كان عاملاً في الـ Burger King

نشر في 17-04-2014 | 00:02
آخر تحديث 17-04-2014 | 00:02
الفلسطيني رائد صالح قد يصبح عمدة برلين!

بينما يواجه عمدة برلين كلاوس فوفيريت معركته السياسية الصعبة، تحوّلت الأنظار إلى رائد صالح الذي يمكن أن يصبح أول عمدة من جذور أجنبية لمدينة ألمانية كبيرة. وقد تساعده المعطيات الديمغرافية المتبدلة في العاصمة الألمانية. الصحافي فرانك هورنيغ من «شبيغل» تابع مسيرة رائد صالح وعلاقته ببيئته الحاضنة في برلين وتأثيره فيها والخطوات التي أنجزها لتحسين ظروف المهاجرين الأجانب في المدينة.
عشية أحد أيام الجمعة، استرخى رائد صالح في المقعد الخلفي من سيارة {سيدان} الفخمة للقيام برحلة إلى ماضيه. فتوجّه إلى مجموعة مشاريع سكنية متعددة الطوابق في سبانداو، حي للطبقة العاملة يقع على طرف المدينة وعلى هامش المجتمع أيضاً.

توقف سائقه أمام مركز رياضي ثم خرج صالح من السيارة. دخل المبنى، كان الجو صاخباً ورائحة العرق تفوح في المكان. كان 200 شاب تقريباً يلعبون كرة القدم في ملعبَين مختلفين وتستمر المباريات أحياناً حتى الثالثة فجراً. راح صوت موسيقى الـ {هيب هوب} يصدح من مكبرات الصوت وتوافرت مياه فوارة ونقانق أمام غرف تبديل الملابس.

يحمل المشروع اسم {رياضة منتصف الليل} ويهدف إلى منح الأتراك والعرب والألمان وشبان آخرين من 40 جنسية إضافية حلاً مغايراً، بدل التسكع في الشوارع. إنه أحد أشكال العلاج بالعمل للمحرومين.

فصل جديد في السياسة

يبلغ صالح 36 عاماً، وهو الزعيم الميداني للحزب الديمقراطي الاجتماعي اليساري الوسطي في برلمان برلين الإقليمي، وواحد من سياسيَّين أو ثلاثة يتنافسون داخل الحزب ليخلفوا كلاوس فوفيريت في منصب العمدة. يعرف لاعبي كرة القدم شخصياً وهم يصافحونه دوماً للترحيب به.

في النهاية، نشأ صالح في ظروف مماثلة كونه ينحدر من عائلة فقيرة ولديه ثمانية أشقاء، ولطالما بدت فرص نجاحه في الحياة ضئيلة. لكنه يبتسم الآن وهو يشاهد المباريات ويقول: «تراجع عمل الشرطة الآن!».

يعكس الشبان الموجودون في المركز الرياضي فصلاً جديداً من تاريخ الديمقراطية الاجتماعية، بالنسبة إلى صالح، على الأقل. يوضح هذا الأخير: {في البداية، قدم الحزب الديمقراطي الاجتماعي المساعدة للعمال ثم للنساء. اليوم، حان دور المهاجرين». لا يفكر حصراً بالمشاركين في «رياضات منتصف الليل»، بل يفكر بنفسه أيضاً.

مع إضعاف سلطة فوفيريت (نتيجة ارتفاع كلفة مشروع بناء مطار برلين الجديد وتأجيله المستمر، فأصبح الآن محط سخرية الناس بعدما كانوا ينتظرونه بفارغ الصبر)، تحولت الأنظار إلى صالح، وهو فلسطيني جاء، في صغره، إلى برلين من الضفة الغربية. كان أول عمل له يقضي بتحضير البطاطا المقلية في مطعم «بيرغر كينغ». لكن مع قليل من الحظ، قد يصبح أول رئيس له جذور عربية لولاية ألمانية.

مع كل انتكاسة تطبع بناء مطار جديد وكل فضيحة مصغرة جديدة في برلين (كتلك التي تحيط بقضية الاحتيال الضريبي المزعوم من جانب مسؤول مقرب من فوفيريت)، تُطرَح أسئلة جديدة عن مستقبل العمدة الراهن. تتوقف مدة بقائه في منصبه بدرجة كبيرة على نواب الحزب الديمقراطي الاجتماعي في برلمان برلين الإقليمي، وعلى زعيم الحزب الميداني. لكن لا يبدو صالح مستعجلاً. حين بدأ الآخرون تحركهم لإسقاط فوفيريت، رفض صالح الانضمام إليهم. إنه ينتظر الفرصة المناسبة.

