تدفق اللاجئين السوريين يهدد استقرار لبنان والأردن

نشر في 18-04-2014
آخر تحديث 18-04-2014 | 00:01
يمثل العامل الديموغرافي مشكلة مركزية للبنان، إذ تنتمي الأغلبية الساحقة من السوريين في المنفى إلى المسلمين السُّنة، وقد أدى تدفق اللاجئين إلى الإخلال بالتوازن الطائفي الحساس في لبنان الذي يضمّ في سكانه السنّة والشيعة والمسيحيين.
 سي أن أن تشكل محاولة لاجئ سوري إشعال النار في نفسه الشهر الماضي بمنزلة رسالة تذكير مزعجة حول الظروف اليائسة لأولئك الذين فروا من الحرب، لكن المأساة تتجاوز السوريين، إذ يوفر لبنان والأردن اليوم ملاذاً لمليون ونحو 600 ألف لاجئ سوري على التوالي- أي  نحو 20 و10 في المئة من سكان كل منهما- كما تتسبب الضغوط الاجتماعية والاقتصادية في أضرار فادحة، والأسوأ من ذلك، أن احتمال عدم عودة كثير من اللاجئين إلى أوطانهم يهدد الاستقرار الطويل الأمد لهاتين الدولتين.

ويمثل العامل الديموغرافي مشكلة مركزية للبنان، إذ تنتمي الأغلبية الساحقة من السوريين في المنفى إلى المسلمين السُّنة، وقد أدى تدفق اللاجئين إلى الإخلال بالتوازن الطائفي الحساس في لبنان الذي يضمّ في سكانه السنّة والشيعة والمسيحيين، وبالإضافة إلى الضغوط الدينية، هناك الشكاوى الشائعة بشأن تسبب العمال السوريين في خفض الأجور، وتشكيل اللاجئين عبئاً على البنية التحتية- المرهقة بالفعل- في لبنان التي تعاني نقصاً في التمويل، ووفقاً لتقرير صدر أخيراً عن "البنك الدولي"، يحتاج لبنان- الذي وصل العجز في الميزانية لديه إلى 4 مليارات دولار في 2013- على مدار السنوات الثلاث القادمة إلى ملياري دولار إضافية، لتوفير الخدمات الأساسية لسكانه الجدد و"معالجة الفقر الإضافي المتوقع للشعب اللبناني الذي تولد من الأزمة السورية". يشكل استيعاب اللاجئين عبئاً على الأردن كذلك، وعلى الرغم من أن خُمس المغتربين السوريين يقيمون حالياً في معسكرات للاجئين، فإن معظمهم يعيش في مدن المملكة حيث يرفعون أسعار الإيجارات- بنسبة تصل إلى 25 في المئة، وفقاً لتقارير الأمم المتحدة- ويأخذون فرص العمل النادرة من الأردنيين الذين يعانون بالفعل معدلات بطالة غير رسمية تُقدَّر بـ30 في المئة، وفي الوقت ذاته، ورغم العجز الكبير في الميزانية، توفر عمان الرعاية الصحية والتعليم المجانيّيْن إلى هؤلاء السوريين، الذين يتلقى 63 في المئة منهم مساعدات مالية من الأمم المتحدة.

ومما يدعو للدهشة أن سخاء المملكة تجاه ضيوفها السوريين بدأ يشعل الغضب والاستياء بين السكان المحليين، فقد شكا لي أحد الأردنيين من أصل قبلي قبل بضعة أشهر قائلاً، "إنهم يأخذون الطعام من أفواهنا".

ومع استمرار تدفق اللاجئين إلى لبنان والأردن، تزداد التوترات حدة، فحتى الآن، كانت أحداث العنف بين السوريين وسكان الدولة المضيفة محدودة نسبياً، وقد وقع الحادث الأسوأ في ديسمبر عندما قام سكان قرية لبنانية في وادي البقاع وفقاً لما أوردته التقارير، بإشعال النار في معسكر موقت للاجئين، الأمر الذي ترك المئات منهم بلا مأوى. حتى اليوم، كانت الأحداث منعزلة، لكن من المرجح أن يتجسد رد فعلي شعبي متضافر ومستدام إذا استمرت أزمة اللاجئين السوريين.

