«الغزو في الزمن العابس... الكويت قبل الغزو وبعده» (الحلقة الثالثة)

مؤامرات «البعث» و«دبلوماسية الغلاظة» عند صدام

نشر في 18-06-2019
آخر تحديث 18-06-2019 | 00:05
يحفل كتاب الغزو في الزمن العابس - وهو من منشورات ذات السلاسل - لمؤلفه عبد الله بشارة بأحداث تاريخية مهمة عاشتها الكويت، منها ما يتعلق بتعاطي العراق مع الكويت منذ العهد الملكي حتى عهد صدام حسين، ومنها تعامل الكويتيين مع هذه الأحداث وتطاولات صدام المتكررة على الكويت، التي وصلت إلى ذروتها في قراره الجنوني بغزوها في أغسطس 1990، معتقداً أنه سيدخل أبواب التاريخ كزعيم حقق أحلامه في ضمّها واعتبارها المحافظة العراقية التاسعة عشرة.

ويسجل الكتاب الموقف الوطني الغاضب الذي تجسد في مؤتمر المبايعة التاريخية في جدة، أكتوبر 1990، الذي أكد فيه الشعب الكويتي تمسكه بالنظام السياسي والشرعي، ممثلاً بأميره الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح.

جاء الكتاب في ثمانية فصول تشتمل على مادة تاريخية تبرز الادعاءات العراقية وأحداث الغزو، مسجلاً الافتراءات التوسعية التي تستهدف الدولة الوطنية الكويتية.

ويعرض الكاتب هذه الأحداث موثقة بالتواريخ الدقيقة، مستنداً إلى المصادر العربية والعالمية، إضافة إلى شهادات المسؤولين المعاصرين في وسائل الإعلام، وما نشرته الصحافة في هذا الشأن. وفيما يلي تفاصيل الحلقة الثالثة:



في 17 يوليو 1968 وجد عبدالرحمن عارف نفسه في طائرة عسكرية تقله إلى تركيا بعد أن تمكن رئيس المخابرات عبدالرزاق النايف، وقائد الحرس الجمهوري عبدالرحمن داود، من تحقيق تفاهم مع حزب البعث الذي كان يخطط لإسقاط عارف الضعيف، وتسلل الاثنان، النايف والداود، إلى داخل شبكة البعث التآمرية لينفذوا جميعاً المؤامرة ويخلو الحكم للبعث مع النايف، الذي أصبح رئيساً للوزراء، والداود الذي أصبح وزيراً للدفاع، ولم يهنأ النايف بالمنصب إذ تمكن البعثيون المسلحون بالميليشيات من احتكار السلطة وإبعاد كل من النايف إلى لندن والداود إلى السعودية.

وتولى أحمد حسن البكر رئاسة الوزراء ورئاسة مجلس قيادة الثورة، وعاد كل من صالح مهدي عماش، والفريق حردان التكريتي إلى السلطة مع وجوه جديدة تولت المسؤولية للمرة الأولى.

أيديولوجية عروبية

شكل البعث نظاماً قائماً على أيديولوجية عروبية بعثية شوفينية وظفها جيداً في علاقاته مع الكويت، وصار النهج العراقي تجاه الكويت خليطاً مشتركاً من الشعارات والأوهام القومية العروبية، ومن تصورات الساسة العراقيين بأن الكويت في العهد العثماني كانت جزءاً من ولاية البصرة اقتطعتها بريطانيا ووفرت لها الحماية في عام 1899.

كما اتبع العراق في عهد البعث سلوكاً دبلوماسياً ظاهره الهدوء، وجوهره الطمع وكانت الأدبيات المعلنة خليطاً من التعبير البعثي الخشن والمفردات الدبلوماسية المعتادة.

