عاشق «الساز» عبد الله أبو ذكري: الثقافة الموسيقية غائبة عن الشارع العربي

نشر في 16-04-2014 | 00:02
آخر تحديث 16-04-2014 | 00:02
يبهرك عـزفه الرائع على آلته، يشجيك إحساسه بما يعزف، عبدالله أبو ذكري عاشق «الساز»، آلة تركية تعرف إليها في الثانية عشرة من عمره، احتضنها وأخلص لها، فباحت له بأسرارها حتى صار أصغر أستاذ لها في بيت العود المصري، شارك أبوذكري في مهرجانات وحفلات في دول عربية وأوروبية، ونال أخيراً جائزة العزف في مهرجان دمشق.
حول مسيرته في هذا العالم الموسيقي الذي يعشقه كان الحوار التالي معه:
بداية... لماذا اخترت آلة «الساز»؟

لم يكن اختياري عشوائياً، فقد أعجبت بها، وكان أخي الأكبر الفنان محمد أبوذكري سبقني إلى بيت العود العربي، وتتلمذ على يد الأستاذ الكبير نصير شمة، وقد برع في العزف على العود إلى أن أصبح أصغر أستاذ لهذه الآلة الموسيقية، وهو يدرس الآن في ليون بفرنسا، من ثم وجهني والدي إلى التفكير في آلة أخرى، وأنا بطبعي أميل إلى التميز، فأعجبت بآلة «الساز» وهي تركية ولا يقبل عليها كثر لتعلمها، وغير منتشرة في مصر.

ما الفرق بينها وبين البزق؟

الخلط بين الساز والبزق شائع والأذن العادية لا تميز بين صوتيهما، مع أن الفرق بينهما في تقنية العزف والشكل والإحساس، ثم الساز آلة شعبية كردية في تركيا، بينما البزق أصله عربي في بلاد الشام وفي الأردن.

لكل فنان موهوب مشروعه الفني، فما مشروعك؟

مشروعي الفني مشروع طموح لا حدود له، والحقيقة أنني راض عما أنجزته حتى الآن في سن صغيرة، لكن أموراً كثيرة  تنقصني  لا بد من تعلمها، فوضعت لنفسي برنامجاً وخطوات أسير عليها نحو هذا الطموح.

ما أبرز هذه الخطوات؟

درس الموسيقى بشكل علمي أكاديمي بدرجة أعمق مما درست، أي أعلم الموسيقى، نظريات التأليف الموسيقي والتلحين والتوزيع والهارموني وغير ذلك، وهو ما أعد له للدراسة في الخارج، وحلمي الأساسي تطوير «كو أرتيت» الذي أنشأته.

ماذا يعني «كو أرتيت»؟

رباعي أي فريق عازفين من أربعة آلات: الساز طبعاً، آلة القانون يعزف عليها عازف القانون العراقي علي شاكر، «بيس» يعزف عليه الروسي ديمتري، الإيقاع المصري يعزف عليه هاني بدير.

ما الغرض من إنشاء هذا الفريق؟

 عزف مؤلفاتي وتجاربي الموسيقية، هذه أولى تجاربي الفنية، والفريق قابل للتطوير ولا حدود لطموحه.

تحدثت عن التأليف من دون التلحين، أيهما أسهل على شاب في مثل سنك؟

يختلف الأمر من فنان إلى فنان، والعبرة ماذا تريد أن تفعل. في الحقيقة تجاربي في التلحين قليلة ولم يطلع عليها أحد، لكن طموحي ينزع إلى التأليف الموسيقى لأننا في مصر نفتقد إلى هذا القالب الموسيقي.

لماذا؟

 لأن المصريين والعرب نادراً ما يستمعون إلى موسيقى من دون كلمات، كما يحدث في الغرب، والدليل أن نسبة ما لدينا من مؤلفات موسيقية لا تزيد عن واحد بالمليون من الألحان، أريد تغيير  ذوق الناس ليقبلوا على الاستماع إلى موسيقى من دون كلمات، وتذوقها من دون تأثير للكلمة، وإعادة تربية وجدانهم وتثقيفهم موسيقياً.