بعد مرور 13 سنة تقريباً على عهد فوفيريت، تكثر الشكوك اليوم في برلين. لا أحد يعلم حقيقة خطط عمدة برلين، عدا التمسك بالسلطة. ولا أحد يعلم إذا كان ينوي التنازل عن السلطة قبل الانتخابات المقبلة (2016) أو سينتظر أن يتم طرده. الأمر المؤكد الوحيد أن حزبه يعاني، وقد أصبح، وفق استطلاعات الرأي، أقل مستوى من الاتحاد الديمقراطي المسيحي المحافظ (علماً أنّ هذا الأخير لم يتمتع يوماً بشعبية قوية في العاصمة الألمانية رغم شعبية زعيمة الحزب أنجيلا ميركل التي تتولى منصب المستشارة).

عقبات صعبة

أصبح صالح أشهر عضو من الحزب الديمقراطي الاجتماعي في المدينة، وذلك تزامناً مع تراجع نسب تأييد فوفيريت. لكن لم يتضح بعد، ما إذا كان هذا الوضع كافياً كي يسيطر على الحزب. لا يحتاج صالح إلى دعم حزبه في البرلمان فحسب، بل إلى دعم أعضاء الحزب الديمقراطي الاجتماعي في الولاية كلها. لكنّ أحد زعماء الحزب، جان ستوس، يطمح إلى تولي منصب عمدة برلين بنفسه. كذلك، لن يكون دعم فوفيريت متوافراً على الأرجح، غداة صراع على السلطة بين الإثنين في 2011.

أهم ما في الأمر أن صالح يجب أن يقنع الناخبين في برلين بمشروعه لإنشاء مدينة كبرى تتابع جذب السياح وتقدم أداءً اقتصادياً جيداً، للوهلة الأولى، لكنها تبقى من أضعف الولايات في ألمانيا، لا سيما في ما يخص سوق العمل وقطاع التعليم. حتى الآن، ركز صالح جهوده على جماعة تم تجاهلها بشكل كبير: إنها بيئته الخاصة التي تشمل الألمان المنحدرين من عائلات تركية أو عربية، علماً أن هذه الفئة نادراً ما كانت تصوّت في الماضي.

منذ فترة قصيرة، كان صالح يمر بسيارته في سبانداو فعبر بالمجمع السكني الذي نشأ فيه. عمل والده في مخبز صناعي بينما كانت والدته ربة منزل تعتني بأولادها. أشار صالح إلى الطابق التاسع حيث كانت والدته تلوّح له. وعن طريق الصدفة، مرّ أحد أشقاء صالح بموقف السيارات. فقال هذا السياسي من الحزب الديمقراطي الاجتماعي ضاحكاً: «هذا مالك. لقد نال شهادة الدكتوراه في الكيمياء الحيوية البارحة».

سياسي إلى الواجهة

ربما اضطر صالح إلى التنقل بين عالمَين في بداية مسيرته السياسية. يشمل العالم الأول مكاتبه في البرلمان حيث يعلّق على الجدار لوحة زيتية للسياسي فريدريش إيبرت، ديمقراطي اجتماعي وأول رئيس منتخَب ديمقراطياً في ألمانيا. ويشكّل العالم الثاني المكان الذي نشأ فيه، وهي منطقة مخصصة للمشاة في مقاطعة سبانداو الخاصة بالطبقة العاملة في برلين، لا يزال يلقي التحية على معارفه القدامى هناك بعبارة «السلام عليكم» العربية، ويطلق دعابات مع بائع النقانق الذي جاء من البلقان فيسأله: «ألم يرحّلوك بعد؟». فيرد عليه البائع: «لا، لقد اندمجتُ بالكامل الآن!».

لكنه أصبح الآن بكل وضوح جزءاً من نخبة أعضاء الحزب الديمقراطي الاجتماعي في برلين. في مارس، أُعيد انتخابه كزعيم ميداني لحزبه بغالبية واسعة. شعر أعضاء آخرون من الحزب بالسرور لأن تركيز السياسة المحلية لم يعد محصوراً بتأليه الشخصيات السياسية، كما حصل مع فوفيريت وفشل افتتاح مطار برلين. بفضل صالح، عاد الحزب الديمقراطي الاجتماعي ليركز مجدداً على المسائل الحقيقية مثل سياسات الاندماج.