ودخلت الكويت في مرحلة مختلفة تماماً عن فصول حياتها السابقة مع العراق السابق، الذي كان يضغط ويماطل ويمارس التسويفات، وجاء البعث في تعامله مع الكويت بأسلوب مغاير، إذ يحمل مهمة قومية تاريخية يريد أن يطورها بالهدوء والإقناع والنعومة إن أمكن وإلا بأسلوب ليّ الذراع والتهديد والابتزاز.

كانت أولوياته تصفية الخصوم داخلياً وإبعاد كل العناصر المترددة من الجيش مع فرق جديدة عسكرية وموظفين ودبلوماسيين وإعلاميين، وتحولت السفارات إلى مخازن فيها السلاح وفيها العطايا وفيها لقاءات التخطيط والتغلغل.

وبعد أن تمكن البعث داخلياً وأزال صدام حسين جميع المشكوك في ولائهم الشخصي له، أخرج الرئيس المريض أحمد حسن البكر وتولى رئاسة مجلس قيادة الثورة والحكومة وكل شيء في العراق، ومارس فيه ما يريد وحدد الأهداف التي رسمها تجاه الجوار، فالدولة السورية بعثية في عداء وتآمر متبادل واغتيالات، والأردن الضعيف اقتصادياً بإمكانات بشرية هائلة.

ونظر صدام إلى الكويت فوضعها في خانة وحيدة بعلاقات استثنائية وتوسعات مفروضة وطموحات شخصية يجملها بشرعية عروبية مع الحق القيادي الذي يعطي العراق مكانة مميزة لإدارة شؤون منطقة الخليج.

ولعله نظر إلى إيران ووقف على إلحاح الشاه في طلبه حول شط العرب، ويسعى لتحقيقه بالقوة وفق قاعدة الثالوج (الخط المنصف الذي ترفضه اتفاقية 1937، التي تعطي العراق السيادة الكاملة على شط العرب، فيما عدا ساحل عبدان).

كانت بذور المشكلة بين العراق وإيران تتكاثر منذ انقلاب 1958، وارتفع التوتر مع سقوط عبدالرحمن عارف، وتولي البعث القوي السلطة، كما تصاعدت الأزمة بين بغداد وطهران مع مجيء رجال الدين تحت قيادة آية الله الخميني، المرشد العام.

صدام حسين ودبلوماسية الغلاظة

ترسم المأمورية التاريخية التي وضعها صدام حسين لحكمه نهج الابتزاز تجاه الكويت، فمنذ عام 1969م، ومع أزمة شط العرب تصاعد الوجود العسكري العراقي على الحدود الكويتية آخذاً بالتسلل داخل الأراضي الكويتية بأسلوب سراق الليل، حيث يعسكر بعض أفراد الجيش على تربة كويتية وتحتج الكويت بمذكرات واتصالات، ويرد العراق بالمدونة القومية العروبية التي تستهدف حماية الأراضي العراقية العربية من مدفعية جيش إيران الفارسي، وتكبر هذه المعسكرات التي صارت ظاهرة بارزة لا توحي بأنها مؤقتة كما يدعي العراق، إنما صاحبها تحريك مزارعين عراقيين بنوا البساتين على الأراضي الكويتية على ضفاف شمال الخليج.

ولم يستمر التستر العراقي على خطة الزحف المبرمج، حيث قام وزير خارجية العراق مرتضى سعيد عبدالباقي الحديثي بزيارة الكويت في مايو 1972، وأعلن خلالها نموذجاً للعلاقات بين الكويت والعراق:

- التنسيق السياسي بين الكويت والعراق.

- استخدام الرأسمال الكويتي في العراق.

- نقل الأيدي العاملة العراقية في الكويت.

- تعاون دفاعي مشترك.

- إيجاد مناطق استراتيجية للعراق في الكويت.

