لا تساعدوهم في فروضهم المنزلية!

نشر في 19-04-2014 | 00:01
آخر تحديث 19-04-2014 | 00:01
دراسة مبتكرة تقدم نظرة جديدة عن تأثير الأهل على تحصيل أولادهم الدراسي
يتعلق أحد المبادئ المحورية في مجال تربية الأولاد في الولايات المتحدة بضرورة أن يشارك الأهل في تعليم أولادهم: مقابلة الأساتذة، التطوع في المدرسة، مساعدتهم في فروضهم المنزلية، والقيام بمئات الواجبات الأخرى، مع أن معظم الأهالي العاملين لا يملكون وقتاً لفعلها. تبدو تلك الواجبات مترسخة في القيم الأميركية لدرجة أن قلة من الأهالي تأخذ عناء التساؤل عما إذا كانت تلك الجهود تستحق العناء فعلاً.

حتى يناير الماضي، كان عدد الباحثين الذين استكشفوا هذا الموضوع لا يزال قليلاً. في أكبر دراسة على الإطلاق حول طريقة تأثير تدخل الأهل في التحصيل الدراسي، تبين أن ذلك التدخل لا يعطي أي أثر فعلي كما استنتج كيث روبنسون، أستاذ في علم الاجتماع في جامعة تكساس في أوستن، وأنجل هاريس، أستاذة في علم الاجتماع في جامعة ديوك.

راجع الباحثان مسوحات طولية امتدت على ثلاثة عقود وشملت أهالي أميركيين وتعقبت 63 أسلوباً مختلفاً من تدخل الأهل في حياة الأولاد الأكاديمية، بدءاً من مساعدتهم في فروضهم المنزلية، مروراً بالتحدث معهم عن خططهم الجامعية، وصولاً إلى التطوع في مدرستهم. في محاولة لمعرفة ما إذا كان أولاد الأهل الذين يكثفون تدخلهم ينجحون في تحسين أدائهم مع مرور الوقت، ربط الباحثان تلك التدابير بأداء الأولاد الأكاديمي، بما في ذلك علامات الامتحانات في القراءة والرياضيات.

كانت النتيجة التي توصلا إليها مفاجئة بالنسبة لهما. يبدو أن معظم الأشكال المدروسة من تدخل الأهل لا تقدم منافع أكاديمية كثيرة للأولاد، بل قد تعطي نتائج عكسية، بغض النظر عن انتماء الأهل العرقي أو طبقتهم أو مستواهم العلمي.

البوصلة المكسورة

هل تراجع فروض ابنتك كل ليلة؟ نُشرت البيانات التي توصل إليها روبنسون وهاريس في دراسة بعنوان {البوصلة المكسورة: تدخل الأهل بتعليم الأولاد}، وقد كشفت أن هذه التدابير لن تساعد ابنتك على حصد علامات أعلى في الامتحانات النموذجية. حين يدخل الأولاد إلى المدرسة المتوسطة، يمكن أن تؤدي مساعدة الأهل في الفروض المنزلية إلى تراجع علاماتهم، لأن الأهالي يكونون قد نسوا أو لم يفهموا يوماً المواد التي يتعلمها الأولاد في المدرسة، بحسب رأي روبنسون.

كذلك، يبدو أن نتائج الطلاب لا تتحسن بوتيرة أسرع إذا عمد أهلهم إلى مقابلة الأساتذة ومدير المدرسة بشكل متكرر مقارنةً بنظرائهم، مع أن أهل هذه المجموعة لا يقصدون المدرسة بالوتيرة نفسها. ثمة حالات تدخّل غير نافعة أخرى من جانب الأهل: مراقبة صف الطفل، مساعدة المراهق على اختيار الحصص في مرحلة الدراسة الثانوية، والأسوأ التدابير التأديبية، مثل معاقبة الأولاد إذا حصدوا علامات سيئة أو فرض قواعد صارمة بشأن توقيت الفروض المنزلية وطريقة إتمامها. هذا النوع من التدخل قد يزيد مستوى توتر الأولاد بدل تعزيز حماستهم تجاه المدرسة، بحسب تحليل روبنسون. أوضح هذا الأخير: {اسألوا ابنكم: {هل تريدني أن أتطوع في مناسبات إضافية؟ هل تريدني أن أذهب إلى مناسبات المدرسة الاجتماعية؟ هل ستستفيد إذا ساعدتُك في فروضك المنزلية؟ نحن نفكر بإبلاغ الأهل والمدارس بما يجب أن يفعلوه، لكننا نبقي الأولاد عموماً خارج المحادثة}.

