بنت بحري زينات صدقي (30) : إني راحلة

نشر في 08-08-2013 | 00:02
آخر تحديث 08-08-2013 | 00:02
بانتصاف الستينيات لم تصل زينات صدقي إلى سن الكهولة، ولم تمرض ولم يفتر أداؤها كممثلة، وعلى الرغم من ذلك كله قل الطلب عليها. المنتجون توقفوا عن التهافت عليها، وكان يمر عام أو عامان ولا يتذكرونها، ما جعل لديها متسعاً كبيراً من الوقت للجلوس إلى عائلتها الكبيرة: شقيقاتها وأبناء شقيقاتها، أو عائلتها الصغيرة، الحفيدة عزة، التي أصبح لها شقيق هو طارق ووالدتهما نادرة ووالدهما محمد مصطفى.
سمع بمأساة زينات المادية الناقد والكاتب جليل البنداري، فكتب عنها مقالاً مطولاً نشره في جريدة «أخبار اليوم»:

«لم أصدق أن فنانة عظيمة من تلميذات الريحاني يحدث لها هذا، وأن أخف الممثلات دما تضطر إلى أن تبيع أثاث بيتها قطعة قطعة لأجل أن تسدد الضرائب وأن تأكل، لأنها تجلس بلا عمل، ويمنعها كبرياؤها أن تطلب المساعدة من أحد، وفي الوقت نفسه، من دون أن يشعر بها أحد من الدولة»!

تصادف أن وقعت عين الرئيس جمال عبد الناصر على ما كتبه جليل البنداري، فرفع سماعة الهاتف فوراً واتصل بوزير الإرشاد ثروت عكاشة:

= صباح الخير يا ثروت.

* صباح الخير يا فندم.

= قريت اللي كاتبه جليل البنداري النهاردة عن زينات صدقي؟

* أيوا يا فندم قريت.

= وهتعمل إيه؟

* هنتصرف يا ريس... دي فنانة عظيمة وقدمت فن عريق على مدار تاريخها، ولازم الدولة تقف جنبها.

= اتصرف يا ثروت... ما ينفعش فنانة عظيمة زي دي تتبهدل كدا.  

قرر الرئيس عبد الناصر أن يكرم نخبة من الفنانين في عيد العلم، وجاءت على أول قائمة المكرمين ذلك العام الفنانة زينات صدقي، التي منحتها الدولة شهادة جدارة عن مجمل أعمالها ومبلغ ألف جنيه.

لم يكن تذكر الرئيس جمال عبد الناصر لزينات صدقي مجرد تكريم لفنانة لها تاريخ، بل الأهم هو إشارة للمنتجين والمخرجين لتذكيرهم بهذه الفنانة العظيمة، فما إن تم تكريم زينات في عيد العلم في 21 ديسمبر 1966، حتى بدأت تصوير فيلم جديد لها في 26 ديسمبر من العام نفسه.

أصبحت عائلة زينات همها الأول في الحياة، خصوصاً عزة وطارق، واجتهدت ألا تحرمهما من شيء وتوفر لهما كل سبل السعادة والحياة الكريمة، فلم تكن زينات من هواة اكتناز المال أو شراء الأراضي والعقارات، بل تأخذ بمبدأ «اصرف ما في الجيب... يأتيك ما في الغيب». غير أن الغيب كان يخبئ لها ما لا يرضيها أو يسعدها، فبعد سنوات عملها بالفن تذكرت مصلحة الضرائب فجأة أن هناك فنانة اسمها زينات صدقي، وراحت تحاسبها على كل سنوات عملها في الفن. تذكرت مصلحة الضرائب ذلك في الوقت الذي اختفى فيه الطلب على زينات، وأصبحت تقدم فيلماً كل عام أو عامين، وأصبح دخلها يكفي بالكاد نفقاتها الشخصية ونفقات أسرتها، فلم تمتنع ولم تتهرب، كذلك لم تلجأ إلى بعض أصدقائها من رجال الحكم في الدولة، بل فضلت أن تبيع أثاث بيتها لتسدد ما عليها من ضرائب، على أن تستجدي أحداً.

