مقترح إسقاط فوائد القروض... «معادلة غير عادلة»

نشر في 25-01-2013 | 00:01
آخر تحديث 25-01-2013 | 00:01
مصير 131 ألف مقترض يعيد تجاذبات السلطتين إلى المربع الأول... ولا أفق واضحاً للحل
عادت مشكلة القروض إلى واجهة التداول الداخلي، على وقع تجدد المطالبات النيابية بإسقاط فوائد تلك القروض التي تؤرق عشرات آلاف الأسر الكويتية.

وفي موازاة الأزمة التي يعيشها أكثر من 131 ألف مواطن مقترض، برزت تحركات نيابية لمعالجة هذا الملف المزمن، وهو ما عبرت عنه مواقف ومطالبات كثيرة كان أبرزها وضع رئيس اللجنة المالية بالبرلمان النائب يوسف الزلزلة مقترحاً على طاولة المجلس لإسقاط فوائد القروض بأقل تكلفة للدولة، وهو الاقتراح الذي يرى الزلزلة وعدد من نواب المجلس انه يحافظ على المال العام، وينصف المواطنين المقترضين الذين تحملوا تبعات انعدام تطبيق لوائح البنك المركزي على البنوك قبل عام 2009، وتحديدا من شهر سبتمبر 2008. على أن يتم تخفيض القسط إلى 25 او 30% من الدخل الشهري بدلاً من 40%، أما آلية إسقاط هذه الفوائد فتتحملها الحكومة، ولكن دون تحميل أعباء مالية لميزانية الدولة، وتحسم تكلفة المقترح البالغة ملياراً و700 مليون دينار من الـ 0.5% التي تحصلها الدولة سنويا على الودائع الحكومية في البنوك.

في المقابل تتباين آراء الخبراء بين مُطالب بإسقاط الفوائد ومعارض للإسقاط، تجنباً لما قد يترتب على ذلك من هدر للمال العام. فإلى أين سينتهي مطاف القروض؟

هذا ما يلقي التحقيق التالي الضوء عليه:

يقول خبراء اقتصاديون إن "المرحلة الراهنة في غاية الأهمية، ولا ينبغي التلاعب بالمال العام، فمن اقترض كان يعلم تماماً تداعيات هذا الأمر"، مبينين أن عملية التصحيح لا يمكن أن تتم بهذه الطريقة، وأمام الحكومة أكثر من طريقة تحقق بها العدالة مع الجميع، إذا كانت تريد أن تأخذ بيد الشعب الكويتي، مقترحين أن تهتم الحكومة والمجلس بمشاريع التنمية وتطوير البنية التحتية مع العمل على بناء المواطن الكويتي من جديد.

وما بين المطالبين بإسقاط القروض والمتمسكين ببقائها والإجراءات الحكومية السابقة في اعتماد خيار "صندوق المعسرين " حلاً لأزمة فوائد القروض، يبقى التساؤل: هل ستقف الأمور عند هذا الحد؟! وهل يدرك المجلس والحكومة مدى انعكاس مقترحات اسقاط الفوائد او الإبقاء عليها على اقتصاد الكويت والمواطنين؟ وهل هناك بدائل لإيقاف نزيف الأزمة وفق آراء المختصين؟

الحل بعيداً عن التكسب

اعتبر الوزير الأسبق عبدالله المحيلبي أن ملف إسقاط فوائد القروض ليس عصيا على الحل وأن المشكلة لا تكمن في عمق الخلاف حولها، ولكن في عدم الاستقرار النيابي الذي لا يتيح تداول القضايا ومعالجتها.

وقال المحيلبي إن الحكومة قدمت منذ فترة أكثر من اقتراح، وقامت بإنشاء صندوق المعسرين، وأيضا تقدمت السلطة التشريعية بأكثر من اقتراح في هذا الشأن، لكن المشكلة الحقيقية تكمن في عدم استقرار العمل النيابي في دولة الكويت، وهذا في حد ذاته لا يتيح الفرصة لتداول مثل هذه القضايا والمقترحات، وهو ما جعل هذه المشكلة تكبر يوما بعد يوم وتصبح مثل كرة الثلج، والآن يجب أن تحل بطريقة أو بأخرى.

وأشار إلى أن الحكومة قادرة على حل تلك القضية كما حلت أغلبية القضايا المتعلقة بالأمور المالية، معرباً عن امله "ألا تتركها عرضة للأهواء والتكسب والابتزاز"، فيجب حسم هذا الموضوع سريعا، ومحاسبة الجهات المسؤولة، سواء البنك المركزي أو وزارة المالية، مطالبا بفرض حدود وقيود على قضية الاقتراض، وحل هذه المشكلة في هذا الوقت بالذات وفتح صفحة جديدة.

