سيزار تشافيز في فيلم وكتاب

نشر في 03-04-2014 | 00:02
آخر تحديث 03-04-2014 | 00:02
No Image Caption
يحمل 25 شارعاً و46 مدرسة على الأقل اسم سيزار تشافيز تكريماً له، لكن لا يعرف معظم الشباب الكثير عن ذلك الشخص الذي كان مثيراً للجدل في حياته، واشتهر بتنظيم مسيرات وتحركات وإضرابات قادها باسم عمال المزارع الذين كانوا مهاجرين في معظمهم.
تبدأ المرحلة المهمة التالية بعد وفاة تشافيز، مع صدور أول فيلم درامي عن هذه الشخصية البارزة والمنتمية إلى حركة {شيكانو}، وسيرة مهمة عنه، تزامنا مع الاحتفال بيوم سيزار تشافيز، في كاليفورنيا وولايات أخرى، في 31 مارس.

يهدف المشروعان إلى استعادة مكانة تشافيز في الذاكرة الأميركية. لكن يقدم الكتاب والفيلم صورة مختلفة، بشكل ملحوظ، عن ذلك الرجل الذي انضم إلى لائحة القديسين المدنيين الأميركيين بعد وفاته.

في فيلم {سيزار شافيز} (Cesar Chavez) الذي أعدّه فريق إنتاج مكسيكي بقيادة الممثل والمخرج دييغو لونا، يظهر هذا الرجل بصورة بطل بريء كونه يستعمل حلولاً سلمية ليقود شعبه إلى النصر. ينتهي الفيلم بفوز {نقابة المزارعين المتّحدين} التي أسسها تشافيز بعقود مهمة من مزارعين متعنتين عام 1970.

حروب تشافيز

يتألف كتاب {حروب سيزار تشافيز} (The Crusades of Cesar Chavez) من 534 صفحة، وهو بقلم المراسلة والمحررة في صحيفة {لوس أنجلس تايمز}، ميريام باول. يعرض الكتاب قصة تشافيز منذ ولادته في أريزونا خلال حقبة الكساد العظيم، مروراً بخسارة والده مزرعة العائلة، وصولاً إلى وفاته غداة فترة طويلة شهدت فيها {نقابة المزارعين المتّحدين} تراجعاً ملحوظاً. يغوص الجزء الثاني من الكتاب في ما يسميه حلفاء تشافيز القدامى {الجانب المظلم}، أي عزلته وتبنّيه سياسة الترويج الإعلامي لاكتساب مكانة البطل، بحسب رأي البعض.

بالنسبة إلى لونا، كان الفيلم عبارة عن حملة صعبة امتدت أربع سنوات، وقد نفذ خارج نظام الإنتاج المألوف في هوليوود.

قال لونا في إحدى المقابلات: {نحن محظوظون لأن هوليوود لم توافق على المشروع}.

اقترح المديرون التنفيذيون في هوليوود أن يختار لونا واحداً من الممثلَين الإسبانيين الوسيمَين والناجحَين، أنطونيو بانديراس أو خافيير بارديم، لأداء دور البطولة. لكنه فضل منح الدور لمايكل بينا. على غرار ممثلين مكسيكيين-أميركيين موهوبين، تعج سيرة بينا الذاتية بأدوار صغيرة في معظمها، منها دور شيخ عربي مزيف في فيلم American Hustle.

عمد لونا وشركته الإنتاجية {كانانا} (أسسها بالشراكة مع الممثل غايل غارسيا بيرنال) إلى عرض الفيلم قبل تاريخ صدوره أمام جماهير منتقاة، وكانت في معظمها لاتينية في أنحاء الولايات المتحدة. من ثم عرضه في البيت الأبيض أمام الرئيس باراك أوباما.

اجتمع لونا وبابلو كروز في جامعة كاليفورنيا، لوس أنجلس، خلال حدث شمل أكثر من 300 شخص، برعاية كلية «دراسات شيكانو» وطلاب الجامعة. صرح لونا أمام الجمهور: «أرجو منكم أن تساعدونا على نشر الخبر. نريد أن نوجه رسالة إلى قطاع الإنتاج مفادها أن قصصنا يجب أن تُقدَّم بالمستوى المطلوب من العمق والتعقيد».

شركاء مناسبون

أوضح لونا: «لقد وجدنا شركاء مناسبين لهذا الفيلم». وفر المستثمرون المكسيكيون معظم التمويل. وتتولى شركتا Participant Media وLionsgate توزيع الفيلم الذي كلف 10 ملايين دولار، وتم تصويره في سونورا، المكسيك، وسيبدأ عرضه في 600 صالة عرض تقريباً.

