مهمة كوشنر المستحيلة في الشرق الأوسط

نشر في 13-05-2019
آخر تحديث 13-05-2019 | 00:00
أفرغت الإدارة الأميركية فكرة إقامة دولتين من أهميتها، ودعمت بقوة الجانب الإسرائيلي في مسألة القدس، وقبلت زيادة كبيرة في نشاط المستوطنات خلال عهد نتنياهو.
 ذا هيل عندما التقيتُ غاريد كوشنر أول مرة، أخبرته أنني أتمنى لو أن حماي يثق بي بقدرة ثقة ترامب به لأنه أوكل إليه مهمة مستحيلة، فضحك وأقر بأن مهمته صعبة، لكن حماه اعتبر السلام الإسرائيلي-الفلسطيني مسألة دقيقة آن الأوان لمعالجتها.

في مقابلة ناقشت خطته للسلام، ذكر غاريد كوشنر تلقائياً: "دعونا لا نفصح عنها بعد"، نظراً إلى الاختلافات بين إسرائيل وفلسطين في مسألة الدولة، فشكّل كلامه هذا إشارة واضحة إلى أن خطته المقبلة لن تعالج رسمياً مسألة الدولة الفلسطينية.

واجه حل إقامة دولتين صعوبات كبيرة قبل وقت طويل من وصول ترامب إلى السلطة، ولكن إذا أراد كوشنر إنهاء الصراع، فلا يستطيع بكل بساطة محو الماضي بالتمني، بل عليه أن يتوصل إلى مقاربة بديلة بغية تخطي مهمتين مستحيلتين:

1- إقناع الفلسطينيين والدول العربية بالمشاركة في عملية بعيدة كل البعد عن روايتهم المتجذرة بعمق التي لطالما تمسكوا بها عن قيام دولة مستقلة عاصمتها القدس الشرقية.

2- إنهاء الاحتلال الإسرائيلي بطريقة تفصل الفلسطينيين عن الإسرائيليين وتمنح الفلسطينيين سيطرة على الجزء الأكبر من الضفة الغربية حيث يعيش نحو 2.6 مليون فلسطيني.

صحيح أن حل إقامة دولتين ينازع، إلا أن قتله، كما تريد إدارة ترامب أن تفعل، من دون بديل فاعل، بديل لا يخطر على بال، لن ينهي الصراع.

الإخفاق في قراءة الحاضر

لا بد من الإقرار بأن الإدارة ساهمت في توليد واقعين جديدين، إذا استُغلا بحرفية بيد وسيط ماهر، من الممكن استخدامهما للترويج لعملية سلام جدية.

• سعت إلى بناء اصطفاف ناشئ مناهض لإيران بين دول الخليج، وخصوصاً المملكة العربية السعودية، وإسرائيل وإلى دفع الدول العربية إلى المشاركة في عملية السلام.

• اكتسبت ثقة إسرائيل.

ولكن بالنسبة إلى النقطة الأولى، بالغت الإدارة في تقدير مدى استعداد السعوديين للضغط على الفلسطينيين والتقرب من إسرائيل من دون تقديم الولايات المتحدة وإسرائيل كلتيهما تنازلات حقيقية للفلسطينيين. فقد دعم الملك السعودي سلمان باستمرار قيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس، معتبراً ذلك شرطاً أساسياً لنيل دعم الدول العربية.

أما في النقطة الثانية، فقد غالت الإدارة كثيراً ممطرةً الإسرائيليين بالخيرات (الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، فتح السفارة الأميركية هناك، والاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان)، مما هدد بالتالي دورها كوسيط سلام فاعل.

لا شك أن كسب ثقة إسرائيل بهذه الطريقة يشكّل خطوة تكتيكية ذكية بأن كان كوشنر يخطط للطلب من إسرائيل اتخاذ بعض القرارات الصعبة. لا يستطيع أحد عندئذٍ القول إن إدارة ترامب لم تدعم إسرائيل وإنها لم تبذل قصارى جهدها لتحميها، حتى لو طلبت منها تنازلات كبيرة، ولكن علينا أن ننتظر لنرى ما إذا كان هذا ما سيحدث.

