لماذا تكره الثورة السورية السيسي؟

نشر في 20-04-2014 | 00:01
آخر تحديث 20-04-2014 | 00:01
 ياسر عبد العزيز  إذا كنت من هؤلاء الذين يتابعون الشأن السوري باهتمام، ويتواصلون مع قطاعات مختلفة من الناشطين في معارضة نظام الرئيس بشار الأسد، فلا شك أنك تعرف أن معظم هؤلاء يعارض موجة 30 يونيو الثورية في مصر، ويعتبرها "انقلاباً عسكرياً" مكتمل الأركان، وينتقد المشير السيسي بقوة، ويرفض ترشحه للرئاسة، ويرى أن مصر "دخلت نفقاً مظلماً لا ضوء في نهايته"، بعدما كانت على الطريق الصحيح أثناء حكم "الإخوان".

هناك ليبراليون، وشيوعيون، وعلمانيون، ومناهضون للتيارات الدينية بين قطاعات المعارضة السورية الفاعلة، لكن معظم هؤلاء يصطفون أيضاً في الصف ذاته، وينشطون بقوة في متابعة أخبار مصر، والتحسر على "ضياع الديمقراطية بها تحت أقدام الانقلاب"، ويتمنون عودتها عن المسار الحالي، واندحار السيسي والذين يؤيدونه، رغم انتقادهم الشديد لتنظيم "الإخوان"، واعترافهم بـ"فاشيته"، وإقرارهم بعجز مرسي عن الوفاء باستحقاقات منصب رئيس الجمهورية.

لا يخفي معظم هؤلاء حبهم لمصر بالطبع، بل إنهم يبررون تدخلهم بالرأي في الشأن المصري بأن مصر "الدولة القائدة" في محيطها العربي، وصاحبة التأثير في مسار الكثير من دوله؛ وهو مدخل ربما يخفف من حساسية انخراطهم الملح في التعليق على الشؤون المصرية، خصوصاً في وسائط التواصل الاجتماعي، والتعبيرات الإعلامية الجديدة التي باتت تتكاثر كالفطر.

فما الأسباب التي أدت إلى أن يتخذ معظم "ثوار" سورية، من معارضي نظام بشار الأسد، موقفاً واحداً تقريباً حيال التطورات الأخيرة في مصر، على الرغم من أنهم شديدو الاختلاف من النواحي العقائدية، والطائفية، والفكرية، والأيديولوجية، والحركية، وعلى الرغم أيضاً من أن القطاع الغالب بين المصريين أنفسهم يبدو مرتاحاً جداً لتلك التغيرات وداعماً لها بكل قوة؟

يعد الإعلام السبب الأول في هذا الموقف؛ سواء كان المقصود بذلك وسائل الإعلام الرئيسة النظامية التي يتعرض لها هؤلاء المعارضون، أو تلك التي يشاركون فيها، ويتفاعلون معها، ويصنعون قدراً من المحتوى الذي تتداوله بأنفسهم... أي وسائل التواصل الاجتماعي.

سينكر معظم هؤلاء المعارضين أنهم يعتمدون على وسيلة إعلام رئيسة عند تزودهم بالأخبار والمعلومات التي تقع في نطاق اهتمامهم، وسيؤكدون بكل قطع أن "الجزيرة" لا تعدو كونها "إحدى القنوات العديدة التي يتزودون منها بالمعارف والأخبار"، وسيزيد بعضهم بالقول إنه "لا يحب (الجزيرة)"، أو يرى أنها "غير مهنية" في كثير من الأحيان.

والحقيقة أن معظم هؤلاء لا يقول الحقيقة في هذا الصدد.

تظل "الجزيرة" مصدر اعتماد رئيس لدى معظم معارضي النظام السوري؛ وهي تهيمن على القطاع الأكبر من أنماط تعرض هؤلاء المعارضين للقنوات الفضائية والمواقع الإلكترونية الإخبارية.

وسيتكفل نشاط نقل الأخبار ومقاطع الفيديو عبر وسائط التواصل الاجتماعي بتعميم أثر "الجزيرة"، عبر إعادة تدوير ما تبثه وتنتجه، بواسطة آلية "التشيير"، التي يتقنها هؤلاء المعارضون ويدمنونها.

لا يوجد مسح علمي موثوق يؤكد ذلك الطرح للأسف، ومع ذلك، فسيمكنني أن أؤكد ذلك لعدة اعتبارات؛ منها أن أياً منهم لا ينكر أبداً أن "الجزيرة" ضمن أهم وسائل الإعلام التي يتعرض لها. ومنها أيضاً أن نسق المعلومات الذي يمتلكه معظمهم عما يجري بمصر يبدو "مبتوراً" أو "منزوعاً من السياق بشكل مغرض"، بمعنى أنهم يعرفون ويتداولون عدداً من القصص والأخبار الهامشية باعتبارها "الحقائق الرئيسة التي تصنع المشهد وتفسره"، ولا يدركون أو يهتمون بعدد أكبر من القصص والأخبار المؤثرة والمهمة، لأنها ببساطة لم تصلهم، عبر منفذهم الأهم، الذي قام كعادته بتسليط الضوء على قضايا وحجبه عن قضايا أخرى، وفقاً لسياسته التحريرية الواضحة لنا جميعاً.

