لمَ يعجز أوباما عن توضيح أفعاله؟

نشر في 21-04-2014 | 00:01
آخر تحديث 21-04-2014 | 00:01
No Image Caption
لو كان ريغان رئيس جمهورية الولايات المتحدة عندما ضم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين القرم، لسافر إلى بولندا أو إحدى دول البلطيق وأعلن: «بوتين، أقف على أرض مصونة تابعة لحلف شمال الأطلسي (الناتو)».
 Robert Kaplan من الواضح أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري يدير شؤونه بحزم ودراية، نظراً إلى ندرة التسريبات التي صدرت عن مكتبه. وندرك جيداً أنه رجل منظَّم ومنضبط. فضلاً عن ذلك، يُعتبر مغامراً متحمساً انخرط في مفاوضات عالية المخاطر مع إيران وأرغم الإسرائيليين والفلسطينيين على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، علماً بأن هذين المسعيين قد ينتهيان بالفشل ويدمران سمعته. ولاشك في أنه يتمتع بشخصية قوية. في المقابل، بدت هيلاري كلينتون، التي سبقته في هذا المنصب، مترددة في المخاطرة، حتى انها اتُّهمت باستغلال منصب وزير الخارجية كوسيلة لتجمّل سيرتها الذاتية استعداداً للسباق الرئاسي.

ولكنْ ثمة مجال واحد أخفق فيه كيري: توضيح ما يقوم به وأسبابه للشعب الأميركي. فكيف تنسجم هذه المفاوضات المحفوفة بالمخاطر مع خطة استراتيجية أشمل؟ وما علاقة المحادثات الإيرانية بالمحادثات بين إسرائيل والفلسطينيين؟ كذلك ما علاقة هاتين المجموعتين من المفاوضات في الشرق الأوسط باستراتيجية الولايات المتحدة في آسيا وأوروبا؟ لم تقدّم إدارة أوباما توضيحات تُذكر عن أي من هذه القضايا للشعب.

لمَ تعجز الإدارة عن توضيح ما تقوم به بفاعلية أكبر؟ يعود ذلك في رأيي إلى أن الإدارة لا تستطيع الإقرار بالتداعيات المعقدة التي تترتب على توجه سياسي اختارته هي بنفسها. فيبدو كبار المسؤولين كما لو أنهم محرجون من خياراتهم الخاصة.

رفضت الإدارة التدخل في سورية بطريقة حاسمة. ولم تتمكن بعد على نحو غريب من التصالح مع الحكم العسكري المستبد الجديد في مصر، مع أنها لا تعارض هذا النظام الجديد في القاهرة صراحةً. لكنها محرجة مما تفعله. يريد فريق أوباما تطبيق سياسة خارجية ذات طابع دولي ليبرالي، على غرار الإدارات الديمقراطية السابقة. فترغب، مثلاً، في الإطاحة بحكم مستبد مجرم في سورية، وتريد نشر الديمقراطية في مصر. ولكن بدلاً من ذلك، تجد نفسها مرغمةً على تطبيق سياسة خارجية قائمة على واقعية متحفظة، على غرار الإدارات الجمهوريات السابقة، مثل إدارات دوايت أيزنهاور، وريتشارد نيكسون، وجورج بوش الأب. وتقوم بذلك لأن الواقعية ترتكز على التعاطي مع الوقائع على الأرض، بهدف الحفاظ على القوة الأميركية، في حين يستند الطابع الدولي الليبرالي إلى المخاطرة في معالجة الوقائع على الأرض بغية تحقيق عالم أفضل.

يخشى الرئيس باراك أوباما ووزير خارجيته كيري أن يساهم تدخلهما العسكري في سورية في إيصال نظام مجاهد إلى السلطة، أو يدفع سورية إلى الانحدار نحو فوضى أكثر سوءاً في وقت لاتزال فيه أصداء أفغانستان في تسعينيات القرن الماضي حية في الذهن. لذلك اكتفيا بالقليل الممكن. ولابد من أن أوباما وكيري يدركان أن الخيار في مصر ليس خياراً بين الدكتاتورية والديمقراطية، بل بين الحكم العسكري المستبد الذي قد يعود بالفائدة بطريقة غير مباشرة على المصالح الغربية وبين نظام إسلامي قد يكون معادياً للمصالح الغربية. لذلك قبِلا بهدوء، وإن بغضب، بالنظام الجديد في القاهرة. كذلك تدرك إدارة أوباما أنها إذا أرادت الاستدارة نحو المحيط الهادئ، فعليها أن تحاول أيضاً تنظيم الشؤون الدبلوماسية الأميركية في الشرق الأوسط: نتيجة لذلك، تسعى للتقرب من إيران وعقد صفقة بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

يبدو كل هذا منطقياً، وإن خلا من الإبداع. لكن فريق أوباما كان متحفظاً نسبياً، لأنه يعجز عن الإقرار أن هذه الإدارة الديمقراطية الليبرالية تطبق سياسة خارجية جمهورية معتدلة. وهذا مخذٍ بالتأكيد، لأن توضيح بعض هذه الخطوات علانية يجب أن يكون سهلاً نسبياً. ففي الشأن المصري، يكفي أن تذكر الإدارة الأميركية: "ندعم الديمقراطية حيث نستطيع والاستقرار حيث يكون ذلك ضرورياً". أما في سورية، فيمكنها التحذير من المخاطر التي لا يمكن توقعها والتي ترافق عادةً التدخل العسكري الحاسم. وبإمكانها أيضاً أن توضح المفاوضات الإيرانية والإسرائيلية-الفلسطينية من منطلق أهداف الولايات المتحدة الأشمل في الشرق الأوسط وآسيا: "كلّما نما السلام في الشرق الأوسط، نجحت الولايات المتحدة في التركيز على آسيا، المركز الجغرافي للاقتصاد العالمي".

