خليج الإنكار

نشر في 27-06-2019
آخر تحديث 27-06-2019 | 00:00
إذا كانت إيران مسؤولة عن الهجمات الأخيرة في الخليج العربي، فقد أوضحت مرادها من ذلك، والمسار المنطقي المعقول الآن هو أن يوظف جميع اللاعبين في المنطقة ذلك العنصر الأساسي في الحياة السياسية- "الإنكار المعقول"- في خدمة تجنب الحرب.
 بروجيكت سنديكيت تُرى ما الذي قد يشكل عملا آخر من أعمال الحرب في الشرق الأوسط؟ في الثاني عشر من مايو، تعرضت أربع ناقلات نفط في الخليج- اثنتان منهما للمملكة العربية السعودية، وواحدة للإمارات العربية المتحدة، والأخيرة نرويجية- لهجوم بالمتفجرات أثناء رسوها بالقرب من مضيق هرمز.

وفي الثالث عشر من يونيو، في خليج عمان، خارج المضيق مباشرة، أصيبت ناقلتان أخريان (واحدة يابانية والأخرى نرويجية) بالألغام، وتعتبر حكومة الولايات المتحدة إيران الجاني الواضح، في حين تزعم إيران أنها ضحية لما قد يسميه الرئيس الأميركي دونالد ترامب "أخبار كاذبة".

بصرف النظر عمن يتحمل المسؤولية، فإن خطر التصعيد واضح، ففي أعقاب إسقاط إيران في وقت لاحق طائرة استطلاع أميركية بدون طيار، تصاعدت حِدة تبادل الاتهامات وتنامى خطر نشوب حرب شاملة.

الواقع أن مضيق هرمز، الممتد من الخليج العربي إلى خليج عمان ثم إلى المحيط الهندي، أشبه بصمام خانق بعرض 21 ميلا يمر عبره نحو 20% من النفط الخام على مستوى العالم، وينبئنا المنطق الاقتصادي بأن إغلاق المضيق، أو حتى تضييقه، لابد أن يؤدي إلى ارتفاع الأسعار النفط والركود العالمي. في حين ينبئنا المنطق السياسي بأن تهديد إمداد شريان حياة الاقتصاد العالمي من المحتم أن يفضي إلى تدخل عسكري من قِبَل الولايات المتحدة وقوى خارجية أخرى، وبالتالي إضافة صراع إقليمي آخر إلى الصراعات في سورية، واليمن، وأفغانستان.

لكن لا شيء من هذا حتمي، فبرغم أن عملين تخريبيين في غضون شهر واحد من الممكن أن تشكلا بكل تأكيد سببا للحرب، فلم يتم تحديد هوية المخربين بوضوح. فحتى الآن، قدمت الولايات المتحدة مقطع فيديو مشوشا بالأبيض والأسود وبعض الصور الملونة لقارب دورية من فيلق الحرس الثوري الإسلامي الإيراني يزيل لغما لاصقا لم ينفجر من جسم الناقلة اليابانية، ويقول وزير خارجية الولايات المتحدة مايك بومبيو إن الفيديو يثبت إدانة إيران، وتقول إيران إنها سارعت إلى منع المزيد من الضرر وإنقاذ حياة 44 من البحارة الأبرياء.

من غير المرجح أن يظهر دليل قاطع، تقول كل من فرنسا وبريطانيا إن الدليل يشير إلى إيران، لكن منتقدي السياسة الخارجية الأميركية يزعمون أن إيران ربما تكون غير ملومة، فأحد هؤلاء المتشككين هو زعيم حزب العمال البريطاني المعارض جيريمي كوربين، الذي ربما يصبح قريبا رئيسا لوزراء البلاد والذي يطالب الآن بدليل جدير بالثقة على المسؤولية الإيرانية. بطبيعة الحال، يميل كوربين إلى دعم أي خصم لأميركا، من الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (في البداية رفض قبول أن روسيا ضالعة في تسميم المنشق الروسي في مدينة سالزبوري الإنكليزية في عام 2018). وحيثما يقود كوربين يتعبه آخرون من أقصى اليسار بلا أدنى شك.

إذا كانت المصداقية هي القضية، فلماذا لا نطرح هذا السؤال من عالم المحاماة: "من المستفيد"؟ ربما تبدو إيران المرشح الأكثر ترجيحا، فقد كان اقتصادها مضغوطا على نحو متزايد الإحكام بسبب العقوبات الأميركية في أعقاب القرار الذي اتخذه ترامب قبل عام بسحب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الذي أبرم مع إيران في عام 2015، المعروف رسميا بمسمى خطة العمل الشاملة المشتركة، وأدت هذه العقوبات إلى انخفاض صادرات النفط الإيرانية إلى مستوى ضئيل نسبيا بنحو 400 ألف برميل يوميا، مقارنة بنحو 2.5 مليون برميل يوميا في أبريل 2018.

