كتاب الغواية

نشر في 17-06-2013
آخر تحديث 17-06-2013 | 00:01
 فوزية شويش السالم "كتاب الغواية" نصوص كتبها الكاتب الروائي عزت القمحاوي، وهو أول مؤلف أقرأه له، وكم أسفت على تأخري في قراءته بسبب تراكم الكتب المكدسة التي تصطف في الانتظار، وهي حالة تخص كل كاتب، وهو أيضا خبر هذه الحالة وكتب عنها في واحد من النصوص التي وردت في هذا الكتاب.

عزت القمحاوي كاتب مبدع ومميز، وهو ما اكتشفته من كتابه هذا الذي يدل على ثقافة واسعة وإطلاع معرفي في فهم فن الكتابة، كإبداع وحرفة لها طرقها وأدواتها وكيفية اللعب بها، وخلق ألعاب جديدة تمنح كاتبها بصمة وشهادة أصالة يطمح إليها كل مبدع حقيقي.

كتاب الغواية عبارة عن رسائل من محب إلى حبيبته، يدون فيها أحداث يومياته التي يتذكر فيها بعض حكاياته معها ويذكرها بها، مع خلطها برؤيته وتحليله لما يقرأه من كتب أو ما يشاهده من أفلام أو لقطات حياتية أو ذكريات تخصه أو تخص غيره من مشاهير الكتاب الكبار.

طريقة الرسائل كتقنية كتابية اتبعها الكثير من الكتاب من بداية الكتابة إلى الآن، وما يميزها هنا هو اتخاذها الرسائل كوسيلة نقل لما يريد الكاتب إيصاله عن طريق استخدامها كجسر عبور إلى القارئ، بتقنية الرسائل التي هي في الواقع موجهة له.

هذه الرسائل الثقافية كشفت عن أسرار الكتابة وعن الوعي الجمالي والفني في كتابة بعض الكتاب ونصوصهم، وعلاقة القارئ معها بدءا من الإهداء الذي يقول عنه: "الإهداء، سواء كان مطبوعا موثقا لصالح شخص بعينه، أو كان مكتوبا بخط اليد على نسخة وحيدة، هو أخطر نصوص الكتاب، وبعض من يرتكبون حماقة كتابة الكتب يعرفون ذلك ويحجمون عن كتابة الإهداء، يتحاشون ما أمكنهم هذه المسؤولية الصعبة، وإن فعلوا مجبرين تتعثر كلماتهم في أذيالها، وتتأرجح وتراوغ بين الإحساس بالنقص والتعالي. داخل المبدع ليس ثمة تواضع العلماء، ولا اطمئنانهم، بل حركة بندولية بين اليقين واللا يقين، أرجحة مدوخة بين هشاشة البشري وصلابة الإلهي، الهشاشة واللا يقين هما روح الرواية بالذات".

نقاط مهمة طرحها وحللها في تفسيرات رؤية فنية واعية تماما لكل ما طرحه من بداية علاقة الكاتب بالقراءة التي يبدأها من حكايات الأم في المهد حتى يكتشفها بنفسه، وإلى أن يمارسها ككتابة ومقال يقول عنه: "قلة فقط، يمكننا أن نقول: إن مقالاتها المتفرقة تمتلك معمارا، وتهم آخرين، غير الكاتب نفسه".

وقال عن الكُتاب جملة أرنست همنجواي: "إذ يوجد في هذا العالم -على اتساعه- صنفان من الكتاب، لا أكثر، أحدهما يحرص على لغته حرص البخيل فيغلفها (بعضهم يغلف بطبقة من السكر تتبدد سريعا من دون أثر، والبعض يفضل البلاستيك فلا ينفذ منه شيء إلى القارئ الذي يستنفد قدرته في محاولة فض الحرز)".

لذا يقول القمحاوي: "لابد أن نصارح أنفسنا بأن سوء الفهم لطبيعة الكتابة هو ما يحطها إلى مستوى التقرير العابر، وطالما بقينا مقذوفين خارج ذواتنا، وناوشنا الكتابة بوصفها مهنة وليست فعلا وجوديا، فسنظل الأمة الأعجب بين الأمم، فبينما تتحول حياتنا الواقعية إلى استعارة، نطالب الكتابة بأن تكون صادقة في تصوير العادات والتقاليد".

وهو يرى احد أكبر مشكلات الإبداع العربي، يستعير الواحد أفكار الآخرين عن الفن، ويذهب بعيدا في تصور ما ينطوي عليه عمله من جماليات وأفكار ومستويات للمعنى، لا يمكن أن يعثر عليها المتلقي في النص. ينطبق هذا على اللوحة والقصيدة والرواية. استعارة الصورة، وسيلة أُخرى جعلت شارب "جوركي" ونظارات "تشيخوف" ولحية "دوستويفسكي" تتناسخ في عالمنا العربي، فضلا عن الغلايين وأنواع التبغ، وعادات التسكع، وتهييش الشعر، وغير ذلك من اكسسوارات الكاتب، الآن يستعيرون لحية "باولو كويليو" وتي شيرته الأسود، وهذا دليل على تدهور مستوى الاستعارة، وأن الكتابة في أزمة.

رسائل تعددت فيها وجهات النظر ومدى أهمية تحليله لها، لكنها بلا شك منحتها إضاءة فنية تحليلية جاءت من كاتب مثقف تجريبي أدرك أسرار الكتابة وألاعيب فنونها، وأسبابها التي من أهمها البحث الأزلي عن الخلود: "الخلود ولع يوحد البشرية، لكنه ولع مصري بامتياز، وقد عرف المصريون أكثر الطرق عملية في الوصول إليه، فبينما ترك العراقيون سجلاتهم على فخار هش معلقين مهمة الخلود على عشبة "جلجامش" الخيالية، نقش فراعين مصر سيرهم على الحجر".

back to top