مخاطر جديدة تحدق بالقطاع المالي العالمي

نشر في 19-04-2014
آخر تحديث 19-04-2014 | 00:01
No Image Caption
تسهم الإعانات الحكومية والضمانات التي قدمتها مجدداً للمؤسسات المالية والبنوك في إضعاف القطاع المالي بما يخلق أخطاراً جديدة تهدد استقرار النظام المالي العالمي.
 إيكونوميست منذ أن أعلن بنك "ليمان براذرز" إفلاسه في سنة 2008 ساد اعتقاد عام مفاده أن تلك الأزمة نجمت عن قيام الدولة بالتنازل عن رقابتها وهيمنتها المالية لمصلحة الأسواق. ويذهب هذا الاعتقاد إلى القول إن الحل يكمن في فرض مزيد من القواعد والقيود والقوانين على الأسواق، وكان أحدث هدف قد تمثل بقطاع الإسكان الأميركي، وهو مصدر القروض المريبة التي أفضت إلى انهيار بنك "ليمان"، وتمضي الخطط على قدم وساق من أجل وضع دعامة عامة دائمة لأسواق الرهن العقاري تضمن الحكومة من خلالها 90 في المئة من الخسائر في حال حدوث أزمة، وقد ينطوي ذلك على راحة، ما عدا أمرين: الأول هو صعوبة رؤية كيف يمكن لدعم دولة متعثرة ومتحفظة أن يمنع حدوث زيادة في المخاطر. والثاني، ناهيك عن أن الخطأ الذي لحق بأسواق الإسكان الأميركية فإنه لم ينجم عن النقص في دور الحكومة: وبعيداً عن سمة السوق الحرة كان سوق الإسكان واحدا من أكثر الصناعات المنظمة في العالم، حيث يمول من مساعدات دافعي الضرائب وبقرارات إقراض تتخذها الدولة.

في سنة 1856 أنحى أحد محرري مجلة "الايكونوميست"، والتر بيدجهوت، باللائمة على ما وصفه بـ"الرسملة العمياء"، وهي فترات تدفقت فيها المبالغ النقدية بصورة ساذجة مع تجاهل للمخاطر على استثمارات غير حكيمة، وكان يتعين على الحكومة استنباط بعض القوانين الخاصة وسنها لجعل التمويل أكثر أمناً في ضوء حتمية حدوث لحظات هلع أثناء الأزمات علاوة على الدور المنهجي المالي في الاقتصاد. وقد ابتكر بيدجهوت قانوناً ينص على ضرورة قيام البنوك المركزية بإنقاذ البنوك عند الأزمات. ولكن كانت ثمة ثغرة في ذلك القانون: يتعين أن تكون رسوم الإنقاذ عقابية، وكان ذلك التشدد يقوم على النظرة القائلة إن على الحكومات معاملة الممولين قدر الإمكان مثل أي صناعة أخرى مع تحميل المصرفيين والمستثمرين أكبر قدر ممكن من الخطر، وكلما ازدادت حماية الدولة للنظام ازدادت درجة حصانة الناس من حدود المجازفة.

انفجار الفقاعة

وقد تمثل ذلك الخطر في 2007- 2008 عندما أحال المصرفيون، بعد تحقيقهم مكاسب كبيرة بضمانات الدولة خلال سنوات الازدهار، سداد الفاتورة إلى دافعي الضرائب عند انفجار الفقاعة، ولكن على الرغم من ذلك لم يتم تدارس الدرس وتعلمه. ومنذ سنة 2008 شهدنا مجموعة كبيرة من القوانين الجديدة تمثلت بقانون "دود- فرانك" في الولايات المتحدة، وضرائب الصفقات في أوروبا. وتسهم بعض الخطوات الرامية إلى تحسين رأسمال المصارف وسيولتها، في جعل المال أكثر اعتماداً على الذات: وتواجه بنوك أميركا معدلات مديونية جديدة قاسية، لكن الحاجة الملحة للتنظيم والحماية تجعل تلك الصناعة تعتمد بشدة على الدعم الحكومي.

الأرقام سوف تدهش بيدجهوت، وفي أميركا يستطيع المواطن الآن إيداع ما يصل إلى 250 ألف دولار بصورة عشوائية في أي بنك لأن ذلك المبلغ يتمتع بضمانة من خطة حكومية حول صلاحية البنك، ولا تزال معظم الدول تشجع الشركات والأفراد على الاقتراض من خلال السماح لهم باقتطاع دفعات الفوائد مقابل الضرائب. ويساوي الدعم المقدم للرهونات العقارية في الولايات المتحدة أكثر من 100 مليار دولار. حتى خطة بيدجهوت المالية انطوت على جوانب سلبية في صورة مساعدة، فلأن المستثمر يعلم أن الحكومة ستقوم في العادة بإنقاذ الشركات المالية الكبيرة، فإنه يسمح لها بالاقتراض بمعدلات أدنى من الصناعات الأخرى. وقد استخدم عملاقا الرهن العقاري في أميركا- "فاني ماي" و"فريدي ماك"- مساعدات تمويل بقيمة 120 مليار دولار على شكل دفعات إلى المساهمين طوال عقود من الزمن. وبحسب صندوق النقد الدولي، فإن إجمالي المساعدات المقدمة إلى البنوك وصلت إلى 110 مليارات دولار في بريطانيا واليابان و300 مليار دولار في منطقة اليورو، وبإجمالي مساعدات بلغت 630 مليار دولار في العالم الغني، فإن حجم الخلل الحادث يتجاوز الناتج المحلي الإجمالي لدولة السويد، ويزيد كثيراً على الأرباح الصافية لأكبر 1000 بنك على مستوى العالم.