باعت زينات أثاث بيتها الثمين الذي اقتنته بحب وعشق من المزادات والمحلات الكبرى. حتى إنها كانت تعتز جداً بـ{بيانو» لديها، وهو تحفة فنية اقتنتها من أحد المزادات بمبلغ 20 ألف جنيه في منتصف الخمسينيات، اضطرت إلى أن تبيعه مع بقية الأثاث الذي تعد كل قطعة فيه بمثابة تحفة فنية مكانها القصور الفخمة، واشترت بدلاً منه أثاثاً متواضعاً:

= طب كنت كلمتي أي حد... ما أنت معارفك في الدولة كتير. وكلهم يتمنو تطلبي منهم أي خدمة.

* هاجي على آخر الزمن وأتسول.

= تقومي تبيعي عفش بيتك كله اللي كل حتة فيه تحفة نادرة.

* أحسن ما يقولوا زينات بتتهرب من دفع الضرايب.

لم يكن تراكم الديون وبيع أثاث بيتها وسداد الضرائب هو نهاية المطاف لما ترمي به الأقدار زينات صدقي، بل إنها وجدت نفسها أيضاً فجأة خارج فرق مسرح التلفزيون، ومن دون أسباب معلومة فشعرت أن الآخرين بدأوا يتجاهلونها وأن كثيراً من القيمين على الفرق المسرحية في هذه الفترة لم يتحمسوا كثيراً لوجودها على المسرح فآثرت أن تبتعد ولا تفرض نفسها على أحد واكتفت بما قدمته على خشبة المسرح طوال 30 عاماً منذ انضمامها إلى فرقة الريحاني في بدايات الثلاثينيات، ما جعل ظروفها المادية تتدهور بسرعة. فكان لمنقذ هذه المرة الرئيس جمال عبد الناصر، الذي كرمها، إلى جانب عدد من الفنانين، على مجمل أعمالها وقدم لها من الدولة مبلغاً أعانها في محنتها.

بعد التكريم، شاركت زينات في فيلم «رجل وامرأتان» قصة وسيناريو فاروق سعيد وحواره، وإخراج نجدي حافظ، بطولة يحيى شاهين وهند رستم والحريري وسميحة أيوب والدقن.

بمجرد عودة زينات إلى البلاتوهات والإستوديوهات، شعرت بأن روحها ردت إليها، وأنها لا تزال قادرة على العطاء سنوات عدة مقبلة، خصوصاً أنها أتمت خلال هذا العام عامها الثالث والخمسين... فقط.

في التاسع من يناير عام 1967، استدعاها العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ مرة أخرى لتشارك معه في فيلمه الجديد «معبودة الجماهير» المأخوذ عن قصة يوسف جوهر، سيناريو حلمي حليم، حوار محمد أبو يوسف، إخراج حلمي رفلة، وشارك في بطولته شادية، يوسف شعبان، محمد رضا، شفيق نور الدين، فؤاد المهندس، وجورج سيدهم.

كعادتها كانت زينات تصل قبل جميع العاملين في الفيلم، تجلس في حجرتها تراجع دورها، تستعد بالتبرج، ثم تنتظر أن يستدعيها المخرج للتصوير، وفي وقت الغداء، لا تتناول طعام الإنتاج الذي يحضرونه لجميع العاملين في الفيلم، بل تنتظر ابنة شقيقتها نادرة تأتيها بالغداء في موعده. جلست لتناول طعامها، فيما مر عبد الحليم حافظ من أمام حجرتها:

* اتفضل يا أستاذ تعالَ... دا أنت حماتك مش بس هتحبك. حتما ولا بد تموت فيك.

= بشرط تكون زيك كدا يا ست زينات.

* أقعد. نادرة لسه جايبه الغدا أهو سخن. ناكل سواء علشان يبقى عيش وملح.

= يا ريت يا ست زينات... أنا نفسي.

* اسم الله يا حبيبي. ما الأكل قدامك أهو ما تخليش في نفسك حاجة.

= مش قصدي... بس أنا ما قدرش أكل أي حاجة.

 * لا متخافش... ما أنا زيك ما بكلش غير المسلوق.

= مش قصدي. أنا كل حاجة عندي بمواعيد وأنا شايل غدايا في جيبي... أهو... هو دا غدايا وعشايا.

أخرج عبد الحليم حافظ من جيبه علبة صغيرة فتحها أمامها فيها عدة أصناف من الأقراص العلاجية، عرضها لزينات ثم أغلق العلبة وانصرف:

= كلي أنت بالهنا والشفا.

* لمي الأكل دا يا نادرة وروحي.

- إيه دا.. أنت ما كلتيش.

* طب بذمتك حد يجيله نفس ياكل بعد اللي قاله حليم.

