قرار أميركي يتطلب موقفاً عربياً جديداً

نشر في 12-10-2013
آخر تحديث 12-10-2013 | 00:01
 عبداللطيف المناوي في العاصمة البريطانية، وفي عشاء محدود، سألت السياسي المخضرم -لست في حل من ذكر اسمه- كيف تدير مصر علاقاتها مع أميركا؟ أجابني وهو القريب من الدائرة الصغيرة لصناعة القرار هناك: "استمروا في خارطة الطريق التي أعلنت مؤخراً، ولا تلتفتوا إلى أي إجراء. ليس هناك أحد ضد مصر في أميركا". بعدها بيومين صدر قرار الولايات المتحدة الأميركية بتعليق المعونة العسكرية جزئياً عن مصر.

وعلق وزير الخارجية الأميركي جون كيري بقوله: "هذا ليس بأي حال انسحاباً من علاقتنا أو إنهاء لالتزامنا الجاد بمساعدة الحكومة". ومثل هذا التعليق يؤدي إلى ردود فعل غاضبة لدى المصريين ومتجاوزة في أغلب الأحيان، ولكن جميعها يصب في المعنى الذي حملته بعض الصحف في عناوينها تعليقاً على القرار الأميركي "فلتذهب المعونة الأميركية إلى الجحيم"، وهذا هو أكثر التعبيرات تهذيباً في هذه الأجواء الغاضبة المسيطرة على نفوس المصريين من الموقف الأميركي الصادم للإرادة الشعبية التي تجلت عدة مرات منذ ثورة الثلاثين من يونيو. قد يبدو كلام السياسي الأميركي على العشاء صحيحاً في نصيحته بالاستمرار والمضي قدماً دون التفات، ولكني أظنه كان مجاملاً أو غير مدرك عندما أكد أنه ليس هناك أحد ضد مصر، فالأكيد أن هناك مجموعة مؤثرة قد يكون على رأسها أوباما شخصياً الذي بشر منذ فترة عقب سقوط حليفهم السابق مرسي أن العلاقات المصرية الأميركية لن تعود إلى طبيعتها مرة أخرى.

لقد أدارت أميركا ظهرها للمصريين، كما قال الفريق عبدالفتاح السيسي. لم يستطع المصريون فهم موقف الإدارة الأميركية المصر على الإبقاء على دور جماعة الإخوان في النظام السياسي المصري رغم ما تعرضت له مصر والشعب المصري من عنف وإرهاب على يد الجماعة الذي بلغ حد إحراق مصر من خلال الاعتصامات المسلحة، وتدمير المؤسسات والمنشآت الرسمية والمدنية، وحرق الكنائس، وتدمير المستشفيات، والجامعات، والمتاحف، وخلق حالة من الإرهاب المنظم الذي يستهدف إنهاك الدولة ثم إسقاطها، كما قال أحد قيادات الإسلاميين نصاً. بدا أمام المصريين أن أميركا تدير حرباً ضد مصر تحت المسمى الفضفاض للديمقراطية، واتبعت لتحقيق ذلك محورين أساسيين، أولهما تعليق المساعدات العسكرية عن مصر جزئياً، والثاني من خلال دعم جماعات الإرهاب والتطرف والعنف المسلح في الاستمرار في استنزاف الاقتصاد المصري ومواجهة الجيش والشرطة في الشوارع، وتدمير الموارد الاقتصادية الأساسية للدولة المصرية.

لم تستطع الإدارة الأميركية أو متخذ هذا القرار أن يدرك طبيعة وأهمية هذه العلاقة بين البلدين التي بدأت منذ القرن التاسع عشر وقت توقيع المعاهدة الأميركية – التركية التجارية في 7 مايو 1830. وبعدها بدأت العلاقات رسمياً بفتح قنصلية للولايات المتحدة في عام 1832. أما العلاقات العسكرية بين مصر والولايات المتحدة الأميركية فقد بدأت منذ عام 1976، وما لبثت هذه العلاقات أن تطورت حتى أصبحت مصر تحتل المركز الثاني في قائمة الدول التي تتلقى معونات عسكرية أميركية بعد التوصل إلى اتفاق بين البلدين يتم بمقتضاه تنفيذ خطة تطوير القوات المسلحة المصرية، والذي أصبحت مصر بموجبه من بين الدول التي تستطيع الحصول على قروض أميركية لشراء سلاح أميركي، وهي القروض المعروفة باسم قروض المبيعات العسكرية الأجنبية. وتقدم الولايات المتحدة مساعدات سنوية لمصر قدرها نحو 1.55 مليار دولار، من بينها 1.3 مليار دولار للجيش، وذلك قبل صدور قرارها المستفز الأخير.

هل ستستسلم مصر لهذا القرار؟ هل ستحاول استرضاء أوباما ومن حوله؟ أظن أن الإجابة حاسمة في هذه المرحلة، فمصر لم تعد كما اعتاد عليها الأميركيون سنوات طويلة. الرغبة في التحدي والقدرة عليه باتتا في أوجهما، لذلك كان رد الفعل الرسمي الحاد الذي وصف القرار الأميركي بأنه غير صائب من حيث المضمون والتوقيت، وأشار بوضوح إلى أن مصر سوف تعمل على ضمان تأمين "احتياجاتها الحيوية" بشكل متواصل ومنتظم، خاصة فيما يتعلق بأمنها القومي. وهو ما اعتبره مراقبون إشارة واضحة إلى إمكانية اللجوء إلى توفير الاحتياجات والسلاح من مصادر بديلة للولايات المتحدة الأميركية. وفي نفس السياق أعلن مصدر عسكري مسؤول أنه في حال قطع المعونة العسكرية الأميركية بشكل نهائي فإن القوات المسلحة ستفتح تعاملاتها مع جميع دول العالم، وخاصة القوى الكبرى فيما يتعلق بالتسلح وقطع الغيار والتصنيع.

رب ضارة نافعة، فمثل هذا القرار يجعل مصر تعيد النظر والتقييم في فكرة الاعتماد على قوة دولية واحدة، وأن تكون مستعده للتخلي عن المساعدات الأميركية، ومن ثم سيكون عليها أن تعدد اختياراتها ومصادرها وبشكل خاص في السلاح، وهنا تبرز قوى مثل الصين وروسيا والهند.

النقطة المهمة الأخرى، أن أحداث ما بعد 3 يوليو، وما تعرضت له مصر من تراجع تعاون قوى دولية مثل الولايات المتحدة والغرب، معها، أثبتا أن بعض الدول العربية ستظل الظهير الحقيقي لمصر، وهذا هو الوقت المثالي لاتخاذ خطوات جادة نحو إعادة بناء وهيكلة العلاقات المصرية العربية، ودعم وتماسك الموقف العربي إقليمياً ودولياً، والبدء بوضع أسس لمحور عربي مهم يبدأ بالكويت والسعودية والإمارات.

back to top