«اللي حضّر العفريت يصرفه»

نشر في 14-09-2013
آخر تحديث 14-09-2013 | 00:01
 عبداللطيف المناوي عنوان المقال هو مثل مصري معروف، يعلق جرس المسؤولية في رقبة المسؤول عن الفعل، هذا المثل هو من أكثر الأمثال التي تحضرني خلال الفترة الأخيرة، وهو يحضرني كلما بدأ الحديث عن "الإسلام السياسي" أو خلط الدين بالسياسة، والمشكلة الحقيقية هنا، هو ذلك الفشل المتكرر لكل من حضر العفريت، ولم يعرف كيف يصرفه، والنماذج هنا كثيرة، لكن يظل أكثرها حضوراً هو نموذج الرئيس الأسبق أنور السادات والنموذج الأميركي.

الرئيس المصري الأسبق أراد أن يواجه منافسيه السياسيين في ذلك الوقت من اليساريين والناصريين، فاستحضر قوى الإسلام السياسي، المتمثلة وقتها في جماعة "الإخوان المسلمين"، التي كانت قياداتها وقتها بين هاربة ومسجونة، فأخرجهم وأعادهم ليستخدمهم، أو هكذا تصور، في مواجهته السياسية، ولم يقف به الأمر عند هذا الحد بل خلق "الجماعة الإسلامية" في الجامعات لنفس الهدف، وهو مواجهة نفوذ وسيطرة اليسار والناصريين على الجامعة، فخرجت "الجماعة الإسلامية" مدعومة بأمن النظام وحمايته ودعمه السياسي. لم يدرك السادات وقتها خطورة إخراج العفريت من القمقم، أو لعله أدرك ذلك في لحظاته الأخيرة، وهو يعاني آلام الرصاص الذي أطلقه عليه أبناء العفريت، الذي استحضره بنفسه ولم يعرف كيف يصرفه.

النموذج الثاني هنا هو الإدارة الأميركية التي تشارك في تحمل مسؤولية الدماء التي تسيل كل يوم، بسبب عدم الإدراك المستمر لخطورة اللعب بالدين في السياسة، ظنوا -أي الأميركان- أنهم بعيدون عن ساحة الفعل التي يمكن فيها لهذا العفريت الذي استحضروه أن يؤثر فيهم، وظلوا في هذا الوهم إلى أن استيقظوا منه منذ اثنتي عشرة سنة ويومين، أي يوم الحادي عشر من سبتمبر الذي مازلنا نعيش ذكراه.   

القاعدة أو تنظيم القاعدة أو قاعدة الجهاد... هي منظمة وحركة متعددة الجنسيات، تأسست في الفترة بين أغسطس 1988 وأواخر 1989 وأوائل 1990، تدعو إلى الجهاد كما تعتقده. في البداية، كان الهدف من تأسيس القاعدة، الذي أسهمت فيه أميركا ذاتها، محاربة الشيوعيين في الحرب السوفياتية في أفغانستان.

دعم الولايات المتحدة وحلفائها كان واضحاً، كانت تنظر إلى الصراع الدائر في أفغانستان بين الشيوعيين والأفغان المتحالفين مع القوات السوفياتية من جهة والأفغان المجاهدين من جهة أخرى، على أنه يمثل حالة صارخة من التوسع والعدوان السوفياتي، أو هكذا سوقت الموقف أمام العالم، خاصة حلفاءها الذين تولوا عنها عملية التمويل والتجنيد، موّلت الولايات المتحدة عن طريق المخابرات الباكستانية المجاهدين الأفغان الذين كانوا يقاتلون الاحتلال السوفياتي في برنامج لوكالة المخابرات المركزية سمي بـ"عملية الإعصار".

في الوقت نفسه، تزايدت أعداد العرب المجاهدين المنضمين إلى القاعدة (الذين أطلق عليهم "الأفغان العرب") للجهاد - كما يعتقدون- ضد النظام الماركسي الأفغاني، بمساعدة من المنظمات الإسلامية الدولية، خاصة مكتب خدمات المجاهدين العرب، الذي أمدهم بأموال تقارب 600 مليون دولار في العام الواحد، تبرعت بها حكومات ومؤسسات وأشخاص اعتقدوا وقتها أنهم ينصرون الإسلام، ولم يدركوا أنهم لم يكونوا سوى ممولين لصنيعة أميركية، سيدفعون هم ثمن مشاركتهم في صنعها يوماً ما، والمشكلة أن بعضهم مازال غير مدرك لذلك.

ودفعت أميركا نفسها ثمن إخراج العفريت من قمقمه عدة مرات، لكن يظل ما حدث في الحادي عشر من سبتمبر هو الثمن الأعلى، وإن كانت الإدارات الأميركية المتعاقبة تتحمل، كما قلت، المسؤولية عن دماء مواطنيها على يد صنيعتهم، ولن يخفف من ذلك ما ادعوه من حرب على الإرهاب راح ضحيتها مئات الآلاف، يشاركون في تحمل مسؤولية دمائهم، ولن يخفف عنهم أيضاً قتلهم لصنيعتهم أسامة بن لادن الذي سيظل حاضراً في أذهان صانعيه حتى بعد أن ألقوا بجثته في قاع المحيط.

ليست ذكرى سبتمبر فقط هي التي تدفعني اليوم إلى هذا الحديث، ولكنه العناد والإصرار على تكرار الخطأ، عندما أرى اليوم ذلك الإصرار الأميركي على دعم تجربة الإسلام السياسي وتمكينه من الحكم، أصاب بالدهشة، ها هم يكررون الخطأ مرة أخرى، ويعتقدون هذه المرة أن شغل جماعات الإسلام السياسي والجماعات الجهادية، سوف يصرف عنهم خطورة هذه الجماعات، ولذلك عملوا لسنوات من أجل تنفيذ هذا المشروع، ويمكننا أيضاً أن نلمس ذلك الإصرار على الجهل، منهم أو منا، بأن مخططهم هذا يجنبهم المخاطر.

أذكر أنه طوال الأعوام الثلاثة الأخيرة تقريباً في حديثي إلى سياسيين وإعلاميين غربيين حول الدعم الغربي لجماعات الإسلام السياسي، أحذرهم من أنهم سوف يشهدون حادي عشر من سبتمبر آخر، وأن محطات مترو الأنفاق البريطانية ستشهد مثل ما حدث في السابع من يوليو عام ألفين وخمسة، وأن ما شهدته عواصم ومدن أوروبية من أحداث إرهابية مرشح للتكرار، مادامت هذه الجماعات تشهد دعماً وغض طرف من قبل هذه الدول، اعتقدت هذه الدول وعلى رأسها أميركا أن هذه الجماعات مادامت بعيدة عنها ومحصورة في بلادها بأنها في أمان منها، وهي هنا لا تدرك أنها إنما تعطي سماء آمنة تتمكن هذه الجماعات من خلالها، أن تجتمع لتنظم نفسها وستكون هذه الدول من بين الأهداف. الخطأ الكبير أنها لا تدرك أن العفريت عندما يخرج من القمقم فإن إعادته إليه ليست سهلة، وأن العفريت لا يعترف بالحدود والمسافات.

back to top