الاقتصاد الكويتي

وفي ما يخص تأثير إسقاط القروض على الاقتصاد والمواطنين، يرى المحيلبي أن الأرقام غير واضحة، وأن هناك تغيرات في السوق النفطي والفائض المالي في الميزانية العامة للدولة، مبيناً أن الحكومة يجب أن تكون هي الأم للجميع وتبادر بالخطوة الأولى وتضع ضوابط للمستقبل تجاه هذه القضية.

وعن توقعات النجاح والفشل للمقترح أعرب المحيلبي عن تفاؤله إزاء تلك القضية، متمنيا انتشالها من التجاذبات السياسية وإبعادها عن الآثار الاجتماعية في المستقبل، مطالبا المسؤولين بإعطاء صورة واقعية للمجتمع الكويتي، وإفادتنا بالأرقام بدقة بعيدا عن المجاملة.

مهمة شبه مستحيلة

من جهته، أبدى م. عبدالله الرفاعي تشاؤمه حيال احتمال إسقاط فوائد القروض، معتبراً ان "العدالة في إسقاط القروض أو فوائدها مهمة شبه مستحيلة حتى بعد أن تغيرت أغلبية مجلس 2012 التي كان بعض أعضائها في السابق يتاجر بهذه القضية حتى أتى مجلس "قيام، جلوس، تصفيق " وطالب بنفس القضية، مؤكداً أن اسقاط الفوائد "مطلب شعبي ومن يعارض هذا المطلب فقد يعرض نفسه لانتقادات هو في غنى عنها، ولذلك ينقسم النواب إلى قسمين في هذه القضية، إما مع أو ممتنع عن الحديث، إلا نواب الحكومة فهم ضد".

وأضاف الرفاعي أن مشكلة القروض مشكلة حكومية تَحَمَّل وزرها المواطن تماماً كمشكلة خطأ إجرائي، لكن الحل في محاسبة البنوك، وليس بمكافأتها بشراء المديونية أو إسقاط الفوائد، ولابد من محاسبة المراقبين الحكوميين مع البنوك، معتقداً أن "مقترح إسقاط فوائد القروض الذي يصوت له نواب مجلس الصوت الواحد لم ولن ينجح على الإطلاق، فهي مقترحات فاشلة".

أزمة كبرى

ومن الجانب التحليلي تبدو الصورة أكثر تشعبا لأزمة القروض، وهو ما يعبر عنه مدير عام شركة "العربي" للوساطة المالية والمحلل المالي ميثم الشخص بقوله: "اننا أمام أمرين مختلفين تماماً، أحدهما إسقاط فوائد القروض، والآخر إسقاط القروض، وكلاهما أكثر مرارة من الآخر"، متسائلاً: "هل إسقاط القروض أو فوائدها سيحل المشكلة ام سيرتب تداعيات اخرى اكثر خطورة؟ مضيفا ان "المشكلة ليست في الاقتراض او التمويل، ولكن في التدخل الخاطئ وغير العادل في مسار الامور، وبالتالي الابتعاد عن العلاج الذي يكمن في غير ما يطرح من اجراءات".

حجم القروض

ويشكك الشخص في الأرقام المعلنة المتعلقة بحجم القروض، إذ إن أرقامها سرية وغير معلنة، ولذلك تكون عملية تسريبها غير شرعية وغير دقيقة، والكل يعرف أن هناك 98000 حالة منع من السفر بسبب وجود 1.6 مليار دينار من فوائد قروض بلغت 6 مليارات دينار عام 2011، والكل يتفق على ان صندوق المعسرين الآن ليس مناسبا لحل مثل هذه المشكلة، لأنه فشل فشلا كبيرا ولا بد من تعديله.

واقترح الشخص عدة حلول، أهمها أن يكون مجلس الأمة والوزراء هم من يقودون الدولة لا الشارع حتى لا نواجه الفشل الاقتصادي، مع ضرورة السعي الى تحقيق التنمية وتنشيط الاقتصاد وانجاز البنية التحتية وتطبيق القوانين التي من شأنها أن تحمي الجميع وتعزز المداخيل بما يعود بالنفع على 3 ملايين شخص يعيشون على ارض الكويت، وهي إجراءات تحقق منفعة شاملة تتجاوز مجرد فوائد قروض تخص 93 ألفاً، حيث ان اسقاط فوائد القروض يكرس المال العام لخدمة فئة المقترضين فقط.

ويبدي الشخص استغرابه لما يثار عن وجود عشرات آلاف المتعسرين، ويقول إن احصائيات البنك المركزي تبين أن أكثر من 90 في المئة من المقترضين مواظبون على السداد، فكم نسبة المتعسرين إذن؟ ويحذر من ان "إسقاط فوائد القروض سيؤثر على ميزانية الدولة سلباً، لأن هذا ليس الاتجاه الصحيح للصرف ولا يجب خلط الأمور، ومن الخطأ أن تعالج أزمة قيمتها 1.6 مليار دينار هي فائدة قروض فقط، من دون اغفال ازمات مماثلة قد تنشأ لاحقا مع بروز مطالبات بأن يشمل إسقاط الفوائد القرض الإسكاني الذي يحتاج بدوره الى إعادة دراسة.