هذا المشروع يأخذ الكويت إلى التابعية العراقية بكل ما ترمز إليه، ملحقاً ينعم النظام العراقي بخيراته وإمكاناته، لكن الكويت لم تعط أهمية لهذا المشروع، مع تصور بأنه نسخة من النسخ التي يتحدث عنها العراق دائماً، بما في ذلك ما كان يردد في العهد الهاشمي خصوصاً أن الكويت أصبحت معتادة على استعراض الأحلام والأوهام العراقية، وكانت الضرورة الكويتية تفرض قراءة عميقة لتلك الأفكار.

لكن الوضع لم يكن كذلك، إذ لم تمض فترة حتى انفجرت حادثة الصامتة في احتلال العراق للمخفر الكويتي في شمال الكويت في 20 مارس 1973م، وقتل شرطي كويتي وجدت القيادة الكويتية في تشييعه رفضاً للعدوان والعنجهية العراقية، وإظهاراً للتصميم على ضرورة وقف العراق عند حده، وقد هدأت العاصفة بانسحاب الشرطة العراقية من المخفر لا من الشريط الساحلي الذي أخذ في التوسع، كما جاء انسحاب الشرطة بعد تدخلات عربية من الجامعة العربية، ومن ياسر عرفات الذي أقام علاقات خاصة مع صدام حسين نكاية بموقف الرئيس حافظ الأسد الذي بدأ يحد من تصرفاته داخل لبنان، وبما يؤثر سلباً على الاستراتيجية السورية هناك.

في الأمم المتحدة

كنت في ذلك الوقت، المندوب الدائم لدولة الكويت في الأمم المتحدة، وكنت أتمنى السماح لي بإخطار مجلس الأمن بالاعتداء العراقي على مخفر الصامتة في رسالة أرسلها إلى رئيس مجلس الأمن وإلى الأمين العام للأمم المتحدة، للعلم فقط بسرد حقيق لما حدث دون أي طلب، ولم أجرؤ على ذلك دون تعليمات، وأعرف أن رأي القيادة حصر الموضوع في الإطار العربي فقط.

والواقع أن الكويت بنت رصيداً جيداً في التعاطي مع الابتزازات العراقية بتطويقها وإفشالها بامتصاص حدتها عبر إثبات النوايا الحسنة المتميزة تجاه العراق وترسيخ نظافة التعامل وبراءتها من الحصول على مكاسب ذاتية في ممارسة تنزيه الذات.

صراع بين إيران والعراق

جاء هذا الصراع من إصرار إيران على تقسيم شط العرب وفق قاعدة الثالوج، رافضة اتفاقية 1937م، التي تعطي العراق السيادة الكاملة على شط العرب، ما عدا ساحل عبدان.

وانفجر الصراع خلال الحكم العسكري في العراق بعد انقلاب عام 1958م، وارتفع التوتر عندما تمكن حزب البعث من الوصول إلى الحكم مرة أخرى عام 1968م، واشتد أكثر بعد سقوط الشاه عام 1979م ومجيء حكم رجال الدين تحت قيادة آية الله الخميني المرشد العام للثورة، الذي فرض ولاية الفقيه على النهج السياسي والفكري في طهران.

اشتدت مطالبة إيران بتعديل اتفافية شط العرب مع بروز الشاه، وبدعم أميركي معتبراً أنه راعٍ للاستقرار والأمن في الخليج، ويتمتع بإمدادات عسكرية أميركية يستثنى منها السلاح النووي فقط، ولذلك بنى الشاه ترسانة حديثة متطورة من الأسلحة والمؤثرة مكنته من فرض إرادته على مياه شط العرب، ونجح في الاستيلاء على الخط المنصف بالقوة، في حين كان يساعد الثورة الكردية في الشمال، الأمر الذي جعل المسؤولين العراقيين يتقبلون الواقع، ويوقعون اتفاقية الجزائر في مارس 1975م حول الخطوط الجديدة لشط العرب، بعد توسط الرئيس الجزائري الهواري بومدين مع الشاه ومع نائب رئيس مجلس قيادة الثورة صدام حسين.