عقيدة راسخة

تتعدد الأسباب التي تجعل تدخل الأهل في المدارس أشبه بعقيدة راسخة، منها تشجيع الحكومة على ذلك بزخم كبير. منذ أواخر الستينيات، أنفقت الحكومة الفدرالية مئات ملايين الدولارات على برامج تهدف إلى إشراك الأهالي (لا سيما أصحاب الدخل المنخفض) في حياة أولادهم المدرسية. في 2001، طلب قانون {عدم إهمال أي طفل} من المدارس أن تنشئ لجان أهالي وتتواصل معهم بلغتهم الأم. اعتبرت تلك النظرية أن تعزيز مشاركة الآباء والأمهات قد يساهم في سد الفجوة في علامات الامتحانات بين طلاب الطبقة الوسطى والطبقة الفقيرة. لكن حتى ظهور الدراسة الجديدة، لم يستعمل أحد البيانات المتوافرة لاختبار صحة الفرضية القائلة إن العلاقات الوثيقة بين الأهالي والمدارس تحسّن أداء الطلاب.

ينفي روبنسون وهاريس ذلك الافتراض بشكل قاطع، لكنهما وجدا عادات  صغيرة يمكن أن تُحدِث فرقاً، مثل القراءة بصوت عالٍ أمام الأطفال الصغار والتحدث مع المراهقين عن خططهم الجامعية. إنما لا يحصل هذا النوع من التدخل في المدرسة أو بحضور الأساتذة، حيث يمارس صانعو القرار أكبر نفوذ ممكن، بل في المنزل.

على صعيد آخر، تعتبر المقاربة التقليدية أن الأطفال الفقراء يقدمون أداء سيئاً في المدرسة لأن أهلهم لا يهتمون بتحصيلهم العلمي، لكنّ العكس صحيح. على المستويات العرقية والطبقية والتعليمية، أكد معظم الأهالي الأميركيين أنهم يتحدثون مع أولادهم عن أهمية حصد علامات جيدة ويأملون أن يرتادوا الجامعات. قد يقدم الأولاد الأميركيون من أصل آسيوي أداءً جيداً على نحو لافت في الامتحانات مثلاً، مع أن أهاليهم لا يتدخلون في دراستهم أكثر من أهالي الطلاب اللاتينيين (هذه النتيجة ليست مفاجئة بما أن الفئتين تواجهان مشكلة الحواجز اللغوية). لماذا يكون بعض الأهالي أكثر فاعلية إذاً في مساعدة أولادهم على تحويل تلك القيم المشتركة إلى إنجاز ملموس؟

إحصاءات جامعية

اختار روبنسون، كجزء من بحثه، مجموعات تركيز غير رسمية استناداً إلى إحصاءاته عن الطلاب في جامعة تكساس، فسألهم عن مساهمة أهلهم في تحصيلهم العلمي. سرعان ما استنتج أن معظم هؤلاء الطلاب بالكاد يتذكرون أن أهلهم كانوا يحفزونهم أو يشجعونهم أو يتدخلون في المدرسة بشكل رسمي. بل وصف الطلاب أمهات وآباء يتوقعون منهم إنجازات عالية المستوى لكنهم ينسحبون ولا يتدخلون في طريقة تحقيقها. قال روبنسون: {هؤلاء الأولاد حققوا النجاح بأنفسهم! يسهل أن نتوقع أنهم استفادوا من تدخل الأهل الذي نروّج له على المستوى الوطني. لكن نادراً ما حصل ذلك معهم. لقد صدمتني هذه النتيجة فعلاً!}.

