خاص

الجريدة• تفتح ملفها وتسلّط الضوء على تقصير الشركة الحكومية الحلقة (1)

«الدرّة»... هدر للمال العام وضياع لآمال المواطنين

نشر في 27-05-2019
آخر تحديث 27-05-2019 | 00:05
(تصوير نوفل إبراهيم)
(تصوير نوفل إبراهيم)
مرّ عام على الحملة النيابية التي أطلقها عدد من أعضاء مجلس الأمة للمطالبة برحيل شركة الدرة الحكومية، بذريعة فشلها وعدم قدرتها على جلب العمالة المنزلية الكافية، إلا أن الصراخ النيابي سرعان ما خفت وانتهى بمرور التكسّب الانتخابي آنذاك، لتبقى «الدرة» قائمة بعد عامين من إنشائها، ويصبح من الضروري إعادة النظر في هذه الشركة الحكومية الغارقة في الخسائر المادية والمعنوية، ذلك أن استمرار الوضع القائم ليس إلا هدراً للمال العام وضياعاً لآمال المواطنين.
«الجريدة» تفتح ملف «الدرة» اليوم وغداً، للحديث عن تقصير الشركة التي عجزت عن جلب العمالة المنزلية الكافية إلى البلاد بلا أي جهود تذكر، ففي الوقت الذي توفر فيه نحو 15 طلباً شهرياً للمواطنين، تجلب المكاتب التجارية في البلاد 7 أضعاف طاقتها، مما يكشف فشل «الدرة» وعجزها عن إدارة هذا الملف فنياً ومالياً وإدارياً.
بعد مرور أكثر من عامين على إنشائها، عجزت شركة الدرة الحكومية للعمالة المنزلية عن تحقيق آمال المواطنين وتطلعاتهم، بعدم قدرتها على جلب أعداد كافية من العمالة المنزلية وبأسعار تنافسية، لمحاربة الغلاء المبالغ فيه لأسعار السوق المحلي من معظم مكاتب العمالة، بل إنها تجاوزت حدود فشلها بهدر المال العام لتتكبد خسائر فادحة شهرياً في بند المصاريف غير اللازمة، مقارنة بدخلها المتواضع لعدم قدرة القائمين عليها وكيانها على تغطية الخسائر بأرباح منطقية، فضلا عن إعلان جمعيتها العمومية أخيراً بإجمالي صافي الخسائر عن عامين للفترة من 30 يناير 2017 حتى 31 ديسمبر 2018 بقيمة 654.823 ألف دينار من رأسمال الشركة الذي يصل الى 3 ملايين دينار، إلى جانب التزاماتها المالية ومطالباتها.

ومن خلال زيارة ميدانية أجرتها لفرع الشركة الرئيسي في دار العوضي، فتحت "الجريدة" تحقيقاً موسعاً، واستقصت ملامح استمرار فشل "الدرة"، مع التحقق عبر مصادرها الخاصة في الجهات الحكومية المعنية، ومقارنتها بعدد من المكاتب التجارية القائمة، والتي كشفت أن خسائر "الدرة" والتزاماتها المالية تجاوزت نحو مليون دينار حتى الربع الأول من العام الجاري من أصل رأسمال الشركة البالغ 3 ملايين، بحسب موافقة المشرع الكويتي لتأسيس الشركة، عبر مجلس الأمة.

وخلال زيارتها، اكتشفت "الجريدة" شبهة فساد في الشركة، بعد تقدم المحرر لإجراء عمل طلب استقدام جديد للعمالة المنزلية، فلم يكن الرد سوى حديث أشبه بـ "التضبيط" و"الواسطات" الأقرب الى موظفي الاستقبال وتبادل الأرقام لإخباره بوصول دفعة جديدة من العمالة المنزلية الهندية أو الفلبينية لا يعرف موعد قدومها إلا في اليوم ذاته، وعبر البريد الإلكتروني من الإدارة، ضاربين بذلك طابور انتظار المواطنين عرض الحائط، فمن الواضح أن الطلبات قد توزع للمعارف والعلاقات الاجتماعية المقربة لموظفي الشركة، ثم يوزع المتبقي لأصحاب الطلبات.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن الأرقام التي توفرها "الدرة" شهريا لجلب العمالة المنزلية الفلبينية على سبيل المثال تمثل نحو 15 طلب تعاقد فقط، في حين أن المكاتب التجارية القائمة تجلب ما لا يقل عن 150 طلبا شهريا، أي أكثر من 10 أضعاف الطلبات التي توفرها "الدرة"، فعلى الرغم من إعلان "عمومية الدرة" استقدام 960 عامل/ه منزلي خلال 2018، والذي تبين أنه العدد الإجمالي للعمال الذكور مع الإناث، في الوقت الذي يشكل الذكور وفرة كبيرة في السوق المحلي، في حين أزمة جلب العمالة في الثانية، وهو الأمر الذي لم تفصله وتعلن عنه "الدرة" بشكل تفصيلي أمام الجمهور للرقم المعلن، مما يعكس فشل القائمين عليها في إدارة ملف جلب العمالة للسوق الكويتي لتحقيق هدف إنشائها.

