تحليل برلماني: الانتخابات الأخيرة... إدارة «الصوت الواحد» محطة لكويت أخرى!

نشر في 01-08-2013 | 00:05
آخر تحديث 01-08-2013 | 00:05
No Image Caption
الدولة فشلت في إدارة انتخابات الصوت الواحد فاتجهت إلى الخزينة العامة

بعد التجربة الثانية للصوت الواحد هل انتهت الأزمة السياسية بظهور نتائج الانتخابات؟

ها قد طوت الكويت الانتخابات السابعة خلال سبعة أعوام بعد إعلان نتائج عضوية مجلس الأمة فجر يوم 28 يوليو 2013 وفقاً لنظام الصوت الواحد وللمرة الثانية، والذي ولد في أجواء سياسية مشحونة في أكتوبر الماضي.

ولعل الهجوم على مرسوم الصوت الواحد قد تركز على إبداء المواقف الرافضة له من قِبل عدد لا بأس به من القوى السياسية الفاعلة، التي تضاءلت بفعل تكتيك مرتب من قبل تلك القوى أو تساهل منها من خلال تعويم عدد من عناصر تلك القوى في خوض الانتخابات، وهي ظاهرة مرضية يجب علاجها بإقرار قانون الأحزاب أو الجمعيات السياسية لإنهاء ظاهرة "الغش السياسي" في مسألة الانتماء.

منذ أكتوبر الماضي وإلى إعلان نتائج انتخابات المجلس الرابع عشر، وهي فترة اختيار مرسوم الصوت الواحد، حدثت أشياء كثيرة منها تبدل المواقف تجاه نظام التصويت، وتفكك جهات الرفض وضعفها، والملل السياسي لدى قطاعات واسعة من الناس، واستخدام سياسة الإغراق بالمال عبر قنوات عديدة منها الوظيفة الحكومية، وعدم قدرة الحكومة على إدارة مشروع الصوت الواحد كما يجب عبر زج الجهاز الأمني في مواجهة الأزمة السياسية، ولولا صدور حكم إبطال المجلس وتحصين مرسوم الصوت الواحد واقتناع بعض القوى السياسية بضرورة (إرسال مندوب أو اثنين) لخوض الانتخابات لما وصلت نسبة المشاركة إلى 52 في المئة بعد أن كانت في الانتخابات السابقة دون الـ40 في المئة. الشاهد أن المجلس الثاني لمرسوم الصوت الواحد أعاد بعض التوازن لقوى اجتماعية وفئوية انتفخت في تجربة المرسوم الأول، لكنها عادت إلى رشدها في التجربة الثانية.

 السؤال هنا: هل انتهت الأزمة السياسية بظهور نتائج الانتخابات؟

الإجابة بلا كبيرة، فالأزمة مستفحلة وكبيرة، أطرافها الأساسية قوى الردة السياسية وهي الأكثر شراسة وقوة، لأنها تملك المال والأدوات، واستطاعت مراكمة رصيدها من الفساد عبر الأجهزة الحكومية من خلال تنصيب المحازبين أو استغلال وزارات الدولة في المناقصات والمشاريع القضائية. في حين تقف القوى السياسية الموجودة في الساحة اليوم كطرف ثانٍ يحاول بشكل شبه يائس وقف الفساد، لكن مواصفات هذا الطرف التشرذم وعدم رسم برنامج لمكافحة الفساد، واستنفاد القوى في مهاترات جانبية وصراعات لا طائل منها استخدمت فيها الأدوات الدستورية بغباء منقطع النظير كما هو الحال في مسألتي الإيداعات المليونية والتحويلات الخارجية، وهذا هو حالنا في الكويت، فالجرائم والفساد وصوره في تطور دائم بينما التشريع الموجود لا يغطي فنون ذلك الفساد.

ثبت من نتائج الانتخابات الأخيرة أن مسألة الصوت الواحد ربما تكون ثانوية كنظام انتخاب، وإن اعتبارها مسألة حياة أو موت ما هو إلا مغامرة من قبل القوى السياسية التي لم تعرف طريقاً لمواجهة قوى الفساد التي دخلت من خلاله عبر ترك الساحة لشخوصه البارزين للعيان والمختفين وراء الستار، إذ كان من الممكن جداً أن تكون الانتخابات الأخيرة وفق نظام انتخابات مغاير لو لم تصر الكتل السياسية الموجودة في الساحة على مبدأ المقاطعة الذي خسرت الكويت سياسياً من ورائه.

الكويت اليوم ليست في وارد الحديث عن نظام انتخابات أو أداء مجلس الأمة، بل هي في مواجهة أمر أخطر من ذلك بكثير يتلخص في وجود مال وفير وعدم وجود طاقم وزاري قادر على التخطيط وإدارة هذا المال، الذي يأتي بفضل عوامل دولية لا شأن لنا بما. ومثل هذا الوضع يساعد حتماً على نمو البكتيريا والطفيليات السياسية التي تترعرع في الأجواء الرطبة والآسنة.

بالطبع يساعد وضع الأسرة الحاكمة ونظرة المواطنين لشؤونها وصراعات بعض أطرافها الذي يظهر للمواطن العادي في أداء بعض النواب المحسوبين على تلك الأطراف، يساعد ذلك في مد أمد عدم الاستقرار السياسي الداخلي للكويت.

 لقد كشفت نتائج الانتخابات الأخيرة، وفي الاختبار الثاني لنظام الصوت الواحد، أن مسألة الطائفية والقبلية ليست صنواً لذلك النظام إذ إن هذه المسائل باتت جزءاً من المشهد في ظل أي نظام انتخابات، فإن لم تكن هناك عوامل خارجية تغذيه (الملف السوري، الوضع العراقي، المسألة اللبنانية) فإن الاصطفاف المذهبي والطائفي والقبلي ينمو في أجواء الانتخابات لأنه الوقود الأكثر فعالية للوصول لكرسي البرلمان، خاصة أن مسألة البرنامج الانتخابي اختفت تماماً من خطابات المرشحين وحتى الكتل السياسية التي تكتشف في كل مرة أنها كتل انتخابية لا سياسية.

الكويت بلد غني صغير جداً يكاد لا يذكر على الخريطة الدولية، تعداد سكانه ضئيل هو الآخر وهذان عاملان جديران بأن يكون البلد متقدماً عما سواه من البلدان التي لم تعمل على إدارة شؤونها بالقوانين والدساتير والمؤسسات، لكنها الإرادة المفقودة في أن نعيش تحت مظلة القانون والعدالة الاجتماعية.

باب الجحيم ليست كما يريد البعض أن يتخيله في نزوح الربيع العربي إلى الكويت، فهذا تفكير ضحل وسطحي، فلكل بلد ظرفه وقواه وحركته الاجتماعية، وفي الجانب الآخر ليس صحيحاً أن نتكئ على مقولة أن ربيعنا بدأ مع الدستور قبل خمسين عاماً، فإن كان الدستور ربيعنا فهو قد تعطل مرات واختطف ولم يحترم مرات أكثر.

في ظني أن استقرار الكويت يأتي من الداخل لا من عوامل خارجية، وأول عوامل الاستقرار تأتي من تطبيق القوانين على الجميع، ولنا في الأمثلة الصغيرة خير برهان على تقدير الناس العاديين لإقرار هذا المبدأ، كما في جهود اللواء عبد الفتاح العلي في مسألة المرور والإقامات التي تعكس إحدى حالات الفساد في الكويت. فرغم أن الرجل لم يقم إلا بالواجب فإن انعكاس ذلك على مشاعر الناس كان كبيراً بسبب عطشهم للعدل وتطبيق القانون.

back to top