قبل أن تهنأ زينات بعودتها إلى الحياة الفنية، وبينما راحت تستعد لأدوار أخرى تم إخبارها بها، فجأة هاجم العدو الإسرائيلي سيناء في 5 يونيو 1967، وانهار كل شيء، وانكسرت الأحلام والآمال على صخرة العدوان، وأصيبت الحياة الفنية بالشلل التام، كبقية أشكال الحياة، وسارع عدد من الفنانين للانضمام إلى المجهود الحربي لجمع التبرعات، وكانت زينات أول من تقدم للقيام بذلك، بل وحرصت على التبرع بالدم على رغم نصيحة الأطباء لها بعدم التبرع لضعف قوتها، غير أنها كانت تصر على ذلك.

وجد كثير من الفنانين أن الحياة الفنية لن تستقيم في ظل أجواء الحرب، فاتجه بعضهم إلى لبنان للعمل وتصوير أعماله هناك، والبعض الآخر اتجه إلى تركيا. غير أن زينات رفضت تماماً مغادرة القاهرة حتى إلى محافظة أخرى، وظلت إلى جوار أسرتها لا يغيب أحد عن عينيها لحظة واحدة، خصوصاً عزة وطارق، لدرجة أنها كانت تمضي معهما عدة أيام لا يفارقاها إلا فترة وجودهما في المدرسة.

نهاية مرحلة

مع مطلع عام 1968، بدأت عجلة الإنتاج تدور مجدداً فطلبها المخرج حسن الصيفي للعمل معه في فيلم «أشجع رجل في العالم» الذي كتبه أنور عبد الله، ليكون البطولة الثانية للفنان أمين الهنيدي، بعدما قدم في عام 1967 أول بطولة له في السينما بعنوان «شنطة حمزة».

شارك معهما في «أشجع رجل في العالم» كل من شويكار وتوفيق الدقن وعبد المنعم مدبولي وزهرة العلا، ومذيعة التلفزيون أماني ناشد، لتقوم بدورها الحقيقي في الفيلم، غير أنها دخلت المسرح في ذلك اليوم وعيناها متورمتان من البكاء، فجرت إليها زينات صدقي:

* أماني... مالك شكلك زي ما تكوني معيطة. خير كفى الله الشر.

= عرفت خبر وحش أوي دلوقت وأنا جاية.

* خير يا بنتي... إيه اللي حصل.

= عرفت أن الفنان الكبير عبد السلام النابلسي مات النهاردة في بيروت.

سمعت زينات الخبر وانفجرت في البكاء ولم تقو على الوقوف، واضطروا إلى حملها إلى منزلها، لتبقى عدة أيام حزينة لا تغادر منزلها، حزناً على صديق العمر عبد السلام النابلسي الذي كان قد غادر مصر مع مطلع الستينيات ليستقر في بيروت.

استكملت زينات فيلم «أشجع رجل في العالم» وبعده شاركت في فيلم «السيرك» عن قصة صلاح حافظ، سيناريو فاروق سعيد وحواره، وإخراج عاطف سالم، وبطولة كل من حسن يوسف ونبيلة عبيد والشقيقتين سميرة وخيرية أحمد وأحمد لوكسر.

بعد فيلم السراب ظلت زينات في بيتها عامين كاملين لا يطلبها أحد، ولا يعرض عليها أي أعمال، لكن المخرج أنور الشناوي تذكرها عندما بدأ مطلع عام 1970 في التحضير لإخراج أول فيلم له بعد سنوات طويلة من العمل كمساعد، وطلب منها أن تشارك في فيلم «السراب» المأخوذ عن قصة الأديب نجيب محفوظ، سيناريو علي الزرقاني وحواره، وبطولة كل من نور الشريف وماجدة الخطيب ورشدي أباظة وعقيلة راتب وعباس فارس.

بعد تصوير الفيلم عادت زينات لتجلس في بيتها، ولم يجبرها على الخروج إلى الشارع باكية منهارة يوم 28 سبتمبر 1970، إلا تشييع الزعيم جمال عبد الناصر إلى مثواه الأخيرة، بعدما سقط فجأة في نهاية مؤتمر القمة العربي المقام في القاهرة، وعقب وداعه للملوك والأمراء والرؤساء العرب.

