مهما اختلفنا نتفق على أنه خطوة إلى الأمام

نشر في 14-12-2013
آخر تحديث 14-12-2013 | 00:01
 عبداللطيف المناوي عندما يقف اليوم الرئيس المصري المؤقت عدلي منصور ليدعو المصريين إلى الاستفتاء على الدستور، الذي انتهت من إعداده لجنة الخمسين، فإنه بدعوته هذه يتخطى حدود الإجراء التشريعي الطبيعي إلى منطقة الاحتفال والإصرار، الاحتفال بإنجاز الخطوة الأولى المهمة التي التزم المصريون بها من خارطة الطريق، وهو أمر يعني أنه رغم كل المعوقات التي مازالت حاضرة فإن الإصرار على التقدم إلى الأمام هو الفعل السائد القادر حتى الآن على حسم المعركة الدائرة مع "الإخوان المسلمين" وأتباعهم، سوف يلتف أعضاء الخمسين، الذين كتبوا مسودة الدستور، ومعهم آخرون يمثلون الطيف السياسي والاجتماعي المصري، وحولهم ملايين المصريين الذين يعتقدون أنه رغم كل الاختلافات حول مواد الدستور فإن ما يجمعهم هو الاقتناع بأن هذه الوثيقة، بما لها أو عليها، هي الطريق نحو الخروج من الحالة الراهنة.

مشروع الدستور الحالي بلغ عدد مواده 247 مادة، منها 42 مستحدثة، و18 في باب الحقوق والحريات، و45 تتحدث عن العمال والفلاحين، كما ألغى المشروع الجديد مجلس الشورى ليكون مجلس النواب هو سلطة التشريع وإقرار السياسة العامة للدولة، ويمارس سلطته الرقابية على أعمال السلطة التنفيذية، وتم حظر قيام أحزاب على أساس ديني، وهو ما لم يكن قائماً في دستور 2012، كما أصبحت أحكام المحكمة الدستورية العليا هي المرجعية في تفسير مبادئ الشريعة.

هناك العديد من الملاحظات التي يمكن أن تساق في إطار تقييم هذا المشروع، لعل من بينها تلك الديباجة المطولة التي تعاملت مع التاريخ المصري برؤية انتقائية، فتوقفت أمام محطات وتجاوزت أخرى، وقيمت زعماء على مر تاريخ مصر تقييما يمكن أن يختلف عليه العديد من المصريين، كذلك فإن ملاحظات مهمة حول الصياغة العامة لمواد الدستور هي من بين ما توقف عنده العديد من المهتمين والمتخصصين.

يشار أيضاً إلى ذلك التفصيل المبالغ فيه في إضافة مواد بعينها، يبدو بعضها مسلمات غير مطروحة لا للتشكيك ولا للتأكيد، مثل مادة وحدة الأراضي المصرية مثلاً، ومن بين المواد التي أثارت جدلاً تلك الخاصة بتعيين واختيار وزير الدفاع من خلال المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وهو نص يشكل مرحلة انتقالية مدة دورتين برلمانيتين، أي مدة ثماني سنوات، ومن ينتقد يرى فيها تمييزاً للمؤسسة العسكرية، ومن يؤيدون المادة، وهم كثر، يعتقدون أنه ثبت يقيناً أن الجيش هو المؤسسة الوحيدة التي صمدت أمام الهجمة التي تعرضت لها مصر، وثبت أن المصريين لم يعودوا يثقون بمؤسسة أخرى في هذه المرحلة غير المؤسسة العسكرية باعتبارها درعاً للحفاظ على الإرادة الشعبية لو حاد حاكم أو جماعة عن هذه الإرادة، وهي كما ذكرت مادة انتقالية.

المادة الأخرى الخاصة بمحاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية أتت لتحاصر الحالات التي يجوز فيها تلك المحاكمات في حال الاعتداء على المؤسسات العسكرية أو العسكريين أثناء تأدية مهمتهم، الدستور الجديد ولأول مرة يهتم بالمناطق النائية التي كانت مهملة في السابق، مثل سيناء والصعيد، وهي مناطق مهمة لمصر اقتصادياً وسياسياً وأمنياً، ويسمح باندماج هذه المناطق في بناء الدول الجديدة، في إطار من الديمقراطية وتبادل السلطة.

الدستور به أيضاً مواد جديدة تنص على زيادة مخصصات التعليم والعلاج والبحث العلمي، وكذا المواد التي أقرت الحق في إصدار الصحف وتشكيل النقابات والاتحادات وإنشاء الجمعيات عن طريق الإخطار، وتلك الخاصة بمنع الحبس في قضايا الرأي والتعبير عن وجهات النظر بالطرق السلمية، وبه دعم لكل حقوق الإنسان تحت مظلة مبادئ المواطنة المتساوية التي جرمت التمييز بسبب الجنس أو اللون أو الدين أو الأصل أو الإعاقة أو الانتماء السياسي.

سيظل الجدل قائماً لكن الأغلبية المطلقة تعلم أن هذا الدستور هو خطوة مهمة إلى الأمام، وركيزة أساسية نحو استقرار الدولة، لذا فإن الاتجاه العام هو القبول بأغلبية كبيرة على التقدم إلى الأمام.

back to top