فالجنسية الهندية المرغوبة جدا للعمل في البيت الكويتي لم تكن حاضرة في "الدرة" خلال زيارة "الجريدة" قبل بضعة أيام، والتي توفرها بعقد عمل قيمته 460 ديناراً براتب شهري 110، ولم تكن أيضاً الجنسية الفلبينية متوافرة بعقد عمل قيمته 850 ديناراً، وبراتب شهري 120 ديناراً، بل ما كان معروضاً فقط هو العمالة السيلانية ذات المبلغ المرتفع بقيمة 975 ديناراً، وبراتب شهري 130 ديناراً، مما يسبب عدم الإقبال عليها لارتفاع أسعار عقودها، فضلا عن عدم وصول جميع العمالة إلا بعد انقضاء 60 يوماً.

انتهاء المطالبات البرلمانية

وبالرجوع قليلاً إلى الوراء، بعد مرور عام كامل على صراخ المطالبات النيابية بإلغاء شركة الدرة لفشلها الذي سرعان ما اختفى دون أي نتائج، فهناك من طالب باستجواب وزيرة الشؤون آنذاك هند الصبيح، والبعض الآخر هاجم واتهم الحكومة بالفساد، فهل يشهد رمضان خلال الأيام المقبلة أزمة في العمالة، ليعود التكسب الانتخابي من نواب الأمة على جراح المنتظرين؟

ورغم قدرة "الدرة" على الاستفادة من علاقات الكويت الخارجية المتينة في معظم دول العالم لجلب العمالة المنزلية الماهرة، فإن العمالة المنزلية حالياً مقتصرة فقط على 3 جنسيات من الهند وسريلانكا والفلبين، مما يجعلها تفشل أيضاً بتجاوز حدود البروتوكولات الدبلوماسية بعد إبرامها اتفاقات غير رسمية وغير قانونية، مع عدد من مكاتب الوساطة للعمالة المنزلية بالخارج مقابل صرف مكافآت مالية لكل عاملة منزلية يتم تزويد الشركة بها.

الحديث عن فشل الدرة كثير، أما افتتاح أفرعها فهذه إحدى القصص التي لم تصدق بها حتى هذه اللحظة، فبعد مرور أكثر من عام بشأن عزمها التوسع في مقار وجودها بالجمعيات التعاونية، لم تتوسع حتى الآن في أي جمعية تعاونية أو حتى محل آخر دون فرعها الرئيسي، مما يضع على توقفها ذلك عديداً من علامات الاستفهام.

خسائر ومكافآت بالآلاف

خسائر «الدرة» المالية على المال العام كثيرة، فقيمة إيجار فرعها الرئيسي تتجاوز 12 ألف دينار شهريا، فضلا عن رواتب قيادييها التي تضاهي رواتب الوزراء ونواب مجلس الأمة، في الوقت التي تجني الشركة 30 دينارا فقط مقابل إجراء كل معاملة، مما جعل طوفان المصاريف يغرقها في الخسائر. ففي الوقت الذي خسرت «الدرة» أموالاً كثيرة، وافق مجلس إدارتها أخيراً على توزيع مكافأة لأعضاء المجلس بقيمة 42 ألف دينار، أي 6 آلاف دينار لكل عضو.

بلا خيارات أو تسويق

لم تستطع «الدرة»، خلال خروجها كشركة حكومية، وضع خيارات للعمالة المنزلية في السوق المحلي، مثل توفير عمالة منزلية بدوام جزئي على كفالتها، علاوة على الدوام الكامل للخروج من دائرة العمل المشابه للمكاتب التجارية الخاصة لتحقيق نوع من المنافسة.

كما أن «الدرة» لم تستطع تسويق خدماتها ووجودها إعلاميا أو الكترونيا عبر وسائل التواصل الاجتماعي وبرامج الهاتف السريعة، لتغرد خارج السرب بلا مبالاة.

المكاتب التجارية تجلب ١٠ أضعاف طاقة الشركة... و«الواسطات» حاضرة

«الدرة» عجزت عن جلب العمالة المنزلية الكافية إلى البلاد

مرور عام على صراخ نواب الأمة بإلغائها من دون أي نتائج
back to top