وهدأ الوضع بين الطرفين، لكنه هدوء قصير، فقد أسقطت الثورة الإيرانية عام 1979م حكم الشاه واستولت على السلطة بكاملها، بما فيها الجيش الحديث الذي جهزه الشاه لحراسة أمن الخليج، ومن الطبيعي أن يتعاظم التوتر، ويزداد الصراع بين رجال الدين تحت قيادة آية الله الخميني المرشد العام للثورة، الذي فرض ولاية الفقيه على النهج السياسي والاجتماعي والفكري في إيران، وبين حكم البعث العلماني الذي يقوده صدام حسين في العراق.

مشروع العراق في الزحف المبرمج

مع إدراك العراق مشاكله في محيط الجوار خصوصاً مع إيران سواء في عهد الشاه أو عهد آية الله، أدرك زعماء انقلاب 1958، أن الضعف الذي يعترض خريطة العراق موجود في حدوده الشرقية مع إيران، حيث تضيق المساحة العراقية جنوباً بصورة تجعل العراق هدفاً للمشاغبات الإيرانية.

كانت العلاقات بين إيران والعراق في عهد قاسم ثم في عهد عبدالسلام عارف متوترة، لكنها تحت السيطرة، فيها مفاوضات سياسية اعتاد عليها الطرفان.

تبدل الوضع مع تمكن حزب البعث من السلطة وإبعاد كل المعارضين، وتبني دبلوماسية قومية عروبية لا مفر من بروز احتكاكات بين الطرفين، فكلما تصاعد التوتر في شط العرب زادت الضغوط على الكويت من خلال الدفع بحثاً عن مساحة أكبر للوجود العسكري العراقي.

ومع تزايد المواجهة بين العراق وإيران واتساع التوتر بينهما بدأ العراق يزحف بهدوء نحو الأراضي الكويتية، ويعبر السواحل الكويتية اللصيقة ويبني عليها منشآت عسكرية غير عابئ بالمشاعر الكويتية.

كانت الكويت تعترض بهدوء، ويرد العراق بأن العراق بحاجة لتوسيع وجوده في تلك المنطقة بعيداً عن الضغط الإيراني، كما كان يردد بأنها إجراءات مؤقتة سينسحب منها عند عودة الأمور إلى طبيعتها، ولم يكن في بال العراق الانسحاب منها حتى إذا انتفت بحاجة منها وإنما فرضها بالقوة وبالابتزاز والتهديد.

في منتصف سبتمبر 1980 عبرت القوات العراقية شرقاً واحتلت أراضي ايرانية بعد عملية تفجير قامت بها إيران لاغتيال الوزير طارق عزيز، وتحصنت الكويت في تلك الفترة بسياسة ضبط النفس والتحكم بالأعصاب، لأن العراق جنّد كل شيء لحربه مع إيران وسعى لتجنيد كل شيء في الكويت وتصور بأن كل شيء تملكه الكويت يجب أن يسخر لخدمته بالإضافة الى ما تملكه دول الخليج الأخرى.

وظف العراق تدهور علاقته مع إيران لاستحصال مكاسب جغرافية وسياسية واستراتيجية على حساب الكويت، وصاغ مفردات عروبية جماهيرية ذات مذاق وحدوي لا مكان لها في قواعد السياسة العملية، ولا في ضوابط العمل بين الدول، واضعاً موقعه حامياً للبوابة الشرقية للأمة العربية والساهر على تراب الوطن والمدافع عن كبرياء الأمة، والمدافع عن الأمل القومي والمتعهد بوقايته.

ولم يكن الزحف المبرمج يتوسل الأراضي فقط، إنما كان يريد الكويت أن تسلك في مسارها الدبلوماسي طريقاً يناسب العراق، ويكمل دبلوماسيته ويدعم مواقفه، وقد تعاظم هذا الامتعاض العراقي من الكويت مع قيام مجلس التعاون لدول الخليج العربية، الذي يمنح الكويت مكانة استراتيجية وعمقاً جغرافياً وسياسياً ودبلوماسياً ومالياً ويدعمها في عواصم التأثير العالمي، ويعزز السيكولوجية الكويتية في مواجهة ضغوط العراق.