حماية المستثمر العادي

في  الكثير من الحالات كان المبرر المنطقي لعمليات الإنقاذ يستند إلى فكرة حماية المستثمرين العاديين من شرور التمويل، ولكن رغم ذلك كانت المحصلة في نهاية المطاف إضافة المزيد من خطوات التدخل الحكومي وتشويه مفهوم خوض المجازفات.

ويعد ذلك بمنزلة نموذج تاريخي... فقد استجاب المنظمون لكل أزمة بحماية أكبر للمال. وتوضح خمس كوارث مالية شهدها العالم من 1792 إلى 1929، حقيقة مسار النظام المالي الحديث الذي تضمن سلسلة من الابتكارات الناجحة الضخمة بدءاً من بنوك رأس المال المشترك، إلى مجلس الاحتياطي الفدرالي، وسوق الأسهم في نيويورك. لكنه في المقابل انطوى أيضاً على ميل نحو التآكل والانحسار: زيادة تدريجية في مشاركة الدولة، و"تأمين الإيداع" يمكن النظر إليه بوصفه مثالاً حقيقيا لتلك المسألة. وهذا الإجراء الذي ظهر في سنة 1934 في أميركا لحماية أول 2500 دولار من الإيداعات- وهو يشكل نسبة ضئيلة من المكاسب آنذاك- كان الهدف منه تقليص خطر التدافع على البنوك. وتمثل الولايات المتحدة اليوم حالة حرجة في هذا الإطار، لكن تأمين أكثر من 100 ألف سمة شائعة في الغرب، ويوفر ذلك حماية للثروة والدخل، كما يعني تجاهل المستثمرين لقيمة الائتمان واقتصار القلق على معدلات الفائدة فقط.

ولا يقتصر الأثر الناتج عن تلك الممارسات على الإسهام في إثراء صناعة واحدة بل يمتد إلى تحجيم المنافع المالية، وتعمل الأسواق المالية السليمة على تسريع نمو الأوضاع الاقتصادية وانتعاشها وتوفير الأموال للشركات التي تحتاج إليها، كما أنها قد تجعل الاقتصاد أكثر توازناً وتنافسية، وتوفير المال للمحتاجين. أما التمويل العصري فهو نظام أكثر انحرافاً وميلاً حيث يتم سحب المدخرات واستخدامها لتقديم المساعدات والدعم وعلاج التشوهات الضريبية، وتقود تلك الأوضاع إلى انتعاش أسواق الإسكان المدعومة بالديون في الوقت الذي تجف فيه الاستثمارات الموجهة إلى الآلات وبراءات الاختراع وتشغيل الاقتصاد الحقيقي ما يفضي إلى انكماش في النمو.

لوم الأجداد

كيف يمكن وضع حد لهذا التحول من جانب الدولة نحو التمويل؟ يتعين تقليص ضمان الإيداع وتأمينها بشكل تدريجي إلى أن يقتصر على ما يساوي أجر سنة فقط، أي حوالي 50 ألف دولار في أميركا، ويمكن أن يشرع مديرو البنوك بالإعلان عن معدلات رأس المال كما حدث قبل تطبيق تأمين الايداعات. ولا شك أن تقديم إعفاء ضريبي على تكلفة التمويل للشركات هي مسألة حساسة، لكنها ليست كذلك إذا تم تحميلها ضمن ديون الشركات بدلا من أن تتحملها الأسهم وحقوق الملكية.

وهناك المزيد يمكن اتخاذه لمعاقبة المستثمرين على فشلهم، وليس معاقبة دافعي الضرائب وتحميلهم بالأعباء، وقد تمثلت البداية في هذا الصدد في "الوصايا الحية"، التي تصف كيفية تصفية بنك ضخم وسندات تعويض الخسائر، بوصفها مصدات مهمة للوقاية في أزمنة الأزمات، ولكن أوروبا متأخرة جداً عن أميركا في هذا المضمار، كما أن القضية تتجسد في كيفية حل مشكلة البنوك الكبيرة العابرة للحدود.

وتبدو فرص انسحاب السياسيين من عمليات التمويل متدنية بشكل يدعو إلى الأسف، لكن يمكنهم اتباع نصيحة بيدجهوت على الأقل وجعل تكلفة دعمهم جلية وشفافة، ثم إن شبكة الأمان لضمان جوانب التمويل تمتد الآن إلى ما هو أبعد من البنوك لتشمل بيوت المقاصة ذات رؤوس الأموال الضعيفة وصناديق أسواق المال، ويتعين على الحكومات الإعلان عن هذه المسؤوليات القانونية في الحسابات الوطنية، مثل غيرها من المساعدات وأوجه الدعم الأخرى التي تدرجها، ووضع تسعير ملائم لها، وإلا فإنها ستكون بمنزلة توطئة لاندلاع أزمة تالية.

back to top