تأتي نتائج روبنسون وهاريس لتضيف معلومات إلى ما نعرفه من الأبحاث السابقة التي أجرتها عالمة الاجتماع أنيت لارو التي راقبت محادثات منزلية بين الأهل والأولاد خلال التسعينيات. وجدت لارو أن الأولاد في الأسر الفقيرة والمنتمية إلى الطبقة العاملة يتشجعون على التزام الهدوء واحترام الراشدين الذين يمثلون السلطة مثل الأساتذة. في الأسر المنتمية إلى الطبقة الوسطى، يتعلم الأولاد طرح أسئلة نقدية والدفاع عن أنفسهم، وهذه السلوكيات تفيدهم كثيراً في الصف.

فضّل روبنسون وهاريس عدم التطرق إلى أنواع قوية من تدخل الأهل، مثل الاستعانة بأساتذة خصوصيين أو معالجين نفسيين للأولاد الذين يواجهون مصاعب في المدرسة، أو فتح حسابات ادخار للجامعة. بغض النظر عن المكانة الاجتماعية والاقتصادية، يسعى بعض الأهالي إلى إيجاد مدارس مرموقة لأولادهم، بينما يكتفي آخرون بإرسال الأولاد إلى أقرب مدرسة في الحي.

صحيح أن روبنسون وهاريس لم يحللا طريقة اختيار المدرسة، لكنهما وجدا طرقاً يمكن أن يعتمدها الأهل لتحسين أداء أولادهم الدراسي (بمعدل يصل إلى ثماني نقاط في اختبار القراءة أو الرياضيات)، منها تسجيل الأولاد في صف أستاذ لديه سمعة جيدة. في هذه الحالة تحديداً، يحتل الانتماء العرقي أهمية لافتة: يميل الأهالي البيض إلى طلب أستاذ معين أكثر من السود واللاتينيين بنسبة الضعف على الأقل. بما أن أفضل الأساتذة يساهمون في زيادة مكاسب الطلاب على مر حياتهم وتقليص حالات الحمل في سن المراهقة، يُعتبر هذا التدخل مهماً.  

بفضل هذه النتائج، يُفترض أن يرتاح الأهالي الذين يجدون صعوبة في تخصيص وقت لمشاريع لجنة الأهالي. لكنّ تقييم أثر تدخل الأهل استناداً إلى علامات الامتحانات حصراً يُغفل طريقة بارزة لها الأثر الأكبر على مسار الدراسة. غالباً ما يكون الأهالي المزعجون فاعلين (لا سيما في المدارس العامة) في تأمين أفضل الكتب المدرسية وملاعب جديدة وجميع {الإضافات} التي تضمن نشوء مجتمع تعليمي، مثل الفن والموسيقى والمسرح والنوادي بعد دوام المدرسة. هذا النوع من تدخل الأهل قد لا يؤثر مباشرةً على علامات الامتحانات، لكنه يجعل المدرسة مكاناً أكثر إيجابية بالنسبة إلى الأطفال، بغض النظر عما يفعله الأهل في المنزل. المشاركة في مدارس الأولاد ليست مجرد طريقة لمساعدتهم على تحقيق النجاح، بل قد تعكس نوعاً من المواطنية الإيجابية.

فوارق مادية واجتماعية

يفترض روبنسون وهاريس أن ارتفاع الموارد المالية والتعليمية يسمح لبعض الأهالي بتنشئة أولادهم في أحياء وأوساط اجتماعية تمكّنهم من مقابلة أشخاص راشدين متعلّمين في الجامعات ولديهم مهن مثيرة للاهتمام. يقتنع الأولاد المنتمون إلى الطبقة العليا أو الوسطى بأن التعليم الجيد سيساعدهم على النجاح في الحياة. كما أنهم يكونون محاطين بأفراد عائلة وأصدقاء يعملون كأطباء ومحامين ومهندسين، ويسترجع هؤلاء دوماً ذكريات السنوات الجامعية على مائدة العشاء. لكن يشكل الأهالي الآسيويون استثناءً مثيراً للاهتمام على القاعدة: حتى لو كانوا فقراء ويعجزون عن توفير ذلك النوع من الأوساط الاجتماعية، يبدو أنهم يستطيعون إقناع أولادهم بقيمة وجاذبية التعليم بطريقة فاعلة بالقدر نفسه.

back to top