وسار نهج الزحف المبرمج المتصاعد في طلباته والمشاكس في تبريراته، في خط زمني يتجاهل فيه صدام حسين لجان ترسيم الحدود ولا يذكرها، فالعراق في وضع متأزم مع إيران وأولوياته تدبير الأمور مع هذا الجار الذي يريد أن يأخذ ما يريد من شط العرب بالقوة لا القانون، ولا يريد أن تنفتح ذاكرة العراق لهذه اللجان.

زيارة سمو الشيخ سعد العبدالله لبغداد 1977

في نهاية يونيو 1977 زار سمو الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح وزير الداخلية في الكويت بغداد حاملاً الأمل بترسيم نهائي للحدود، بعد أن اجتمعت اللجان ودرست واطلعت ميدانياً على الوضع، امتدت تلك الزيارة أسبوعاً واجتمع في بدايتها بنائب الرئيس صدام حسين، ووجه دعوة لصدام لزيارة الكويت، واعتذر صدام بأن هناك ظروفاً تمنعه من الزيارة، لكنه سيصل فجأة إلى مطار الكويت، وسيتصل بسمو الشيخ سعد ليخبره بالوصول.

وقد أثار سمو الشيخ سعد ترسيم الحدود فكان الرد هو رغبة العراق بتأجير جزيرة بوبيان ورفض الشيخ سعد مع تساؤلات منه عن أسباب إنهاء العراق مشاكله الحدودية مع الآخرين واستثناء الكويت، وكان الجواب بأن الآخرين طرقوا بدائل لحل المشاكل والكويت لا تقدم البدائل وان الشاه حصل على نفط شط العرب مقابل وقف الدعم للأكراد، لكن الشيخ سعد أشار إلى أن الكويت بلد صغير لا يستطيع التنازل عن 20 كم2 من أراضيه، ويعلق صدام بأن العراق طالب بكل الجزيرة وتنازل إلى النصف وأخيراً هو مستعد لاستئجار نصفها، ولم يقبل الشيخ سعد هذا الطرح.

وقام خلال وجوده في العراق بزيارة ميدانية للحدود بين البلدين، في منطقة أم قصر، وشاهد ومعه الوفد العراقي بشكل المواقع المتداخلة، وعاد إلى بغداد وسط تطمينات عراقية حول احترام العراق حدود الكويت وبلا أطماع.

وأثار الشيخ سعد واقع المنشآت العسكرية التي أقامها العراق على الاراضي الكويتية، وذلك تم الاتفاق على تشكيل لجنة وزارية بين البلدين لمتابعة حصيلة المباحثات على مستوى الوكيلين لوزارتي الداخلية في البلدين.

وحصيلة لاجتماع الوكيلين اتفق الطرفان على أن تبتعد المراكز والمواقع بعضها عن بعض بحيث تكون على بعد كم واحد من كل جانب عن خط الدوريات أو خط الجامعة العربية كما تسميه الكويت... ولم ينفذ أي شيء من هذا، كما تعطل عمل اللجان كلها.

في نهاية الزيارة الممتدة أسبوعاً التقى الشيخ سعد بصدام حسين للمرة الثانية، وذلك في 3 يوليو 1977، ليشكره على الحفاوة مع تأكيده على أن زيارته إلى العراق مثمرة مع إصراره على ضرورة التنسيق بين البلدين في المواقف في كل الوسائل التي تهم البلدين.

