فجر يوم جديد: {فرخة ولكن}!

نشر في 18-04-2014
آخر تحديث 18-04-2014 | 00:01
 مجدي الطيب   تمثل ظاهرة التحرش مادة ثرية لكتّاب ومخرجي الدراما المصرية؛ ممن ينظرون إليها بوصفها فرصة لإسالة لعاب المنتجين، ودغدغة غرائز الجمهور، كما رأينا في أفلام عادل إمام (بوبوس والسفارة في العمارة) وتامر حسني (كابتن هيما ونور عيني)، فيما يستشعر البعض الآخر خطورته، ولا يتردد في التنديد بها، والتحذير من استفحالها، كما فعل المخرج محمد دياب في فيلم {678}، لكنها المرة الأولى، في ما أظن، التي تتحول فيها الظاهرة، التي تتكرر كل يوم على مرأى ومسمع من الجميع، إلى مادة لفيلم تحريك أو {كارتون}، كما اصطلح البعض على تسميته، وهو ما فعله المخرجون الثلاثة: محمود حميدة (مجرد تشابه أسماء مع الفنان الشهير)، أحمد ثابت وإسلام مظهر في الفيلم الذي اختاروا له اسم {فرخة ولكن}، وتم إنجازه ضمن مشاريع تخرج دفعة 2013 في المعهد العالي للسينما .

  يرصد الفيلم ظاهرة التحرش الجنسي في الشارع المصري، وحجم الانتهاك الصارخ الذي تتعرض له المرأة المصرية في الأماكن العامة، لكنه استعاض، في تجربة هي الأولى من نوعها، في رأيي، عن الصورة التقليدية للمرأة التي تُصبح نهباً لمن تطول يداه، ولكل من يعبث، بجزء من جسدها، باختيار جديد وطريف، وغير تقليدي، لهذه {الفرخة} التي تتعرض للتحرش عند صعودها إلى {الميكروباص}، بواسطة {الجدي}، الذي يقود الحافلة، ومن بعده {الخفاش}!

  هنا يبدو، بوضوح، أن المخرجين الثلاثة اختاروا الإسقاط، والرمزية، حجر أساس في تجربتهم الفريدة؛ إذ لا يجد المتابع مشقة في إدراك أن {الفرخة} ليست سوى الفتاة / المرأة التي تتعرض لكثير من الأهوال مع كل خطوة تخطوها في الشارع المصري، المزدحم بشعارات تعكس حال رجاله، وهو ما ألمح إليه الفيلم بذكاء شديد في إشارته إلى لافتة تحمل كلمة {استرجل}، وتوقفه عند ذلك الرجل، الذي يتبول على وردة (الوردة هي المرأة في موروثنا الرومانسي)، ونجاحه في تكريس الصورة الذهنية للمرأة التي ينظر إليها الرجال بوصفها مجرد أنثى لعوب أو جسداً يتحرك على قدمين، ما يجعلها كائناً مُستباحاً لا يملك من إرادته، ولا جسده، شيئاً!

  غير أن الفيلم، والمخرجين الثلاثة، يطرحون حلاً عجيباً عندما يرون أن إنقاذ المرأة من الأزمة يكمن في تخليها عن أنوثتها، وروحها المسالمة التي حباها الله بها، ولجوئها إلى العنف (تتعلم الكونغ فو على طريقة يوسف منصور في فيلم {قبضة الهلالي}!) كسبيل وحيد لمواجهة طوفان الذل والمهانة وجرح الكرامة الذي تتعرض له، وتعانيه، ولكي يشجعها على انتهاج هذا السبيل ينتصر لها في معركتها ضد {الجدي} و}الخفاش}، ويقدمهما وهما غارقان في بركة من الدماء، وقد تناثرت أشلاؤهما على الأرض بينما الحافلة مهشمة ومُلقاة على جانب الشارع.

  لم يتاجر الفيلم بقضية التحرش، ولم يقع في فخ المباشرة، بعدما أدرك صانعوه أنهم بصدد تقديم عمل فني، فما كان منهم سوى أن وظفوا العناصر الفنية لتقديم قطعة جمالية، مثلما فعلوا في استخدام الـ {فلاش باك} (استرجاع الماضي) بطريقة مبتكرة؛ فمن الوهلة الأولى يتبادر إلى الذهن أن بركة الدماء والأشلاء نتجا عن حادث التصادم الذي تعرض له {الميكروباص}، قبل أن نكتشف أن  وراء الأكمة ما وراءها؛ فمن خلال {الفلاش باك}، الذي لا يتم اللجوء إليه كثيراً في أفلام التحريك، نتابع أكثر من وجهة نظر في الأسباب التي قادت الحافلة، ومعها {الجدي} و{الخفاش}، إلى هذا المصير المفجع؛ على رأسها أن {الجدي} (السائق) كان مُدمناً، بل يعمد (مثل عشرات نلتقي بهم كل يوم) إلى {لف السيجارة، وتدخينها، في قلب مقصورة القيادة، ومن ثم يسير بسرعة جنونية، ويعيش عالماً من الهواجس يتوهم، خلاله، أن كل النساء اللواتي يراهن في الشارع عاريات، ويسيل لعابه لمن تنجح أكثر في إغوائه، طمعاً في الفوز بموطئ قدم في الحافلة التي يستقلها، ومن ثم ينتهي الأمر بالكارثة المأساوية التي جرت في الشارع.

  لم نكن بصدد فيلم تحريك بصورته التقليدية، بل فيلم تراجيدي، بمعنى الكلمة، أو ربما فيلم {أكشن}؛ إذ توافرت فيه، وله، مواصفات الدراما، والإثارة التي بلغت ذروتها من النضج والوعي مع القراءة الثالثة لحادث التصادم؛ حيث تستسلم {الفرخة}، وترفع الراية البيضاء، وتوافق، مُرغمة، على زيارة الطبيب النفساني، تشكو إليه ما تعانيه من تحرش ذكوري، وإذا بها تُفاجأ أن الطبيب هو نفسه {الجدي}، فتخرج عن طورها، وتلقنه علقة ساخنة، ومن مشهد إلى آخر يتأكد لنا أن بركة الدماء لم تكن ناتجة عن حادث التصادم فحسب، بل  عن صراع دموي ومواجهة عنيفة بين المجتمع الذكوري و{الفرخة} التي أخذت على عاتقها انتزاع حقها بعد طول تجاهل ومعاناة وظلم ... وتحرش!

back to top