أليست مهمة الناقد الموسيقي تثقيف الناس موسيقياً؟

بالفعل هي مهمة الناقد الموسيقي قبل الفنان، لكن أين هي حركة النقد الموسيقي الجاد في بلادنا، المؤسف أنه لا توجد مجلة موسيقية متخصصة تعزز الثقافة الموسيقية بما تنشر من آراء ودراسات موضوعية لنقاد موسيقيين، كذلك  نفتقد إلى مدارس لتعليم الموسيقى بشكل علمي وجاد ورصين، فمعظم من يعلّمون الموسيقى يحتاجون إلى تعليم أفضل وثقافة موسيقية أعمق، وليس أدل على ذلك من مستوى خريجي معهد الموسيقى العربية الضعيف، لذا يلتحقون ببيت العود العربي، ليعمقوا ثقافتهم.

 لا يجوز ألا يكون في دولة بحجم مصر سوى ثلاثة معاهد علمية رسمية لتعليم الموسيقى هي: معهد الموسيقى العربية والكونسرفتوار وبيت العود العربي. على الدولة أن تدرك أن انتشار المعاهد والمدارس الموسيقية الرسمية يساعد على نشر الثقافة الموسيقية وتذوق الناس لها.

وماذا عن المعاهد الموسيقية الخاصة؟

المعاهد الموسيقية الخاصة قليلة، وتعلم العزف على آلات موسيقية، لكن  الأهم من ذلك تعليم الهارموني ونظريات التأليف والتوزيع الموسيقي، هذا هو علم الموسيقى. للأسف، وقلة تقدر على ذلك في مصر، أمثال أستاذي الفنان  رشاد فهيم، والأستاذ الفنان الكبير فتحي سلامة الحائز جائزة «غرام»، وهي تعادل الأوسكار في السينما، ولا ننسى الفنان الكبير عبده داغر، كل هؤلاء لا تقدرهم الدولة ولا تستفيد من علمهم الوافر، لأنها في الأساس لا تهتم بقيمة الثقافة، حتى المؤسسات الثقافية، منها المؤسسة الأهم صندوق التنمية الثقافية الذي أعمل معه،  لا تقدّر قيمة الثقافة، والعاملون فيها  مجرد موظفين لا يعرفون معنى التنمية الثقافية.

 ما معنى التنمية الثقافية في بلد مثل مصر؟

مؤسسة التنمية الثقافية في أي بلد تتحقق رسالتها حين تكون قادرة على التمييز بين الفن الحقيقي والمزيف، وتعرضه للناس، وحين يدرك الناس الفرق بين موزارت و{أوكا وأورتيغا».                          

مهمة هذه المؤسسة القضاء على الأمية الثقافية، فهي منصة تقدم للجمهور مشروعات فنية من دون تقييمها، وتترك الحكم للنقاد، بالإضافة إلى أعمال تراثية عظيمة، وليس ما يعجب الجمهور أو يطلبه.

لكن يبقى طلب الجمهور على الفن مقياس نجاح العمل الفني.

غير صحيح، على الأقل بالنسبة إلي، مع كامل احترامي للجمهور، إلا أن ما يشغلني  تقديم فن أصيل من إبداعي، كذلك رأي النقاد، إذ أتعلم منهم، أما الجمهور فلا أهدف إلى إرضائه، لأن رسالتي تغيير تذوق الناس للموسيقى أولا، أردد ذلك كثيراً بل أسعى إلى تحقيقه عملياً، فالفن عندي للفن وليس للجمهور، وهذا يكون تراثاً حقيقياً، وما لا يقبل عليه الناس الآن قد  تتذوقه أجيال  مقبلة وتدرك قيمته، فالقيمة الحقيقية للفن في أصالته.

إلى أي مدارس تأليف موسيقية تنتمي؟

لا أريد تصنيف نفسي في أي  مدرسة فنية، وإن كنت أقرب إلى المدرسة الجديدة، أتعرف إلى أنواع كثيرة من الموسيقى، وهذا مفيد ويحقق لي درجة كبيرة من النضج الفني.

كيف ترى مستقبل آلة «الساز»؟

ما زال الاهتمام بآلة الساز متواضعاً، مصرياً وعربياً، فالناس لا  يعرفون الكثير عن هذه الآلة التي ما زالت محصورة في الوسط الفني، وأتمنى أن تنتشر أكثر في بلادنا، ورسالتي نشر «الساز» في مجتمعنا العربي، ونشر الموسيقى والثقافة الموسيقية.

back to top