ويبدو أن صدام فوجئ بهذا المقترح فتساءل: هل هذا شعور جميع الاخوان في الكويت، مؤكداً أن العراق لن يقوم بعمل عدائي ضد الكويت لأن ذلك ضد مبادئ العراق ولا يريد فرض مبادئه بالقوة على أحد، ويترك لكل دولة تقبلها.

لم ييأس الشيخ سعد من إمكانية تحقيق اختراق يفتح باب التحسن في العلاقات بين البلدين، وظل ملتزماً بحرفية الاتفاقيات والتفاهمات، ولم ينتبه إلى حقائق النوايا إلا عندما زار العراق في مايو 1989 للتهنئة بنهاية الحرب العراقية- الإيرانية.

فنون صدام للتخلص من اتفاقية 1963م بين الكويت والعراق

كان أبرز أهداف نظام البعث في العراق مع اتساع نفوذ صدام حسين هو التخلص من اتفاقية أكتوبر 1963م الموقعة بين الشيخ صباح السالم رئيس الوزراء ولي العهد في الكويت والرئيس أحمد حسن البكر، المتضمنة الاعتراف المتبادل، وترسم الحدود وفق الوثائق المتبادلة بين السلطات العراقية وحاكم الكويت الشيخ أحمد الجابر الصباح في عام 1923 وعام 1932م.

وكانت الحجة الدائمة التي يتذرع بها العراق أن اتفاق 1963م لم يصدق عليه المجلس التشريعي، وهو مجلس قيادة الثورة، ولا وجود أو سنداً قانونياً له، ولا يعترف به العراق، ولن يلتزم به رغم أن الاتفاقية موقعة ومودعة في وثائق الأمم المتحدة، والواقع أن مجلس قيادة الثورة في عام 1963م وافق على الاتفاق الموقع بين البكر والشيخ صباح السالم لكن الذي اعترض ورفض التوقيع على المصادقة هو الرئيس عبدالسلام عارف بمفرده.

ووجد العراق ضالته في عدم التصديق ليتخلص من مسؤوليات الترسيم والرضوخ للقيود التي تفرضها على العراق فيما يتعلق بترسيم الحدود، لأن الاتفاقية تحدد الخطوط الفاصلة، لكنها لم تضع علامات واضحة تفصل بين خطوط حدود البلدين. كان من أبرز ما أثار المسؤولين في الكويت ما جاء على لسان مرتضى الحديثي وزير خارجية العراق في مايو 1972م بأن كل الكويت أرض متنازع عليها، وهناك وثيقة تقول إن الكويت أرض عراقية، ولكن لا توجد هناك أي وثيقة تقول إنها ليست عراقية، ويتطرق إلى جزيرتي وربة وبوبيان قائلا: نحن لا نأخذهما من الكويت، ولكننا نتخلى عن الكويت من أجل الجزيرتين».

من تصورات الساسة العراقيين عام 1966 أن الكويت في العهد العثماني كانت جزءاً من ولاية البصرة اقتطعتها بريطانيا ووفرت لها الحماية في 1899

بعد أن تمكن البعث داخلياً أزال صدام حسين المشكوك في ولائهم الشخصي له وأخرج أحمد حسن البكر وتولى رئاسة كل شيء في العراق

المأمورية التاريخية التي وضعها صدام حسين لحكمه ترسم نهج الابتزاز تجاه الكويت

في 20 مارس 1973م احتل العراق مخفراً كويتياً في الشمال عُرف بحادثة الصامتة وأودى بحياة شرطي وجدت القيادة الكويتية في تشييعه رفضاً للعدوان والعنجهية العراقية

الكويت بنت رصيداً جيداً في التعاطي مع الابتزازات العراقية بتطويقها وإفشالها بامتصاص حدتها عبر إثبات النوايا الحسنة تجاه العراق

مع تزايد المواجهة بين العراق وإيران واتساع التوتر بينهما بدأ العراق يزحف بهدوء نحو الأراضي الكويتية ويعبر سواحلها ويبني عليها منشآت عسكرية
back to top