برحيل الزعيم جمال عبد الناصر شعرت زينات بأن عصراً بأكمله يطوي صفحاته، ويُغلق على من فيه، وإنها لم تعد في زمانها. لم يكن هذا إحساسها بمفردها، بل هو إحساس معظم نجوم جيلها، وفي مقدمهم زعيم الكوميديا في عصره إسماعيل ياسين، الذي تراجع بشكل مرعب هو الآخر، وتنكر له الجميع، وظل المنحى في تراجع حتى لقي ربه في الرابع والعشرين من مايو 1972، لتسقط زينات معه فعلياً، وتدرك برحيل عبد السلام النابلسي وعبد الفتاح القصري ثم إسماعيل ياسين أنها النهاية. غير أن أقصى ما أصبحت تتمناه أن تأتي النهاية وهي مرفوعة الهامة غير مكسورة، لما شهدته من انكسار هذه الهامات والقامات الكبيرة، ما جعلها ترفض كثيراً من العروض للعمل في أفلام لمجرد أن تظهر على الشاشة، فرفضت أن يكون وجودها فقط بدافع الشفقة، فابتعدت عن الحياة الفنية، العامة والخاصة، واكتفت بعائلتها الصغيرة، ومشاهدة ما يعرض لها من أفلام قديمة على شاشة التلفزيون، وفجأة طرق بابها مخرج إذاعي شاب:

* وأنت إيه اللي فكرك بيا يا ابني.

= إزاي يا ست زينات. حضرتك اسم وتاريخ... ودا شرف ليا إن الست زينات صدقي تشغل معايا.

* أنت قولتلي هو مسلسل إيه؟

= لا يا ست الكل دا مش مسلسل. دا أوبريت إذاعي من ألحان الموسيقار زكريا أحمد.

وقعت معه العقد وانصرف على وعد بإخبارها بموعد التسجيل... حفظت زينات دورها وتدربت عليه جيداً، وراحت تنتظر يوماً بعد آخر... حتى مر أسبوعان عندما فوجئت بالأوبريت يذاع في الإذاعة، فما كان منها إلا أن كلفت المحامي الخاص بها برفع دعوى قضائية على هذا المخرج الشاب تطالبه برد اعتبار وقيمة العقد وتعويض عما أصابها من ضرر. غير أنها في اللحظات الأخيرة طلبت من المحامي التنازل عن القضية المضمونة تماماً، حرصاً على مستقبل هذا المخرج الشاب، وكتمت أحزانها في قلبها لضياع قيمة الفن بهذا الشكل.

فرحة وسط الأحزان

لم يخرج زينات من وحدتها وأحزانها إلا عبور القوات المسلحة المصرية قناة السويس وتحطيم خط بارليف، وتحقيق النصر قي أكتوبر 1973.

ظلت بعيدة عن الأضواء والكاميرات أكثر من خمس سنوات، عندما تذكرها المخرج نيازي مصطفي في عام 1975 لتشارك بدور صغير (أم إبراهيم الخادمة) في فيلم «بنت اسمها محمود» قصة وسيناريو بهجت قمر وحواره، أمام سهير رمزي وسمير صبري ومحمد رضا وسمير غانم وهالة فاخر وسهير الباروني وسلامة إلياس.

عرض الفيلم وشاهده الرئيس محمد أنور السادات بالصدفة، فيما كانت أمامه إلا ورقة بأسماء الفنانين الذين سيتم تكريمهم في عيد الفن الأول، فهاتف الدكتور رشاد رشدي، مدير أكاديمية الفنون:

= يا دكتور رشاد. أنا قدامي الكشف بتاع الفنانين اللي هيتكرموا في عيد الفن الشهر اللي جاي.

- أيوا يا فندم... والأسماء كلها عليها إجماع.

= إجماع من مين... وإزاي فنانة كبيرة زي زينات صدقي اسمها مش موجود.

- زينات صدقي!

= أيوا يا دكتور زينات صدقي. دي فنانة كبيرة ولسه عايشة بينا ولازم تتكرم بالشكل اللائق... اسمها يتحط جنب اسم تحية كاريوكا ونجوى سالم.

لم تصدق زينات نفسها والدكتور رشاد رشدي يبلغها بنفسه، كأنما أعاد إليها روحها التي فقدتها منذ سنوات، وراحت تستعد كأنها عروس تستعد ليوم زفافها. ظلت لمدة أسبوعين تقوم بتجارب على اللقاء، وكل يوم ترتدي فستاناً من خزانة ملابسها، لترى فيه نفسها وكيف ستبدو، وفي الليلة السابقة على التكريم، لم يغمض لها جفن، حتى إنها اضطرت إلى تناول قرص منوم لتنام.  