ومن تلك الاعتبارات أيضاً أن "الجزيرة" هي نافذة العرض الأولى لأنباء وقصص ما بات يسمى بـ"الثورة السورية"؛ وهو أمر يتعلق باتساع التغطية، وإلحاحها، وتوافرها على أفضل الممارسات التقنية، وانحيازها السافر لموقف طرف على حساب طرف آخر، إضافة إلى انطلاقها من قطر، التي لا تبخل بدعم معظم أطراف الحراك المعارض بشتى أنواع المساعدة المعنوية والمادية... وبالتالي؛ فإن الحصول على أخبار مصر من "الجزيرة" يبدو منطقياً، طالما أنها أصبحت القناة الأكثر هيمنة على تغطية الشأن السوري.

يبقى أن تنظيم "الإخوان" يمتلك تجارب مميزة في مجال تنظيم "اللجان الإلكترونية" وتعبئتها، وهي فرق من نشطاء "الإنترنت" المدربين، الذين ينشطون في اختيار القصص ومقاطع الفيديو والأخبار التي تخدم وجهة نظر معينة، ويقومون بتوزيعها على مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، بشكل يعزز أثرها، ويزيد من قدرتها على النفاذ.

ليس الإعلام بالطبع هو السبب الوحيد في هذا الموقف السلبي الذي يتخذه القطاع الغالب بين المعارضين السوريين ضد "30 يونيو"، وإطاحة مرسي، وترشح السيسي، بل القوات المسلحة المصرية.

السبب الثاني في هذا الموقف الحاد يتعلق بما يمكن تسميته "الإسقاط السياسي"؛ إذ تستحوذ الأزمة السورية بالطبع على عقل هؤلاء المعارضين ووجدانهم، وبسبب الممارسات الوحشية التي يمارسها الجيش النظامي السوري وأنصاره من "الشبيحة" بحق السكان المسالمين أو المعارضين السلميين، فإن صورة "الجيش النظامي" بشكل عام باتت في إدراكهم "شديدة السلبية"، وفي الغالب فهي صورة لـ"الشيطان ذاته".

وعلى الرغم من أن قطاعاً من هؤلاء المعارضين السوريين يعرف جيداً الفارق بين القوات المسلحة المصرية باعتبارها مؤسسة وطنية، قامت على أكتافها الدولة الوطنية في مصر قبل أكثر من قرنين، وأنها تعكس النسيج الاجتماعي والثقافي والمناطقي الوطني بأمانة، وأن معظم خياراتها وقراراتها وتصرفاتها خلال العقود الأخيرة كانت منحازة للإرادة الوطنية وحامية للشعب ومصالحه، فإن هؤلاء المعارضين، في مجموعهم العام، يساوون بين الجيشين المصري والسوري، رغم الاختلافات الواضحة بينهما؛ سواء في التركيبة، أو آلية الترقي، أو الطريقة التي يتعامل بها كل منهما مع أفراد الشعب.

ثمة سبب ثالث يؤثر في صورة "30 يونيو" والتطورات المصرية الأخيرة لدى القطاعات الغالبة من المعارضين السوريين؛ وهو سبب يتعلق بحملة شنها بعض الناشطين والإعلاميين المصريين ضد المقيمين السوريين في الأراضي المصرية، وعدد من الإجراءات التي اتخذتها السلطات المصرية إزاءهم بغرض الحد من وجودهم.

لقد حدث بالفعل أن اتخذت السلطات إجراءات من شأنها التضييق على السوريين في مصر، أو الحد من تدفقهم، كما استهدفتهم بعض المنابر الإعلامية، على الرغم من العلاقات الودية الطبيعية بين الشعبين والبلدين، وعلى الرغم من ميراث المصريين في التسامح والترحيب بالمواطنين العرب عند الإقامة بمصر، خصوصاً في أوقات الملمات.

لكن هذه التصرفات المصرية الرسمية والشعبية في آن لم تقع من فراغ، بل جاءت كرد فعل، غير مبرر بالطبع، على اشتراك بعض "الإسلاميين" السوريين في "اعتصام رابعة العدوية"، والمشاركة في بعض أعمال العنف التي قام بها "الإخوان"، ورفع أعلام "القاعدة" في قلب القاهرة، إضافة إلى الحملات الإعلامية التي يشارك فيها سوريون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ويعتبرها نشطاء مصريون "تدخلاً" في الشأن المصري.

ربما يُسقط نشطاء مصريون أيضاً من جانبهم إسقاطاً سياسياً مضاداً؛ فينظر بعضهم إلى "الثورة" في سورية باعتبارها "مؤامرة خارجية" أو "شتاء أصولياً فاشياً"، وهو أمر يضاعف من المشكلة ويوسع الفجوة بين الجانبين.

"30 يونيو"، و"3 يوليو" ليسا "انقلاباً عسكرياً"، ومصر لم ترتد عن "ديمقراطية مرسي" إلى "فاشية العسكر"، وجيشها مؤسسة وطنية عريقة تدافع عن الإرادة الشعبية، ويجب ألا ينشط سوريون في أنشطة معارضة أو أعمال عنف ضد الدولة المصرية التي أرادها شعب مصر والتف حول قيادتها.

تلك حقائق لن يكون بوسع قطاع كبير من المعارضين السوريين إدراكها إلا إذا كفوا عن إسقاط الوضع السياسي السوري على نظيره المصري من جهة، وباتوا أقل استلاباً لـ "الجزيرة" وأدواتها من جهة أخرى.

* كاتب مصري

back to top