ربيع أوكرانيا

نشر في 19-04-2014
آخر تحديث 19-04-2014 | 00:01
 عبداللطيف مال الله اليوسف من حق زعماء الغرب التوجه إلى الأمم المتحدة لتقديم شكوى ضد روسيا الاتحادية بسبب احتلالها أرضاً أوكرانية منذ ما يقل عن الستين يوما، وبهذه المناسبة نتوسل إليهم باسم الأمة العربية أن يضعوا في جيوبهم الخلفية مأساة الشعب الفلسطيني الذي احتلت أرضه منذ ما يزيد على الستين عاماً، على أمل أن يجد الفلسطينيون قناة موصلة لها ثقلها تنقل إلى العالم ما عانوه من قتل وتهجير وضياع ما دامت نار النخوة قد استعرت في ضمائر هذه الزعامات، فيا لها من مفارقة كبيرة قلما يجود بها الزمان أن ترى الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية يطلبون العون من منظمة طالما خرقوا قراراتها واستخفوا بها حتى لم يبق من مصداقيتها رمق يعول عليه الأوكرانيون في استعادة ما فقدوا، بل ندعوهم أن يتوقفوا عن تعليق آمالهم على من لا مصداقية له.

إننا إذ نتناول أحداث شبه جزيرة القرم، وكيف تداعت أحداثها طردا مع أحداث أوكرانيا إنما لنخرج بحقيقة هي أن الديمقراطية لا ترحم من لا يؤمن بها، وأن الغرب لا يؤمن إلا بديمقراطيته هو، ويزدري ما عداها من أساليب ديمقراطية، فقد كشف عن مكنون ذاته عندما بارك نتيجة استفتاء كوسوفو في تسعينيات القرن الماضي لأنه رعى هذا الاستفتاء منذ البداية حتى النهاية؛ ولأنها أي نتيجته أسفرت عن انفصال هذا الإقليم عن الاتحاد اليوغسلافي نكاية بصربيا حليفة موسكو، ولكنه اليوم يتطير من استفتاء شبه جزيرة القرم لأنه جرى رغم إرادته، وأسفر عن انضمامها إلى الاتحاد الروسي وانفصالها عن جمهورية أوكرانيا، الأمر الذي سبب صداعا وحرجا للغرب، ذلك أنه كان يمني الأوكرانيين بالديمقراطية، وإذا بها تشق عصا الطاعة وتتمرد عليه وتسفر عن نتائج لم يكن يرغبها، وهو الذي كان يعتبر الديمقراطية ربيبته وطوع بنانه.

نعم الغرب لم يكن مؤمنا بالديمقراطية الأوكرانية بدليل مباركته لتحركات فئات من الشعب الأوكراني وهي تتمرد على الرئيس فيكتور بانوكوفيتش، الذي اعتلى سدة الرئاسة عبر انتخابات ديمقراطية، والذي مع ذلك هادن هذه المعارضة وحدد معها موعدا لإجراء انتخابات جديدة في البلاد إلا أن الغرب لم يردع هذه الجموع، وهو يراها تسعى إلى إسقاط الرئيس بأساليب الفوضى والانفلات حتى سقطت الشرعية فيها فكان ما جرى من أحداث أعقبتها أحداث أخرى.

إن الغرب الذي ينكر على روسيا قبولها بنتائج استفتاء القرم وضمها إليها لاحقا (وهي الروسية الأصل) والتي لا يفصلها عن الوطن الروسي الأم إلا مضيق كيرش الذي لا تتجاوز سعته بضعة كيلو مترات نجده أي الغرب يغض الطرف عن قيام سفن الأسطول الحربي الملكي البريطاني بقطع مسافة أربعة عشر ألف ميل بحري من قواعده في بحر الشمال ليصل إلى نقطة قصية في جنوب المحيط الأطلسي، ويشتبك في قتال مع القوات الأرجنتينية فوق جزر فوكلاند المالوين (الأرجنتينية الأصل)، ويبسط سيطرته عليها مجددا ويعيدها إلى حظيرة التاج الملكي البريطاني في ثمانينيات القرن الماضي.

كان على الدولة الأوكرانية أن تلجم الجامح من جيادها، وتوازن بين من هي قاطعة لوصله وبين من ستخالل، وماذا تريد من خلانها الجدد لأن ما لديها من المصادر والثروات ما يوفر لها مستوى معيشي أفضل من كثير من دول الجوار الأوروبي، كان على الأوكرانيين استيعاب الدرس العراقي كيف كان العراق؟ وكيف أصبح اليوم؟ بعد أن مسته رحمة الديمقراطية الأميركية، وكيف كانت أوضاع الكثير من الدول العربية قبل أن يزهرها الربيع بالتمزق والانفلات، كان عليهم أن يتساءلوا عما إذا كان الربيع قصرا على العرب أم أن للأوكرانيين أيضا ربيعا.

back to top