لم يدلِ صالح بأي تصريحات بعد حول نيّته الترشح لمنصب العمدة. يتابع حلفاؤه التفاوض لكسب دعم مختلف أجزاء المدينة. لكن قد يصعب حشد الدعم له في بعض المناطق كتلك الواقعة في برلين الشرقية السابقة، حيث يتراجع عدد المهاجرين. أما في أنحاء المدينة، فيتعلق أكبر تحدٍّ يواجهه الحزب بكسب أصوات جديدة من المهاجرين من دون خسارة دعم الأوساط التقليدية للحزب الديمقراطي الاجتماعي.

ما من سابقات لهذا النوع من الترشح في ألمانيا. ولا أي مدينة كبرى لديها عمدة مهاجر أو ألماني من الجيل الثاني.

هل تتعلم برلين من روتردام؟

في السنة الماضية سافر صالح إلى روتردام لبضعة أيام، ويتولى هناك أحمد أبو طالب منصب العمدة منذ 2009، علماً أنه مولود في المغرب وهو ديمقراطي اجتماعي أيضاً. أراد صالح أن يعلم كيفية تحقيق ذلك. يتألف 50% من سكان روتردام تقريباً من مهاجرين، ويبقى عدد المستفيدين من التأمين الاجتماعي في ثاني أكبر مدينة من هولندا فوق المعدل.

أنهى الزائر الألماني الذي قصد أبو طالب رحلته باندهاش. يُطلَب من كل شخص يستفيد من منافع الرعاية الاجتماعية في مدينة روتردام أن يقدم شيئاً في المقابل إلى المجتمع، كما أخبره أبو طالب الذي يدعّم أحاديثه مع السكان أحياناً بأبيات من الشعر العربي. للحصول على منافع الرعاية الاجتماعية، يجب أن يكون الناس مستعدين للقيام بنشاطات، مثل تنظيف الشوارع أو تسليم البقالة أو حاجيات أخرى إلى الجيران، لأنهم أضعف من أن يقوموا بهذه الأعمال بأنفسهم. كذلك، يمكن أن تزداد الحياة صعوبة في روتردام بالنسبة إلى الأهالي الذين لا يهتمون بما يكفي بتعليم أولادهم. إذا لم يستلموا شخصياً بطاقة العلامات المدرسية لأولادهم ويناقشوا أداءهم الفردي مع أساتذتهم، يمكن تقليص مبالغ الرعاية الاجتماعية كعقوبة على ذلك.

حين عاد صالح إلى دياره، بدأ يفكر بإمكانية تطبيق إحدى تلك الأفكار في برلين. منذ فترة قصيرة، أجرى تقييماً شامل للوضع في مكتبه.  يقول إن المدينة لم تعد تتحمّل وضعاً حيث يُسمَح للعائلات التركية بعرض أولادها بعمر السنتين على شاشات التلفزة طوال ساعات قبل أن ترسل أشقاءهم الأكبر سناً إلى المدرسة حيث يعمدون، بدل التعلم، إلى مضايقة زملائهم الطلاب القادمين من رومانيا عبر محاولة رميهم في صناديق القمامة. لقد سمع أمثلة عن ذلك النوع من المضايقات وهذا الوضع يثير غضبه.

بينما راح يعبّر عن هذه الأفكار، كان يجلس بقربه هاينز بوشكوسكي، عمدة منطقة نويكولن (حي كبير في برلين، فيه نسبة سكانية كبيرة جداً يطغى عليها مهاجرون أتراك في معظمهم). خلال فترة معينة، أصبح بوشكوسكي اسماً وطنياً في البرامج الحوارية بسبب آرائه الصريحة عن فشل الاندماج في حيّه وفي أماكن أخرى.

 منذ بضع سنوات، زار بوشكوسكي روتردام وسافر إلى هناك مجدداً في السنة الماضية مع صالح. لكن في المرة الأولى، لم يهتم كثر من زملائه في الحزب الديمقراطي الاجتماعي في برلين بسماعه يتكلم عن تجاربه. حتى أنهم ألغوا في إحدى المناسبات دعوة له كي يظهر في البرلمان.  يقول مكرّراً كلمات زعماء الحزب في تلك الفترة: «حقق الاندماج في ألمانيا نجاحاً منقطع النظير!». لكنه يعتبر أن الناس ينكرون الحقيقة في برلين منذ سنوات، وكانوا يقطعون المحادثة حين يبدأ الناس بالتكلم عن نشوء بؤر توتر اجتماعية: «لعب فوفيريت دوراً في هذا الوضع أيضاً».