من ناحية أخرى، منيت محاولات الاتحاد الأوروبي لتزويد إيران بمهرب مالي من العقوبات بالفشل، وذلك نظرا لتهديد الولايات المتحدة باتخاذ تدابير عقابية ضد البنوك الأوروبية.

في السابع عشر من يونيو، أكدت إيران تخوفها إزاء الافتقار إلى الدعم الأوروبي بالتهديد بتجاوز الحدود التي وضعتها خطة العمل الشاملة المشتركة لتخصيب اليورانيوم في غضون أيام، وهذا يعني موت الاتفاق، ومن شأنه أن يزيد خطر سعي إيران إلى الحصول على أسلحة نووية. على هذه الخلفية، لن يكون من المستغرب أن تسعى إيران، المحرومة من الأسلحة الأخرى في الوقت الحالي، إلى استعراض قدرتها على إحداث الفوضى في الخليج.

بيد أن إيران لديها رواية مضادة، إذ تخشى إدارة ترامب، ومعها المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وإسرائيل النفوذ الإقليمي الذي تفرضه الجمهورية الإسلامية، وهي عازمة على هندسة تغيير النظام، ووفقا لهذه الحجة ربما لفقت الولايات المتحدة وحلفاؤها حادثا يمكن تحميل إيران المسؤولية عنه وتلطيخ سمعتها الدولية، علاوة على ذلك، وكما يقول النظام الإيراني (بدعم من وسائل الإعلام الروسية التي تسيطر عليها الدولة)، من الغريب أن تهاجم إيران سفينة يابانية في وقت كان فيه رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، يقوم في أول زيارة لرئيس وزراء ياباني إلى إيران في أربعين عاما، في اجتماع مع المرشد الأعلى علي خامنئي وينقل له رسائل من ترامب، كما أوردت التقارير.

في هذه الحالة، ونظرا لاستعداد ترامب الواضح للتحدث مع الرئيس الإيراني حسن روحاني، فربما ينبغي لنا تسليط الضوء على بومبيو ومستشار الأمن القومي المتشدد جون بولتون، الذي دعا مرارا وتكرارا إلى تغيير النظام في إيران قبل انضمامه إلى الإدارة في العام الفائت. فبولتون وبومبيو مثلهما مثل كثيرين في واشنطن، يتبنيان وجهة نظر حكومات المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وإسرائيل بأن إيران عازمة على بسط هيمنتها على الشرق الأوسط من خلال الاستفادة من دعمها للرئيس السوري بشار الأسد وعلاقاتها بحزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن، ويبدو أن ترامب يوافق على ذلك، لكنه أقل حرصا على توريط قوات الولايات المتحدة في محاولات إحباط طموحات إيران، ناهيك عن تغيير نظامها.

الفكرة المريحة إذاً- والتي يعززها قرار ترامب بعدم الانتقام بعد إسقاط الطائرة بدون طيار- هي أن الأزمة الحالية لن تستفز صراعا أكثر خطورة، فكما أظهرت خلال الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينيات القرن العشرين، تمتلك أميركا الوسائل العسكرية اللازمة لضمان المرور الآمن عبر مضيق هرمز: يتمركز أسطولها الخامس في البحرين.

بالإضافة إلى هذا، تستضيف قطر قاعدة جوية أميركية ضخمة، وطالما استمر تدفق صادرات النفط والغاز، فمن غير المنطقي أن ينجرف أعداء إيران إلى لعبة التصعيد القائمة على خسارة من يجبن أولا مع المتشددين في طهران.

إذا كانت إيران مسؤولة عن الهجمات الأخيرة، فقد أوضحت مرادها من ذلك، والمسار المنطقي المعقول الآن هو أن يوظف جميع اللاعبين في المنطقة ذلك العنصر الأساسي في الحياة السياسية- "الإنكار المعقول"- في خدمة تجنب الحرب.

* المحرر السابق والمراسل الأجنبي لمجلة الإيكونوميست، وهو مؤلف كتاب "العالم في صراع: محاولة لفهم البقاع الساخنة في العالم".

«جون أندروز»

إدارة ترامب ومعها السعودية والإمارات تخشى النفوذ الإقليمي الذي تفرضه الجمهورية الإسلامية

مضيق هرمز أشبه بصمام خانق بعرض 21 ميلا يمر عبره نحو 20% من النفط الخام على مستوى العالم
back to top