

• استخدام أيدينا وأفواهنا وعقولنا وأعيننا وآذاننا لضمان سير العمل والإجراءات التي نقوم بها كما ينبغي لها.

• الانخراط في عملية التبادل الاجتماعي والتفاوض لضمان تقدمنا جميعاً في ذات الاتجاه.

•  التفكير في أنشطة جديدة نقوم بها؛ أنشطة تنتج نتائج ضرورية أو مريحة أو مترفة.

يشمل الخياران الأول والثاني الوظائف التي نعتبرها عادة من "وظائف العمال"، ويجسد قدر كبير من الخيارات الثلاثة الأخيرة الوظائف التي نعتبرها عادة من "الوظائف الإدارية".

وكان مجيء الثورة الصناعية- محرك البخار لتوليد الطاقة وتشكيل المعادن لبناء الآلات- سبباً في تقليص الحاجة إلى العضلات والأصابع البشرية إلى حد كبير، ولكنها تسببت في زيادة هائلة في الحاجة إلى حلقات من الأعين والآذان والعقول والأفواه البشرية في كل من وظائف العمالة والوظائف الإدارية.

وبمرور الوقت، واصلت أسعار الآلات الحقيقية الانخفاض، ولكن الأسعار الحقيقية لحلقات التحكم المعرفي اللازمة للحفاظ على استمرار عمل الآلات على النحو اللائق لم تنخفض، لأن كل حلقة من حلقات التحكم والسيطرة كانت تحتاج إلى العقل البشري، وعقل كل إنسان يتطلب عملية تمتد خمسة عشر عاماً من النمو والتعليم والتنمية.

ولكن لا قانون حديديا يحكم الأجور التي تتطلب تكنولوجيات الطاقة ومعالجة الأشياء بحيث يصبح في الإمكان إحراز التقدم بشكل أسرع من تقدم تكنولوجيات الحوكمة والسيطرة، ويتجه التقدم التكنولوجي اليوم نحو نقل أجزاء بالغة الضخامة من مكونات وظائف العمالة والوظائف الإدارية المسؤولة عن الإشراف على العمليات والإجراءات الجارية من البشر إلى الآلات. ولكن كم منا يمكن توظيفهم في الخدمات الشخصية، وكيف يمكن لأجور مثل هذه الوظائف أن تكون مرتفعة (من حيث القيمة المطلقة)؟ تزعم وجهة النظر المتفائلة أن أولئك، من أمثالي، الذين يجدون في أنفسهم خوفاً من توزيع الأجور النسبي في المستقبل باعتباره مصدراً للتفاوت الهائل بين الناس واختلال توازن القوى، يعانون قصورا في قدرتهم على التخيل.

لم ير ماركس كيف قد تفضي الاستعاضة عن عمال الغزل والنسيج بأنوال آلية إلى أي شيء غير خفض أجور العمال، ذلك أن حجم الإنتاج من غير الممكن أن يتوسع بالقدر الكافي على أي حال لإعادة توظيف كل من فقد وظيفته كعامل نسيج يدوي أو مراقب آلة أو بائع سجاد، أليس كذلك؟

بلى، هذا ممكن، ولكن خطأ ماركس لم يكن جديدا، فقبل قرن من الزمان لم ير أتباع المذهب الفيزيوقراطي (الطبيعي)، من أمثال كيناي وتورجوت وكوندورسيه، كيف من الممكن أن تنخفض حصة القوة العاملة الموظفة في الزراعة إلى أقل من 50% من دون جلب الخراب الاجتماعي، وعلى أي حال، في عالم من المزارعين المتماسكين وأهل الحرف المفيدة والأرستقراطيين الماجنين والخدم، كان الطلب على السلع المصنعة والخدم محدوداً بالقدر الذي يستطيع الأرستقراطيون استخدامه منهم، وبالتالي فإن انخفاض عدد المزارعين قد لا يسفر عن أي شيء غير الفقر وانتشار التسول على نطاق واسع.

لقد عجز ماركس وأنصار المذهب الطبيعي عن تخيل الأشياء العظيمة الكثيرة التي يمكننا القيام بها ما إن نصبح في غير احتياج إلى توظيف 60% من قوة العمل في الزراعة و20% أخرى في الغزل والنسج اليدوي، والنقل البري باستخدام الحصان والعربة.  واليوم يشير الرأي المتفائل إلى أن أولئك الذين تتجمع لديهم ثروات زائدة سوف يستمرون في التفكير في الكثير من الأشياء التي يستطيع أن يقوم بها غيرهم لجعل حياتهم أكثر راحة وترفا، وأن إبداع الأغنياء سوف يفوق دوماً المعروض من العمل الذي يقدمه الفقراء والذي من شأنه أن يرفع الفقراء إلى الطبقة المتوسطة.

ولكن نظراً للتطور السريع الذي تشهده تكنولوجيات الحوكمة والإدارة والسيطرة، فإن وجهة النظر المتشائمة تستحق الانتباه، وفي هذا السيناريو، تظل أجزاء من الخيار الثالث منيعة بعناد على الذكاء الاصطناعي ومملة إلى حد هائل، في حين يظل الخيار الرابع- الانخراط في التبادل الاجتماعي والتفاوض- محدودا، ومرحباً بكم في اقتصاد الاستغلال الافتراضي، حيث يُكَبَّل أغلبنا إلى مكاتب وشاشات، ونتحول إلى تروس كثيرة عاجزة في ماكينة أمازون الذكية.

* جايمس برادفورد ديلونغ | James Bradford DeLong، مساعد وزير الخزانة الأسبق في الولايات المتحدة، وأستاذ الاقتصاد في جامعة كاليفورنيا في بيركلي، وباحث مشارك لدى المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية.

«بروجيكت سنديكيت، 2017» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top