رفض تشافيز عروضاً لصنع أفلام درامية عنه، خلال حياته، وقد ظهر على الشاشة الكبيرة منذ وفاته في أفلام وثائقية.

جعل لونا حياة تشافيز العائلية المحور العاطفي لقصته. فقال إنه تجاهل مديراً تنفيذياً آخر كان سأله: {كيف يمكنك أن تجعل هذه القصة أكثر إثارة؟}. فأجابه لونا: {هذا المشروع يتخطى معنى الإثارة. القصة لا تقتصر على سيزار تشافيز بل تشمل حركة كاملة}.

فيلم Cesar Chavez غني بتفاصيل بصرية حقيقية، منها الأيقونات الدينية التي كانت جزءاً أساسياً من مناسبات {نقابة المزارعين المتّحدين}، فضلاً عن {المعاول القصيرة} الشهيرة التي أفسدت أجسام عمال المزارع الذين أُجبروا على استعمالها. تؤدي أميركا فيريرا دور زوجة سيزار، هيلين، بينما تؤدي روزاريو دوسون دور رئيسة النقابة دولوريس هويرتا، ويظهر جاك هولمز بدور الحليف روبرت كينيدي. مع حلول الدقيقة 101، يكتفي الفيلم بعرض عشر سنوات من حياة تشافيز.

الكتاب الذي نشرته دار Bloomsbury Press يعرض أول سيرة شاملة عن تشافيز. قالت باول:  {لا أكتفي بعرض فضائله الشخصية. لن نفيده عبر تصويره بطريقة مبسّطة جداً}.

اكتسب تشافيز هالة من القداسة حين قرر الصوم عن الطعام طوال 25 يوماً عام 1968، ما ساهم في انقلاب الرأي العام لصالح {نقابة المزارعين المتّحدين}، وهو حدث محوري في فيلم لونا. لكن باول اعتبرت أن الفيلم يستعرض بشكل عابر عبقرية تشافيز الحقيقية في المجال الاستراتيجي والتكتيكي. يمكن أن يكون هذا الرجل أيضاً زعيماً قاسياً لا يرحم أعداءه المنظورين، وكان يعترف بهذه الميزة في شخصيته.

صرح تشافيز لأحد المراسلين في مقابلة تم اقتباسها في كتاب باول: {ثمة فرق كبير بين القديس والملاك. القديسون معروفون بصرامتهم وعنادهم}.

مسارات مختلفة

استفادت باول كثيراً من مصادر الأرشيف، بما في ذلك أوراق تشافيز التي قدمها لجامعة ولاية واين في ديترويت. كذلك أصغت إلى مئات المقابلات ومحاضر اجتماعات مجلس إدارة {نقابة المزارعين المتّحدين}. تعكس التسجيلات الأولى نزعته العاطفية والمثالية كما تقول. لكن تعرض التسجيلات اللاحقة الافتراءات الإثنية التي استعملها خلال السبعينات للتحدث عن المهاجرين غير الشرعيين باعتبار أنهم كانوا يفسدون الإضرابات.

تعكس الآراء المختلفة مسار صناعة الفيلم والكتاب. حصلت شركة {كانانا} على موافقة عائلة تشافيز لنشر الفيلم، وقد قابلت العائلة بشكل موسّع لونا وطاقم الممثلين. لكن في المقابل، تُعتبر شخصية باول غير مستحبّة بالنسبة إلى عائلة تشافيز لأنها كتبت في صحيفة {تايمز}، عام 2006، سلسلة من المقالات تعتبر أن {نقابة المزارعين المتّحدين} المعاصرة لا تبذل الكثير لتحسين ظروف عمال المزارع.

أوضحت باول: {لم توافق العائلة على التحدث معي لكني توقعت ذلك}. ردّ فرد واحد من العائلة على رسائلها الإلكترونية: إنه فرناندو، ابن تشافيز الأكبر، علماً أن خلافاته مع والده معروضة في الفيلم. لكن باول تقول إنه رفض بدوره التحدث معها.

أصبح فرناندو الآن محامياً وهو جزء أساس من الفيلم، بفضل قصة تقاسمتها هيلين تشافيز مع الممثلين قبل بدء التصوير. أوضح لونا: {قالت لنا إن فرناندو ترك منزل العائلة في مرحلة معينة}. كانت خلافاته مع والده الشهير أكبر من أن يتحمّلها أحد.