الاكتفاء بأصل القروض

وفي مقاربة الموقف الديني من قضية إسقاط القروض يبدو أن ثمة تباينات على هذا الصعيد تتلخص في ان بعض المواقف الدينية رأت عدم جواز إسقاط الفوائد خلافا لما يبديه الأستاذ المساعد في قسم الدراسات الاسلامية بكلية التربية الاساسية عضو هيئة الإفتاء بوزارة الاوقاف عيسى عيسى، حيث يعتبر أن "القرض الذي يقصد به مساعدة الناسه قرض حسن، لأن فيه مساعدة لمن يحتاج المال دون أن يرهقه بدفع الزيادة، وهذه الزيادة تعتبر ربا محرما، فالقروض التي يترتب عليها فوائد محرمة شرعا، ولذلك فإن إسقاط فوائد القروض واجب شرعا، لأن تصحيح التعاقد في القروض الربوية يكون بإسقاط الفوائد الربوية والاكتفاء بتحصيل رأسمال القرض".

وأضاف د. عيسى: "هذا هو الحكم الشرعي في موضوع إسقاط فوائد القروض، إلا أننا نشهد جدلا كبيرا حول إسقاط الفوائد يبرز من خلاله بعض العقبات العملية التي تعوق إسقاطها، خاصة في ظل القانون الذي يسمح بتقديم القروض الربوية، مما يجعل مطالبة المصارف الربوية المقترضين بالفوائد مطالبة قانونية يُسمَح بها في القانون. وبالتالي فإن إسقاط الفوائد مع بقاء هذا القانون دون تعديل أو إلغاء، سيعتبر حلا مؤقتا ولن ينهي المشكلة".

واقترح عيسى حلا جذريا لمشكلة القروض الربوية يتمثل في تعديل النظام المصرفي بتحويله إلى العمل بالنظام المصرفي الإسلامي، القائم على إلغاء الفوائد الربوية، وتكون من أهم وظائف المصارف هو التمويل عبر وسائل التمويل الشرعية الإسلامية القائمة على المشاركة أو البيع أو الإجارة أو (الاستصناع) أو إصدار صكوك التمويل الإسلامية وغيرها، وهي الصيغ التي شهدت تطورا كبيرا من خلال تجربة المصارف الإسلامية.

وإلى أن يتم هذا التحويل من الممكن أن تتبنى الدولة تحويل قروض المواطنين إلى قروض إسلامية بالاستفادة من صيغ (التورق)، ويعاد جدولتها بما يتناسب مع قدرة المقترضين على السداد، وعند تحول القروض إلى قروض متوافقة مع أحكام الشريعة من الممكن أن تساعد الدولة المقترضين بتسديد جزء من ديونهم الناتجة عن (التورق) والمكونة من ثمن السلع إضافة إلى نسبة الربح.

السعدون: جريمة تفتح باب جهنم على الأموال العامة

يرى الخبير الاقتصادي جاسم السعدون أن "مقترح إسقاط فوائد القروض عبارة عن محاولة لتشجيع عدم قدرة الإنسان على التخطيط المالي، بمعنى أن الإنسان الذي يقترض أكثر ولا يرتب أوضاعه المالية يكافأ بإسقاط فوائد قروضه، وهي معاقبة لكل من يرتب أموره في حدود قدراته، وبالتالي فهو مقترح غير عادل للمواطنة التي تعني أن يتساوى الجميع في الحقوق والواجبات".

وأكد السعدون أن "تلك المقترحات تفتح باب جهنم على المالية العامة من زاوية التأثير على البشر، أما من ناحية التأثير على اقتصاد الكويت فكلنا يعلم أن المالية العامة تعتمد على مورد واحد فقط، وهو النفط، وينبغي في موازاة اي إنفاق أن يكون هناك مصدر مماثل للدخل وليس من خلال استنزاف حقوق الأجيال المقبلة".

وأشار إلى أن "الاقتصاد منظومة من الواجبات والقيم ينبغي ان تغرس لدى الإنسان حتى لا ينجرف الوضع إلى الأسوأ، وإذا صرفنا ما في الجيب فسيكون ما في الغيب في منتهي السوء"، مؤكدا أنه "مقترح سيئ من الناحية العملية والمالية"، لافتا إلى أن "تلك الأمور جريمة تُرتكب في حق البلد ويجب التصدي لها".

وأعرب السعدون عن أمله أن يكون لدى الحكومة بعض الحصافة، لأنها وقفت من قبل ضد هذا الاتجاه، متمنيا أن "تقف ضده الآن وأن تُحكّم العقل كي تنتصر".

back to top