وللأسف، هناك سبب وجيه للاعتقاد أن المشكلة سوف تستمر لبعض الوقت، ولا يواجه نظام الأسد الذي ينتمي إلى الشيعة اسمياً أي خطر بالانهيار الوشيك، وفي غضون ذلك، فإن المعارضة التي هي سنّية إلى حد كبير منقسمة حيث لا يقاتل المحاربون العلمانيون النظام فحسب، بل الميليشيات الإسلامية المتنافسة أيضاً، حتى إذا ما سقط الأسد، يبدو أن سورية ستواجه صراعاً طويلاً ودموياً بين الميليشيات السنّية المتعارضة أيديولوجياً- والكثير منها تابع لـ تنظيم "القاعدة"- حول مستقبل الدولة. وعلى أي حال، ومع تدمير نحو ثلث منازل السوريين، لم يتبق سوى القليل مما يمكن للاجئين العودة إليه.

باختصار، ما من شك أن وضع اللاجئين سوف يستمر على ما هو عليه حالياً، ولا يمكن للمرء أن يتصور طول المدة التي سيقضيها السوريون في الأردن ولبنان، وإذا وضعنا جانباً قضية الفلسطينيين التي لا نهاية لها، فوفقاً لـ"المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين"، تستمر أزمات اللاجئين 17 عاماً في المتوسط، ويعود ذلك على الأقل جزئياً، إلى أنه في الممارسة العملية، ووفقاً لـ"اتفاقية الأمم المتحدة للاجئين"، لا يمكن للدول "طرد أو إعادة" لاجئ ما لم يحصل تغيير "جوهري حقاً" في ظروف بلد المنشأ.وعلى الرغم من أن عمان وبيروت لم توقِّعا على الاتفاقية، فإنهما ستجدان صعوبة سياسية في انتهاك المبدأ الدولي حول عدم الإعادة القسرية للاجئين طالما بقي الأسد في السلطة، ولن يوافق السنّة في لبنان على الترحيل القسري الذي سيعرِّض مجتمعهم للخطر، ومن جانبه، فإن الأردن كدولة يعتمد على حسن النوايا الغربية للحصول على مساعدات مالية، وهو لن يكون مستعداً لإثارة انتقادات دولية تجاهه، وعلى نقيض ما حدث في تنزانيا ومع الروانديين في عام 2002 تقريباً، فإن مجرد العودة غير الطوعية لا تشكل خياراً للسوريين.

وتتمثل المشكلة بأنه كلما طالت فترة بقاء هؤلاء اللاجئين في الخارج، زاد احتمال ترسيخ جذورهم في الدول المضيفة، ففي "مخيم الزعتري" للاجئين- الذي وفقاً لبعض الإحصاءات هو الآن خامس أكبر مدينة في الأردن- لم تكن فيه ذات يوم سوى خيام، أصبح فيه الآن مزيداً من البيوت الدائمة- المتنقلة على عجلات- والمجهزة بأطباق صناعية، وأفادت التقارير أن 500 شركة سورية انتقلت إلى الأردن منذ عام 2011.

وفي لبنان، أيضاً، يشتري السوريون العقارات ويفتحون شركات، كما تبني شركة "إيكيا" مساكن للاجئين، استعداداً لإقامة طويلة الأجل على ما يبدو، ووفقاً لوزير الشؤون الاجتماعية اللبناني، أنشئ ما يقارب 400 شركة غير مرخصة مملوكة من سوريين في سبع بلدات منذ منتصف عام 2013، "ما أدى إلى خلل في توازن العمالة المحلية". وبحلول نهاية العام، أفادت التقارير أن عدد الشركات بلغ 1000.

ويصعب التنبؤ بمسار اللاجئين السوريين في الأردن ولبنان، ومع ذلك، واستناداً إلى السوابق التاريخية، ستنظر الدول المضيفة إلى اللاجئين في نهاية المطاف كمصدر تهديد فتقاوم اندماجهم، وسوف يتحول التعاطف الشعبي إلى عداء، وبغض النظر عن حجم المال الذي أنفق للإغاثة، سيؤدي غموض فرص العودة إلى سورية في المستقبل، إلى تعاظم عدم الترحيب باللاجئين في لبنان والأردن على السواء.

وتصف الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي أزمة سورية بـ"أكبر مأساة إنسانية في وقتنا المعاصر". وللأسف سوف تزداد الأمور سوءاً، وإن لم يحصل تغيير حاسم يرجح كفة إحدى القوى على أرض الواقع ويخفّض من تدفق اللاجئين، فقد يكون استقرار لبنان والأردن الضحية القادمة للحرب المستعرة.

Global Public Square - David Schenker

back to top