أزمة مجلس الشورى 1921... دلالات غير تقليدية (4)

نشر في 20-05-2019
آخر تحديث 20-05-2019 | 00:30
 أ.د. غانم النجار هناك ضعف ملحوظ في التوثيق الموضوعي لتاريخ الكويت والمنطقة، وهو أمر يكاد يكون عاماً، ولذا حالما تبرز وثيقة أو شهادة شفوية معتبرة يحتفي بها الباحثون، إذ تساعد على فهم الأمور. ومن محاسن الأمور على حرب الجهراء (1920)، مثلاً، أن مصدرين كويتيين عايشاها وشاركا فيها، وتحدث أحدهما عنها بإسهاب، وهو الشيخ عبدالله الجابر، كما كتب عنها مؤرخ الكويت عبدالعزيز الرشيد، فنادراً ما تتوفر لنا مصادر عايشت الحدث وتتكلم. وأعلم جيداً، كما يعلم الباحثون، صعوبة إقناع المشاركين في الأحداث للحديث عنها.

من الملاحظ أن فترة حكم جابر وسالم المبارك، مجتمعين، لم تتجاوز ست سنوات (1915- 1921)، ومن ثم كانت آثار حقبة مبارك لا تزال حاضرة. الواضح أن الحراك الإصلاحي كان قد بدأ قبل وفاة سالم المبارك، وعند وفاته، كانت الفكرة جاهزة، فتقدموا بعريضة للأسرة الحاكمة، محتجة على تراجع الأوضاع، ومذكرة الأسرة، ومطالبة بالإصلاح بخطوات محددة، ومنها إنشاء مجلس شورى، وأضيف إليها ترشيح ثلاثة أسماء كي تختار الأسرة من بينها الأمير القادم.

ورغم أنه كان يتردد حديث عن وجود عريضة أخرى، فإنها لم تظهر على السطح، وظلت الوثيقة التي أوردها المؤرخ سيف مرزوق الشملان في كتابه "من تاريخ الكويت" الصادر 1959 يتيمة دون أختها، حتى جاء د. خليفة الوقيان مشكوراً، ونجح في الحصول على الوثيقة الأخرى ونشرها في كتابه "الثقافة في الكويت" في طبعته الثالثة 2010. فاكتشاف العريضة الثانية وإظهارها للعلن يعد إضافة علمية كبيرة، لفهم سياق التطور السياسي، يشكر عليها د. خليفة الوقيان وقيس سعود البدر، الذي تعاون مشكوراً ووافق على نشرها. ولربما يفتح ذلك الباب لمن لديهم وثائق تعيننا على فهم الأمور.

ربما يختلف الغرب عنا، بأن القيود على البحث العلمي شبه معدومة، يقرأون التاريخ بموضوعية باردة، بحثاً عن المعلومة الموثقة، وينشرون كتباً ودراسات بها وثائق جديدة، قد تنسف مسلمات ترسخت عبر الزمن، والأمثلة على ذلك كثيرة، ومن لا يعجبه ذلك فعليه أن يبذل جهداً علمياً لا ظنياً أو خطابياً، لنقض ذلك الرأي علمياً وموضوعياً، لا بأدوات القمع والزجر السياسي والاجتماعي والديني الذي كثيراً ما أبدعت فيه الدولة العربية الحديثة.

الشاهد أن العريضتين الإصلاحيتين لم يظهرا من فراغ، أو بشكل مفاجئ، بل كان تحرك إصلاحي قد بدأ قبل وفاة الشيخ سالم بقليل في بداية 1921، فما أن توفي حتى اجتمع قادة الحراك في ديوان ناصر البدر، الشخصية المؤثرة والمتوفى سنة 1928، والذي كان له دور مهم في محاولة رأب الصدع بين الشيخ مبارك الصباح وأخويه محمد وجراح قبل مقتلهما، ولذلك مبحث آخر... فماذا تضمنت العريضتان؟ وهل كان هناك اختلاف بينهما؟ ومن هم الموقعون عليهما؟ سنرى ذلك في المقال المقبل من هذه السلسلة حول التاريخ السياسي للأزمات في الكويت.

back to top