في غضون ذلك، بدأ صالح يحضّر أولى الخطوات داخل تحالفه. سبق أن توصلوا إلى اتفاق للتصويت على قواعد جديدة، تسمح بفرض غرامات على الأهالي تصل قيمتها إلى 2500 يورو (3468 دولاراً) إذا لم يجعلوا أولادهم يخضعون لاختبار لغوي إلزامي في عمر الرابعة. ستسمح القواعد الجديدة، أيضاً، بفرض غرامات على الأهالي في المدينة في حال تغيّب أولادهم. وثمة قواعد صارمة أخرى قيد التحضير.

يقول صالح: {ستحدد سياسات الاندماج الراهنة مدى ازدهار مجتمعنا خلال العشرين أو الثلاثين سنة المقبلة}.

مسيرة مهنية استثنائية

يشعر صالح بالسرور من طريقة تطور مسيرته التي بدأت في سلسلة {بيرغر كينغ}. فقد بدأ بتقليب أقراص البرغر ثم انتقل إلى صندوق الدفع قبل أن يصبح مسؤولاً عن المطبخ بعد فترة قصيرة. في النهاية، أصبح مديراً في الشركة القابضة التي تملك السلسلة. يقول صالح: {كنت فخوراً جداً بما حققته}. بموازاة ذلك، أكمل دراسته الثانوية ثم بدأ يدرس الطب قبل أن يقرر عدم المتابعة. في مرحلة لاحقة، أسس مع صديقَين له وكالة إعلامية لا تزال قائمة حتى اليوم.

لكنّ هذا النوع من المسارات المهنية هو استثناء على القاعدة في حي صالح القديم الذي يُذكَر دوماً في عناوين الصحف ويُعتبر من أقسى المناطق في برلين. ينحدر 80% من الأولاد هناك من عائلات تعيش على التأمين الاجتماعي. يسأل: {هل تعلمون نسبة مشاركة الناخبين هنا؟ 35% فقط}.

سيكون التطور إيجابياً إذا نجحت المقاطعة في تخريج عدد إضافي من علماء الكيمياء الحيوية مثل شقيقه، وإذا حصل جيل كامل على المساعدة اللازمة ليحرز التقدم، وإذا أصبح التعليم والعمل المعيارين السائدين. يقول صالح: {أعمل منذ كنت في السادسة عشرة من عمري. لطالما كان ضرورياً بالنسبة إلى أهلي أن نكسب المال الذي نحتاج إليه بنفسنا إذا أمكن}.

يظن صالح أن تلك القاعدة يجب تعلّمها في مرحلة مبكرة. يعتبر أنها تساعد الشبان والشابات على دخول سوق العمل بدل الانتقال مباشرةً من المدرسة إلى الانتظار في مركز التوظيف لقبض مخصصات البطالة. يأمل صالح أن يقوم كل من ينجح في اتباع ذلك المسار بالتصويت للحزب الديمقراطي الاجتماعي مستقبلاً.

ينحدر 45% من فئة الشباب تحت عمر الثامنة عشرة في برلين من جذور أجنبية. في السنة التعليمية 2018/2019، سيكون عدد أولاد المهاجرين الذين سيبدأون الدراسة أكثر من الأولاد الذين لا يرتبطون بأي خلفيات خارجية. إنها مسألة وقت قبل أن يعطي الجانب الديمغرافي المتنامي سريعاً في برلين تأثيراً أكبر على سياسة المدينة.

تمثّل المؤسسة القديمة في المدينة الطرف الآخر، علماً أن سياسيين من أمثال فوفيريت أو العمدة السابق فالتر مومبر مثلوا المنطقة لفترة طويلة. لطالما شعر الناس، داخل هذه الأوساط، بانعدام الثقة تجاه صالح، ذلك الوافد الجديد من الحي الفقير. ما زال بعض الديمقراطيين الاجتماعيين يتذكرون الإهانات الموجهة ضد صالح، كما حين تمّ تداول رسم كاريكاتوري تظهر فيه زوجته وهي ترتدي البرقع، أو الأسئلة السامة من أعضاء الحزب الديمقراطي الاجتماعي مثل: «هل يعني ذلك أننا مضطرون إلى بسط سجادة الصلاة الآن؟».

تورستن شنايدر هو أمين عام كتلة الحزب في برلمان المدينة ومقرب من صالح. يقول إن المشاعر العنصرية لدى بعض زملائه تثير الضحك. صالح الذي يعرفه هو شخص مختلف، فهو رجل متماسك جداً ويمكن أن يتخلى عن أساليبه ليتماشى مع عادات البلد الذي احتضن عائلته: {حتى أنه يغني مع الموسيقى الشعبية الألمانية في سيارته!}.

back to top