بالنسبة إلى لونا (أصله من المكسيك)، كانت تلك القصة كفيلة بتذكيره بما قاده أصلاً إلى تشافيز. منذ فترة غير طويلة، وُلد ابنه الثاني في الولايات المتحدة. أراد لونا (يملك منازل في مكسيكو ولوس أنجلس) أن يتمكن من إخبار ابنه المكسيكي الأميركي بمعلومات إضافية عن ذلك الرجل المحترم الذي كان رائداً في تاريخ حركة {شيكانو}.

كان لونا ممثلاً في طفولته وهو نجم فيلم Y Tu Mama Tambien. يقول: {هذا الفيلم يتمحور حول علاقة الأب بابنه ويعكس مدى صعوبة أن يتفهّم الابن ما يجب أن يفعله والده}.

تعليقات على الفيلم

ثمة نفحة من الجدّية في فيلم لونا. بعد عرضه في برلين، أشارت التعليقات إلى أنه كان محترماً جداً، ما أدى إلى تجريد بطل القصة من أي جوانب معقدة. حصد فيلم Cesar Chavez تقييمات مختلطة من الأشخاص الذين عملوا مع تشافيز.

أشاد رئيس {نقابة المزارعين المتّحدين} الراهن أرتورو رودريغز بالفيلم. لكن مارشال غانز الذي كان أحد مساعدي تشافيز المقربين اعتبره {نسخة كاريكاتورية من حقيقة ذلك الرجل وحسّه القيادي}. غالباً ما يصور الفيلم تشافيز وحده، لكنه {ما كان يسمح لنفسه بأن يكون وحيداً}، كما قال غانز في إحدى المقابلات. وما كان تشافيز ليقوم بما يفعله في الفيلم، مثل البدء بالصراخ خلال الاعتصامات.

قال غانز: {كانت جاذبيته تعكس نوعاً من جاذبية مضادة. وكان حسّه القيادي يتمحور حول قدرته على بناء العلاقات... لقد كان يعزز التواصل بين الناس}.

مع ذلك، اعترف غانز بأنه كان يتمنى أن ينجح الفيلم في تجديد الاهتمام العام بشخص تشافيز، وأن يدفع الناس إلى قراءة كتاب باول ومجموعة الدراسات المتزايدة عن حركة عمّال المزارع. تشمل تلك الدراسات عمل ستيفن بيتي من جامعة يال وماثيو غارسيا من جامعة ولاية أريزونا، علماً أن كتاب هذا الأخير {من بين فكَّي النصر} (From the Jaws of Victory) ركز على تغيّر مسار الحركة بعد الانتصارات العظيمة التي حققتها {نقابة المزارعين المتّحدين}.

قال غارسيا: {هذا الرجل حمل لقب {غاندي الأميركي}، لكنه كان أيضاً رجلاً نقابياً. عالم النقابات قاسٍ وشائك}. خلال الثمانينيات، هزم تشافيز أعداءه و{الشيوعيين}، وقد عزل نفسه في سنواته الأخيرة داخل منزله في جبال تيهاتشابي.

يأمل غارسيا أن يؤدي تجدد الاهتمام بتشافيز إلى تحفيز الطلاب على استكشاف التاريخ اللاتيني واكتشاف القادة الذين يحملون أسماء غير معروفة على نطاق واسع، مثل الناشطَين الراحلَين بيرت كورونا ولويزا مورينو، وقد كان الاثنان رائدَين في حركة حقوق المهاجرين.

لكن يبدو أن فيلم Cesar Chavez يتوجه إلى ترك أثر مهم، لا سيما بين الأشخاص الذين يتوقون إلى إيجاد قدوة شجاعة. بالنسبة إلى طلاب كثيرين، لطالما كان تشافيز مجرد اسم موجود على لافتات الشوارع أو فصل في الكتب المدرسية. لكنّ الفيلم يقدم لهم شخصاً من لحم ودم.

خلال أحد العروض في مدارس روبرت كينيدي في وسط لوس أنجلس، عمد مئات الطلاب إلى التصفيق بشكل إيقاعي وموحد في نهاية الفيلم.

قال الطالب جاي وونغ لي خلال نقاش بعد العرض: {لا داعي لنحقق إنجازات عظيمة كي نصبح قادة حقيقيين. بل يجب أن نخصص وقتاً سخياً لخدمة قضية معينة وهذا ما يجعلنا مساهمين في بناء المجتمع}.

back to top