ترتيب الأوراق

من الجيد أن تكسب ثقة طرف في المفاوضات شرط أن تبذل جهداً للحفاظ على ثقة الطرف الآخر، وبدلاً من ذلك، تطبق إدارة ترامب طوعاً سياسة نفّرت الفلسطينيين وهمّشت دورهم.

قامت بما يلي:

• أزالت قنصلية القدس بصفتها المتحدث الرئيس باسم السلطة الفلسطينية.

• أوقفت المساعدة الأميركية للسلطة الفلسطينية.

• أقفلت مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن.

• سحبت دعم الولايات المتحدة لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، علماً أنها المصدر الرئيس لتمويل اللاجئين الفلسطينيين.

• همّشت حصة الفلسطينيين في القدس، رافعةً في الوقت عينه غطاء الشرعية عن مطالبتهم بدولة.

كان الدافع وراء هذه الخطوات، على ما يبدو، إرغام الفلسطينيين على رؤية الواقع المرير وتذكيرهم، بصفتهم الفريق الأضعف، بأنهم قد يخسرون الكثير بعدم تعاونهم مع واشنطن، لكن هذه الاستراتيجية سيكون مصيرها الفشل.

يُظهر الواقع المحزن والأليم أن عملية السلام الإسرائيلية-الفلسطينية تنازع قبل وقت طويل من بدء إدارة ترامب العمل عليها، ورغم هدف الرئيس الطموح التوصل إلى صفقة تنهي الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، فما من دليل حاسم يُظهر أن هذا ممكن.

علاوة على ذلك، لا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ولا الرئيس الفلسطيني محمود عباس يملكان الرغبة أو القدرة لاتخاذ قرارات بشأن قضايا رئيسة مثل الحدود، والأمن، والقدس، واللاجئين، قرارات تُعتبر ضرورية للاقتراب كفاية كي يتمكن وسيط ماهر من سد الفجوات.

بالإضافة إلى ذلك، لا شك أن عدم الثقة والريبة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية المنقسمة بين حماس وفتح، حتمية تشكّل حكومة إسرائيلية يمينية جديدة، وتحيز إدارة ترامب تضمن بلوغ هذه العملية جداراً مسدوداً أو أسوأ من ذلك.

الأجندة الفعلية

إذاً، إن كان من غير المرجح خوض مفاوضات، هذا إن لم نتحدث عن عقد صفقة، فما الغاية من الترويج لخطة سلام شاملة؟ بدلاً من ذلك، هدف فريق كوشنر الفعلي التوصل إلى مقاربة جديدة تبدّل جذرياً المفهوم التقليدي لإقامة دولتين وتصعّب على أي خلف لترامب العودة إلى ما يشبهه، وخصوصاً إذا استمرت الإدارة الحالية حتى عام 2024.

أفرغت الإدارة فكرة إقامة دولتين من أهميتها، ودعمت بقوة الجانب الإسرائيلي في مسألة القدس، وقبلت بزيادة كبيرة في نشاط المستوطنات خلال عهد نتنياهو.

عندما سئل وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو خلال جلسة استماع في الكونغرس عن رد فعله تجاه وعد نتنياهو بضم أجزاء من الضفة الغربية والمستوطنات، لم يتفوه بكلمة، وإذا حدث ذلك، فقد لا يشمل إرث إدارة ترامب قتل حل إقامة دولتين، إلا أنها ستكون هي مَن ساهم في دفنه بالتأكيد.

* آرون ميلر

* «ذي هيل»

الواقع المحزن والأليم يُظهر أن عملية السلام الإسرائيلية-الفلسطينية تنازع قبل وقت طويل من بدء إدارة ترامب العمل عليها
back to top