لم تصدق زينات نفسها وهي تقف على خشبة المسرح وجمهور الحضور يصفق لها بشكل مبالغ فيه، بمن فيهم رئيس الجمهورية نفسه، حتى اقتربت منه وصافحته وهو يناولها شهادة التقدير:

= مبروك يا ست زينات... أنت تستحقي تكريم عالمي.

* يبارك لي في عمرك يا ريسنا يا رافع رايتنا.

= أنت مش عايزة حاجة... أؤمري.

* اللي كان في نفسي حصل خلاص لما قابلتك يا ريس.

= عموما أنا قررت لك معاش استثنائي... وأي حاجة تانية.

بعد تكريم السادات لها عاشت زينات أياماً من السعادة لم تذق طعمها منذ سنوات طويلة، غير أن سعادتها لم تدم طويلاً، عندما دخلت عليها حفيدتها عزة مصطفى وهي تصرخ وتبكي:

= حليم مات يا نانا... حليم مات.

* إيه... بتقولي إيه؟ أنت بتخرفي.

= والله الإذاعة بتقول إن عبد الحليم حافظ مات في لندن.

* حسرة قلبي عليه... من يومه ابن موت. يا خسارة شبابك يا حبيب قلبي.

ظلت زينات ترتدي الأسود وتقيم الحداد على حليم 40 يوماً، ولم تبعدها عنه سوى حفيدتها عزة عندما ألحت عليها للخروج معها، ولم تكن ترفض لها طلباً، فقررت الذهاب لتناول الشاي معها في حديقة «غروبي» في وسط القاهرة، وهالها ما رأته من التفاف الجماهير حولها في الشارع وداخل المحل وبأعداد غفيرة. حتى إن مدير المحل اضطر إلى طلب شرطة النجدة خوفا من تحطيم الجماهير للمحل.

على رغم صعوبة الموقف فإنها شعرت بسعادة غامرة لتكريم الجماهير لها، وضاعف من سعادتها تكريم من نوع آخر عندما أحضرت لها رئاسة الجمهورية دعوة خاصة من رئيس الجمهورية يدعوها فيها لحضور عقد قران قرينته جيهان على محمود نجل المهندس عثمان أحمد عثمان، لتذهب بصحبة نادرة ابنة شقيقتها:

= نورت الفرح يا ست زينات.

* منور بيك... ومصر كلها منورة بيك يا أبو الأنوار والكرم كله.

= خدي يا ست زينات... دا  الرقم الخاص بتاعي... في أي وقت عايزة أي حاجة كلميني... واعملي حسابك إنك إن شاء الله هتطلعي الحج الموسم اللي جاي.

ذلك كله ما كانت تتمناه من الدنيا، فلم تستطع أن تصف سعادتها عندما أعلن لها السادات عن قرب تحقيق هذه الأمنية، التي على رغم حاجتها الشديدة إليها، فإنها لم تطلبها بسبب عزة نفسها، وهو السبب نفسه الذي جعلها لا تطلب من الرئيس العلاج على نفقة الدولة بعد إصابتها بمرض «المياه على الرئة» لتتدهور حالتها بسرعة رهيبة خلال ثلاثة أشهر فقط، وأصرت على عدم الاتصال بالرئيس:

* مش عايزة الريس يعرف. ولو حد قال له من ورايا... أنا هشرب شريط البرشام دا كله وأخلصكم مني. أنا عارفة أنه خلاص... هي دي النهاية... ما لوش لازمة العلاج... دي نهاية الرحلة. مش عايزة حد يزعل ولا حد يعيط. أنا عشت طول عمري بحاول أضحكم... مش عايزة آجي في الآخر وأبكيكم... سيبوني أرتاح. بس قبل ما تمشوا... أنا ليا أمنية أخيرة. أنا نفسي في الكريز.

كانت هذه آخر أمنية لها... قبل أن تفارق روحها جسدها المنهك في الثاني من مارس 1978، وقبل أشهر قليلة من تحقيق أمنيتها بحج بيت الله الحرام... لتدفن إلى جوار والدتها في المقبرة التي بنتها في حياتها وكتبت عليها: «لا تنسوا قراءة الفاتحة على روح زينب محمد سعد».

النهاية

تكريم الزعيم

back to top