صحيح أن هيلاري كلينتون مالت إلى تفادي المخاطر، بخلاف كيري، إلا أنها أوضحت ما كانت تقوم به. لربما تعرضت "استدارتها" نحو آسيا لانتقادات واسعة من بعض الخبراء والباحثين. لكنها شكّلت مفهوماً استراتيجياً مبتكراً إلى حد ما، فضلاً عن أنها فسّرتها بشكل أفضل مما أوضح كيري أيا من خطواته. فقد كتبت مقالاً طويلاً عن الاستدارة الآسيوية في مجلة Foreign Policy. ويُعتبر هذا نادراً، بما أن الأفكار المبتكرة قلما تصدر عن الحكومة.

يتمتع أوباما بإحساس واقعي جيد، إلا أنه مازال يفتقر حتى اليوم إلى استراتيجية يستطيع توضيحها للشعب. ومن دون استراتيجية مماثلة، يخسر نفوذه، بما أن قوة عصر الإعلام لا تقتصر على الأعمال والقدرات، بل تشمل أيضاً ما يمثله خطابك. على سبيل المثال، اعتُبر رونالد ريغان رئيساً قوياً بسبب خطابه الحماسي المتفوق. فلو كان ريغان رئيس جمهورية الولايات المتحدة عندما ضم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين القرم، لسافر إلى بولندا أو إحدى دول البلطيق وأعلن: "بوتين، أقف على أرض مصونة تابعة لحلف شمال الأطلسي (الناتو)". بالإضافة إلى ذلك، صُنّف الرئيس جورج بوش الابن أضعف مما هو عليه حقاً لأنه لم يُجِد فن الخطابة. في المقابل، يُعتبر أوباما خطيباً جيداً، غير أنه لم يقدّم الكثير من التوضيحات في مجال السياسة الخارجية. حتى عندما يحاول ذلك، نشعر أنه يفتقر إلى الحماسة، كما لو أنه يقرأ أسطراً مكتوبة. ولاشك في أن هذا يُضعف سياسته الخارجية، بغض النظر عن قوتها الكامنة. كذلك يقلل هذا الواقع من احترام خصومه في الخارج له.

وهنا أيضاً يشكل المظهر والتصنيف في عصر الإعلام هذا نحو 50 في المئة من كل شيء، خصوصاً إذا كنا نتكلم عن سياسي بارز على المسرح العالمي. فلو لم يكن هذا صحيحاً، لامتنع القادة السياسيون في الدول الديمقراطية والمستبدة على حد سواء عن الإدلاء بالخطابات، وقصروا نشاطاتهم على اجتماعات تُعقد في الكواليس.

لاشك في أن أوباما يملك الكثير مما يمكنه الاعتماد عليه. يكفي أن نلقي نظرة على العالم اليوم. صحيح أن روسيا والصين تواجهان الكثير من المشاكل والعقبات، إلا أنهما تحولتا إلى خصمين جيو-سياسيين كبيرين للولايات المتحدة في منطقتيهما. كذلك بات الشرق الأوسط أقل استقراراً بكثير مما كان عليه قبل عقود، مع انهيار عدد من الدول وتحولها إلى أرض خصبة للمجموعات الأكثر تطرفاً. لا تستطيع الولايات المتحدة بالتأكيد السيطرة على العالم. فلا يمكنها إخراج الصين من آسيا وروسيا من أوروبا. كذلك تعجز عن إصلاح مجتمعات مثل سورية وليبيا. إلا أنها تستطيع المناورة بذكاء، مؤثرة في موازين القوى بطرق تخدم غالباً مصالحها. ومن الطرق التي يمكننا من خلالها تحقيق ذلك (ونكرر) "دعم الديمقراطية حيث نستطيع والاستقرار حيث يكون ذلك ضرورياً". فضلاً عن ذلك، نستطيع تحقيق هذا الهدف بالحفاظ على مقدار معين من الاستقرار العالمي من خلال نشر قواتنا الجوية والبحرية في المحيطين الهادئ والهندي. وبإمكان الولايات المتحدة أيضاً أن تكون المحور المنظّم للعمل في أوروبا ضد روسيا التي تسعى لاستعادة ما خسرته. تبدو كل هذه الأجزاء متجانسة. ومن المؤكد أنه من الممكن توضيح هذه النقاط والكثير غيرها للشعب الأميركي، ما يعزز بالضرورة قوة الولايات المتحدة ويجعلها أقل عرضة لأن تُمتحن في المقام الأول.

back to top